وفى شوّال هذه السنة بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وهم قبيلة من عبد القيس أسفل مكة بناحية يلملم وهو يوم الغميصاء بعثه عليه السلام لما رجع من هدم العزى وهو صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة وبعث معه ثلثمائة وخمسين رجلا داعيا الى الاسلام لا مقاتلا فلما انتهى اليهم خالد قال لهم ما أنتم قالوا مسلمون صلينا وصدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا* وفى صحيح البخارى بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بنى جذيمة فدعاهم الى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم ودفع الى كل رجل ممن كان معه أسيره فأمر يوما أن يقتل كل رجل أسيره فأبى ابن عمرو أصحابه حتى قدموا على النبىّ صلى الله عليه وسلم فذكّروا له ذلك فرفع النبىّ صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرّتين* وفى المواهب اللدنية فقال لهم استأسروا فأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرّقهم فى أصحابه فلما كان السحر نادى منادى خالد من كان معه أسير فليقتله فقتلت بنو سليم من كان بأيديهم وأما المهاجرون والانصار فأرسلوا أساراهم فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ انى أبرأ اليك من فعل خالد وبعث عليا فودى
لهم قتلاهم قال الخطابى يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم للعدول عن لفظ الاسلام ولم ينقادوا الى الدين فقتلهم متأوّلا وأنكر عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم العجلة وترك التثبت فى أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا* وفى بعض الكتب كان بنو جذيمة فى الجاهلية قتلوا أبا عبد الرحمن ابن عوف وعم خالد الفاكه بن المغيرة فلما سمعوا بقدوم خالد استقبلوه لا بسى السلاح فقال لهم من أنتم قالوا مسلمون صدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا وصلينا قال فما بالكم مسلحين قالوا كان بيننا وبين حى من العرب عداوة حسبناكم اياهم فلبسنا السلاح فلم يقبل خالد منهم عذرهم فأمرهم حتى ألقوا سلاحهم الى آخر ما ذكرناه* وفى الاكتفاء لما فتح الله على رسوله مكة بعث السرايا فيما حولها يدعو الى الله تعالى ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب فوطئوا بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا فقال رجل منهم يقال له جحدم ويلكم يا بنى جذيمة انه خالد والله ما بعد وضع السلاح الا الاسر وما بعد الاسر الا ضرب الاعناق ووالله لا أضع سلاحى أبدا فأخذه رجال من قومه وقالوا يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ان الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوه أمرهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم وقال لهم جحدم حين وضعوا سلاحهم ورأى ما يصنع بهم يا بنى جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه الى السماء ثم قال اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد ابن الوليد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل انفلت منهم فأتاه بالخبر هل أنكر عليه أحد فقال نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر مضطرب فراجعه فاشتدّت مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب امّا الاوّل يا رسول الله فابنى عبد الله وأمّا الاخر فسالم مولى أبى حذيفة وذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأنى لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض فى حلقى منها شئ حين ابتلعتها فأدخل علىّ يده فانتزعه فقال أبو بكر هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون فى بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله ثم لما كان من خالد فى بنى جذيمة ما كان دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقال يا على اخرج الى هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج علىّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب من الاموال حتى انه ليدى لهم مبلغة الكلب حتى اذا لم يبق شئ من دم ولا مال الاوداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علىّ حين فرغ منه هل بقى دم أو مال لم يود لكم قالوا لا قال فانى أعطيتكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى انه ليرى ما تحت منكبيه يقول اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرّات وقد قال بعض من يعذر خالدا انه قال ما قاتلت حتى أمرنى بذلك عبد الله بن حذافة السهمى وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام وحدّث ابن ابى حدرد الاسلمى قال كنت يومئذ فى خيل خالد بن الوليد فقال لى فتى من بنى جذيمة وهو فى سنى وقد جمعت يداه الى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يا فتى قلت ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى الى هؤلاء النسوة حتى أقضى اليهنّ حاجة ثم تردّنى بعد فتصنعوا بى ما بدا لكم قال قلت والله ليسير
ما طلبت
فأخذته برمته فقدته بها حتى أوقفته عليهنّ فقال اسلمى حبيش على فقد العيش وأنشد أبياتا فقالت
وأنت فحبيت سبعا وعشرا ... وشفعا ووترا ثمانين تترى
قال ثم انصرفت به فضربت عنقه فحدّث من حضرها انها قامت اليه حين ضربت عنقه فلم تزل تقبله حتى ماتت عنده وخرج النساءى هذه القصبة فى مصنفه فى باب قتل الاسارى من حديث ابن عباس ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال انى لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعونى أنظر اليها نظرة ثم اصنعوا بى ما بدا لكم قال فاذا امرأة طويلة أدماء فقال اسلمى حبيش قبل فقد العيش وتكلم بأبيات فقالت نعم فديتك قال فقدّموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم*