ـــــــــــــــــــــــــــــ
(باب ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم)
فرضا ونفلا، والصوم لغة: الإمساك، وشرعا: الإمساك عن المفطرات بشروطها والقصد به إمساك النفس عن شهواتها، وكفى بشرفه إضافته تعالى له فى خبر مسلم:
«كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به» (1) وسبب اختصاصه بذلك لم يعبد به غير الله وما وقع من عبادة النجوم بالصوم فهو ليس مع اعتقاد أنها فعالة بأنفسها أو بعده عن الرياء، إذ لا يدخله الرياء إلا بالإخبار عن فعله بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها، وأنه لاحظ للنفس فيه أو أن الاستغناء عن نحو الطعام من صفاته تعالى فأضافه إليه لموافقته لصفاته فكأنه تعالى يقول: إن الصائم يتقرب إلىّ بأمر يتعلق بصفة من صفاتى، أو أنه من صفات الملائكة، أو أنه تعالى انفرد بعلم قدر ثوابه وغيره قد يطلع عليه بعض خلقه، ولذا قال: «وأنا أجزى به»، وتولى الكريم للجزاء يستدعى سعة العطاء، ولهذا وخبر النسائى: «عليك بالصوم، فإنه لا عدل له» (2) قيل:
إنه أفضل حتى من الصلاة، لكن الأصح تفضيلها لخبر أبى داود: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» فهى أفضل العبادات البدنية وللصوم أحكام كثيرة صحت عنه صلى الله عليه وسلم وأهملها المصنف، فلا بأس بالإشارة إلى بعضها فنقول: روى أبو داود: «كان صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عدّ ثلاثين يوما ثم صام» (3) وقوله: «عدّ ثلاثين» مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم فى خبر مسلم: «فإن غم عليكم
_________
(1) رواه البخارى فى الصوم (1904) وفى التوحيد (7492)، وفى اللباس (5927)، ومسلم فى الصيام (1151)، والنسائى (4/ 164،304)، وابن ماجه فى الصيام (1638)، والبغوى (1710،1711،1712)، وابن حبان فى صحيحه (3422،3423،3424)، وابن خزيمة فى صحيحه (1896،1898،1899)، وأحمد فى مسنده (2/ 273،443،281،466، 467،503)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7891،7893)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 5)، والبيهقى فى السنن (4/ 304)، والطيالسى (2485).
(2) رواه النسائى (4/ 165،166)، وأحمد فى مسنده (5/ 249)، وابن حبان فى صحيحه (3426)، وابن خزيمة فى صحيحه (1893)، والحاكم فى المستدرك (1/ 421).
(3) رواه أبو داود فى الصيام (2325)، وأحمد فى مسنده (6/ 149)، وابن حبان فى صحيحه (3444)، والبيهقى فى السنن (4/ 206)، والحاكم فى المستدرك (1/ 423)، والدارقطنى (2/ 156،157).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فاقدروا له» (1) أى: قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما عند حيلولة غيم بينكم وبينه، ولا يجوز الصوم عندنا كالجمهور خلافا لإيجاب أحمد له، وصح «أنه صلى الله عليه وسلم صام بشهادة ابن عمر وحده، وأمر الناس بالصيام»، وروى الشيخان: «أنه كان يقبّل بعض نسائه وهو صائم» (2) ولا يقاس به غيره كما أشارت إليه عائشة، بل إن حركت شهوته حرم وإلا كرهت، وفى خبر ضعيف: «كان يقبل عائشة ويمص لسانها وهو صائم» (3) وعلى فرض صحته فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه المختلط بريقها وصح: «كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم ثم لا يفطر ولا يقضى» (4)، وصح: «كان يكتحل بالإثمد وهو صائم» (5)، وروى أبو داود والترمذى: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أحصى» (6)، وصح: «أنه كان يفطر عقب غيبوبة الشفق» وإن بقى آثار ضياء وحمرة وظن بعض أصحابه أن هذه البقايا من النهار فقال: يا رسول الله إن عليك نهارا، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله وأشار بيده: «إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم» أى: دخل وقت إفطاره، وروى أبو داود: «أنه كان يفطر كل يوم على رطبات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد تمرات حسى حسوات من ماء» (7)، وحكمة الأولتين أن الطبيعة مع خلوها أقبل للمساء، ولانتفاع القوى به، لا سيما قوة البصر وحكمة الماء أن الكبد تيبس من الصوم
_________
(1) رواه البخارى فى الصيام (1900،1906)، ومسلم فى الصيام (1080)، وأبو داود فى الصيام (2320)، والترمذى فى الصيام (684)، والنسائى (4/ 134)، والدارمى (2/ 3)، ومالك فى الموطأ (1/ 2).
(2) رواه أحمد فى مسنده (6/ 192،232)، والحميدى فى مسنده (198)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 59)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 138).
(3) رواه أبو حنيفة فى مسنده (1/ 488).
(4) رواه مسلم فى الصيام (1109)، والبيهقى فى السنن (4/ 214).
(5) رواه البيهقى فى السنن (4/ 262)، ورواه الطبرانى فى الأوسط (6911)، بلفظ رأيت، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 167)، وقال رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم وذكره الهندى فى كنز العمال (18084)، وعزاه للطبرانى فى الكبير والبيهقى فى السنن عن أبى رافع.
(6) رواه أبو داود فى الصيام (2364).
(7) رواه أبو داود فى الصيام (2356)، وأحمد فى مسنده (3/ 146)، والدارقطنى (2/ 185).
283 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
«كان يصوم حتّى نقول: قد صام، ويفطر حتّى نقول: قد أفطر قالت: وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا منذ قدم المدينة، إلاّ رمضان».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، وإن كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده وصح من طرق «أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال، وهو عدم تناول مفطر بين الصومين، فقالوا: إنك تواصل فقال: «إنى لست مثلكم إنى أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى» (1)، وفى رواية: «إنى أبيت»، قيل: والإطعام والإستقاء على حقيقته فكان يؤتى بطعام وشراب له لا كرامة له، ورد بأنه لم يكن مواصلا، وح بأن أظل يدل على وقوع ذلك نهارا، فلو كان بالأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما، وأجيب: بأن رواية «أبيت» هى الأكثر بل الأرجح «فأظل» محمولة عليها بأن يراد بها معنى أبيت مجازا، وعلى بقائها على ظاهرها فالإطلاق باق على حقيقته لأن ما يؤتى به من طعام الجنة، فلا تجرى عليه أحكام المكلفين فيه كما غسل صدره الشريف فى طست الذهب مع تحريمه على ما يأتى فى مبحث الإسراء، والجمهور أنه مجاز أى: يطيق قوة المطاعم والمشارب بأن يخلق فيه من الشبع والرى ما يعدل الطعام والشراب، أو ما يغذيه من معارفه وقرة عينه بقربه، قال النووى فى مجموعه: أو معناه أن محبة الله تشغلنى عن الطعام والشراب إذ الحب البالغ يشغل عنهما.
283 - (قالت: كان. . .) إلخ روى نحوه ونحو الأحاديث بعده الشيخان وغيرهما ولفظ مسلم: «حتى يقال: قد صام صام، ويفطر حتى يقال: أفطر أفطر» (2) وفى البخارى: «حتى يقول القائل: والله ما يفطر حتى يقول: لا والله ما يصوم» (3). (نقول) بالنون وتاء الخطاب أى: أيها السامع لو أبصرته، وبالنصب وهو الأفصح، ويجوز الرفع، لأن حتى هنا ليست للغاية حقيقة. (وما دام) أى داوم على الصوام وكذا يقال فى (قد أفطر) وهو معنى الرواية الأخرى: «كان يصوم حتى يقول: لا يفطر، ويفطر
_________
(1) رواه أحمد فى مسنده (2/ 253،257،377،396)، (3/ 253)، (5/ 364).
(2) رواه مسلم فى الصيام (1158)، وأحمد فى مسنده (3/ 159).
(3) رواه النسائى فى الصيام (69)، وأحمد فى مسنده (6/ 68،122،189)، والحاكم فى المستدرك (2/ 434).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حتى يقول: لا يصوم» (1). (منذ قدم المدينة) قيل: قيدت به لإفادة النفى لجميع الأزمنة فى المدينة، لا لنفى الصوم فى غيرها، لأنه لم يكن فى مكة من يعرف حاله صلى الله عليه وسلم انتهى، وفيه نظر لأنها عرفت كثيرا من أحواله بمكة بالسؤال عنها من غيرها فى ابتداء الوحى وغيره، فالأولى أن يقال: قيدت به، لأن الأحكام لما كثرت وتتابعت من حين قدومه، على أن رمضان لم يفرض إلا فيها فى شعبان فى السنة الثانية. (إلا رمضان) من الرمض، وهو شدة الحر، لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور بناء على القول الضعيف أن الواضع غير الله، وأقول: إن الشهر المذكور شديد الحر فسموه بذلك كما سموا الربيعين لموافقتهما من الربيع، لا من رمض الذنوب أى: حرقها، لأن تلك التسمية قبل الشرع، وفى الحديث: دليل على أنه لم يصم شعبان كله، لكن فى الرواية الآتية «أنه صامه كله» (2) فيحمل على كثرة كما فى روايات أخر على أن صوم النفل لا يختص بزمن، وعلى أنه يسن أن لا يخلى شهر منه، وعلى أن كل السنة صالحة إلا رمضان، ويضم إليه العيدان، وكذ أيام التشريق مطلقا، وعلى تفصيل عند غيرنا والدليل يساعده، وعلى أن رمضان لا يقبل غيره حتى لو فرض أن فرضه سقط عن نحو مريض ومسافر، ثم أراد أن يصوم يوما منه نفلا من غير رمضان من نحو نذر، أو قضاء، أو نفل لم يصح منه، وعلى أنه لا يكره أن يقال: رمضان، وهو ما عليه أكثر العلماء، وقد جاء فى روايات كثيرة صحيحة عرفا عن لفظ شهر، ومن ثمة كان القول بالكراهة شاذا دليلا وقياسا، وزعم أنه من أسماء الله مردود، والحديث فيه ضعيف، وكذا القول بالتفصيل بين أن يكون هناك قرينة تصرفه عن أن يطلق على الله كصمت رمضان فلا يكره، وبين أن لا كجاء رمضان فيكره فهو شاذ كذلك، ففى الحديث: «إذا جاء رمضان فتحت له أبواب الجنة. . .» (3) الحديث.
_________
(1) رواه أبو داود فى الصيام (2430)، والنسائى فى الصيام (4/ 150،202)، والبغوى فى شرح السنة (1776،1777)، وأحمد فى مسنده (1/ 227،231،326) (3/ 179)، (6/ 107، 143،153،165،242)، والبيهقى فى السنن (4/ 291،292،299)، وابن كثير فى البداية والنهاية (6/ 68)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 101،103).
(2) رواه ابن ماجه فى الصيام (1710)، رواه أحمد فى مسنده (6/ 39،84،107،128، 143،153،165،233،242،249،268).
(3) رواه البخارى فى الصوم (1898)، ومسلم (1079)، وأحمد فى مسنده (2/ 357)، والبغوى فى شرح السنة (1703)، والبيهقى فى السنن (4/ 202،303).
284 - حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس ابن مالك، أنه سئل عن صوم النبى صلى الله عليه وسلم، فقال:
«كان يصوم من الشّهر حتّى نرى ألا يريد أن يفطر منه، ويفطر حتّى نرى أنه لا يريد أن يصوم منه شيئا، وكنت لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلاّ رأيته مصليا، ولا نائما إلاّ رأيته نائما».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
284 - (نرى) أى نظن بالنون والياء متكلما أو غائبا. (أن) مخففة من الثقيلة. (لا تشاء. . .) إلخ، لا: نافية داخلة على محذوف أى: ليس من زمن من أزمنة الليل تريد أن تراه فيها متهجدا إلا رأيته كذلك، وليس من زمن تلك الأزمنة تريد أن تراه فيها نائما إلا رأيته نائما، والحصر فى ذلك إضافى باعتبار تفاوت هذين الحالين عليه مع غلبة التهجد على النوم تارة وعكسه أخرى فالحكم للغالب، فبهذا الاعتبار صح الحصر فى كل من الطرفين، وتبين أنه لم يكن له زمن معين لأحدهما لا يختل عنه، كما هو شأن أصحاب الأوراد الباقين مع نفوسهم، فعاداتهم التى توطنت نفوسهم عليها فلم يكن فى تركها كبير مشقة، وهذا الذى ذكرته، وإن لم أر من سبقنى إليه أولى وأظهر فى المعنى من قول بعضهم: لعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل وتقديره على الإثبات أن يقال: إن شاء رؤيته متهجدا رأيته متهجدا، وإن شاء رؤيته نائما رأيته نائما، وقوله:
«إلا إن رأيته» معناه: إلا وقت إن رأيته والتقدير: وقت مشيئتك أبدا يكون وقت الصلاة، أو النوم بالاعتبارين السابقين فى رواية: «إلا رأيته رأيته» هو على حذف مضاف أى: إلا زمان رؤيتك إياه، فالتقدير هنا كهو فيما قبله، وإيهام بعض الروايات خلاف ما تقرر غير مراد لما دل عليه مجموع الأحاديث، والحاصل: أن أمره صلى الله عليه وسلم فى صومه وصلاته كان على غاية من الاعتدال، ومجانبة الإسراف والتقصير، والإفراط والتفريط، ينام أو أن ينبغى أن ينام فيه كأول الليل ويصلى، أو أن يصلى فيه كأواخره،
_________
284 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (769)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1141)، وفى غيره (1972،1973،3561)، والنسائى فى قيام الليل (2/ 213)، دون ذكر الصوم، وأحمد فى مسنده (3/ 104،114،182،236،264)، وابن خزيمة فى صحيحه (4134)، كلهم من طرق عن حميد به فذكره نحوه.
285 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:
«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم حتّى نقول: ما يريد أن يفطر منه، ويفطر حتّى نقول: ما يريد أن يصوم، وما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان».
286 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان بن منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن أبى سلمة، عن أم سلمة، قالت:
«ما رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان».
قال أبو عيسى: هذا إسناد صحيح.
أى أن هذا الإسناد المذكور سابقا صحيح على شرط الشيخين. وذكر ذلك ابن حجر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا فى الصوم، ومن ثمة: لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه حلف ليصلين الليل أبدا وبعضهم حلف ليصومن الدهر قال: «أما أنا فأصلى وأقوم وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتى فليس منى» (1)، وزاد أنس فى الجواب حكم الصلاة فى الليل تنبيها للسائل على أنها إن لم تكن أحق بالسؤال عنها بالصوم كانت مثله.
286 - (عن أم سلمة. . .) إلخ رواية الشيخين عن عائشة. «ما رأيته صام شهرا قط إلا
_________
285 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الصوم (1971)، ومسلم فى الصيام (1157)، والنسائى فى الصيام (4/ 199)، وفى الكبرى (2655)، وابن ماجه فى الصيام (1711)، والإمام أحمد فى المسنده (1/ 227،221،326)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 328)، والبيهقى فى سننه الكبرى (4/ 291،292،299)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (2625)، كلهم من طرق عن سعيد بن جبير نحوه.
286 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (736)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصوم (2336)، والنسائى فى الصوم (4/ 150)، وفى الكبرى (2485)، وابن ماجه فى الصيام (1648)، كلهم من طرق عن أبى سلمة، به فذكره نحوه.
(1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 259)، وعبد الرزاق فى مصنفه (1074) (6/ 167).
(وهكذا قال عن أبى سلمة، عن أم سلمة، وروى هذا الحديث غير واحد عن أبى سلمة، عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن قد روى هذا الحديث عن عائشة، وأم سلمة جميعا عن النبى صلى الله عليه وسلم).
وهذا صحيح، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن، كان يروى عن عائشة وأم سلمة، رضى الله عنهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شهر رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر منه صياما فى شعبان» (1)، وفى رواية لهما: «لم يكن يصم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم كله» (2)، وفى أخرى لأبى داود: «كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان، ثم يصل به رمضان» (3)، وفى أخرى للنسائى: «كان يصوم شعبان أو عامة شعبان» (4) وفى أخرى له أيضا: «كان يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان» (5) أى أكثره كما مر بما فيه، ويحتمل أنه فى بعض السنين صامه كاملا فحفظته أم سلمة، ثم رأيت الطيبى صرح به فقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ومعظمه أخرى، ولا يصح الجمع بأنه كان قبل قدومه المدينة قد يستكمل صوم شعبان أخذا من قول عائشة فيما مر منه منذ قدم المدينة، لأن صوم رمضان إنما فرض فى المدينة فى شعبان فى السنة الثانية من الهجرة، وفى مكة لم يحفظ منه صلى الله عليه وسلم سرد صوم لا فى شعبان ولا فى غيره فى التقييد بالمدينة فى كلام عائشة لا يستثنى رمضان لا لإفادة أنه بمكة كان يستكمل شهرا، أو شهورا بالصوم، ونقل المصنف عن ابن المبارك: أنه يجوز فى كلام العرب أن يعبر بصوم كل شهر عن صوم معظمه. (قال) كأنه جمع بين الحديثين بذلك. (صحيح على شرط الشيخين) وكذا (قال) أى ابن أبى الجعد. (ويحتمل. . .) إلخ يتعين هذا الاحتمال لتصح الروايتان ويسلما من الأخطاء أن أبا سلمة بن عبد الرحمن كان يروى عن كل من أم سلمة وعائشة.
_________
(1) رواه البخارى فى الصيام (1969)، صوم شعبان (4/ 251)، ومسلم فى الصيام (1156)، وأبو داود فى الصيام (2434)، والنسائى فى الصيام (4/ 151).
(2) رواه النسائى فى الصيام (4/ 200،201).
(3) رواه النسائى فى الصيام (4/ 199)، والبغوى فى شرح السنة (1779)، وأحمد فى مسنده (6/ 188).
(4) رواه النسائى فى الصيام (4/ 150).
(5) رواه الترمذى فى الصوم (745)، والنسائى (4/ 153،202،203)، وابن ماجه (1739)، وأحمد فى مسنده (6/ 80،89،106)، وابن حبان فى صحيحه (3643).
287 - حدثنا هنّاد، حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن عائشة، قالت:
«لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى الشّهر أكثر من صيامه فى شعبان، كان يصوم شعبان إلاّ قليلا بل كان يصومه كلّه».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
287 - (لم أر) الظاهر أنها علمية. و (أكثر) ثانى مفعولها. (من صيامه فى شعبان) فبأنه كان يصوم منه ومن غيره لكن صومه منه أكثر. (إلا قليلا بل كان يصومه كله) رواية البخارى: «كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا» (1)، فالثانى تفسير الأول ومبين لأن المراد بالكل فى هذه الرواية الأكثر، وإن قيل: إنه مجاز قليل الاستعمال إذ التأكيد بكل الرفع المجاز، ويرد: بأن ذلك للغالب وأن التأكيد بها قد يكون لغير رفع المجاز، كما يعلم من قولى الآتى، وحكمة الاضطراب إلخ ومعلوم أن ضرورة الجمع بين الأحاديث، سيما إن اتحد راويها يسهل ارتكاب المجاز أو البعيدة والتأويلات المتكلفة، لأن هذا أسهل من إلغاء بعض الأحاديث من صحته، وقال ابن المنير: يجمع بأن قولها الثانى متأخر عن قولها الأول فأول أمره: كان يصوم أكثره، والآخر: كان يصوم كله انتهى، ولم أدر ما الحامل له على الجمع بهذا الذى هو عكس الترتيب اللفظى أوجه، أى: كان أول أمره يصوم كله، فلما أسن وضعف صار يصوم أكثره ويجزئ الجمع بذلك فى قولها هذا، بل يصومه كله، وحكمه الاضطراب: أن قولها:
«إلا قليلا» ربما يتوهم منه أن ذلك القليل يصدق بماله وقع نحو ثلث الشهر، فيثبت بكله أنه لم يكن يفطر منه، إلا ما وقع له بحيث يظن أنه صامه كله وإن لم يكمله لئلا يظن وجوبه، واختار صومه على أشهر الحرم حتى على المحرم مع قوله: «إن أفضل الصوم
_________
287 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (737)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصوم (2434)، والنسائى فى الصيام (4/ 151)، وفى الكبرى (414،454)، (2664)، (2665)، وأحمد فى المسند (6/ 165)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 329)، كلهم من طرق عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة به فذكره نحوه.
(1) رواه البخارى فى الصوم (1970)، وأحمد فى مسنده (6/ 128،143،189،249)، والبيهقى فى السنن (4/ 210،292)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7859)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 437).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعد رمضان صوم المحرم» (1) رواه مسلم، إما لاحتمال أنه لم يعلم أفضل الصوم المحرم إلا فى آخر حياته، وإن كان يعرض له فيه وفى بيته المحرم عذر يشق معه الصوم كسفر ومرض، وإما أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو لغيره، لخبر الطبرانى بسند ضعيف عن عائشة «كان صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر» (2) فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان، وإما تعظيما لرمضان لخبر غريب عند المصنف قال: وفيه صدقة، وهو ليس بذلك القوى، وسئل صلى الله عليه وسلم: «أى الصوم أفضل بعد رمضان قال: شعبان» (3) لتعظيم رمضان، وإما لأنه يغفل عنه للخبر الصحيح عن أسامة «قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم شعبان قال:
ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم» (4) فبين صلى الله عليه وسلم حكمة إفراده: بأن لما اكتنفه شهران عظيمان اشتغل الناس بهما فصار مغفولا عنه مع ما انضم لذلك من رفع الأعمال فيه، أى: رفع جملة أعمال جميع السنة، فلا ينافى رفعها كل يوم وليلة ويوم الإثنين والخميس، لأن الأول خاص بأعمال اليوم والليلة، والثانى خاص بأعمال الأسبوع، قيل: ويؤخذ من هذا الحديث: أن صوم شعبان أفضل من صوم رجب انتهى، وله وجه، لكن مذهبنا أن رجب أفضل لأنه من الحرم وقد مر عن مسلم «أن المحرم أفضل» (5) فيقاس به رجب كيف وقد قال بعض الشافعية: إنه أفضل الحرم؟ لكنه
_________
(1) رواه مسلم فى الصيام (1163)، وأبو داود فى الصيام (2429)، والترمذى فى الصيام (740)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 206،207)، وأحمد فى مسنده (2/ 342،344).
(2) رواه مسلم فى الصيام (1160)، وأبو داود (2453)، والترمذى فى الصوم (763)، والنسائى فى الصيام (4/ 222)، وابن ماجه فى الصيام (1709)، والبغوى فى شرح السنة (1802)، وابن حبان فى صحيحه (3654،3656،3657)، وابن خزيمة فى صحيحه (2130)، وأحمد فى مسنده (6/ 145،146)، والطيالسى فى (1572).
(3) رواه الترمذى فى الزكاة (662)، وأحمد فى مسنده (2/ 303،329).
(4) رواه أحمد فى مسنده (5/ 201)، وذكره الحافظ بن حجر فى فتح البارى (4/ 215)، وذكره الهندى فى كنز العمال (24587)، وعزاه لابن أبى شيبة وابن زنجويه وابن أبى عاصم والباوردى (8/ 655).
(5) رواه مسلم فى الصيام (1163).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضعيف، وفى سنن أبى داود: «أنه صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم» (1) ورجب أحدها، وعن عروة «أنه قال لعبد الله بن عمر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى رجب؟ قال: نعم وشرفه قالها ثلاثا» (2) أخرجه أبو داود وغيره، وعن أبى قلابة «إن فى الجنة قصرا لصوام رجب» قال البيهقى: أبو قلابة من كبار التابعين لا يقوله إلا عن بلاغ، وأما ما ذكره ابن ماجه من حديث ابن عباس «أنه نهى عن صيامه» فالصحيح:
وقفه على ابن عباس، فلا حجة فيه، وإما لأنه ينسخ فيه الآجال لخبر ضعيف عن عائشة «قلت: يا رسول الله أرى أكثر صيامك فى شعبان، قال: إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، فإنى أحب أن لا ينسخ اسمى إلا وأنا صائم»، وإما لأن صومه كالتمرن على صوم رمضان، والمنهى عن الصوم فى النصف الثانى من شعبان محله فى ما لم يصله بما قبله، ولم تكن له عادة، ولا قضاء عليه، ولا نذر.
فائدة: روى أبو داود: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذى الحجة» (3)، ولا ينافيه خبر مسلم عن عائشة: «ما رأيته صائما فى العشر قط» (4)، لأنه لا يلزم من انتفاء رؤيتها انتفاء وقوع ذلك كيف وقد أثبت غيرها؟ وفى البخارى «ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه فى هذه» (5) يعنى العشر الأول من ذى الحجة والصوم من العمل الصالح، وفى رواية: «ما من علم أزكى عند الله، ولا أعظم أجرا من خير يعمله فى عشر الأضحى» (6)، وفى
_________
(1) رواه أبو داود فى الصيام (2428) بمعناه، وابن ماجه (1741).
(2) رواه مسلم فى الصيام (1157)، وأحمد فى مسنده (1/ 231،326).
(3) رواه أبو داود فى الصيام (2437)، والنسائى فى الصوم (4/ 220)، وأحمد فى مسنده (5/ 271)، (6/ 288،423).
(4) رواه مسلم فى الاعتكاف (1176)، وأبو داود فى الصيام (2439)، والترمذى فى الصيام (756)، وابن ماجه فى الصيام (1729)، والبغوى فى شرح السنة (1793)، وابن حبان فى صحيحه (1441،3608)، وابن خزيمة فى صحيحه (3103)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 41).
(5) رواه البخارى فى العيدين (969)، وأبو داود فى الصوم (2438)، والترمذى (757)، وابن ماجه (1727،1728)، والدارمى (2/ 25)، والبغوى فى شرح السنة (1125،1126)، وأحمد فى مسنده (1/ 224،338)، وابن حبان فى صحيحه (324)، والبيهقى فى السنن (4/ 284)، والطيالسى فى مسنده (2631،2283).
(6) رواه الدارمى فى الصيام (2/ 26)، والبيهقى فى شعب الإيمان (3752).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح أبى عوانة وابن حبان: «ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذى الحجة» (1) وهو صريح فى أن هذا العشر أفضل أيام السنة، ولا ينافيه خبر مسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة يوم عرفة والنحر» (2) وما من جملة العشر، وسبب امتيازه:
اجتماع أمهات العبادة فيه من نحو الصلاة والصوم والحج، كذا قيل وفيه وقفه من أن ظاهر الحديث أنه أفضل بالنسبة للحاج وغيره، إلا أن يقال: إن صلاحيته لذلك اقتضت أفضليته مطلقا، واستفيد من قوله: «ما من أيام» أن أيامه أفضل حتى من العشر الأخير من رمضان، لاشتماله على يوم عرفة لم ير الشيطان أحقر منه فيه، وأن صومه يكفر سنتين، وعلى أعظم الأيام عند الله وحرمته وهو يوم النحر الذى سماه الله يوم الحج الأكبر وليالى العشر الأخير أفضل من لياليه لاشتماله على ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، قال ابن النقاش وأطنب فى الانتصار له، وله وجه لكن الذى يصرح كلام الأئمة أن أيام العشر الأخير أفضل من أيام هذه أيضا بل أيام جميع رمضان أفضل لأنه سيد الشهور كما فى الحديث، ولأن الله اختارها لهذا الغرض الذى أضافه لنفسه دون بقية العبادات ومن ثم كان الصوم أفضل من الحج فتخصيص الشارع لها بالأفضل دليل على أنها أفضل، وح تعين حمل تلك الأحاديث على رمضان ويؤيده أن أفضلية الزمن ليس معناها، إلا أفضلية العبادة فيه، وقد تقرر أن عبادة أيام رمضان أفضل من عبادة أيام تلك العشر، فكانت تلك أفضل من هذه.
_________
(1) رواه مسلم فى الحج (1348)، والنسائى (5/ 251،252)، وابن ماجه (3014)، والبغوى فى شرح السنة (1931)، وابن حبان فى صحيحه (3853)، وابن خزيمة فى صحيحه (2840)، وأبو يعلى فى مسنده (2090)، والبزار فى مسنده (1128)، والطحاوى فى مشكل الآثار (4/ 114)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 253)، وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن مروان العقيلى وثقه ابن معين، وابن حبان وفيه بعض الكلام وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه البزار.
(2) رواه مسلم فى الصلاة (854)، وأبو داود فى الصلاة (1046)، والترمذى فى الصلاة (488/ 491)، والنسائى فى الجمعة (3/ 89،90) وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1139)، والبغوى (1046،1050)، وابن حبان فى صحيحه (2772)، ومالك فى الموطأ (1/ 108، 110)، وأحمد فى مسنده (2،504،518،519،540)، وعبد الرزاق فى مصنفه (5583،5585)، والحاكم فى المستدرك (1/ 278،279)، (2/ 544).
288 - حدثنا القاسم بن دينار الكوفى، حدثنا عبيد الله بن موسى، وطلق بن غنام، عن شيبان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله، قال:
«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم من غرّة كلّ شهر ثلاثة أيّام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
288 - (من غرة كل شهر) أى من أوله. (ثلاثة أيام) رواه أيضا أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة، وإنما كان يفعل ذلك ليفتتح الشهر بما يحصل عليه، إذ الحسنة بعشر أمثالها، ومن ثمة: ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» (1)، وروى مسلم: «ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان فصيام الدهر كله» (2). (وقلما كان يفطر يوم الجمعة) لا ينافى كراهة صومه لنهيه بقوله فى الحديث المتفق عليه: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» (3) لاحتمال أنه كان يصومه مضموما إلى الخميس والسبت، وعند ضمه إلى غيره
_________
288 - إسناده حسن: عاصم هو ابن بهدلة بن أبى النجود القارئ، حديثه حسن. وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمى مولاهم النحوى، ثقة ثبت صاحب كتاب. «تهذيب الكمال 12/ 592). ورواه الترمذى فى الصوم (742)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود (2450)، مختصرا على الجزء الأول من الحديث، ورواه ابن ماجه فى الصوم (1725)، مختصرا، على الشطر الأخير، ورواه أحمد فى المسند (6/ 106)، ورواه ابن أبى شيبة فى المسند (349)، بتحقيقنا، وابن خزيمة (1229)، كلهم من طرق عن عاصم بن أبى النجود به فذكره نحوه مختصرا وتاما، قال أبو عيسى: حسن غريب.
(1) رواه البخارى فى الصوم (1974،1975)، وفى التهجد (1153)، وفى الصوم أيضا (1977، 1978،1979)، وفى الأدب (6134)، وفى النكاح (5199)، وفى فضائل القرآن (5052)، ومسلم فى الصيام (1159)، وأحمد فى مسنده (2/ 198،200)، وابن حبان فى صحيحه (3571،3638،3640،3658،3660،6226)، وابن خزيمة فى صحيحه (2109، 2110،2152)، والبيهقى فى السنن (3/ 16) (4/ 299)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 85،86).
(2) رواه مسلم فى الصيام (1162)، والنسائى فى الصيام (4/ 209).
(3) رواه البخارى فى الصوم (1985)، ومسلم فى الصيام (1144)، وأبو داود (2420)، والترمذى (743)، وابن ماجه (1723)، وأحمد فى مسنده (2/ 495)، والبغوى فى شرح =
289 - حدثنا أبو حفص: عمرو بن على، حدثنا عبد الله بن أبى داود، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن ربيعة الجرشى، عن عائشة قالت:
«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يتحرّى صوم الإثنين والخميس».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا كراهة، وإنما المكروه: إفراده كما دل عليه الحديث، وسبب الكراهة أمور أصحها: أنه يوم عيد يتعلق به وظائف كثيرة دينية، والصوم يضعفه عنها، ومن ثمة كره صوم عرفة للحاج، لأنه يضعفه عن تلك الوظائف الدينية التى هى فيه بخلاف ما إذا ضم إلى غيره، فإن بصلة صوم ما قبله أو ما بعده يجبر ما فات سبب ذلك الضعف، لكن على هذا يصح أن يقال: أفضلية صوم يوم الجمعة يجبر ما فات من الوظائف، وكذا لا يكره إن وافق نذرا كأن نذر صوم يوم قدوم زيد فوافقه وأما دعوى: أن صوم يوم الجمعة بلا كراهة من خصائصه صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دليل، ومجرد صومه مع نهيه لا يدل على الخصوصية، إلا لو ثبت أنه كان يفرده، ويداوم إفراده، وإلا احتمل أنه لبيان الجواز، وكذا دعوى: أن المراد بالصوم الإمساك إلى ما بعد صلاة الجمعة ثم يتعدى ح، ولم يبلغ مالكا النهى عن صومه فاستحسنه وأطال فى موطأه وهو وإن كان معذورا لكن السنة مقدمة على ما رواه هو وغيره قاله النووى.
