ويقال إنها غزوة العسرة والفاضحة: اختلف في سببها، فقيل أن جماعة من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة ذكروا للمسلمين أن الرّوم جمعوا جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معهم لخم وجذام وعاملة وغسّان وغيرهم من متنصّرة العرب، وجاءت مقدّمتهم إلى البلقاء ولم يكن لذلك حقيقة، ولمّا بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك ندب الناس إلى الخروج- نقله محمد بن عمر ومحمد بن سعد.
وروى الطبراني بسند ضعيف عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما قال: كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل/: إن هذا الرجل الذي قد خرج يدّعي النبوّة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم. فإن كنت تريد أن تلحق دينك فالآن، فبعث رجلا من عظمائهم وجهّز معه أربعين ألفا فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بالجهاد [ (1) ] .
وقيل: إنّ اليهود قالوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا أبا القاسم إن كنت صادقا فالحق بالشام فإنّها أرض الأنبياء، فغزا تبوك لا يريد إلّا الشام. فلما بلغ، تبوك أنزل الله تعالى الآيات من سورة بني إسرائيل: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء 76] رواه ابن أبي حاتم، وأبو سعد، النّيسابوري، والبيهقي بإسناد حسن.
وقيل: أن الله سبحانه وتعالى لما منع المشركين من قربات المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش: لتقطعنّ عنا المتاجر والأسواق وليذهبنّ ما كنّا نصيب منها، فعوّضهم الله تعالى- عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التوبة 28، 29] وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة 123] وعزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قتال الروم، لأنّهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدّعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام رواه ابن مردويه عن ابن عباس وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد، وابن جرير عن سعيد بن جبير.
__________
[ (1) ] انظر المجمع 6/ 194 وقال فيه العباس بن الفضل الأنصاري وهو ضعيف.
ذكر عزمه- صلى الله عليه وسلّم- على قتال الروم وبيان ذلك للناس
لمّا عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على قتال الروم عام تبوك، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وشدّة من الحرّ وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس، يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه، وبيّن- صلى الله عليه وسلّم- للناس مقصده، وكان- صلى الله عليه وسلم- قل أن يخرج في غزوة إلا كنّى عنها وورّى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنّه بيّنها للناس لبعد الشّقّة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهّب الناس لذلك أهبته، فأمر النّاس بالجهاز، ودعا من حوله من أحياء العرب للخروج معه، فأوعب معه بشر كثير، وبعث إلى مكة، وتخلّف آخرون، فعاتب الله- تعالى- من تخلّف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ووبّخهم وبيّن أمرهم، فقال سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة 38، 39] ثم قال تعالى انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [التوبة 41، 42] إلى آخر الآيات.
وروى ابن شيبة، والبخاري، وابن سعد عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلّما يريد غزوة يغزوها إلا ورّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قيظ شديد، واستقبل سفراً بعيدا، وغزّى وعددا كثيرا فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريده [ (1) ] .
ذكر حثه- صلى الله عليه وسلّم- على النفقة والحملان في سبيل الله تبارك وتعالى
في حديث عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عند الطّبراني أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يجلس كلّ يوم على المنبر فيدعو فيقول: «اللهمّ أن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض. فلم يكن للناس قوة
[ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري (2948) .
[ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1383، 1384 واحمد 1/ 32.
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- حضّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الصّدقات فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هل أبقيت لأهلك شيئا؟» [ (1) ] فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وجاء عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بنصف ماله، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «هل أبقيت لأهلك شيئا؟» قال: نعم مثل ما جئت به،
وحمل العباس، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن عبادة- رضي الله عنهم- وحمل عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- مائتي أوقية إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وتصدّق عاصم بن عدي- رضي الله عنه- بسبعين وسقا من تمر، وجهّز عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ثلث ذلك الجيش حتى أنه كان يقال: ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم.
قلت: كان ذلك الجيش زيادة على ثلاثين ألفا، فيكون- رضي الله عنه- جهز عشرة آلاف.
وذكر أبو عمرو في الدرر، وتبعه في الإشارة: أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها، وقال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها.
ونقل ابن هشام عمّن يثق به: أن عثمان- رضي الله عنه- أنفق في جيش العسرة ألف دينار قلت غير الإبل والزاد وما يتعلق بذلك. قال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض» . وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسّنه، والبيهقي عن عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله عنه- قال: جاء عثمان إلى رسول- صلى الله عليه وسلّم- بألف دينار في كمّه حين جهز رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جيش العسرة، فصبّها في حجر النبي- صلى الله عليه وسلّم- فجعل النبي- صلى الله عليه وسلّم- يقلّبها بيده ويقول: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم»
[ (2) ] يرددها مرارا.
وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والترمذي، والبيهقي عن عبد الرحمن بن خباب- بالمعجمة وموحدتين- رضي الله عنه- قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فحثّ على جيش العسرة، فقال عثمان- رضي الله عنه- عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثمّ نزل مرقاة أخرى من المنبر فحثّ فقال عثمان- رضي الله عنه-: عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها ثم نزل مرقاة أخرى فحث فقال عثمان- رضي الله عنه-: عليّ مائة أخرى
__________
[ (1) ] الواقدي في المغازي 3/ 991.
[ (2) ] أخرجه الترمذي (3701) والحاكم 3/ 102 وابن أبي عاصم 2/ 587 (592) والبيهقي في الدلائل 5/ 215، وانظر البداية والنهاية 5/ 4.
بأحلاسها وأقتابها. فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول بيده- هكذا- يحركها كالمتعجب «ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم» أو قال: - بعدها-[ (1) ] .
وروى الطيالسي، والإمام أحمد، والنسائي عن الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى- قال: سمعت عثمان- رضي الله عنه- يقول لسعد بن أبي وقاص وعليّ والزّبير وطلحة:
أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من جهّز جيش العسرة غفر الله له» فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟ قالوا: اللهم نعم
[ (2) ] .
ويأتي في ترجمة عثمان- رضي الله عنه- أحاديث كثيرة في ذلك.
قال محمد بن عمر- رحمه الله: وحمل رجال، وقوّى ناس دون هؤلاء من هم أضعف منهم، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول: هذا البعير بيننا نعتقبه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج حتى إن كان النساء يبعثن بما يقدرن عليه، وحمل كعب بن عجرة واثلة بن الأسقع، وروى أبو داود، ومحمد بن عمر عن واثلة بن الأسقع، - رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فخرجت إلى أهلي- وقد خرج أوّل أصحابه- فطفت في المدينة أنادي: ألا من يحمل رجلا وله سهمه؟ فإذا شيخ من الأنصار- سمّاه محمد بن عمر: كعب بن عجرة- فقال: سهمه على أن تحمله عقبة وطعامه معنا؟ فقلت: نعم، فقال: سر على بركة الله تعالى، فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا.
قال محمد بن عمر: بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة. قال:
فأصابني قلائص- قال محمد بن عمر: ستة- فسقتهن حتى أتيته بهن، فخرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله ثم قال: سقهن مقبلات. فسقتهن، ثم قال: سقهن مدبرات، فقال: ما أرى قلائصك إلا كراما، فقلت: إنما هي غنيمتك التي شرطت لك، قال: خذ قلائصك يا ابن أخي، فغير سهمك أردنا.
ذكر بعض ما دار بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين بعض المنافقين وتثبيطهم الناس عن الخروج معه
روى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهم- وابن عقبة، ومحمد بن إسحاق،
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي (3700) وأحمد 4/ 75 وابن سعد 7/ 55، وأبو نعيم في الحلية 1/ 99، والدولابي في الكنى 2/ 17، والبخاري في التاريخ 5/ 247.
[ (2) ] أخرجه البيهقي 6/ 167 أو الدارقطني 4/ 200 والنسائي في الاحباس باب (4) والبيهقي في الدلائل 5/ 215.
ومحمد بن عمر- رحمهم الله تعالى- عن شيوخهم [ (1) ] زاد ابن عقبة: أن الجدّ بن قيس أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد معه نفر، فقال: يا رسول الله ائذن لي في القعود، فإني ذو ضبعة وعلّة فيها عذر لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «تجهّز فإنّك موسر» ، ثم اتفقوا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «تجهز تجهز فإنك موسر، لعلّك تحقب من بنات بني الأصفر؟» قال الجدّ: أو تأذن لي ولا تفتنّي، فو الله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجبا بالنساء منّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألّا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: «قد أذنّا لك»
زاد محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- فجاءه ابنه عبد الله بن الجدّ- وكان بدريّا- وهو أخو معاذ بن جبل لأمه، فقال لأبيه: لم تردّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مقالته فو الله ما في بني سلمة أحد أكثر مالا منك، فلا تخرج ولا تحمل؟! فقال: يا بني ما لي وللخروج في الريح والحرّ الشديد والعسرة إلى بني الأصفر، فو الله ما آمن- خوفا- من بني الأصفر وأنا في منزلي، أفأذهب إليهم أغزوهم؟! إني والله يا بني عالم بالدوائر، فأغلظ له ابنه وقال: لا والله ولكنّه النفاق، والله لينزلن على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فيك قرآن يقرأ به، فرفع نعله فضرب به وجه ولده، فانصرف ابنه ولم يكلمه، وأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة 49] أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والرغبة بنفسه عن نفسه، يقول: وإن جهنم لمن ورائه.
وجعل الجدّ وغيره من المنافقين يثبّطون المسلمين عن الخروج، قال الجدّ لجبّار بن صخر ومن معه من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحق، وإرجافا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة 81، 82] .
وروى ابن هشام- رحمه الله تعالى- عن عبد الله بن حارثة- رضي الله تعالى عنه- قال: بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبّطون الناس عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فبعث إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي ففعل طلحة، واقتحم الضّحّاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في السنن 9/ 33 وفي الدلائل 5/ 225 وانظر الدر المنثور 3/ 248.
وجاء أهل مسجد الضّرار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة، ونحبّ أن تأتينا فتصلّي فيه، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «أنا في شغل السّفر، وإذا انصرفت سيكون» .
