مسألة:
أمره الله تعالى بتخيير أزواجه فقال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} وقد أخرجا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ذكر هذا التخيير، وأن الله أمره بذلك.
واختلف الأصحاب، هل كان ذلك واجباً عليه أو مستحباً؟ على وجهين صحح النووي وغيره الوجوب.
واختلف الأصحاب: هل كان يجب جوابهن على الفور أو على التراخي؟ على وجهين، قال ابن الصباغ ما معناه: ولا خلاف أنه خير عائشة على التراخي بقوله: «فلا عليك أن تستأمري أبويك» .
قالوا: فلما اخترنه، فهل كان حرم عليه طلاقهن؟ على وجهين، وصححوا أنه لا يحرم.
إلا أن الله تعالى حرم عليه النساء غيرهن مكافأة لصنيعهن، ثم أباحه له لتكون له المنة في ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبيح له النساء.
رواه الشافعي.
,
مسألة:
مات صلوات الله وسلامه عليه عن تسع نسوة، واتفقوا على إباحة تسع، واختلف أصحابنا في جواز الزيادة، فالصحيح أنه كان له ذلك، ودليله ما في
البخاري عن بندار، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في الساعة الواحدة من ليل او نهار، وهن إحدى عشرة.
قلت لأنس: هل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، وفي رواية أربعين.
ثم رواه البخاري من حديث سعيد، عن قتادة، عن أنس: وعنده تسع.
[وقال أنس: تزوج صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع] وقال قتادة أيضاً.
وذكره ابن الصباغ في شامله قال: وقال أبو عبيد: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة امرأة، واتخذ من الإماء ثلاثاً.
مسألة:
قالوا: وكان يصح عقده بلفظ الهبة، لقوله تعالى: {إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} وإذا عقده بلفظ الهبة فلا مهر بالعقد ولا بالدخول، بخلاف غيره.
وهل كان ينحصر طلاقه في الثلاث؟ فيه وجهان، أصحهما: نعم، لعموم الآية.
وقيل: لا، لأنه لما لم ينحصر نكاحه في الأربع، لم ينحصر طلاقه في الطلقات الثلاث.
وهذا تعسف، لعدم التلازم.
مسألة:
وكان يباح له التزوج بغير ولي ولا شهود علىالصحيح، لحديث زينب بنت جحش أنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات.
رواه البخاري.
مسألة:
وهل كان يباح له التزوج في الإحرام؟ على وجهين:
أحدهما: لا، لعموم الحديث الذي في مسلم «عن عثمان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» .
والمخاطب داخل في عموم متعلق خطابه عند الأكثرين.
وصححوا الجواز، لحديث ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم.
أخرجاه.
ولكن يعارضه ما رواه مسلم عن ميمونة نفسها: أنه تزوج بها وهما حلالان.
وصاحب القصة أعلم بها من الغير، والله أعلم.
مسألة:
وإذا رغب في نكاح امرأة وجب عليها إجابته على الصحيح عند الأصحاب، فيحرم على غيره خطبتها.
مسألة:
هل كان يجب عليه أن يقسم لنسائه وإمائه؟ على وجهين: والذي يظهر من الأحاديث الوجوب، لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض جعل يطوف عليهن وهو كذلك، حتى استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يجب، لقوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} الآية.
فيكون من الخصائص.
وهذا كله تفريع على أن تزوجه: هل هو بمنزلة التسري في حقنا أو لا؟ على وجهين.
مسألة:
وأعتق صفية وجعل عتقها صداقها، كما ثبت في الصحيحين عن أنس، فقيل: معنى ذلك أنه أعتقها وشرط عليها أن تتزوج به، فوجب عليها الوفاء بالشرط، بخلاف غيره، وقيل: جعل نفس العتق صداقاً، وصح ذلك بخلاف غيره، وهو اختيار الغزالي.
قلت: يشكل على هذا ما حكاه الترمذي عن الشافعي أنه جوز ذلك لآحاد الناس، وهو وجه مشهور.
وقيل: أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر، لا في الحال ولا في المآل، وهو
المحكي عن أبي إسحاق، وقطع به الحافظ أبو بكر البيهقي، وصححه ابن الصلاح والنووي.
قلت: ووجه الشيخ أبو عمرو قوله: وجعل عتقها صداقها.
يعني: أنه لم يمهرها، غبر أنه أعتقها، فيكون كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له.
وقيل: بل أمهرها جارية، كما رواه البيهقي بإسناد غريب لا يصح.
,
مسألة:
قالوا: كان يحرم عليه إمساك من اختارت فراقه على الصحيح، بخلاف غيره ممن يخير امرأته، فإنها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقها، والله تعالى أعلم.
وقال بعضهم: بل كان يفارقها تكرماً.
مسألة:
هل كان يحل له نكاح الكتابية؟ على وجهين: صحح النووي الحرمة، وهو اختيار ابن سريج والإصطخري وأبي حامد المروروذي، واستدل الشيخ أبو نصر بن الصباغ لهذا الوجه فقال: لقوله صلى الله عليه وسلم: «زوجاتي في الدنيا زوجاتي في
الآخرة» ، ثم حكى الوجه الآخر وهو الإباحة وكأنه مال إليه، ثم قال: والخبر لا حجة فيه، لجواز أن من تزوج به منهن أسلمن.
قلت: وهذا الحديث ليس له أصل يعتمد عليه في رفعه، وإنما هو من كلام بعض الصحابة، وقال أبو إسحاق المروزي: ليس بحرام.
وفي جواز تسريه بالأمة الكتابية، وتزوجه بالأمة المسلمة ثلاثة أوجه أصحها أنه يباح له تسري الكتابية، ولا يباح له نكاح الأمة المسلمة، بل يحرم.
وأما الأمة الكتابية: فقطع الجمهور بتحريم نكاحها عليه، وطرد الحناطي فيها وجهين، وهما ضعيفان جداً.
وفرعوا هنا فروعاً فاسدة تركها أولى من ذكرها.
وهذا النوع من الخصائص الذي زجر عنه ابن خيران والإمام وهما مصيبان في ذلك، والله أعلم.
,
فمن ذلك أن أزواجه أمهات المؤمنين، قال الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} ومعنى هذه الأمومة: الاحترام، والطاعة، وتحريم العقوق، ووجوب التعظيم، لا في تحريم بناتهن وجواز الخلوة بهن، ولا تنتشر الحرمة إلى من عداهن.
وهل هن أمهات المؤمنات؟ على وجهين: صححوا المنع، وهو قول عائشة رضي الله عنها، وهذا تفريع على أن جمع المذكر السالم هل يدخل فيه النساء؟ وهي مقررة في الأصول.
وهل يقال في إخوتهن: أخوال المؤمنين؟ فيه نزاع، والنص جوازه.
وهل يطلق على بناتهن أخوات المؤمنين؟ نص الشافعي في المختصر على جوازه، وجوزه بعض الأصحاب، ومنع منه آخرون، وقد أنكر ابن الصباغ وغيره ذلك على وقالوا: غلط.
فرع:
وهل يقال له صلى الله عليه وسلم: أبو المومنين؟ نقل البغوي عن بعض الأصحاب الجواز.
قلت: وهو قول معاوية، وقد قرأ أبي وابن عباس رضي الله عنهم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} .
ونقل الواحدي عن بعض الأصحاب المنع، لقوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} ، ولكن المراد أباهم في النسب، وإلا فقد «روى أبو داود: إنما أنا لكم مثل الوالد..» الحديث في الاستطابة.