289 - (الجرشى) بجيم مضمومة فراء مفتوحة فمعجمة. (قالت. . .) إلخ رواه
_________
= السنة (1804)، وأبو القاسم البغوى فى الجعديات (1820)، وابن حبان فى صحيحه (3614)، وابن خزيمة فى صحيحه (2610،2108)، والبيهقى فى السنن (4/ 302)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7805)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 44)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 78،79).
289 - إسناده حسن: ثور بن يزيد: ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر (التقريب 861)، خالد بن معدان: ثقة عابد يرسل كثيرا (التقريب 1678)، ربيعة بن عمرو الجرشى: مختلف فى صحبته، وثقه الدار قطنى التقريب (1915). ورواه الترمذى فى الصوم (845)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الصيام (4/ 202)، وفى الكبير (2669)، (2670)، (2671)، (2672)، وابن ماجه (1739)، وأحمد فى المسند (6/ 106)، وابن خزيمة فى صحيحه (2116)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 122)، كلهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها مرفوعا فذكره نحوه. وقال أبو عيسى: حسن غريب من هذا الوجه.
290 - حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو عاصم، عن محمد بن رفاعة، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة:
«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال: تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحبّ أن يعرض عملى وأنا صائم».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النسائى أيضا. (يتحرى) أى يقصد يوم. (الإثنين والخميس) من إضافة المسمى إلى الاسم أى: صومهما، لأن الأعمال تعرض فيهما كما فى الحديث الآتى قريبا، ولأن «الله يغفر فيهما لكل مسلم إلا المتهاجرين» (1) رواه أحمد، أى: المتقاطعين لمن تحرم مقاطعته واستشكل استعمال الإثنين فالنون مع قولهم أن المثنى وما ألحق به، إذا جعل علما وأعرب بالحركة يلزمه الألف كما أن الجمع، إذا جعل كذلك تلزمه الواو إلا ما شذ، واستثنوا من الأول البحرين فإن الأكثر فيه الياء انتهى، ويجاب: بأنه يؤخذ من هذا أن الإثنين كالبحرين فى ذلك، لأن عائشة من أهل اللسان فيستدل بنطقها كذلك على أن ذلك أى: لا الألف لغة فيه.
290 - (تعرض الأعمال. . .) إلخ أى: على الله كما فى رواية المصنف فى غير هذا
_________
290 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: رواه الترمذى فى الصوم (747)، بسنده فذكره بأتم من هذا، وأحمد فى المسند (2/ 329)، ورواه ابن ماجه فى الصوم (1740)، والدارمى فى الصيام (2/ 20)، والبخارى فى التاريخ الكبير (5/ 109)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 354)، كلهم من طرق عن محمد بن رفاعة به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب. وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناده صحيح غريب، ومحمد بن رفاعة ذكره ابن حبان فى الثقات، تفرد بالرواية عنه الضحاك بن مخلد، وباقى رجال إسناده على شرط الشيخين. قلت: فى إسناده محمد بن رفاعة: قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 5879). ولكن للحديث شاهد من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه عند أبى داود (2436)، وأحمد فى المسند (5/ 200،204،208)، والنسائى فى الكبرى (2781،2782)، والطيالسى فى مسنده (632)، وابن أبى شيبة فى مسنده بتحقيقنا (159)، وفى إسناده مولى قدامة بن مظعون وهو ضعيف لجهالة مولى قدامة، ورواه النسائى (4/ 202)، من طريق آخر عن سعيد بن المصرى عن أسامة مرفوعا، وحسنه المنذرى وله شاهد آخر من حديث حفصة رضى الله عنها عند النسائى فى الصغرى (4/ 203)، (204)، فبالجملة الحديث صحيح إن شاء الله بشواهده.
(1) رواه أحمد فى مسنده (2/ 329).
291 - حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، ومعاوية بن هشام، قالا:
حدثنا سفيان عن منصور، عن خيثمة، عن عائشة قالت:
«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم من الشّهر: السّبت والأحد، والإثنين، ومن الشّهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء، والخميس».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب وفى رواية النسائى: «على رب العالمين» ولا ينافيه عرضها ليلا ونهارا كما دل عليه حدوث نزول ملائكة الليل وملائكة النهار، لرفع ذلك وعرضه وخبر مسلم: «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» (1) لأن هذا عرض تفصيلى، وذلك عرض إجمالى، وتعرض أيضا ليلة النصف من شعبان، أول ليلة القدر عرضا إجماليا أيضا، لكنه أعم من ذلك الإجمال، لأنه عرض لأعمال السنة، وذلك عرض لأعمال الأسبوع كما مر قريبا، وروى مسلم: «أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علىّ» (2).
291 - (يصوم من الشهر السبت. . .) إلخ إنما فعل ذلك ليبين فيه أفضلية جميع أيام الأسبوع ولم يوالها من أسبوع واحد لئلا يشق على الأمة الاقتداء به فى ذلك وإنما ترك الجمعة هنا، لأنه كان يكثر صومه على ما مر، واختارت عائشة وآخرون العمل بقضية هذا فعينوا الثلاثة التى تعين فى كل شهر فى السبت وتالييه من شهر وفيه. (والثلاثاء) من شهر بعده وهكذا، وروى النسائى: «كان صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الإثنين
_________
291 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه محمد بن عبد الله بن الزبير؛ أبو أحمد: ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ فى حديث الثورى (التقريب 6017) قلت: والحديث رواه هنا عن سفيان الثورى، وكذلك فيه: معاوية بن هشام صدوق له أوهام (التقريب 6771). وذكره الحافظ فى الفتح (4/ 267) وقال: وروى موقوفا وهو أشبه. وقال المصنف: حسن وروى عبد الرحمن بن مهدى هذا الحديث عن سفيان، ولم يرفعه، قلت: ويشهد له ما مرّ فى الباب أحاديث رقم (288،289)، والحديث صححه الشيخ الألبانى حفظه الله فى مختصر الشمائل.