,
روى محمد بن عمر [ (1) ] عن شيوخه قالوا: قال رجل من بني سعد هذيم: جئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس بتبوك في نفر فقال «يا بلال أطعمنا» . فبسط بلال نطعا ثم جعل يخرج من حميت له فأخرج خرجات بيده من تمر معجون بسمن وأقط، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:
«كلوا» فأكلنا حتى شبعنا، فقلت: يا رسول الله، إن كنت لآكل هذا وحدي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معاء واحد» ، ثم جئت في الغد متحينا لغدائه لأزداد في الإسلام يقينا، فإذا عشرة نفر حوله فقال: «هات أطعمنا يا بلال» فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة قبضة فقال: «أخرج ولا تخش من ذي العرش إقلالا» فجاء بالجراب ونشره. فقال: فحزرته مدّين، فوضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده على التّمر وقال: «كلوا باسم الله» فأكل القوم وأكلت معهم، وأكلت حتى ما أجد له مسلكا. قال: وبقي على النطع مثل الذي جاء به بلال كأنا لم نأكل منه تمرة واحدة. قال: ثم غدوت من الغد وعاد نفر فكانوا عشرة أو يزيدون رجلا أو رجلين. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا بلال أطعمنا» فجاء بلال بذلك الجراب بعينه، أعرفه، فنثره، ووضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده عليه وقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا حتى نهلنا ثم رجع مثل الذي صبّ ففعل ذلك ثلاثة أيام.
قصة أخرى:
روى محمد بن عمر، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: كنت ألزم باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجة فرجعنا إلى منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد تعشى ومن معه من أضيافه، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يدخل قبته- ومعه زوجته أم سلمة- فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن مغفّل المزنيّ فكنّا ثلاثة كلنا جائع إنما نغشى باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- البيت فطلب شيئا نأكله فلم يجده، فخرج إلينا فنادى: «يا بلال هل من عشاء لهؤلاء النفر» فقال: والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا وحمتنا، قال: «انظر عسى أن تجد شيئا» ، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت في يده سبع تمرات، ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها، ثم وضع يده على التّمرات، وسمّى الله- تعالى- فقال: «كلوا باسم الله» فأكلنا، فحصيت أربعا وخمسين تمرة، أعدّها عدّا ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان مثل ما أصنع، وشبعنا، فأكل كل واحد منّا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي. فقال: «يا بلال ارفعها فإنّه لا يأكل منها أحد إلّا نهل شبعا» فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الصبح
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1017.
ثم انصرف إلى فناء قبّته فجلس وجلسنا حوله، فقرأ من «المؤمنون» عشرا فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هل لكم في الغذاء؟» قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء، فدعا بلالا بالتمرات، فوضع يده عليهن في الصحفة، ثم قال: «كلوا بسم الله فأكلنا- فو الذي بعثه بالحق- حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعا وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «لولا إني أستحي من ربي لأكلنا من هذا التمر حتى نرد المدينة عن آخرنا» ، وطلع عليهم غلام من أهل البدو فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- التّمرات فدفعها إليه فولى الغلام يلوكهن
[ (1) ] .
ذكر طوافه- صلى الله عليه وسلم- علي الناس بتبوك
قال شيوخ محمد بن عمر: كان رجل من بني عذرة يقال له عدي يقول: جئت رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك فرأيته على ناقة حمراء يطوف على الناس، يقول «يا أيها الناس، يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي الوسطى، ويد المعطي السّفلى، أيها الناس فتغنوا ولو بحزم الحطب اللهم هل بلغت» ثلاثا فقلت: يا رسول الله إن امرأتيّ اقتتلتا، فرميت إحداهما فرمي في رميتي- يريد أنها ماتت- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «تعقلها ولا ترثها» فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في موضع مسجده بتبوك فنظر نحو اليمين، ورفع يده يشير إلى أهل اليمن فقال «الإيمان يمان» ونظر نحو الشرق فأشار بيده إن الجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر من نحو المشرق حيث يطلع الشيطان قرنيه
[ (2) ] .
ذكر إخباره- صلى الله عليه وسلم- بموت عظيم من المنافقين لما هبت ريح شديدة
قال محمد بن عمر رحمه الله تعالى: وهاجت ريح شديدة بتبوك فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هذا لموت منافق عظيم النفاق» [ (3) ] فقدموا المدينة فوجدوا منافقا عظيم النفاق قد مات.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: «قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نفر من سعد هذيم فقالوا: يا رسول الله، إنا قدمنا إليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها، وهذا القيظ، ونحن نخاف إن تفرقنا أن نقتطع، لأن الإسلام لم يفش حولنا بعد، فادع الله تعالى لنا في مائها، فإنا إن روينا به فلا قوم أعز منّا لا يعبر بنا أحد مخالف لديننا. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ابغوا لي
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1017.
[ (2) ] المغازي 3/ 1017.
[ (3) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 341.
حصيات فتناول بعضهم ثلاث حصيات فدفعهن إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففركهن بيده ثم قال:
«اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم فاطرحوها واحدة واحدة وسموا الله تعالى» [ (1) ] فانصرف القوم من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ففعلوا ذلك، فجاشت بئرهم بالرواء، ونفوا من قاربهم من أهل الشرك ووطئوهم فما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة حتى أوطئوا من حولهم غلبة ودانوا عليه بالإسلام.
ذكر قوله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك أعطيت خمسا ما أعطيهن أحد قبلي
روى محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك، فقام من الليل يصلي، وهو كثير التهجد من الليل ولا يقوم إلا استاك- فقام ليلة فلما فرغ أقبل علي من كان عنده فقال: «أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهنّ أحد قبلي:
بعثت إلى الناس كافة- وكان النبي يبعث إلى قومه- وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركتني الصلاة تيمّمت وصلّيت، وكان من قبلي لم يعطوا ذلك، وكانوا لا يصلّون إلا في الكنائس والبيع وأحلت لي الغنائم آكلها، وكان من قبلي يحرمونها، والخامسة هي ما هي، هي ما هي، هي ما هي،» ثلاثا- قالوا: يا رسول الله، وما هي؟ قال: «قيل لي سل فكلّ نبي قد سأل، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله»
[ (2) ] .
ذكر صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي معاوية بن معاوية المزني في اليوم الذي مات فيه بالمدينة
روى الطبراني- في الكبير والأوسط- من طريق نوح بن عمر الطبراني في الكبير- من طريق صدقة بن أبي سهيل عن معاوية بن أبي سفيان، وابن سعد والبيهقي من طريق العلاء أبو محمد الثقفي، وابن سعد وابن أبي يعلى والبيهقي عن طريق عطاء بن أبي ميمونة كلاهما عن أنس- رضي الله عنهم- قالوا كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك، قال أنس: فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثلهم فيما مضى فأتى جبريل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا جبريل مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثلهم فيما مضى» قال: «ذلك معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة اليوم، فبعث الله تعالى سبعين ألف ملك يصلون عليه، فهل لك في الصلاة عليه؟ قال: «نعم» ، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يمشي، فقال جبريل بيده هكذا يفرج له عن الجبال والآكام، ومع جبريل سبعون
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1034.
[ (2) ] المصدر السابق.
ألف ملك، فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وصفّ الملائكة خلفه صفّين، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل «بم بلغ هذه المنزلة» قال: «بحبه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يقرؤها قائما أو قاعدا، أو راكبا أو ماشيا وعلى كل حال»
قال الحافظ في لسان الميزان في ترجمة محبوب بن هلال: هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وله طرق يقوي بعضها ببعض، وقال في فتح الباري، في باب الصفوف على الجنازة: إنه خبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، وقال في اللسان في ترجمة نوح بن عمر طريقة أقوى طرق الحديث- انتهى. وأورد الحديث النووي في الأذكار في باب «الذكر في الطريق» فعلم من ذلك ردّ قول من يقول: إن الحديث موضوع لا أصل له [ (1) ] .
ذكر إرساله- صلّى الله عليه وسلّم- دحية إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وقدوم [رسول] هرقل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما وقع في ذلك من الآيات
لمّا وصل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك كان هرقل بحمص، ولم يكن يهم بالذي بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنه من جمعه، ولا حدثته نفسه بذلك.
وروى الحارث بن أبي أسامة عن بكر بن عبد الله المزني- رحمه الله تعالى- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «من يذهب بهذا الكتاب إلى قيصر وله الجنة» ؟ فقال رجل: وإن لم يقبل؟
قال: «وإن لم يقبل» فانطلق الرجل فأتاه بالكتاب، فقرأه فقال: اذهب إلى نبيكم فأخبره أني متّبعه، ولكن لا أريد أن أدع ملكي، وبعث معه بدنانير إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فرجع فأخبره، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «كذب» وقسم الدنانير
[ (2) ] .
وروى الإمام أحمد. وأبو يعلى بسند حسن لا بأس به عن سعيد بن أبي راشد قال:
لقيت التّنوخي رسول هرقل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بحمص، وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ المائة أو قرب، فقلت: ألا تحدثني عن رسالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل؟ فقال: بلى، قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تبوك، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- دعا قسّيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل يدعوني إلى ثلاث خصال: أن اتبعه على دينه، أو أن أعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب. والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب ليأخذن
__________
[ (1) ] انظر البداية والنهاية 4/ 14.
[ (2) ] انظر الطبراني في الكبير 12/ 442 والمجمع 5/ 306.
أرضنا فهلم فلنتبعه على دينه، أو نعطه مالنا على أرضنا، فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا: تدعونا أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز؟ فلما ظن أنهم إذا خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رقّاهم ولم يكد وقال: إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم، ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب قال. ادع لي رجلا حافظا للحديث عربيّ اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاءني فدفع إليّ هرقل كتابا، فقال: اذهب بكتابي هذا إلى هذا الرجل، فما سمعته من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال هل يذكر صحيفته التي كتب بشيء؟ وانظر إذا قرأ كتابي هذا هل يذكر الليل؟
وانظر في ظهره هل فيه شيء يريبك؟ قال: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوكا فإذا هو جالس بين ظهري أصحابه محتبيا على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل ها هو ذا، قال فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجرة ثم قال: «ممن أنت؟» فقلت: أنا أخو تنوخ، فقال: «هل لك في الإسلام. الحنيفية ملة أبيك إبراهيم؟» فقلت: إني رسول قوم وعلى دين قوم [لا أرجع عنه] حتى أرجع إليهم. فضحك وقال إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص 56] يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، والله ممزّقه وممزّق ملكه، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فمزقها، والله ممزّقه وممزّق ملكه. وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير قلت: هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي، فأخذت سهما من جعبتي فكتبتها في جفن سيفي، ثم ناول الصحيفة رجلا عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية. فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار؟
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «سبحان الله أين النهار إذا جاء الليل»
قال:
فأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جفن سيفي، فلم فرغ من قراءة كتابي قال: «إن لك حقا، وإنك لرسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفر مرملون» قال قتادة فناداه رجل من طائفة الناس قال: أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو بحلة صفورية فوضعها في حجري، قلت من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان، ثم
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أيكم ينزل هذا الرجل؟» فقال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «تعال يا أخا تنوخ» فأقبلت أهوى حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره وقال: «ها هنا امض لما أمرت له، فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة»
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] قال الحافظ ابن كثير 5/ 16 «هذا حديث غريب وإسناده لا بأس به، تفرد به الإمام أحمد» .
