* روى انه ابتدأ به صداع
فى اواخر صفر لليلتين بقيتا منه يوم الاربعاء فى بيت ميمونة وقيل لليلة وقيل بل فى مفتتح ربيع الاوّل* وفى الوفاء مرض فى صفر لعشر بقين منه وتوفى صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل يوم الاثنين انتهى ما ذكره رزين عن أبى حاتم وشهر ربيع هذا من السنة الحادية عشر وكان ابتداء مرضه فى بيت ميمونة وقيل زينب بنت جحش وقيل ريحانة* وذكر الخطابى ان ابتداءه يوم الاثنين وقيل السبت وقيل الاربعاء قاله الحاكم* وحكى فى الروضة قولين وفى مدته اختلاف قيل أربعة عشر يوما وقيل اثنا عشر وقيل ثلاثة عشر وعليه الاكثرون وقيل عشرة وبه جزم سليمان التيمى وهو أحد الثقات بأن ابتداء مرضه يوم السبت الثانى والعشرين من صفر ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول* وفى الاكتفاء ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعث أسامة بن زيد الى الشام وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الاوّلون وكان آخر بعث بعثه رسول الله فبينا الناس على ذلك ابتدأ صلوات الله عليه وسلامه بشكواه التى قبضه الله فيها الى ما أراد به من رحمته وكرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أوّل شهر ربيع الاوّل فكان أوّل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر انه خرج الى بقيع الغرقد من جوف الليل فأستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدأ بوجعه فى يومه ذلك* حدث أبو مويهبة مولى رسول الله قال بعثنى صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن أستغفر لاهل هذا البقيع فانطلق معى فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ثم أقبل علىّ فقال يا أبا مويهبة انى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فحيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة فقلت بأبى أنت وأمى فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة ثم استغفر لاهل البقيع ثم انصرف فبدأ به وجعه الذى قبضه الله فيه* وقالت عائشة رجع رسول الله من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت وكان سكتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزاح على تحشم منه فقال وما ضرك لومت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قلت والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك لرجعت الى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك من آخر ذلك اليوم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمادى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استقر به وهو فى بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن فى أن يمرّض فى بيتى فأذنّ له فخرج رسول الله يمشى بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتى* وعن ابن عباس ان الرجل الاخر هو على بن أبى طالب ثم عز رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ به وجعه* وفى رواية بعد ان قال وارأساه فذهب فلم يلبث الا يسيرا حتى جىء به محمولا فى كساء فدخل علىّ وبعث الى النساء فقال انى قد اشتكيت وانى لا أستطيع أن أدور بينكنّ فأذنّ فلأكن عند عائشة فكنت أوضيه ولم أوض أحدا قبله* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل فى مرضه أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء وكان فى بيت عائشة حتى مات عندها* وفى رواية ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يحمل فى ثوب يطاف به على نسائه وهو مريض يقسم بينهنّ قالت عائشة ثم تمادى به وجعه وهو فى ذلك يدور على نسائه حتى اجتمعن برسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة فلما رأوا ما به اجتمع رأى من
فى البيت على أن يلدّوه وتخوّفوا أن يكون به ذات الجنب ففعلوا* وفى رواية عن عائشة قالت كانت تأخذ
رسول الله الخاصرة فأخذته يوما فأغمى عليه حتى ظننا انه قد هلك فلددناه ثم فرج عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد لدّوه فقال من صنع هذا فهبنه فاعتللن بالعباس واتخذ جميع من فى البيت العباس سببا ولم يكن له فى ذلك رأى فقالوا يا رسول الله عمك العباس أمر بذلك وتخوّفنا أن يكون بك ذات الجنب فقال انها من الشيطان ولم يكن الله عز وجل ليسلطها علىّ ولا ليرمينى بها ولكن هذا عمل النساء لا يبقى أحد فى البيت الا لدّالا عمى العباس فان يمينى لا تناله فلدّوا كلهم ولدّت ميمونة وكانت صائمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج رسول الله الى بيت عائشة وكان يومها بين العباس وعلىّ والفضل ممسك بظهره ورجلاه تخطان فى الارض حتى دخل على عائشة فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج من بيتها الى غيره ثم ان وجعه اشتدّ قالت عائشة جعل يشتكى ويتقلب على فراشه فقلت له لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال ان المؤمنين تشتدّ علتهم انه لا يصيب المؤمن نكتة من شوكة فما فوقها الا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة وقالت ما رأيت أحدا كان اشدّ عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم* روى انه كان لا يكاد تقرّ يد أحد عليه من شدّة الحمى فقال ليس أحد أشدّ بلاء من الانبياء كما يشتدّ علينا البلاء كذلك يضاعف لنا الاجر* وعن عبد الله ابن مسعود قال دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك بأن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها الا كفر الله به سياته كما تحط الشجرة ورقها رواه البخارى* وعن عائشة قالت لما اشتدّ وجعه قال صبوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أستريح فأعهد الى الناس قالت عائشة فأجلسناه فى مخضب لحفصة من نحاس وسكبنا عليه الماء حتى طفق يشير الينا أن قد فعلتن ثم خرج فقام يومئذ خطيبا فحمد الله وأثنى عليه واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد*
(ذكر شدّة مرضه)
* كانت مدّة علته اثنى عشر يوما وقيل أربعة عشر يوما وقيل ثمانية عشر يوما وقال عليه السلام فى مرضه سدّوا هذه الابواب الشوارع الى المسجد الاباب أبى بكر فانى لا أعلم رجلا أحسن يدا عندى فى الصحابة من أبى بكر* وفى رواية لا يبقين فى المسجد باب الاسدّ الاباب أبى بكر* وفى رواية سدّوا عنى كل خوخة فى هذا المسجد غير خوخة أبى بكر* وعن ابن عمر جاء أبو بكر الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لى فأمرّضك وأكون الذى يقوم عليك فقال يا أبا بكر ان لم أحمل أزواجى وبناتى وأهل بيتى علاجى ازدادت مصيبتى عليهم عظما وقد وقع أجرك على الله* ومما وقع فى مرضه انه خطب الناس فى مرضه وقال فى خطبته ان الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله عن عبد خير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان أبو بكر أعلمنا وانه أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه أربعين نفسا* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لم يشتك شكوى الاسأل الله العافية حتى كان فى مرضه الذى توفى فيه فانه لم يدع بالشفاء بل عاتب نفسه وشرع يقول يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ*