ـــــــــــــــــــــــــــــ
(باب ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
أى: موته من وفى بالتخفيف بمعنى: تم، أى: تم أجله، اعلم أن الموت لما كان مكروها بالطبع، لم يمت نبى حتى خير لما فى البخارى عن عائشة: «كان صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبى قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى ويخير» (1) وفى رواية لأحمد «ما من نبى يقبض إلا رأى الثواب ثم يخير» (2)، وله أيضا: «أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة، فاخترت لقاء ربى والجنة» (3)، ولعبد الرزاق: «خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتى وبين التعجيل فاخترت التعجيل» (4). وروى: «ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قبض ثم رأى مقعده فى الجنة ثم ردت إليه نفسه ثم خير». ففى المسند عن عائشة: «كان صلى الله عليه وسلم يقول: ما نبى إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم يرد إليه، فيخير بين أن يرد إليه إلى أن يلحق، فكنت قد حفظت ذلك، وإنى لمسندته إلى صدرى فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت قبض (5)، قالت: فعرفت الذى قال، فنظرت إليه حين ارتفع ونظر، فقلت: إذا والله لا يختارنا فقال: مع الرفيق الأعلى فى الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (6). وأول ما أعلم الله النبى صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله بنزول.
إِذاجاءَ نَصْرُ اَللهِ (7) فإن المراد: إذا فتح الله عليك البلاد ودخل الناس فى دين الله
_________
(1) رواه البخارى فى المغازى (4463)، ورواه فى الرقاق (6509)، وأحمد فى مسنده (6/ 89).
(2) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (7/ 743).
(3) رواه البخارى فى الجنائز (1344)، وفى الجهاد (2977)، وفى المغازى (4085)، (4375)، وفى الرقاق (6426)، (6590)، وفى التعبير (6998)، (7013)، (7037)، وفى الاعتصام (7273)، بألفاظ مختلفة ومسلم فى المساجد (523)، وفى الفضائل (2296)، والنسائى (6/ 3)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 264،268،319،455،502) (4/ 149،153).
(4) فى (ش): [قضى].
(5) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (7/ 744)، وذكره الزبيدى (10/ 287)، وقال: ورواه ابن السنى فى عمل يوم وليلة من حديث أبى المعلى بلفظ: «إن عبدا خيره الله بين أن يعيش فى الدنيا ما شاء أن يعيش. . .» رواه بنحوه.
(6) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (10/ 288)، وعزاه لأحمد فى مسنده (6/ 274).
(7) سورة النصر: آية رقم (1).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أفواجا، فقد اقترب أجلك فتهيأ للقاء بالتحميد والاستغفار لحصول ما أمرت به من أداء الرسالة والتبليغ، ومن ثم قيل: إنها آخر سورة نزلت لأنها يوم النحر بمنى من حجة الوداع. وقيل: عاش بعدها أحد وثمانين يوما وعند ابن أبى حاتم: تسع ليال، وقيل:
سبعا، وقيل: ثلاثا. ولأبى يعلى أنها نزلت وسط أيام التشريق فعرف النبى صلى الله عليه وسلم أنه الوداع. وللدارمى عن ابن عباس: «لما نزلت طه دعى فاطمة قال: نعيت إلى نفسى فبكت، قال: لا تبكى، فإنك أول أهل بيتى لحوقا بى فضكحت. . .» (1) الحديث.
وللطبرانى عنه: «لما نزلت طه نعت إليه نفسه فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا فى أمر الآخرة» (2) وفى هذه السنة عرض القرآن على جبريل مرتين واعتكف عشرين يوما، وكان قبل يعرضه مرة ويعتكف العشر الأخير فقط. وروى الشيخان: «أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال: «إنى بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيدا، وإن موعدكم الحوض، وإنى لأنظر إليه وأنا فى مقامى هذا، وإنى قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإنى لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدى، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها» (3) وما زال صلى الله عليه وسلم يعرّض باقتراب أجله فى آخر عمره، فإنه لما خطب فى حجة الوداع، قال للناس: «خذوا عنى مناسككم فلعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا» (4) وطفق يودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، وجمع الناس فى رجوعه إلى المدينة بماء يدعى جما بالجحفة فخطبهم فقال: «يا أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب» ثم حض على التمسك بكتاب الله،
_________
(1) رواه أحمد فى مسنده (1/ 217،449)، وعبد الرزاق فى مصنفه (20646)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 185)، وقال: رواه الطبرانى وفيه مينا وهو كذاب وذكره أيضا (7/ 144)، وذكر الحديث وفى إسناده هلال بن خباب قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفى إسناده أحمد بن عطاء بن السائب وقد اختلط. وذكره أيضا (9/ 23)، وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثقة وفيه ضعف. وذكره أبو نعيم فى تاريخ أصفهان (2/ 32).
(2) تقدم تخريجه فى الذى قبله.
(3) رواه البخارى فى المغازى (4042) ورواه البغوى فى شرح السنة (14/ 39)، ورواه البيهقى فى الكبرى (4/ 14).
(4) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (5/ 125).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ووصى بأهل بيته، ولما وصل إلى المدينة مكث قليلا ثم مرض، وفى هذا المرض، خرج كما عند الدارمى وهو معصوب الرأس فصعد المنبر ثم قال كما رواه الشيخان «إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال أبو سعيد الخدرى فعجبنا، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخبر، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن أمنّ الناس علىّ فى صحبته وماله أبو بكر فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبى بكر» (1) زاد مسلم: «أن ذلك كان قبل موته بخمس ليال» وأنه صريح فى أنه أعلم الأمة بمقاصده، لأنه المنفرد بفهم المقصود من هذه الإشارة، وحيث بكى وقال: بكى وقال: نفديك. .
إلخ، فسكّن صلى الله عليه وسلم جزعه وأثنى عليه على المنبر ليعلم الناس كلهم فضله، ولا يختلفون فى خلافته بقوله: «إن أمنّ الناس. . . إلخ» ثم أشار إلى خلافته بقوله: «لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت. . إلخ» فإن الإمام يحتاج إلى سكنى المسجد والاستطراق فيه بخلاف غيره، ثم أكد هذا المعنى بأمره صريحا أن يصلى بالناس خرج، وهو يقول:
«مروه فليصلّ» فولاه إمامة الصلاة ولذا قالت الصحابة عند بيعته رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا. وصح أن ابتداء مرضه فى بيت ميمونة، وقيل: زينب، وقيل: ريحانة.
وصح أيضا أن مدته عشرة أيام وقيل: ثلاثة عشر وعليه الأكثرون وقيل أربعة عشر وصدر به فى الروضة. وفى البخارى عن عائشة «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض فى بيتى فأذنّ له» (2). وفيه عنها أيضا قالت: وا رأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: «ذلك لو كان وأنا حى فأستغفر لك وأدعو لك» (3) فقالت عائشة: وا ثكلياه والله
_________
(1) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2382)، والترمذى فى المناقب (3660)، والنسائى فى فضائل الصحابة (2).
(2) رواه البخارى فى الوضوء (198)، وفى الأذان (665)، وفى الهبة (2588)، وفى فرض الخمس (3099)، وفى المغازى (4442)، وفى الطب (5714)، ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1618)، بألفاظ مختلفة ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 124،256).
(3) رواه البخارى فى المرضى (5666)، بلفظ: ذاك، وفى الأحكام (7217)، رواه البغوى فى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إنى لأظنك تحب موتى فلو كان ذلك لظلت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبى بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون» (1) وقوله: «بل أنا وا رأساه» إضراب أى: دعى ذكر ما تجدينه من وجع رأسك فاشتغلى بى، وفى قوله: «وا رأساه»: رد لقول جمع من أئمتنا يكره تأوه المريض، نعم: إن أرادوا خلاف الأولى اتجه لأنه يدل على ضعف اليقين، ويشعر بالتسخط، ويورث شماتة الأعداء، ولا بأس اتفاقا بإخبار طبيب أو صديق، إذ لا نظر لعمل اللسان بل لعمل القلب فكم من ساكت ساخط وشاك راض. وبهذا الحديث علم أن ابتداء مرضه كان صداع الرأس، وكان مع حمى، فقد صح أنه كان عليه قطيفة فكانت الحمى تصيب من وضع يده عليها من فوقها، فقيل له فى ذلك فقال: «إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر» (2). وفى البخارى «إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله سيئاته. كما تحت (3) الشجرة ورقها» (4) والوعك بفتح فسكون أو فتح الحمى، وقيل: أشدها وقيل: إرعادها. وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان عليه سقاء يقطر من شدة الحمى فقال: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (5).
_________
= شرح السنة (1411)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 378)، وفى دلائل النبوة (7/ 168)، وفى حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهانى (2/ 185).
(1) رواه البخارى فى المرضى (5666)، وفى الأحكام (7217)، وأحمد فى مسنده (6/ 228)، والبغوى فى شرح السنة (1411)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 378)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (2/ 185)، والدار قطنى فى سننه (2/ 74)، والألبانى فى الغليل (3/ 160)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 11،24).
(2) ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب (4/ 281)، وقال: رواه ابن ماجه، وابن أبى الدنيا فى كتاب المرض والكفارات، والحاكم واللفظ له وقال: صحيح على شرط مسلم وله شواهد كثيرة. ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 161).
(3) فى (ش): (تحط).
(4) رواه البخارى فى المرضى (5648)، (5660) ومسلم فى البر (2571)، والبغوى فى شرح السنة (1432)، وأحمد فى مسنده (1/ 441،445)، والدارمى فى الرقاق (2/ 316)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (4/ 128).
(5) رواه الترمذى فى الزهد (2398)، وابن ماجه فى الفتن (4023،4024)، والدارمى فى الرقاق =
368 - حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث، وقتيبة بن سعيد، وغير واحد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهرى، عن أنس بن مالك، قال:
«آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كشف السّتارة يوم الإثنين، فنظرت إلى وجهه كأنّه ورقة مصحف، والنّاس خلف أبى بكر، فأشار إلى النّاس أن اثبتوا، وأبو بكر يؤمّهم، وألقى السّجف، وتوفّى من آخر ذلك اليوم».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفى البخارى عن عائشة: «أنه لما اشتد وجعه قال أهريقوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوعيتهن لعلى أعهد إلى الناس، فأجلسناه فى مخضب لحفصة ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده إن فعلتن. . .» (1) الحديث. قيل: ولهذا خاصية فى دفع السم والسحر. وفى البخارى: «ما زلت أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهرى من ذلك السم» (2). وفى رواية: «ما زالت أكلة خيبر تعاودنى» (3) وهى بالضم وأخطأ من فتح إذ لم يأكل إلا لقمة واحدة أى: أن سم تلك الشاة التى أهديت له ثم كان يثور عليه أحيانا، والأبهر عرق مستبطن بالصلب يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقد كان ابن مسعود وغيره يروى «أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا من السم».
