بعد عودته - صلى الله عليه وسلم - من الحج بقي في المدينة النبوية شهري محرم وصفر، وفي أواخر صفر وأوائل شهر ربيع الأول ابتدأ به المرض بعد أن زار البقيع مع مولاه أبي مويهبة، وسَلّم عليهم ودعا لمن دفن فيه من المسلمين؛ واستغفر لهم.
وقد مرّ مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - بمراحل مختلفة: بدأ بالصداع في بيت عائشة، ثم اشتد عليه المرض في بيت ميمونة، فاستأذن نساءه في أن يمرض في بيت عائشة، فبقي في بيتها حتى وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وكان في أول الأمر يخرج إِلى المسجد فيصلي بالصحابة، وقد خطب بهم خطبة أوصى فيها ببعض الوصايا، ثم لما عجز عن الخروج استخلف أبا بكر على الصلاة (1).
وكان من أسباب مرضه أثر السُّم من الشاة التي قَدّمتها له إِمرأة من يهود خيبر، وقد اعترفت بذلك هي وقومها فقال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: أردنا إِن كنت كاذبًا نستريح، وإِن كنت نبيًا لم يضرك (2)، وقالت هي: أردت لأقتلك. قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك (3)، فلم يقتله السم في وقت تناوله كما قتل بشر بن البراء الأنصاري (4)، ليكون دليلًا من دلائل نبوته، ولكن اليهود لم ينتفعوا بذلك فلم يُسْلِمُوا وقد رأوا الآية والبرهان على نبوته، غير أن أثر السم بقي معه، فقال لعائشة في مرضه الذي مات فيه: (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم) (5) فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجمع له بين النبوة والشهادة مبالغة في الترفيع والكرامة، وكان عبد الله بن مسعود يقسم على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات شهيدا (6).
__________
(1) انظر: عادل حسن، الأيام الأخيرة من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ص 27.
(2) صحيح البخاري ح 3169.
(3) صحيح البخاري ح 2617 ومسلم ح 2190.
(4) أبو داود، كتاب الديات ح 4511.
(5) صحيح البخاري تعليقًا، كتاب المغازي، باب مرض النبي ح 4428.
(6) مسند أحمد 1/ 382 وصحح إِسناده الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 5/ 334.