وسار - صلى الله عليه وسلم - من حنين إِلى الطائف على طريق نخلة اليمانية، ثم على قرن المنازل، وسلك على المليح (1)، ثم على بحرة الرغاء، حيث التف على الطائف حتى خرج عليها من جنوبها جهة لِيه (2). وهدم حصن مالك بن عوف في لِيّة، ووصل الطائف وحاصرها، وعسكر بجيشه قرب حصنهم فآذتهم السهام والسكك المحمية بالنار، حتى أن أبا سفيان بن حرب أصيبت عينه فجاء بها في يده، فخيره بها أو بمثلها في الجنة، فاختار ما في الجنة ورمى بعينه (3)، فابتعد - صلى الله عليه وسلم - عن الحصين ودعاهم إِلى المبارزة فلم يخرج منهم أحد، ودعا الموالي للخروج ومن خرج فهو حر، فأتاه بضعة عشر، وقيل: ثلاثة وعشرون، منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث بن مسروح الثقفي، وسمي بذلك لأنه تَدلىّ من الحصين ببكرة (4).
واستخدم رسول الله في حصار الطائف أسلحة يستخدمها لأول مرة، مثل المنجنيق التي أشار بها سلمان الفارسي، وكذلك حاول اقتحام الحصن بما يسمى بالدبابة وهي عبارة عن ما يشبه الصندوق الخشبي مغلق من ثلاث جهات ومغطى من الأعلى بالخشب أو الجلد يحمله الجند ويسيرون إِلى الحصين في محاولة لإِحداث ثغرة فيه، ولكن أهل الطائف أرسلوا عليهم سكك الحديد المحماة بالنار، ففر من تحت الحصون، فرموهم بالنبل فَقُتِل من قُتِل منهم، ولما طال الحصار أمر - صلى الله عليه وسلم - بقطع أعنابهم وتحريقها وهي أحد مصادر رزقهم. فسألوه الله والرحم أن يدعها لهم فتركها.
__________
(1) المُلَيح: وادٍ يصب في وادي قرن من الشرق وأعلاه يسمى السيل الصغير (البلادي، معجم المعالم ص 254).
(2) ليه: بكسر اللام وتشديد الياء، وادي من أودية الطائف يسير من السراة ويمر جنوب الطائف ويدفع في سهل ركبه شرق الطائف (المصدر السابق ص 274 وبحرة الرغاء في طرف لِيّة من الجنوب والمراد المكان المتسع (الصدر نفسه ص 254).
(3) انظر الإصابة 2/ 279، والسيوطي، الخصائص الكبرى 2/ 92.
(4) قصة أبي بكرة في صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، ح 4371.
ثم إِنه - صلى الله عليه وسلم - عزم على تركهم والعودة إِلى مكة، وقال له نوفل بن معاوية الديلي لما استشاره: يا رسول الله، ثعلب في جُحر إِن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك (1).
وبعد حصار استمر ما يقارب الشهر أعلن عزمه على الرحيل، فشق ذلك على أفراد من الجيش وقالوا: لا نبرح أو نفتحها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فاغدوا على القتال، قال: فغدوا فقاتلوهم قتالًا شديدًا وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنا قافلون غدًا إِن شاء الله، فسكتوا، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2). ثم أمر عمر أن ينادي بالرحيل فلما ركب
- صلى الله عليه وسلم - دعا لثقيف قائلا: اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم (3).