368 - (عن أنس. . . إلخ): رواه أيضا عن البخارى بلفظ: «أن المسلمين بينما هم فى
_________
= (2/ 320)، وكلهم راووه بألفاظ مختلفة، ورواه أحمد فى مسنده (1/ 172،174،180، 185) (6/ 369)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 292)، وقال: رواه أحمد والطبرانى فى الكبير بنحوه وقال فيه: إنا معاشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء، وإسناد أحمد: حسن.
368 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى الصلاة (419)، والنسائى فى الجنائز، وابن ماجه كذلك (1624)، وأحمد فى المسند (3/ 110)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 216)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (936)، كلهم من طرق عن الزهرى به فذكره نحوه.
(1) رواه البخارى فى الوضوء (198)، وفى المغازى (4442)، وفى الطب (5714)، ورواه البخارى فى التاريخ (1/ 408)، ورواه البيهقى فى السنن الكبرى (1/ 31)، ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 179).
(2) رواه البخارى فى المغازى (4428)، ورواه أبو داود فى الديات (4512) بألفاظ مختلفة، ورواه البيهقى فى دلائل النبوة (4/ 264).
(3) رواه البيهقى (10/ 11)، ورواه ابن عدى فى الكامل فى ضعفاء الرجال (3/ 403).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صلاة الفجر يوم الإثنين، وأبو بكر يصلى بهم لم يفجأهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم، وهم فى صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبه ليصلى بالصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، قال أنس: وهم المسلمون أن يفتنوا فى صلاتهم وجىء برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر» (1). وفى رواية: «فتوفى عن يومه»:
وفى أخرى ولمسلم عن أنس أيضا: «لم يخرج إلينا ثلاثا، فذهب أبو بكر يتقدم، فرفع صلى الله عليه وسلم الحجاب، فلما وضح لنا وجهه ما نظرنا منظرا قط كان أعجب إلينا منه حين وضح لنا، فأومأ إلى أبى بكر أن يتقدم، وأرخى الحجاب. . .» (2) الحديث. ولفظ مسلم عنه:
«أن أبا بكر كان يصلى بهم حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صفوف فى الصلاة فكشف ستر الحجرة فنظرنا إليه، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم ضاحكا. . .» (3) الحديث. (آخر نظرة): القياس نصب آخر بنظرتها ونظيره إِنّاكُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (4) ويلزم من عود ضميرها إلى نظرة أنه مفعول مطلق لا مفعول به على التوسع
_________
(1) رواه البخارى فى العمل فى الصلاة (1205)، وفى الأذان (680)، (754)، وفى المغازى (4448)، وفى الجنائز (1241،1242)، (4452،4453،4454)، وفى الأحكام (7219)، وفى الاعتصام (7269)، ورواه النسائى فى الجنائز (4/ 11)، وأحمد فى مسنده (3/ 163)، والبيهقى فى دلائل النبوة (70،215،216)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 269، 271)، (2/ 265،266)، (2/ 268)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 77)، ورواه ابن حبان فى صحيحه (6620)، وفى الثقات (8/ 11) والرازى فى الجرح والتعديل (2/ 44).
(2) رواه البخارى فى الأذان (680،681،754)، وفى العمل فى الصلاة (1205)، وفى المغازى (4448)، ورواه مسلم فى الصلاة (100،419)، ومسلم والترمذى فى الشمائل (367) (419)، ورواه النسائى فى الجنائز (4/ 7)، وابن ماجه كذلك (1624)، والبغوى فى شرح السنة (3824)، وأحمد فى مسنده (3/ 110،163،196،197،202)، وابن حبان فى صحيحه (2065)، وابن خزيمة فى صحيحه (1488)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 75)، والحميدى فى مسنده (1188)، وأبو عوانة (2/ 118،119)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 216).
(3) رواه البخارى فى العمل فى الصلاة (1205)، ومسلم فى الصلاة (418،419)، والنسائى فى الإمامة (2/ 101)، وفى القضاه (8/ 243).
