قال الله سبحانه وتعالى: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 84] استنبط بعض السلف من الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مأمور أن لا يفرّ من المشركين إذا واجهوه، ولو كان وحده.
وروى أبو زرعة الرازي في دلائل النبوة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الناس بشدة البطش» [ (1) ] .
وروى ابن سعد عن محمد بن الحنفيّة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وقال: فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، ما وجدت من شيء، وقال للفرس: وجدناه بحرا، وإنه لبحر،
قال: وكان فرسه بطيئا فيه قطاف فما سبق بعد، وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم كونه ركب فرسا قطوفا بطيئا فعاد بحرا لا يسابق، ولا يجارى [ (2) ] .
وروى الإمام أحمد، وابن ماجة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه [ (3) ] .
وروى عنه أيضاً قال: لما كنا يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا يومئذ، وما كان أحد أقرب من المشركين منه.
وروى ابن أبي شيبة عن البراء سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يفر، كانت هوازن ناسا رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، وأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها،
وهو يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»
انتهى، وهذا ما يكون في غاية من الشجاعة التامة لأنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغي، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا مع بغلة ليست للجري، ولا تصلح لكر ولا فر ولا هرب، وهو مع ذلك يركضها إلى وجوههم، وينوّه باسمه، ليعرفه من ليس يعرفه صلى الله عليه وسلّم.
__________
[ (1) ] الخطيب في التاريخ 8/ 70 وأورده ابن الجوزي 1/ 169 وانظر المجمع 8/ 269، 92/ 13 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 213 وفي الدلائل 5/ 475 وانظر البداية 6/ 70.
[ (2) ] الحديث عند البخاري 5/ 240 (2627، 6033) ومسلم 4/ 1802 حديث (48/ 2307) وأحمد 3/ 147، 261.
[ (3) ] انظر الجامع الكبير للسيوطي 2/ 302.
وروى أبو الشيخ عن عمران بن حصين: ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلّم كتيبة إلا كان أول من يضرب.
وروى الدارميّ عن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود، ولا أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وروى الإمام أحمد، ومسلم عن العباس رضي الله تعالى عنه قال: لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحارث، وهو على بغلة شهباء، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكفها، وهو لا يألوها، يسرع للمشركين، وأبو سفيان آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل المسلمون واقتتلوا هم والكفار ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال هذا حين حمي الوطيس وذكر الحديث في غزوة حنين ويأتي.
وروى ابن أبي خيثمة عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحفر الخندق عرض لنا فيه صخرة عظيمة شديدة، لا يأخذ فيها المعول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلما رآها أخذ ثوبه، وأخذ المعول، فقال: «باسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، ثم ضرب الثانية فثلغ الثلث الآخر» ثم ضرب الثالثة، فثلغ ثلث الصخر
- الحديث، ويأتي بكماله في المعجزات، وتقدم في واقعة الخندق، وقصة مصارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقدمت أوائل الكتاب.
وروى مسلم عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا اشتد البأس، وحمي الوطيس، استقبلنا القوم بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع منا ليحاذي الذي يحاذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني عن علي لما سئل عن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال: «كان أشدّنا من حاذى ركبته صلى الله عليه وسلّم.