(1) رواه أبو عوانة فى مسنده (1/ 145،146).
(2) رواه مسلم فى الصيام (1162)، وأحمد فى مسنده (5/ 299)، والبيهقى فى السنن (4/ 293)، وفى دلائل النبوة (2/ 133).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة» (1)، وفى رواية: «أول اثنين من الشهر ثم الخميس الذى يليه» (2) وروى أحمد والنسائى بسند فيه مجهول، أو مجهولان: «أنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الأيام: صياما السبت والأحد، ويقول: إنهما عيدا المشركين، وإنى أحب أن أخالفهما» (3)، ولا ينافيه خبر أحمد وجماعة: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود شجرة فليمضغه» (4) لأن محل النهى إن أفرد بالصوم.
تنبيه: سمى يوم السبت بذلك، لأن السبت: القطع، وذلك أنه انقطع فيه الخلق، وقول اليهود لعنهم الله: إن الله استراح فيه تولى الله رده عليهم بقوله: وَمامَسَّنامِنْ لُغُوبٍ (5) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ومن ثمة: أجمعوا على أنه لا أبله من اليهود، والأحد بذلك؛ لأنه أول الأسبوع على خلاف فيه حررته فى شرح العباب، وتسمية الباقى إلى الجمعة ظاهر، وسمى يوم الجمعة بذلك؛ لأنه فيه تم خلق العالم فاجتمعت أجزاؤه فى الوجود، ثم هذه الأسماء من الأقلام الغالبة وهى تلزمها اللزم، والإضافة إلى علم، إلا ما شذ كإثنين، فإنه علم عند سيبويه علم لليوم بلام ودونها، لكن خالفه المبرد. (والإثنين) روى بكسر النون وهو القياس، لأن إعراب الأعلام الغالبة على أصلها، وبفتحها إعرابا له بالحركات وكذا يقال فى الجمع العلم، ومر فيه إشكال وجوابه: (الثلاثاء) يجوز فيه أيضا الثلثاء بوزن العلماء. (والأربعاء) بتثليث الباء.
_________
(1) رواه مسلم فى الصيام (1160)، متفق فى أول الحديث ومختلف فى آخره. والنسائى فى الصيام (4/ 203،220) بلفظه.
(2) رواه النسائى فى الصيام (2/ 205) بلفظ: خمسين، وأحمد فى مسنده (2/ 91).
(3) رواه أحمد فى مسنده (6/ 323،324)، وابن حبان فى صحيحه (3616،3646)، وابن خزيمة فى صحيحه (2167)، والطبرانى فى الكبير (23،616،964)، والحاكم فى المستدرك (1/ 436)، وعنه البيهقى (4/ 303) من طرق عن ابن المبارك بهذا الإسناد وصححه الحاكم ووافقه الذهبى.
(4) رواه أبو داود فى الصوم (2421)، والترمذى (744)، والنسائى فى الكبرى كما فى التحفة (4/ 293)، وابن ماجه فى الصيام (1726)، والدارمى (2/ 19)، والبغوى فى شرح السنة (1806)، وابن حبان فى صحيحه (3615)، وابن خزيمة فى صحيحه (2164)، وأحمد فى مسنده (4/ 189) (6/ 368،369)، والحاكم فى المستدرك (1/ 435)، والبيهقى فى السنن (4/ 302) والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 80).
(5) سورة ق: آية رقم (38).
292 - حدثنا أبو مصعب المدينى، عن مالك بن أنس، عن أبى نضر، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت:
«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى شهر أكثر من صيامه فى شعبان».
293 - حدثنا محمود-بن غيلان-، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن يزيد الرّشك، قال سمعت معاذة قالت لعائشة:
«أكان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر؟
قالت: نعم.
قلت: من أيّه كان يصوم؟
قالت: كان لا يبالى من أيه صام».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
292 - (أكثر من صيامه فى شعبان) مر أن الحرم أفضل منه للصوم، وأن إكثاره الصوم فى شعبان لا يدل على أنه أفضل كما مرّ.
293 - (الرشك) مر قريبا. (الضبعى) بضم المعجمة وفتح الموحدة، وهو أحمد ثقة روى عنه الستة فى صحاحهم، وقصد الترمذى بذلك: الرد على من زعم أنه لين الحديث، وذكر هذا هنا دون ما مر، لأن ما رواه هنا يعارضه ما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم الغرة والإثنين والخميس وأيام البيض ونحو ذلك مما فيه أنه يأتى ببعض أيامه وعينها لصومه، فربما طعن طاعن فى يزيد بهذا أفرده بتوثيقه مع الإشارة إلى أنه لا تعارض، ووجهه أن معنى كونه لا يبالى، وأنه كان كثيرا فى أوقاته، يترك تلك الأيام المذكورة ويصوم غيرها من بقية الشهر، فلم يكن يلزم أياما بعينها لا ينفك عنها نظير ما مر قريبا،
_________
292 - إسناده صحيح: وقد تقدم تخريجه فى الحديث رقم (287)، بزيادة عنه هنا.
293 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (763)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الصيام (1160)، وأبو داود فى الصوم (2453)، وابن ماجه فى الصيام (1709)، وأحمد فى المسند (6/ 145، 146