قال محمد بن عمر: فانصرف الرجل إلى هرقل فذكر ذلك له. فدعا قومه إلى التصديق بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- فأبو حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه بحمص لم يتحرك ولم يزحف، وكان الذي خبر النبي- صلى الله عليه وسلم- من تعبئة أصحابه ودنوه إلى وادي الشام لم يرد ذلك ولا همّ به.
وذكر السهيلي رحمه الله تعالى: أن هرقل أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هدية- فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هديته وفرقها على المسلمين.
ثم إن هرقل أمر مناديا ينادي: ألا إن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه، فدخلت الأجناد في سلاحها وطافت بقصره تريد قتله، فأرسل إليهم: إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم، فقد رضيت عنكم، فرضوا عنه.
ثم كتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا مع دحية يقول فيه: إني معكم ولكني مغلوب على أمري، فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابه قال: «كذب عدو الله، وليس بمسلم بل هو على نصرانيته» .
ذكر صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي ذي البجادين رضي الله عنه
روى ابن إسحاق، وابن منده عن ابن مسعود- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة، مات أبوه وهو صغير فلم يورّثه شيئا، وكان عمه ميّلا فأخذه فكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمّه، حتى مضت السنون والمشاهد كلّها، فانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه: يا عمّ قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فائذن لي في الإسلام، فقال: والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك، فقال: وأنا والله متبع محمدا ومسلم وتارك عبادة الحجر والوثن، وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كلّ ما أعطاه حتى جرّده من إزاره، فجاء أمّه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر،
ثم أقبل إلى المدينة فاضطجع في المسجد، ثم صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح، فنظر إليه فأنكره، فقال «من أنت؟» فانتسب له، فقال: «أنت عبد الله ذو البجادين» ثم قال: «أنزل مني قريبا» فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن، حتى قرأ قرآنا كثيرا، وكان رجلا صيّتا فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته في القراءة، فقال عمر: يا رسول الله ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «دعه يا عمر: فإنه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى وإلى رسوله» فلما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى تبوك قال: يا رسول الله. ادع الله تعالى لي بالشهادة، فقال: أبلغني بلحاء سمرة فأبلغه بلحاء سمرة، فربطها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
على عضده، وقال: «اللهم إني أحرم دمه على الكفّار» فقال: يا رسول الله، ليس هذا أردت فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد. وإذا وقصتك دابّتك فأنت شهيد لا تبالي بأية كان» فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما، ثم توفي عبد الله ذو البجادين، فكان بلال بن الحارث المزني يقول: حضرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «أدنيا لي أخاكما» فلما هيأه لشقّه في اللحد قال: «اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه» فقال ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب اللحد
[ (1) ] .
وروى الطبراني برجال وثّقوا، وأبو نعيم عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك، وكنت على خدمته ذلك، فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه، وهيأت للنبي- صلى الله عليه وسلّم- طعاما فوضعت النحي في الشمس، ونمت فانتبهت بخرير النحي، فقمت فأخذت رأسه بيدي. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورآني: «لو تركته لسال الوادي سمنا»
[ (2) ] .
ذكر مصالحته- صلى الله عليه وسلّم- ملك أيلة وأهل جربا وأذرح وهو مقيم بتبوك قبل رجوعه
لما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أكيدر بدومة- كما سيأتي بيان ذلك في السرايا- أشفق ملك أيلة يحنة بن رؤبة أن يبعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما بعث إلى أكيدر، فقدم على النبي- صلى الله عليه وسلم- وقدم معه أهل جربا وأذرح ومقنا وأهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بغلة.
قال أبو حميد المساعدي- رضي الله عنه- قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأهدى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بغلة بيضاء، وكساه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بردا وكتب له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ببحرهم. رواه ابن أبي شيبة والبخاري.
روى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: رأيت يحنة بن رؤبة يوم أتي به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليه صليب من ذهب، وهو معقود الناصية فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كفّر وأومأ برأسه فأومأ إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بيده أن ارفع رأسك، وصالحه يومئذ، وكساه
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1014.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل (155) .
بردا يمنية فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار وأمر له بمنزل عند بلال انتهى.
قالوا: وقطع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الجزية جزية معلومة ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل،
وكتب لهم بذلك كتابا فيه:
بسم الله الرّحمن الرّحيم: هذا كتاب أمنة من الله تعالى ومحمد النبي رسول الله ليحنّة بن رؤبة وأهل أيلة لسفنهم وسائرهم السارح في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة رسوله- صلى الله عليه وسلّم- ولمن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، ومن أحدث حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيّب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يردونه من بر أو بحر.
هذا كتاب جهيم بن الصّلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-[ (1) ] .
وكتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأهل أذرح كتابا قال محمد بن عمر: نسخت كتابهم فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. هذا كتاب محمد النبي- صلى الله عليه وسلّم- لأهل أذرح وجربا، إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين فهم آمنون، حتى يحدث إليهم محمد- صلى الله عليه وسلم- قبل خروجه»
قالوا: وأتى أهل جربا وأذرح بجزيتهم بتبوك فأخذها.
وصالح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل مقنا على ربع ثمارهم وربع غزولهم.
وروى ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، ومسلم عن أبي حميد الساعدي- رضي الله عنه- قال: جاء ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء، فكتب له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأهدى له بردا [ (2) ] .
ذكر مشاورته- صلى الله عليه وسلم- أصحابه في مجاوزة تبوك إلى نحو دمشق
قال محمد بن عمر- رحمه الله تعالى: شاور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخّطاب: يا رسول الله، إن كنت أمرت بالمسير فسر، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-:
«لو أمرت بالمسير لما استشرتكم فيه»
فقال: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1032.
[ (2) ] أخرجه مسلم 3/ 1011 (503/ 1392) .
أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا منهم، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعنا هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك أمرا.
وروى البيهقي وغيره بسند جيد عن عبد الرحمن بن غنم: أن اليهود أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت صادقا أنك نبيّ فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء، فصدّق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله تعالى آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا [الإسراء 76، 77] فأمره الله تعالى بالرجوع إلى المدينة وقال: فيها محياك ومماتك ومنها تبعث.
فرجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمره جبريل فقال: اسأل ربّك عزّ وجلّ، فإن لكل نبيّ مسألة- وكان جبريل له ناصحا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- له مطيعا، قال: «فما تأْمرني أَن أَسأَل» قال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً
[الإسراء 80] [ (1) ] فهؤلاء الآيات أنزلت عليه في مرجعه من تبوك.
وفي هذه الغزوة قال- صلى الله عليه وسلم-
ما رواه عكرمة عن أبيه أو عن عمه عن جده- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة تبوك: «إذا وقع الطّاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها» [ (2) ] رواه الإمام أحمد والطبراني من طرق
قال في بذل الطاعون يشبه- والله أعلم- أن يكون السبب في ذلك أن الشام كانت قديم الزمان ولم تزل معروفة بكثرة الطواعين، فلما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- تبوك غازيا الشام لعله بلغه أن الطّاعون في الجهة التي كان يقصدها، فكان ذلك من أسباب رجوعه من غير قتال- والله أعلم. انتهى.
قلت: قد ذكر جماعة أن طاعون شيرويه أحد ملوك الفرس، كان في أيام النبي- صلى الله عليه وسلم- وإنه كان بالمدائن.
ذكر إرادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الانصراف من تبوك إلى المدينة، وما وقع في ذلك من الآيات، وقدر إقامته- صلى الله عليه وسلّم- بتبوك
روى مسلم عن أبي هريرة. وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- ومحمد بن عمر عن شيوخه قال شيوخ ابن عمر: ولمّا
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 254.
[ (2) ] أحمد 1/ 175، 3/ 416، 5/ 373، والطبراني في الكبير 1/ 90 وانظر المجمع 2/ 315 والدولابي في الكنى 1/ 100، والطحاوي في المعاني 4/ 306.
أجمع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- السير من تبوك أرمل النّاس إرمالا، فشخص على ذلك من الحال.
انتهى.
قال أبو هريرة: فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادّهنّا؟ قال شيوخ محمد بن عمر: فلقيهم عمر بن الخطاب وهم على نحرها فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في خيمة له ثم اتفقوا فقال يا رسول الله أأذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟ قال شيوخ محمد: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «شكوا إلّي ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم ينحر الرّفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل منهم فإنهم قافلون إلى أهليهم» - انتهى. فقال عمر: يا رسول الله لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من الظّهر يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق انتهى. ولكن يا رسول الله ادع بفضل أزوادهم، ثم اجمعها، وادع الله تعالى فيها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل فيها البركة. زاد شيوخ محمد كما فعلت في منصرفنا من الحديبية حين أرملنا، فإن الله تعالى مستجيب لك انتهى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «نعم» فدعا بنطع فبسط- قال شيوخ محمد: بالأنطاع فبسطت- ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
من كان عنده فضل من زاد فليأت به- انتهى فجعل الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكفّ تمر، ويجيء الآخر بكسرة. وقال شيوخ محمد: وجعل الرجل يأتي بالدقيق أو التمر أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة وكل ذلك قليل وكان جميع ما جاءوا به من السويق والدقيق والتمر ثلاثة أفراق حزرا- والفرق ثلثة آصع.
انتهى قال: فجزأنا ما جاءوا به فوجدوه سبعة وعشرين صاعا. قال شيوخ محمد: ثم قام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتوضأ وصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى أن يبارك فيه. قال عمر: فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى جنبه فدعا فيه بالبركة، ثم قال: «أيها الناس خذوا ولا تنتهبوا» فأخذوه في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه، قال أبو هريرة- رضي الله عنه وما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة. قال شيوخ محمد بن عمر: قال بعض من الصحابة: لقد طرحت كسرة يومئذ من خبز وقبضه من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا كفاني إلى المدينة- قال: فأخذوا حتى صدروا. وإنه نحو ما كانوا يحرزون- قالوا كلهم: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» وفي لفظ (لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار)
[ (1) ] ، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما رواه ابن سعد أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1038.
