وكانت في أواخر المحرم للسنة السابعة من الهجرة.
و (خيبر) واحة كبيرة يسكنها اليهود على مسافة مائة ميل من شمال المدينة جهة الشام.
وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمن جانب قريش بالصلح الذي تم في الحديبية، قرر تصفية مشكلة التجمعات اليهودية فيما حول المدينة بعد أن صفى اليهود من المدينة نفسها، وقد كان لليهود في خيبر حصون منيعة، وكان فيها نحو من عشرة آلاف مقاتل، وعندهم مقادير كبيرة من السلاح والعتاد، وكانوا أهل مكر وخبث وخداع، فلا بد من تصفية مشكلتهم قبل أن يصبحوا مصدر اضطراب وقلق للمسلمين في عاصمتهم (المدينة) ولذلك أجمع الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج إليهم في أواخر المحرم، فخرج إليهم في ألف وستمائة مقاتل، منهم مائتا فارس، واستنفر من حوله ممن شهد الحديبية، وسار حتى إذا أشرف على خيبر قال لأصحابه: قفوا، ثم عاد فقال: «اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن [حملن]، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله».
ولما وصلوا إليها نزل النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من أحد حصون خيبر يسمى (حصن النطاة) وقد جمعوا فيه مقاتلتهم، فأشار الحباب بن المنذر بالتحول، لأنه يعرف أهل النطاة معرفة جيدة، وليس قوم أبعد مدى ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون على مواقع المسلمين، فالنبل منهم سريع الانحدار إلى صفوف المسلمين، ثم إنهم قد يباغتون المسلمين في الليل مستترين بأشجار النخيل الكثيرة، فتحول الرسول مع المسلمين إلى موضع آخر وابتدأت المعارك، يفتح المسلمون منها حصنا بعد حصن، إلا الحصنين الأخيرين، فقد رغب أهلها في الصلح على حقن دماء المقاتلة، وترك الذرية والخروج إلى أرض خيبر بذراريهم، وألا يصحب أحد منهم إلا ثوبا واحدا، فصالحهم على ذلك، وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم إن كتموا شيئا، ثم غادروهما فوجد المسلمون فيهما أسلحة كثيرة، وصحائف متعددة من التوراة، فجاء اليهود بعد ذلك يطلبونها، فأمر بردها إليهم، وقد بلغ عدد قتللى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين، واستشهد من المسلمين خمسة عشر.
الفصل الخامس - في معارك الرسول الحربية