فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة مرجعه من الحديبية، ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج فى بقية من المحرم غازيا إلى خيبر وذلك قرب آخر السنة السادسة من الهجرة.
__________
(1) فى الأصل: يبعث.
(2) مسعر الحرب: موقدها.
(3) الرفاق: جمع رفقة، وهم المسافرون، وأكثر ما تسمى «رفقة» إذا نهضوا فى طلب الميرة.
واستحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نميلة بن عبد الله الليثى، ودفع الراية إلى على بن أبى طالب، وقيل: إنها كانت بيضاء. وسلك على عصر «1» ، فبنى له بها مسجد «2» ، ثم على الصهباء، ثم نزل بواد يقال له: الرجيع، فنزل بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم- وكانت غطفان قد أرادت إمداد يهود خيبر- فلما خرجوا أسمعهم الله تعالى من ورائهم حسا راعهم، فانصرفوا، وبدا لهم فأقاموا فى أماكنهم. وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الآطام والحصون والأموال مالا مالا. فأول حصونهم افتتح حصن اسمه: ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه رحى فقتلته؛ ثم القموص، حصن بنى ابى الحقيق. وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن «3» : صفية بنت حيى بن أخطب. وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، وبنتى «4» عم لها، فوهب عليه السلام صفية لدحية، ثم ابتاعها منه بتسعة أرؤس، وجعلها عند أم سليم. حتى اعتدت وأسلمت، ثم أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، لا صداق لها غيره، فصارت سنة مستحبة لكل من أراد أن يفعل ذلك إلى يوم القيامة.
وفى غزوة خيبر حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية، وأخبر أنها رجس، وأمر بالقدور فألقيت وهى تفور بلحومها، وأمر بغسل القدور بعد، وأحل حينئذ لحوم الخيل وأطعمهم إياها.
__________
(1) عصر: بالكسر ثم السكون، ويروى بفتحتين، والأول أشهر وأكثر، واختاره ياقوت: جبل بين المدينة ووادى الفرع.
(2) فى الأصل: «بنى» مكان «فبنى» .
(3) فى الأصل: منهم.
(4) فى الأصل: بنى؛ وقد وردت كلمة «بنتى» فى أكثر كتب السير منصوبة على تقدير فعل محذوف أى: وأصاب بنتى عم لها.
ثم فتح حصن الصعب بن معاذ، ولم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما منه، ولا أوفر ودكا منه «1» . وآخر ما افتتح عليه السلام من حصونهم:
الوطيح والسلالم، حاصرهما بضع عشرة ليلة. وكان شعار المسلمين يوم خيبر: أمت أمت.
ووقف إلى بعض حصونهم أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، فلم يفتحاه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية إلى على رضوان الله عليه، ففتحه، وكان أرمد، فتفل فى عينيه، فبرئ.
وكان فتح خيبر: الأرض كلها وبعض الحصون عنوة- وهى الأكثر- وبعضها صلحا على الجلاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عزل الخمس، أقر اليهود على أن يعتملوها بأموالهم وأنفسهم، ولهم النصف من كل ما يخرج منها من زرع أو ثمر، ويقرهم على ذلك ما بدا له. فبقوا على ذلك حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة خلافة أبى بكر، وجمهور خلافة عمر؛ فلما كان فى آخر خلافته، بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى مرضه الذى مات فيه أن لا يبقى فى جزيرة العرب دينان. فأمر بإجلائهم عن خيبر وغيرها من بلاد العرب، وأخذ المسلمون ضياعهم من مقاسم خيبر، فتصرفوا فيها. وكان متولى قسمتها بين أصحابها جبار بن صخر من بنى سلمة، وزيد بن ثابت من بنى النجار.
وفى فتح خيبر أهدت يهودية تسمى زينب بنت الحارث، امرأة سلام ابن مشكم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية «2» ، قد جعلت فيها السم، وكان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) الودك: دهن اللحم الذى يستخرج منه وكذلك الدسم.
(2) المصلية: المشوية.
فلاك منها مضغة، وكان معه عليه السلام بشر بن البراء بن معروف من بنى سلمة، فأكل منه وازدرد لقمة، فقال عليه السلام: إن هذا العظم ليخبرنى أنه مسموم، ولفظ لقمة، ثم دعا باليهودية فاعترفت، ومات بشر من أكلته تلك، رضوان الله عليه، ولم يقتل عليه السلام اليهودية.
وكان المسلمون يوم خيبر ألفا وأربعمائة رجل ومائتى فارس. ووقع سهم زبير بن العوام بالخوع من النطاة؛ ووقع أيضا بالنطاة سهم بنى بياضة وبنى الحارث بن الخزرج؛ ووقع بنو عوف بن الخزرج ومزينة فى ناعم من النطاة، ووقع سهم عاصم بن عدى أخى بنى عجلان مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم عبد الرحمن بن عوف، وسهام بنى ساعدة، وبنى النجاة، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، وغفار، وأسلم، وعمر بن الخطاب، وبنى سلمة، وبنى حارثة، وجهينة، وثقيف من العرب-: فى الشق.
وكان عبيد بن أوس من بنى حارثة بن عوف، عرف يومئذ بعبيد السهام، لكثرة ما اشترى من سهام الناس يومئذ. اشترى عمر مائة سهم بخيبر، فهى صدقته الباقية إلى اليوم، وإلى يوم القيامة.
,
ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة.
وثقف بن عمرو بن سميط بن ثعلبة بن عبد الله بن غنم بن دودان:
ورفاعة بن مسروح- وهؤلاء كلهم من بنى أمية بن عبد شمس.
ومسعود بن ربيعة، من القارة، حليف بنى زهرة.
وعبد الله بن الهبيب- وقيل: ابن الهبيب- بن أهيب بن سحيم بن غيرة، من بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، حليف بنى أسد بن عبد العزى وابن أختهم.
وبشر بن البراء بن معرور، من بنى سلمة، مات من السم الذى أكله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفضيل بن النعمان، من بنى سلمة أيضا.
ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق.
ومحمود بن مسلمة بن خالد بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ابن الأوس، حليف لبنى عبد الأشهل.
وأبو ضياح ثابت بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف، من أهل قباء.
ومبشر بن عبد المنذر بن دينار بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو ابن عوف.
والحارث بن حاطب.
وأوس بن قتادة.
وعروة بن مرة بن سراقة.
وأوس بن القائد.
وأنيف بن حبيب.
وثابت بن أثلة.
وطلحة.
والأسود الراعى، واسمه: أسلم- كل هؤلاء من بنى عمرو بن عوف ومن بنى غفار:
عمارة بن عقبة بن حارثة بن غفار بن مليل بن ضميرة، أصابه سهم.
ومن أسلم:
عامر بن الأكوع.
وإثر فتح خيبر قدم من الحبشة:
جعفر بن أبى طالب، وامرأته: أسماء بنت عميس، وابناهما: عبد الله ابن جعفر، ومحمد بن جعفر.
وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، مع امرأته:
أمينة بنت خلف.
وابناهما: سعيد، وأمة.
وعمرو بن سعيد بن العاص، وكانت امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية قد ماتت بأرض الحبشة.
ومعيقيب بن أبى فاطمة، وهو الذى ولى بيت المالى لعمر، وهو حليف آل عتبة بن ربيعة:
والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى.
وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل، وابناه: عمرو بن جهم، وخزيمة بنت جهم. وهو من بنى عبد الدار، وكانت امرأته: أم حرملة بنت عبد الأسود، قد هلكت بأرض الحبشة.
والحارث بن خالد بن صخر، من بنى تيم بن مرة، وكانت امرأته:
ريطة بنت الحارث بن جبيلة، هلكت بأرض الحبشة.
وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحى.
ومحمية بن جزء الزبيدى، حليف لبنى سهم، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس.
ومعمر بن عبد الله بن نضلة، من بنى عدى بن كعب.
وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، من بنى عامر بن لؤى.
ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس، من بنى عامر بن لؤى، ومعه امرأته: عمرة بنت السعدى بن وقدان بن عبد شمس العامر.
وكان أتى سائر مهاجرة الحبشة قبل ذلك بسنتين، وكان هؤلاء المذكورون آخر من بقى بها.
,
ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤمنهم، ويتركوا الأموال. فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فكانت مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلم تقسم لذلك، ووضعها عليه السلام حيث أمره ربه تعالى: