قال ابن القيم: هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجا، وأشرف به وجه الأرض ضياء وابتهاجا أه «1» .
,
ولا شك أن ما فعلت قريش وحلفاؤها كان غدرا محضا ونقضا صريحا للميثاق لم يكن له أي مبرر، ولذلك سرعان ما أحست قريش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلسا استشاريا، وقررت أن تبعث قائدها أبا سفيان ممثلا لها، ليقوم بتجديد الصلح.
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بما ستفعله قريش إزاء غدرتهم. قال: «كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة» .
وخرج أبو سفيان- حسب ما قررته قريش- فلقي بديل بن ورقاء بعسفان- وهو راجع
__________
(1) الأتلد: القديم، يشير إلى الحلف الذي كان بين خزاعة وبين بني هاشم منذ عهد عبد المطلب.
(2) يشير إلى أم عبد مناف- وهي حبي زوجة قصي- كانت من خزاعة.
(3) يقول: قتلنا وقد أسلمنا.
من المدينة إلى مكة- فقال: من أين أقبلت يا بديل؟ - وظن أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم- فقال:
سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي. قال: أو ما جئت محمدا؟ قال:
لا.
فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففته، فرأى فيها النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا.
وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟
قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس. فقال: والله لقد أصابك بعدي شر.
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أن بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسن غلام يدب بين يديهما، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبا، اشفع لي إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة، فقال: هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان، فقال لعلي بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط: يا أب الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني. قال:
والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك. ولكنك سيد بني كنانة، فقم فاجر بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظنه، ولكني لم أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، وانطلق.
ولما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته، فو الله ما رد علي شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته
أدنى العدو، ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم، قد أشار علي بشيء صنعته، فو الله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمدا؟ قال: لا. قالوا: ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك.
قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.
,
يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عائشة- قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام- أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يا بنية ما هذا الجهاز؟ قالت: والله ما أدري. فقال: والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول الله؟
قالت: والله لا علم لي. وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكبا، وارتجز: يا رب إني ناشد محمدا ... الأبيات. فعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء بديل ثم أبو سفيان وتأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة. وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
وزيادة في الإخفاء والتعمية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال تحت قيادة أبي قتادة بن ربعي إلى بطن أضم فيما بين ذي خشب وذي المروة على ثلاثة برد من المدينة، وفي أول شهر رمضان سنة 8 هـ، ليظن الظان أنه صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار، وواصلت هذه السرية سيرها، حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته «1» .
وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم أعطاه امرأة، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في قرون رأسها، ثم خرجت به، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليا والمقداد، فقال:
«انطلقا حتى تأتيا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش» ، فانطلقا تعادي بهما
__________
(1) وهذه السرية لقيت عامر بن الأضبط، فسلم عليهم بتحية الإسلام، فقتله محلم بن جثامة لشيء كان بينهما، وأخذ بعيره ومتبعه، فأنزل الله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً الآية، وجاؤوا بمحلم ليستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام بين يديه قال: اللهم لا تغفر لمحلم، وقالها ثلاثا، فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه، قال ابن إسحاق: وزعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك. انظر زاد المعاد 2/ 150، وابن هشام 2/ 626، 627، 628.
خيلهما حتى وجد المرأة بذلك المكان، فاستنزلاها، وقالا: معك كتاب؟ فقالت: ما معي كتاب، ففتشا رحلها فلم يجدا شيئا، فقال لها علي: أحلف بالله، ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، والله لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض.
فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليهما، فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: (من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش) يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال: ما هذا يا حاطب؟ فقال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش، لست من أنفسهم، ولي فيهم أهل وعشيرة وولد، وليس لي فيهم قرابة يحمونهم، وكان من معك لهم قرابات يحمونهم، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي. فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فإنه قد خان الله ورسوله، وقد نافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، فذرفت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم «1» .
وهكذا أخذ الله العيون، فلم يبلغ إلى قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وتهيؤهم للزحف والقتال.
,
ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك سنة 8 هـ غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة متجها إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة رضي الله عنهم واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري.
ولما كان بالجحفة أو فوق ذلك لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلما مهاجرا، ثم لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية، فأعرض عنهما، لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى والهجو، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك. وقال علي لأبي سفيان بن الحارث: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا، وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ [يوسف: 91] . فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا. ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ
__________
(1) انظر صحيح البخاري 1/ 422، 2/ 612.
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] فأنشده أبو سفيان أبياتا منها:
لعمرك إني حين أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى فأهتدي
هداني هاد غير نفسي ودلني ... على الله من طردته كل مطرد
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد «1» .
,
وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ الكديد- وهو ماء بين عسفان وقديد- فأفطر وأفطر الناس معه «2» ، ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران- وادي فاطمة- نزله عشاء، فأمر الجيش، فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
,
وركب العباس- بعد نزول المسلمين بمر الظهران- بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمس لعله يجد بعض الحطابة أو أحدا يخبر قريشا، ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها.
وكان الله قد عمى الأخبار عن قريش، فهم على وجل وترقب، وكان أبو سفيان يخرج يتجسس الأخبار، فكان قد خرج هو وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار.
قال العباس: والله إني لأسير عليها- أي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا. قال: يقول بديل: هذه والله خزاعة، خمشتها الحرب، فيقول أبو سفيان:
خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
قال العباس: فعرفت صوته، فقلت: أبا حنظلة؟ فعرف صوتي، فقال: أبا الفضل؟
__________
(1) حسن إسلام أبي سفيان هذا بعد ذلك، ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياء منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وشهد له بالجنة، وقال: أرجو أن يكون خلفا من حمزة. ولما حضرته الوفاة قال: لا تبكوا علي، فو الله ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت. زاد المعاد 2/ 162، 163.
(2) صحيح البخاري 2/ 613.
قلت: نعم. قال: ما لك؟ فداك أبي وأمي. قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله.
قال: فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي، قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة، حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، فركب خلفي، ورجع صاحباه.
قال: فجئت به، فكلما مررت به على نار من نيران المسلمين، قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته. حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ وقام إلي، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان، عدو الله؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضت البغلة فسبقت، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان فدعني أضرب عنقه، قال: قلت: يا رسول الله، إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه الليلة أحد دوني، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا، قال: مهلا يا عباس، فو الله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب، لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به» فذهبت، فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟» قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك؟ لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد.
قال: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟» قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئا. فقال له العباس: ويحك أسلم، وأشهد ألاإله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قبل أن تضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادة الحق.
قال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا. قال:
نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
,
وفي هذا الصباح- صباح يوم الأربعاء للسابع عشر من شهر رمضان سنة 8 هـ- غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها، ففعل، فمرت القبائل على راياتها، كلما مرت به قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فيقول: - مثلا- سليم، فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم تمر به القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال: ما لي ولبني فلان؟
حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة. ثم قال: والله يا أبا الفضل لقد أصبح ابن أخيك اليوم عظيما. قال العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذن.
وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة، فلما مر بأبي سفيان قال له اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا. فلما حاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان قال: يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد؟ قال: وما قال؟ فقال: كذا كذا. فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا» ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس، ورأى أن اللواء لم يخرج عن سعد. وقيل: بل دفعه إلى الزبير.
,
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال له العباس: النجاء إلى قومك. فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأخمش الساقين، قبح من طليعة قوم.
قال أبو سفيان: ويلكم، لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله، وما تغني عنك دارك؟ قال: ومن
أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وبشوا أوباشا لهم، قالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لقريش شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا. فتجمع سفهاء قريش وأخفاؤها مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين، وكان فيهم رجل من بني بكير- حماس بن قيس- كان يعد قبل ذلك سلاحا، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟
قال: لمحمد وأصحابه قالت: والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم. ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فما لي علّه ... هذا سلاح كامل وآله
وذو غرارين سريع السله «1»
فكان هذا الرجل فيمن اجتمعوا في الخندمة.
,
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى حتى انتهى إلى ذي طوى- وكان يضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكره الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل- وهناك وزع جيشه وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى- وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب- فأمره أن يدخل مكة من أسفلها، وقال: إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا، حتى توافوني على الصفا.
وكان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وكان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يدخل مكة من أعلاها- من كداء- وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه.
وكان أبو عبيدة على الرجالة والحسر- وهم الذين لا سلاح معهم- فأمره أن يأخذ بطن الوادي، حتى ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
,
وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الطريق التي كلفت الدخول منها فأما خالد وأصحابه فلم يلقهم أحد من المشركين إلا أناموه، وقتل من أصحابه من المسلمين كرز بن جابر الفهري وخنيس بن خالد بن ربيعة، كانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقا
__________
(1) قوله: سريع السلّه: أي سريع الاستلال والسحب وقوله: الفرارين أي الحدين.
غير طريقه فقتلا جميعا، وأما سفهاء قريش فلقيهم خالد وأصحابه بالخندمة فناوشوهم شيئا من قتال، فأصابوا من المشركين اثني عشر رجلا فانهزم المشركون، وانهزم حماس بن قيس- الذي كان يعد السلاح لقتال المسلمين- حتى دخل بيته، فقال لامرأته: أغلقي علي بابي. فقالت: وأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنك لو شهدت يوم الخندمة ... إذ فر صفوان وفر عكرمة
واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا يسمع إلا غمغمة ... لهم نهيت خلفنا وهمهمه «1»
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا.
وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجون عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
,
ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الإسراء: 81] جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ [سبأ: 49] والأصنام تتساقط على وجوهها.
وكان طوافه على راحلته، ولم يكن محرما يومئذ، فاقتصر على الطواف، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت، فدخلها، فرأى فيها الصور، ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- يستقسمان بالأزلام، فقال:
«قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط. ورأى في الكعبة حمامة من عيدان، فكسرها بيده، وأمر بالصور فمحيت» .
,
ثم أغلق عليه الباب، وعلى أسامة وبلال، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب، حتى إذا كان بينه وبينه ثلاثة أذرع وقف، وجعل عمودا عن يساره، وعمودا عن يمينه، وثلاثة
__________
(1) أي أصوات وجلبة.
أعمدة وراءه- وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة- ثم صلى هناك، ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحّد الله، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع؟ فأخذ بعضادتي الباب، وهم تحته، فقال:
«لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد- السوطا والعصا- ففيه الدية مغلظة، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها.
يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13] » .
,
ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ اذهبوا فأنتم الطلقاء.
,
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام إليه عليّ رضي الله عنه، ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك، وفي رواية:
أن الذي قال ذلك هو العباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال له: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء، وفي رواية ابن سعد في الطبقات أنه قال حين دفع المفتاح إليه: خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف.
,
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثماني ركعات في بيتها، وكان ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى وإنما هذه صلاة الفتح، وأجارت أم هانئ حموين لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وقد كان أخوها علي بن أبي طالب أراد أن يقتلهما، فأغلقت عليهما باب بيتها، وسألت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لها ذلك.
,
وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن نفيل بن وهب ومقيس بن صبابة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب، وهي التي وجد معها كتاب حاطب.
فأما ابن أبي سرح، فجاء به عثمان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وشفع فيه فحقن دمه، وقبل إسلامه بعد أن أمسك عنه، رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله، وكان قد أسلم قبل ذلك وهاجر، ثم ارتد ورجع إلى مكة.
وأما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى اليمن، فاستأمنت له امرأته، فأمنه النبيّ صلى الله عليه وسلم فتبعته فرجع معها وأسلم، وحسن إسلامه.
وأما ابن خطل فكان متعلقا بأستار الكعبة، فجاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال:
«اقتله» فقتله.
وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله، وكان مقيس قد أسلم قبل ذلك، ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، ثم ارتد ولحق بالمشركين.
وأما الحارث فكان شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقتله علي.
وأما هبار بن الأسود فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجرت، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها، ففر هبار يوم مكة، ثم أسلم وحسن إسلامه.
وأما القينتان فقتلت إحداهما، واستؤمن للآخرى، فأسلمت، كما استؤمن لسارة وأسلمت.
قال ابن حجر: وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي، فقتله علي، وذكر الحاكم أيضا ممن أهدر دمه كعب بن زهير، وقصته مشهورة وقد جاء بعد ذلك، وقد أسلمت، وأرنب مولاة ابن خطل أيضا قتلت، وأم سعد، قتلت فيما ذكر ابن إسحاق، فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة، ويحتمل أن تكون أرنب وأم سعد القينتان، اختلف في اسمهما، أو باعتبار الكنية واللقب «1» .
,
لم يكن صفوان ممن أهدر دمه، لكنه بصفته زعيما كبيرا من زعماء قريش خاف على نفسه وفر، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة، فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر من جدة إلى اليمن فرده، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلني بالخيار شهرين. قال: أنت بالخيار أربعة أشهر. ثم أسلم صفوان، وقد كانت امرأته أسلمت قبله، فأقرهما على النكاح الأول.
وكان فضالة رجلا جريئا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الطواف، ليقتله فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما في نفسه فأسلم.
,
ولما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات الأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما حلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب.
__________
(1) فتح الباري 8/ 11، 12.
وفي رواية: لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط ساقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر.
وكانت خزاعة قتلت يومئذ رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد: يا معشر خزاعة، ارفعو أيديكم عن القتل فلقد كثر القتل إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين، إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله.
وفي رواية: فقام رجل من أهل اليمن يقال له: (أبو شاة) فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه» «1» .
,
ولما تم فتح مكة على الرسول صلى الله عليه وسلم- وهي بلده ووطنه ومولده- قال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها- وهو يدعو على الصفا رافعا يديه- فلما فرغ من دعائه قال: «ماذا قلتم؟» قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله المحيا محياكم، والممات مماتكم» .
,
وحين فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
وفي المدارك «2» : روى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبايعكن على ألاتشركن بالله شيئا، فبايع عمر النساء على ألايشركن
__________
(1) انظر لهذه الروايات صحيح البخاري 1/ 22، 216، 247، 328، 329، 2- 2/ 615، 617، وصحيح مسلم 1/ 437، 438، 439، وابن هشام 2/ 415، 416، وأبو داود 1/ 276.
(2) انظر مدارك التنزيل للنسفي تفسير آية البيعة.
بالله شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تسرقن. فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ فقال أبو سفيان: وما أصبت فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال: وإنك لهند؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبيّ الله، عفا الله عنك.
فقال: ولا يزنين. فقالت: أو تزني الحرة؟ فقال: ولا يقتلن أولادهن. فقالت:
ربيناهم صغارا، وقتلتموهم كبارا، فأنتم وهم أعلم- وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر- فضحك عمر حتى استلقى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ولا يأتين ببهتان. فقالت: والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال: ولا يعصينك في معروف. فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك.
ولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول: كنا منك في غرور.
,
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما، يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها، ونادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره.