وفى رجب أو فى جمادى الآخرة من هذه السنة بعث عبد الله بن جحش بن رباب الاسدى قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة الى بطن نخلة على ليلة من مكة* وفى هذه السرية لقب عبد الله بأمير المؤمنين وفى معجم ما استعجم نخلة بلفظ واحدة النخل موضع على يوم وليلة من مكة وهى التى ينسب اليها بطن النخلة وهى التى ورد فيها حديث ليلة الجنّ قيل هما نخلتان نخلة شامية ونخلة يمانية فالشامة تنصب من الغمير واليمانية من بطن قرن المنازل وهى طريق اليمن الى مكة فاذا اجتمعا وكانا واحدا فهو المسدّ ثم يضمهما بطن مرو وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد وقيل اثنى عشر رجلا سعد بن أبى وقاص الزهرى وعكاشة بن محصن بن حرثان الاسندى وعتبة بن غزوان ابن جابر السلمى وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وسهيل بن بيضاء الحارثى وعامر بن ربيعة الوائلى العنزى وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمى وخالد بن بكير الليثى كل اثنين منهم يعتقبان بعيرا وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره به ولا يستكره أحدا من أصحابه على المسير معه فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب ونظر فيه فاذا فيه اذا نظرت فى كتابى هذا امض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم* وفى رواية فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منها بخبر فلما نظر فى الكتاب قال سمعا وطاعة ثم قال لاصحابه قد أمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن امضى الى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهانى أن استكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لامر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد وسلك على الحجاز حتى اذا كان بمكان فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة ابن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا فى طلبه وحبسهما ابتغاؤه ومضى عبد الله وبقية أصحابه* وفى الوفاء مضى العشرة حتى نزلوا نخلة فمرت بهم عير قريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيهم عمرو بن الحضرمى واسم الحضرمى عبد الله والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فقال عبد الله ابن جحش ان القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرّض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فلما رأوه أمنوا وقالوا قوم عمار لا بأس عليكم منهم وتشاور القوم فيهم وذلك فى آخر يوم
من رجب فقالوا لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم فى الشهر الحرام* وفى سيرة مغلطاى فتشاور المسلمون وقالوا نحن فى آخر يوم من رجب فان نحن قاتلنا انتهكنا حرمة الشهر وان تركناهم الليلة دخلوا حرم مكة* وفى الكشاف وكان ذلك أوّل يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فتردّد القوم وهابوا الاقدام ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمى بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة وقد عزل عبد الله ابن جحش لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خمس تلك الغنيمة وقسم سائرها بين أصحابه وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من الغنائم فلما أحل الله الفئ بعد ذلك وأمر بقسمه وفرض الخمس فيه وقع على ما كان عبد الله صنع فى تلك العير فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام فوقف العير والاسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم شقط فى أيدى القوم وظنوا انهم قد هلكوا وعنفهم اخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الاموال وأسروا فيه الرجال* وفى رواية غير ابن اسحاق قالت قريش قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف وينتشر فيه الناس الى معائشهم وعير بذلك أهل مكة من بها من المسلمين وقالوا يا معشر الصاة قد استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وكتبوا فى ذلك تشنيعا وتعييرا قال ابن اسحاق فقال من يردّ عليهم من المسلمين ممن كان بمكة انما أصابوا ما أصابوا فى شعبان وقالت اليهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمى قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمى حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله عليهم ذلك لا لهم فلما أكثر الناس فى ذلك أنزل الله تعالى على رسوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّعن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل أى ان كنتم قتلتم فى الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام واخراجكم منه وانتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منه والفتنة أكبر من القتل أى قد كانوا يفتنون المسلم فى دينه حتى يردّوه الى الكفر بعد ايمانه فذلك أكبر عند الله من القتل فلما نزل القرآن بهذا من الامر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشقق قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم العير والاسيرين وبعثت اليه قريش فى فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعنى سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان فانا نخشاكم عليهما فان تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم فأما الحكم ابن كيسان فأسلم وحسن اسلامه وأقام عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا* وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات كافرا فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا فى الاجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم انّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء قال ابن هشام وهى أوّل غنيمة غنمها المسلمون وعمرو بن الحضرمى أوّل من قتله المسلمون وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أوّل من أسر المسلمون قال ابن اسحاق قال أبو بكر الصدّيق فى غزوة عبد الله بن جحش هذه الابيات وقال ابن
هشام بل قالها عبد الله بن جحش
تعدّون قتلى فى الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عنا بقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد
واخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله فى البيت ساجد
فانا وان عيرتمونا بقتله ... وأرجف بالاسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمى رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان بيننا ... ينازعه غلّ من القدّ عاند