وعلى ذلك جرى محمد بن عمر وابن حزم وغيرهم، وقال ابن عقبة، وابن إسحاق: بضع عشرة ليلة. والله أعلم.
ذكر بعض آيات وقعت في رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من تبوك إلى المدينة
روى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: بينا نحن نسير مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في الجيش ليلا وهو قافل وأنا معه إذ خفق خفقة- وهو على راحلته فمال على شقه فدنوت منه فدعمته فانتبه، فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو قتادة يا رسول الله، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «حفظك الله كما حفظت رسوله» ثم سار غير كثير ثم فعل مثل ذلك هذا فدعمته فانتبه فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس؟» فقلت: ما شئت يا رسول الله، فقال: «انظر من خلفك» فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال «ادعهم» فقلت: أجيبوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاءوا فعرسنا- ونحن خمسة- برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعي إداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها، فنمنا فما انتبهنا إلا بحرّ الشمس، فقلنا: إنّا لله فاتنا الصبح، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «لنغيظن الشّيطان كما غاظنا» فتوضأ من ماء الإداوة ففضل فضلة فقال: «يا أبا قتادة احتفظ بما في الإداوة والرّكوة، فإن لهما شأنا» وصلى- صلى الله عليه وسلّم- بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال: «أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر لرشدوا» وذلك أن أبا بكر وعمر أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما، فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض، فركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه. وقد كادت أعناق الخيل والرجال والركاب تقطّع عطشا، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالرّكوة فأفرغ ما في الإداوة فيها. ووضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا، ورووا خيلهم، وركابهم، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس، فذلك قول رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «احتفظ بالرّكوة والإداوة» .
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر: قالوا: وأقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة- وقال ابن إسحاق: يقال له وادي المشقق- وكان فيه وشل يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين أو الثلاثة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه» فسبقه إليه أربعة من المنافقين: معتّب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائيّ حليف في بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللّصيت، فلما أتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقف عليه فلم ير فيه شيئا. فقال «من سبقنا إلى هذا الماء؟» فقيل يا رسول الله فلان وفلان، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ألم أنهكم؟» فلعنهم ودعا
عليهم، ثم نزل ووضع يده تحت الوشل، ثم مسحه بإصبعيه حتى اجتمع منه في كفه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو، فانخرق منه الماء- قال معاذ بن جبل: والذي نفسي بيده لقد سمعت له من شدّة انخراقه مثل الصواعق- فشرب الناس ما شاءوا، واستقوا ما شاءوا، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للناس «لئن بقيتم. أو من بقي منكم» - لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب مما بين يديه ومما خلفه» [ (1) ] قال سلمة بن سلامة بن وقش:
قلت لوديعة بن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شيء؟ أما تعتبر؟ قال: قد كان يفعل بهذا مثل هذا قبل هذا، ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
وروى محمد بن عمر، وأبو نعيم عن جماعة من أهل المغازي قال: بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يسير منحدرا إلى المدينة، وهو في قيظ شديد، عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشا شديدا حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأرسل أسيد بن الحضير في يوم صائف، وهو متلثم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «عسى أن تجد لنا ماء» فخرج أسيد وهو فيما بين تبوك والحجر في كل وجه فيجد راوية من ماء مع امرأة من بليّ، فكلّمها أسيد، وأخبرها خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: فهذا الماء، فانطلق به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد وصفت له الماء وبينه وبين الطريق هنيهة، فلما جاء أسيد بالماء دعا فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ودعا فيه بالبركة، ثم قال: «هلم أسقيتكم» فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم، فسقوها حتى نهلت، ويقال أنه- صلى الله عليه وسلم- أمر بما جاء به أسيد فصبه في قعب عظيم من عساس أهل البادية فأدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه يده، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى ركعتين، ثم رفع يديه مدا، ثم انصرف وإن القعب ليفور، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- للناس «ردوا» فاتسع الماء وانبسط الناس حتى يصنّف عليه المائة والمائتان فارتووا، وإن القعب ليجيش بالرّواء، ثم راح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبردا مترويا
[ (2) ] .
وروى الطبراني بسند صححه الشيخ وحسنه الحافظ- خلافا لمن ضعّفه- عن فضالة ابن عبيد- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- غزا غزوة تبوك فجهد الظهر جهدا شديدا فشكوا ذلك إليه، ورآهم يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق والناس يمرون فيه، فنفخ فيها وقال: «اللهم احمل عليها في سبيلك فإنك تحمل على القوي والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر» فاستمرت فما دخلنا المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها [ (3) ] .
__________
[ (1) ] المغازي للواقدي 3/ 1039.
[ (2) ] المصدر السابق.
[ (3) ] الطبراني في الكبير 11/ 301 وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1706) وانظر المجمع 6/ 193 والبيهقي في الدلائل 6/ 155، وابن كثير في البداية 6/ 186.
ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- علي ذلك
روى الإمام أحمد عن أبي الطّفيل، والبيهقي عن حذيفة، وابن سعد عن جبير بن مطعم- رضي الله عنهم- وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة، والبيهقي عن ابن إسحاق. ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهم الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما كان ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم أن يطرحوه من عقبة في الطريق. وفي رواية كانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعلوا يلتمسون غرته، فلما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، وقالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فأخبر الله تعالى رسوله بمكرهم، فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك العقبة نادى مناديه للناس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخذ العقبة فلا يأخذها أحد، واسلكوا بطن الوادي، فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا، وسلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة ويقودها وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه، فبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسير من العقبة إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فنفّروا ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعقبة، وكانت ليلة مظلمة،
قال حمزة: فنوّر لي في أصابعي الخمس، فأضاءت حتى جمعت ما سقط من السوط والحبل وأشباههما، فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم، وقد رأى غضب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال: إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى، فعلم القوم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد اطّلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة: هل عرفت أحدا من الركب، الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله قد عرفت رواحلهم، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل. قال: «هل علمتم ما كان من شأنهم وما أرادوا» ؟ قالوا: لا والله يا رسول الله. قال: «فإنهم مكروا ليسيروا معي فإذا طلعت العقبة زحموني فطرحوني منها- إن شاء الله تعالى- قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبركم بهم إن شاء الله تعالى» قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما ثم قال: «اكتماهم» فانطلق إذا أصبحت فاجمعهم لي، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال
له أسيد بن الحضير: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي؟ فقد كان أسهل من العقبة؟ فقال: «أتدري يا أبا يحي أتدري ما أراد بي المنافقون وما همّوا به» ؟ قالوا: نتبعه من العقبة، فإذا أظلم عليه الليل قطعوا أنساع راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي فقال أسيد: يا رسول الله، قد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كلّ بطن أن يقتل الرّجل الذي همّ بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وإن أحببت- والذي بعثك بالحق- فنبئني بأسمائهم فلا أبرح حتى آتيك برؤوسهم. قال «يا أسيد إنّي أكره أن يقول النّاس إنّ محمّدا قاتل بقوم حتّى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم» .
وفي رواية «إنّي أكره أن يقول النّاس إنّ محمّدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه» فقال: يا رسول الله، فهؤلاء ليسوا بأصحاب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله؟» قال: بلى [ولا شهادة لهم] قال: «أليس يظهرون أني رسول الله؟» قال: بلى. ولا شهادة لهم، قال: «فقد نهيت عن قتل أولئك»
[ (1) ] .
وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير: فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لحذيفة:
«ادع عبد الله»
قال البيهقي [ (2) ] : أظن ابن سعد بن أبي سرح، وفي الأصل: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، لم يعرف له إسلام كما نبه إليه في زاد المعاد، قال ابن إسحاق: وأبا حاضر الأعرابي، وعامرا وأبا عمر، والجلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال: لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، وأمره أن يدعوا مجمع بن جارية، وفليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام، وانطلق هاربا في الأرض فلا يدرى أين ذهب، وأمره أن يدعو حصين بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه،
فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ويحك، ما حملك على هذا؟» قال: حملني عليه أني ظننت أن الله تعالى لم يطلعك عليه أما إذا أطلعك عليه فإني أشهد اليوم أنك لرسول الله، فإني لم أؤمن بك قط قبل الساعة، فأقاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعفا عنه بقوله الذي قاله، وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حذيفة أن يأتيه بطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، وهو الذي قال لأصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو الله مالكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت يا عدو الله؟» فقال عدو الله: يا نبي الله، والله ما تزال بخير ما أعطاك الله تعالى النصر على
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 257، وانظر المغازي للواقدي 3/ 1043، 1044، والدر المنثور 3/ 259 وابن كثير في البداية 5/ 19.
[ (2) ] البيهقي في الدلائل 5/ 258.
عدوك، فإنما نحن بالله وبك فتركه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال لحذيفة «ادع مرّة بن الربيع» وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن أبيّ ثم قال: تمطى، أو قال: تمططي والنعيم كائن لنا بعده، نقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، فدعاه رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال:
«ويحك، ما حملك على أن تقول الذي قلت؟» فقال: يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك فإنك العالم به، وما قلت شيئا من ذلك.
فجمعهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم اثنا عشر رجلا الذين حاربوا الله تعالى ورسوله، وأرادوا قتله، فأخبرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم، وأطلع الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- على ذلك يعلمه، وذلك قوله عز وجل: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [التوبة 74] ومات الاثنا عشر منافقين محاربين الله تعالى ورسوله.
قال حذيفة- كما رواه البيهقي: ودعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللهم ارمهم بالدّبيلة» قلنا: يا رسول الله. وما الدّبيلة؟ قال: «شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك»
[ (1) ] .
وروى مسلم عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «في أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية يكفيهم الدّبيلة، سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم»
[ (2) ] .
قال البيهقي,
روى الطبراني بسند صحيح عن فضالة بن عبيد، قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد الظّهر جهدا شديدا فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم رجالا لا يزجون ظهرهم، فوقف في مضيق، والناس يمرّون فيه فنفخ فيها نفخا وقال: «اللهم بارك فيها واحمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القويّ والضعيف والرّطب واليابس في البرّ والبحر» ،
فاستمرت فما دخلت المدينة إلا وهي تنازعنا أزمّتها [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
يزجّون: بزاي وجيم: يسرقون.
الباب الخامس في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم- ذكرنا ذلك-
روى أبو نعيم وأبو عبد الله بن حامد الفقيه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر، ورجل من الأنصار وفي الحائط غنم فسجدت له ... الحديث.
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 11/ 376 وانظر المجمع 6/ 196 وفيه يرحون بدل من يزجون.