(4) سورة القمر: آية رقم (49).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمبالغة، والذى فى الأصول المصححة بالرفع فهو مبتدأ، وخبره ما دل عليه قوله:
«كشف» أى آخر نظرى إلى وجهه حين كشف الستارة عن وجهه، أو آخر نظرى إلى وجهه هذا الذى أذكره، وهو «أنه كشف. . إلخ» فهو بيان أو آخر نظرى إلى وجهه فى مرضه حال كونه قد كشف إلى آخره. وأما زعم أن نظرتها خبر آخر فهو لا يصدر ممن له إلمام بشىء من النحو (كشف الستارة): وقع لفظا خبر عن آخر من غير رابطة بينهما، فوجب تأويله بما يصححه كأن يقال: أريد بكشفها زمن كشفها، وعجيب من قول بعضهم: أنه حال بتقدير قد، ولم يتعرض لما أشرت إليه من الإشكال، والخبر والمبتدأ أصلا (كأنه ورقة مصحف): بتثليث ميمه، والأشهر ضمها. قال النووى: وكسرها، وقال غيره: بل هو شاذ كالفتح أى: فى الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه واستنارته. (يؤمهم): فى صلاة الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم. (السجف): بفتح أوله وكسره أى الستر، وقيل: لا يسمى سجف إلا إن شق وسطه. (من آخر ذلك اليوم): الذى هو يوم الإثنين ثانى عشر ربيع الأول فى السنة الحادية عشرة من الهجرة لكن الصحيح بعد اتفاقهم، على أنه توفى حين اشتد الضحى، وحكى عليه الاتفاق أيضا، وجزم موسى ابن عقبة عن ابن شهاب أنه مات حين زاغت الشمس، وكذا لأبى الأسود عن عروة، وهنا إشكال، هو أنه أجمع المسلمون على أن وقوفه بعرفة فى حجة الوداع كان يوم الجمعة تاسع من الحجة، وهذا ينافى أنه يوم الإثنين المذكور ثانى عشر ربيع الأول، لأن الحجة والمحرم وصفر إن نقص أحدهم، لم يكن أن يكون الإثنين ثانى عشر ربيع الأول، وكذا إن لم ينقص واحد منهم، بل يكون ثانى عشر ربيع الآخر فلم يصح أن يكون ثانى عشر الإثنين على كل تقدير. وأجيب: بأن ذلك مبنى على اختلاف المطالع فى مكة والمدينة، بأن يكون أول الحجة بالمدينة الجمعة، وبمكة الخميس. واعترضه شارح فقال: هذا الجواب ليس بشىء لأنه ينبغى أن لا تساعده الشافعية، لعدم اختلاف المطالع عندهم، وينبغى أن تخالفهم أهل مكة فى كونه ثانى عشر، بل ينبغى أن يجعلوه ثالث عشر انتهى. وجرى فى هذا الجواب على عادته من الرد بما لا يصح تارة، ولا يفهم أخرى، وبيانه: قوله لعدم اختلاف المطالع عندهم، إن أراد به أن مكة والمدينة غير مختلفى المطالع عندهم فهو باطل، لأن العبرة فى ذلك بأهل علم الميقات، وهما مختلفا المطالع عندهم، وإن أراد أن الشافعية لا يقولون باختلاف المطالع فهو باطل أيضا، لأن
369 - حدثنا حميد بن مسعدة البصرى، حدثنى سليم بن أخضر، عن ابن عوف، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:
«كنت مسندة النّبىّ صلى الله عليه وسلم إلى صدرى-أو قالت: إلى حجرى-فدعا بطست ليبول فيه، ثمّ بال، فمات».
370 - حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك مذكور حتى فى مختصراتهم، غاية الأمر أن شيخى مذهبهم اختلفا فى الترجيح.
فالرّافعى: رجح مسافة القصر، والنووى: باختلاف المطالع، وهما موجودان هنا إذ بين مكة والمدينة مسافات قصر، وهما مختلفا المطالع. وقوله: ينبغى أن يخالفهم أهل مكة. . إلخ كلام لا محصل له، ثم قال: والأقرب ما قاله بعض العلماء أن المراد بقولهم لاثنى عشر خلت منه أى لا أنها كاملة، والدخول فى الثانية انتهى. وهذا فى غاية البعد، بل لا يصح فكيف يجعله الأقرب.
369 - (كنت. . .) إلخ: فيه حل الاستناد للزوجة والبول فى الطست ولو مع الزوجة. (والحجر) بالفتح والكسر الحضن، هو ما دون الإبط إلى الكشح.
(والطست): أصله الطسس أبدلت أحد سينه تاء للخفة، فترد عند الجمع، والتصغير.
(ثم بال فمات): ظاهره أنه مات فى حجرها ويوافقه رواية البخارى عنها: «توفى فى بيتى وفى يومى وبين سحرى ونحرى»، وفى رواية: «بين حاقنتى وذاقنتى»: أى كان رأسه صلى الله عليه وسلم بين حنكها وصدرها، ولا يعارضه ما للحاكم وابن سعد من طرق «بأن رأسه المكرم كان فى حجر على» لأن كل طريق منها لا يخلو عن شىء قاله الحافظ ابن حجر وبتقدير صحتها المراد أنه كان فى حجره قبيل الوفاة.
370 - (بالموت): أى مشغول أو متلبس به وما بعدها أحوال متداخلة. (ثم يمسح
_________
369 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الوصايا (2741)، وفى المغازى (4459)، ومسلم فى الوصية (1636)، وابن ماجه فى الجنائز (1626)، دون ذكر البول. وفيه زيادة، كلهم من طرق عن ابن عوف به فذكره.
370 - إسناده ضعيف: فيه موسى بن سرجس: قال فيه الحافظ: مستور، التقريب (6964). =
القاسم بن محمد، عن عائشة، أنها قالت:
«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده فى القدح، ثمّ يمسح وجهه بالماء، ثمّ يقول: اللهمّ أعنّى على منكرات الموت-أو قال: على سكرات الموت-».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجهه بالماء): لأنه كان يغمى عليه من شدة الوجع، ثم يفيق، ويؤخذ منه أنه ينبغى فعل ذلك لكل مريض، وإن لم يفعله فعل به غيره، لأن فيه نوع تخفيف للكرب كالتجريع بل يجب التجريع إن اشتدت حاجة المريض إليه، وأغمى عليه صلى الله عليه وسلم مرة، فظنوا أن به ذات الجنب فلدوه أى من اللدود، وهو ما يجعل فى جانب الفم من الدواء، وأما ما يصب فى الحلق فهو الوجور، فجعل يشير إليهم أن لا يلدوه، فقالوا: كراهة المريض للدواء، فلما أفاق قال: «ألم أنهكم أن تلدونى» فقالوا: كراهية المريض للدواء فقال:
«لا يبقى أحد فى البيت إلا لد وأنا انظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم» رواه البخارى، «وكان بقسط مذاب فى زيت» رواه الطبرانى، وفعل بهم ذلك لتركهم امتثال نهيه تأديبا لا انتقاما خلافا لمن ظنه. وظاهر سياق الخبر كما قاله بعض المحققين أن سبب كراهته لذلك مع أنه كان يتداوى، عدم ملائمة ذلك لدائه، فإنهم ظنوه ذات الجنب، ولم تكن به، لخبر ابن سعد: «ما كان الله ليجعل لها-أى لذات الجنب-علىّ سلطانا» والخبر «بأنه مات منها» ضعيف على أنه جمع بأنها تطلق على ورم حار يعرض فى الغشاء المستبطن، وهو المنفى، وعليه تحمل رواية الحاكم: «ذات الجنب من الشيطان» وعلى ريح تحتقن بين الأضلاع، وهو المثبت. (سكرات الموت): أى شدائد الموت ومكروهاته، وما يحصل للعقل من التغطية المشابهة للسكر، وقد يحصل من الغضب والعشق نظير ذلك، فهو بمعنى منكرات الآتية، والشك إنما هو فى اللفظ ولشارح هنا ما لا ينبغى، وهو قوله: لعل المراد بها الأمور المخالفة للشرع حرمة أو كراهة الواقعة حال شدة الموت. انتهى. فقوله: المخالفة للشرع، ليس فى محله، لأنه صلى الله عليه وسلم لعصمته لا يخشى شيئا فى ذلك، فإن قلت: الشيطان تغلب عليه فى صلاته، قلت: تغلبه عليه فى حال
_________
= ورواه الترمذى فى الجنائز (978) بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه (1623)، وأحمد فى المسند (6/ 64،70،77،151)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 198)، والخطيب البغدادى فى التاريخ (7/ 208)، كلهم من طرق عن موسى بن سرجس به فذكره نحوه. وقال المصنف: حسن غريب.
371 - حدثنا الحسن بن صبّاح البزار، حدثنا مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن العلاء، عن أبيه، عن ابن عمر، عن عائشة، قالت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صحته لا يقتضى تغلبه عليه فى هذا الحال، وبفرض وقوعه، هو آمن منه قطعا. فقوله:
حرمة أو كراهة غلط صريح وتجرء قبيح وفى تلك الشدائد زيادة ارتفاع لدرجاته العلية صلى الله عليه وسلم (أو منكرات الموت) هو ما جاء فى رواية أحمد من غير شك، وفى رواية: «جعل يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات» فقيل: هى سكرات طرب لقاء ربه لأن بلالا إذا قال وهو فى السياق: وا طرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه» فما بالك لربه، لكن يؤيد ما قررته أولا الخبر المرسل: «اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل فأعنّى عليه وهوّنه علىّ» (1). وفى البخارى عن عائشة: «أن أخاها عبد الرحمن دخل عليها، وهى مسندة النبى صلى الله عليه وسلم صدرها، ومعه سواك رطب يستن به، فأتبعه صلى الله عليه وسلم بصره فأخذته وقصمته ورطبته بالماء، ثم دفعته إليه فاستن به، قالت: فما رأيته استن استنانا قط أحسن منه» (2). وفيه أيضا: «أن من نعم الله علىّ أن جمع بين ريقى وريقه عند موته». وفى رواية: «أنه كان من جريد النخل» وللعقيلى: «آتينى بسواك رطب فامضغيه، ثم آتينى به أمضغه لكى يختلط ريقى بريقك، لكى يهون علىّ عند الموت».
وفى المسند عنها: «إنه ليهون علىّ لأنى رأيت بياض كف (3) عائشة فى الجنة».
371 - (لا أغبط): من الغبطة، وهو اشتهاء أن يكون لك مثل من غبطته، ويدوم
_________
371 - صحيح: رواه الترمذى فى الجنائز (979) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المغازى (4446)، وأحمد فى المسند (6/ 64،77)، كلاهما من طريق ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: «مات النبى صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى وذاقنتى، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبى صلى الله عليه وسلم».
(1) ذكره الهندى فى كنز العمال (2/ 204)، وعزاه لابن أبى الدنيا فى ذكر الموت عن طعمة بن غيلان الجعفى. وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (10/ 260) وقال العراقى رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الموت من حديث طعمة بن غيلان الجعفى وهو معضل سقط منه الصحابى والتابعى.
(2) رواه البخارى فى الوصايا (2741)، بمعناه، ومسلم فى الوصية (1636)، بمعناه. وابن ماجه فى الجنائز (1626) بمعناه وأحمد فى مسنده (6/ 32،74،231).
(3) فى (ش): (سن).
«لا أغبط أحدا بهون موت، بعد الذى رأيت من شدّة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه حال. (بهون موت): أى أرفقه وأخفه، وهذا من إضافة الصفة للموصوف وأرادت أنها لما رأت شدة وفاته، علمت أنها ليست من العلامات الدالة على سوء، وضدها لا يدل على الكرامة، وإلا لكان أولى الناس به فلم يكره الشدة لأحد، ولم يغبط أحد يموت من غير شدة. وبهذا يندفع قول بعضهم: الأنسب أن تقول: أغبط كل من يموت بشدة وجه الاندفاع ما علمت أن الشدة لا تدل على خير والرفق لا يدل على سوء وبالعكس. وفى البخارى: «أنه صلى الله عليه وسلم لما حضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة، غشى عليه، فلما أفاق، شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم فى الرفيق الأعلى» (1)، وصح «أسأل الله الرفيق الأعلى، مع الأسعد جبريل وميكائيل وإسرافيل» (2). وظاهره أن الرفيق مكان يرافق فيه المذكورين، وفى النهاية: هو جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. وقيل: هو الله لأنه رفيق بعباده، وقيل: حظيرة القدس، وختم كلامه بهذه الكلمة، لتضمنها التوحيد والذكر بالقلب، وإشارة إلى أن من منع لسانه مانع عن الذكر وقلبه مشغول به لم يضره ذلك، وأفرده لأن أهل الجنة يدخلونها على قلب واحد. وفى دلائل النبوة للبيهقى حديث طويل فيه أنه لما بقى من أجله صلى الله عليه وسلم ثلاث جاءه جبريل يعوده فقال: أجدنى مغموما أجدنى مكروبا ثم جاءه فى اليوم الثانى وفى الثالث، وهو يقول له ذلك، ثم أخبره أن ملك الموت يستأذن، وأنه لم يستأذن على آدمى قبله ولا بعده، فأذن له فوقف بين يديه، يخيره بين قبض روحه وتركه، فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق للقائك، فأذن له فى القبض فلما قبضه، وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت، السلام عليكم أهل البيت، وذكر تعزية طويلة» وأنكر النووى وجود هذه التعزية فى كتب الحديث، وقال الحافظ العراقى: لا تصح، وبين أن ما رواه ابن أبى الدنيا فى ذلك بطوله فيه انقطاع ومتكلم
_________
(1) رواه البخارى فى المغازى (4463)، وفى الدعوات (6348)، ورواه مسلم فى فضائل الصحابة (2444)، وأحمد فى مسنده (6/ 89)، والبغوى فى شرح السنة (14/ 46)، رواه البيهقى فى دلائل النبوة (7/ 208)، وابن كثير فى البداية والنهاية (5/ 240)، وابن حبيب فى مسنده (2/ 26).
(2) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (9/ 210)، وقال العراقى: متفق عليه من حديث عائشة.
372 - حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا أبو معاوية: محمد بن حازم، عن عبد الرحمن بن أبى بكر-هو ابن المليكى-عن ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت:
«لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى دفنه. فقال أبو بكر: سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: ما قبض الله نبيّا إلا فى الموضع الذى يحبّ أن يدفن فيه. ادفنوه فى موضع فراشه».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه. وما رواه البيهقى فى دخول ملك الموت روى نحوه الطبرانى أيضا، ومعنى اشتياق الله للقائه، أراد لقاءه بأن يرده من دنياه إلى معاده، زيادة فى قربه وكرامته.
372 - (ابن اللجاج): بجيمين. (فى دفنه) (1): أى فى المحل الذى يدفن فيه فقيل:
يدفن فى مسجده، وقيل: بالبقيع بين أصحابه، وقيل: ابنه إبراهيم، وقيل: بمكة «فقال مروا أبو بكر. .» (2) إلخ رواه عنه أيضا مالك فى الموطأ وابن ماجه أى «الذى يحب» الله
_________
372 - إسناده ضعيف وهو صحيح موقوفا: فيه: عبد الرحمن بن أبى بكر المليكى: يضعف من قبل حفظه. رواه الترمذى فى الجنائز (1018)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1628)، وابن عدى فى الكامل (2/ 349)، من طريق الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو ضعيف جدا، ورواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 223) موقوفا على أبى بكر بسند صحيح. وذكره الحافظ فى الفتح فقال: وقد روى: أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون. قلت-أى الحافظ-: هذا الحديث رواه ابن ماجه مع حديث ابن عباس عن أبى بكر مرفوعا. . . وفى إسناده حسين بن عبد الله الهاشمى وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقى فى الدلائل، وروى الترمذى فى الشمائل والنسائى فى الكبرى من طريق سالم بن عبيد الله الأشجعى الصحابى، عن أبى بكر أنه قيل له: «فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا فى مكان طيب» إسناده صحيح لكنه موقوف. والذى قبله أصرح بالمقصود.
(1) ما بين [] سقط من الأصل (أ)، وما أثبت من النسخة (ب)، وكذا هو فى (ش)، وبداية السقط من هنا.
(2) رواه البخارى فى الأذان (713،682)، وفى المغازى (4445)، ومسلم فى الصلاة (418)، والترمذى فى الشمائل (378)، والنسائى فى الإمامة (2/ 99،100)، وابن ماجه (1232، 1234)، فى إقامة الصلاة، وابن حبان فى صحيحه (2118،2120،6601،6873، 6874)، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 304)، (3/ 81).
373 - حدثنا محمد بن بشار، وعياش العنبرى، وسوار بن عبد الله، وغير واحد، قالوا: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سفيان الثورى، عن موسى بن أبى عائشة، عن عبيد الله، عن ابن عباس وعائشة:
«أنّ أبا بكر قبّل النّبىّ صلى الله عليه وسلم بعدما مات».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو النبى «فى فراشه»: أى فى المحل الذى تحت فراشه الذى مات وهو عليه، ولا يشكل على هذا نقل موسى ليوسف صلى الله عليه وسلم من مصر إلى آبائه بفلسطين لأن يوسف هو قبر فى المحل الذى قبض فيه، وأما نقله منه بعد هذا الحديث لا يدل على امتناعه لا سيما وموسى إنما فعله بوحى كما هو الظاهر وأن محبة يوسف لدفنه بمصر كانت مغياة بفقد من ينقله إلى آبائه؟ وجاء أن عيسى صلى الله عليه وسلم يدفن بجنب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنه ترك له موضع، ثم يؤخذ منه بفرض صحته، أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقبض فى الحجرة إلا أن يقال أنه يقبض فى الحجرة، ولا يخلو عن بعد، فهو اشتقاق مشتمل على إيهام تناقض وعدم تأمل لأن من سلّم به صحة ما ورد أنه يدفن فى الحجرة يلزمه أن يسلّم موته فيها، لما علمت أن لفظ الحديث: «ما قبض الله نبيا إلا فى الموضوع الذى يحب أن يدفن فيه» (1)، وهذا صريح فى التلازم الذى ذكرته بناء على صحه رواية دفنه ثم، ومبطل لذلك الاعتراض فتأمله، قيل: يؤخذ من الحديث أن عيسى يدفن بجنب نبينا صلى الله عليه وسلم فى حجرته، ولذا ترك له ثم موضع انتهى. وفى هذا الأخذ نظر ظاهر، ومن يستنبط من هذا الاستنباط حقيق بأن لا يرفع له راية.
373 - (أن أبا بكر قبل النبى صلى الله عليه وسلم بعد ما مات): رواه البخارى وغيره أيضا ولأحمد أتاه قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وا نبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: وا صفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال: وا خليلاه (2)، ولابن
_________
373 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى المغازى (4456)، وفى الطب (5709)، وابن ماجه فى الجنائز (1457)، وأحمد فى المسند (6/ 55)، كلهم من طرق عن يحيى بن سعيد به فذكره.
(1) رواه الترمذى فى الجنائز (1018).
(2) رواه البخارى فى المغازى (4455،4456،4457)، وفى الطب (5709،5710،5711)، والنسائى فى الجنائز (4/ 11)، وابن ماجه فى الجنائز (1457)، وأحمد فى مسنده (6/ 55)، وابن حبان فى صحيحه (3029)، والبغوى (1471).
374 - حدثنا نصر بن على الجهضمى، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبى عمران الجونى، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة:
«أنّ أبا بكر دخل على النّبىّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على ساعديه، وقال: وا نبيّاه، وا صفياه، وا خليلاه».
375 - حدثنا بشر بن هلال الصواف البصرى، حدثنا جعفر بن سليمان، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبى شيبة فوضع فاه على جبينه فجعل يقبله ويبكى ويقول: بأبى أنت وأمى طبت حيا وميتا فعل ذلك اتباعا له صلى الله عليه وسلم، فى تقبيله لعثمان بن مظعون رضى الله عنه، وبه علم ندب تقبيل وجه الميت الصالح.
374 - (الجونى): بفتح الجيم، والجون بطن من الأزد. (بابنوس): بموحدتين فألف بينهما ثم نون مضمومة وواو ساكنة، فمهملة، (ووضع يديه على ساعديه): فيه حل نحو ذلك بالميت. (وا نبياه. . .) إلخ، فيه حل نحو ذلك من غير نوح ولا ندب، وأصله، يا نبى الحق آخره ألفا للندب ليمتد بها الصوت وليتميز المندوب عن المنادى وهاؤه للسكت تزاد وقفا لأرادة ظهور الألف لخفائها. وتحذف وصلا، قال الطبرى ولا ينافى هذا ما يأتى من ثباته لاحتمال أنه قال من غير انزعاج ولا قلق بخفض صوته.
375 - (لما كان اليوم. .) إلخ: رواه عنه أيضا الدارمى بلفظ: «ما رأيت يوما كان أقبح
_________
374 - إسناده ضعيف: فيه يزيد بن بابنوس البصرى. قال فيه البخارى: كان من الذين قاتلوا عليا، وقال ابن عدى: أحاديثه مشاهير، وقال الدار قطنى: لا بأس به. وذكره ابن حبان فى الثقات. قلت: وعلى ذلك حسنه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل، وفى ذلك نظر: حيث لا يعتمد على توثيق ابن حبان، لتساهله المعلوم، ولقد قال الحافظ فيه: مقبول. انظر: تهذيب الكمال (23/ 92،93)، ميزان الاعتدال (4/ 420). ورواه أحمد فى مسنده (6/ 31،220)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 302)، كلاهما من طريق أبى عمران الجونى به فذكره نحوه.
375 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3618)، بسنده ومتنه سواء. ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1631)، والبغوى فى شرح السنة (3834)، وابن حبان فى صحيحه (6634)، ثلاثتهم من طريق بشر بن هلال الصواف به فذكره. =
ثابت، عن أنس، قال:
«لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كلّ شىء، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كلّ شىء، وما نفضنا أيدينا عن التراب، وإنّا لفى دفنه صلى الله عليه وسلم حتّى أنكرنا قلوبنا».
376 - حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عامر بن صالح، عن هشام بن عروة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا أظلم من يوم مات فيه صلى الله عليه وسلم». (أظلم منها كل شىء): فيه نوع تجريد ظاهره أن الإضاءة والإظلام محسوسان، وأن الإضاءة دامت إلى موته فعقبها الإظلام وقيل: هما معنويان، والأول أولى لما فيه من المعجزة والحال أن ما نافية (نفضنا) (وإنا) الواو هنا للحال أيضا فهى مع التى قبلها من المتداخلة بين بهما أن ذلك الإظلام وقع عقب موته صلى الله عليه وسلم من غير مهلة «معتما» غاية للإظلام يعنى: أظلم منها كل شىء حتى قلوبنا لأننا أنكرناها لفقد ما كان يغشاها من إمداداته العلية، وأنواره السنية، ولانقضاء ما كانت عليه من الصفاء والألفه والرأفة والرحمة، دون التصديق والإيمان، لأن إيمانهم لم يتناقض منه شىء مطلقا، وقيل: إنكارها لعدم امتناعها من حثى التراب عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم قالت: «أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب» (1) وأخذت من تراب القبر الشريف، فوضعته على عينها، وأنشدت ما يأتى، وهذا قول بعيد، وفاطمه إنما قالت ذلك عند غلبة الحزن عليها، بحيث أذهلها كغيرها.
376 - (يوم الإثنين): ثانى عشر ربيع الأول حين اشتد الضحى وقت دخوله صلى الله عليه وسلم فى هجرته.
_________
= ورواه أحمد فى المسند (3/ 221،268)، من طريق سيار وعفان كلاهما عن جعفر بن سليمان به فذكره. ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 210)، من طريق جعفر بن سليمان به فذكره. ورواه أحمد (3/ 240،287)، والدارمى فى سننه (1/ 41)، وابن أبى شيبة فى المصنف (11/ 516)، ثلاثتهم من طريق حماد عن ثابت به فذكره نحوه.
(1) رواه الدارمى فى المقدمة (1/ 41)، وأحمد فى مسنده (3/ 122،287).
376 - إسناده ضعيف، وهو صحيح: فيه عامر بن صالح: قال فيه الحافظ: متروك الحديث أفرط فيه ابن معين فكذبه، وكان عالما بالأخبار. =
عن أبيه، عن عائشة، قالت:
«توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين».
377 - حدثنا محمد بن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال:
«قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، فمكث ذلك اليوم، وليلة الثّلاثاء، ودفن من الليل».
قال سفيان: وقال غيره «يسمع صوت المساحى من آخر اللّيل».
قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
377 - (ودفن من الليل): أى ليلة الأربعاء، وقال غيره، أى: غير محمد الباقر رضى الله عنه: قال: (يسمع. . .) إلخ. وفى هذه زيادة على ما قبلها، وهى أن الدفن كان من آخر الليل ودفن «يوم الثلاثاء»، وجمع بينه وبين ما قبله بأنهم شرعوا فى تجهيزه آخر يوم الثلاثاء فلم يفرغوا منه إلا آخر ليلة الأربعاء، وعلى كل فإنما أخروا دفنه إلى ذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت أخروا دفن ميتهم «عجلوا دفن ميتكم ولا تؤخروه» إما لعدم اتفاقهم على موته أو محل دفنه، فقوم قالوا: يدفن فى البقيع، وقوم فى المسجد، وقوم يحمل إلى ابنه إبراهيم عليه، حتى قال العالم الأكبر صديق الأمة وواحد الخلافة ما يأتى عنه، أو لاشتغالهم بما هو أهم منه، وهو أمر البيعة لّما اختلف المهاجرون والأنصار فيها
_________
= ورواه البخارى فى الجنائز (1387)، وأحمد فى المسند (6/ 45،118،132)، والطيالسى فى مسنده (2400)، ثلاثتهم من طريق هشام بن عروة به فذكره من حديث مطولا. ورواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من طريق عروة به فذكره بزيادة. قلت: وقد صححه فضيلة الشيخ الألبانى حفظه الله فى مختصر الشمائل، وأخرجه للبخارى مصححا إياه. وفيه نظر: لما فيه من راو ضعيف فى إسناد المؤلف كما بينا والله أعلم.
377 - إسناده مرسل صحيح: رجاله ثقات، وقد أرسله محمد الباقر بن على بن الحسين بن على رضى الله عنهم، ويبدو أنه تلقاه عن آبائه الطاهرين. وقد رواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه. ورواه أحمد فى المسند (6/ 62،274)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من حديث عائشة رضى الله عنها. وقد صححه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل (ص 197).
378 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال:
«توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، ودفن يوم الثّلاثاء».
379 - حدثنا نصر بن على الجهضمى، أنبأنا عبد الله بن داود، قال: حدثنا سلمة بن نبيط، أخبرنا عن نعيم بن أبى هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد-وكانت له صحبة، قال:
«أغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه، فأفاق، فقال: حضرت الصلاة؟ قالوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ليكون لهم إمام يرجعون إليه عند التنازع فى شىء من أحواله ولو تركوا البيعة لربما وقع خلاف وأدى إلى فتنه عظيمة فمن ثم انتظروا فيها حتى استقر الأمر فبايعوا أبا بكر، ثم بايعوه بالغد بيعة أخرى عن ملاء منهم، وكشف الله به الكربة من أهل الردة، ثم رجعوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنظروا فى أمره فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه بملاحظة أبى بكر ورأيه. (المساحى) (1) جمع مسحاة كالمجرفة إلا أنها من حديد. (من آخر الليل): أى ليلة الأربعاء (غريب) أى بل المشهور ما مر أن دفنه آخر ليلة الأربعاء.
379 - (نبيط): بنون مضموم