ولما انقضى شأن بني قريظة استجاب الله دعوة سعد فانفجر جرحه فلم يرعهم وهم في المسجد الا والدم يسيل اليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الدم الذي يأتينا من قبلكم فاذا سعد يغذو جرحه دما قالت عائشة فو الذي نفسي بيده انى لا أعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر* وروي أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتز له عرش الرحمن فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مسرعا فاذا سعد قد قبض وفي هذا المعنى أنشدوا:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به الا لسعد ابي عمرو
هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح حتى ألقى الاحبة فضرب عنقه (للفارس ثلاثة أسهم) زاد البغوى وكانت الخيل ستا وثلاثين فرسا وكان أوّل فيء وقع فيه السهمان (وبعث النبي صلى الله عليه وسلم) سعد بن زيد الانصاري (ببعضهم الى نجد ليشترى له بها خيل وسلاح) زاد البغوى وكان قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خصافة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها انتهى قلت وفي هذا نظر «فائدة» لم يستشهد يوم بني قريظة سوى خالد بن سويد الخزرجي القت عليه امرأة قال الواقدى اسمها بناتة امرأة الحكم القرظي رحا فقتلته وقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به وأخرج ابن مندة وأبو نعيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان له أجر شهيدين قالوا ولم يا رسول الله قال لان أهل الكتاب قتلوه قلت فيؤخذ منه ان مقتول أهل الكتاب له أجر شهيدين والله أعلم بالحكمة في ذلك وأخرجه أبو داود من رواية ثابت بن قيس بن شماس (فانفجر جرحه) لابن سعدانه مرت به عنز وهو مضطجع فاصاب ظلفها موضع الجرح وكان انفجاره من لبته كما في الصحيحين وغيرهما وهو بفتح اللام وتشديد الموحدة موضع القلادة وفي بعض نسخ مسلم من ليته بكسر اللام ثم تحتية ساكنة والليت صفحة العنق وفي بعضها من ليلته قال القاضي قالوا وهو الصواب انتهى وفي التوشيح ان هذه الثالثة تصحيف (فلم يرعهم) بضم الراء أي يفزعهم والمعنى انهم بيناهم في حال طمأنينة اذ أفزعتهم رؤبة الدم فارتاعوا له قال الخطابي وقال غيره المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع (يغذو) بمعجمتين أى يسيل وفي بعض نسخ الصحيحين يغذ بكسر الغين وتشديد الذال المعجمتين ومعناه يدوم سيلانه (اني لاعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر) وكانوا كما قال الله رحماء بينهم (من هذا الذى فتحت له أبواب السماء) أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عمر (واهتز له عرش الرحمن) أخرجه أحمد ومسلم من حديث أنس وأخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه من حديث جابر وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد واسيد بن حضير ورميثة بنت عمرو قال السهيلي والعجب لما روى عن مالك من انكاره للحديث وكراهيته للتحدث به مع صحة نقله وكثرة الرواة له ولعل هذه الرواية
وفي حديث انه نزل في جنازته من الملائكة سبعون ألفا ما وطئوا الارض قبل ذلك ولما احتملوا نعشه ندبته امه كبيشة بنت رافع الخدرية فقالت:
ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدا
وسؤددا ومجدا
وفارسا معدا ... سدّ به مسدا
يقد هاما قدا
قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان للقبر لضمة لو كان احد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ ومناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه كثيرة ساد قومه على حداثة سنه وحين أسلم قال لهم كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تسلموا فأسلموا جميعا من يومهم وشهد بدرا واحدا والخندق وما قبلها وله في نصرة الاسلام مقامات جليلة ومشاهد لم تصح عند مالك واهتزاز العرش تحركه فرحا وسرورا بقدوم روح سعد جعل الله في العرش تمييزا حصل به هذا وهذا هو المختار كما قال النووي لان العرش جسم من الاجسام يقبل الحركة والسكون قال المازري لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك الا ان يقال ان الله جعل حركته علامة للملائكة على موته وقيل المراد أهل العرش أى حملته وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول وقال الحربي هو كناية عن استعظام شأن وفاته كما تقول العرب أظلمت لموت فلان الارض وقامت له القيامة وفيه قول باطل يذكر للتنبيه على بطلانه وهو ان المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش (وفي حديث انه نزل في جنازته الى آخره) أخرجه النسائي من حديث ابن عمر (كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة ثم معجمة (ويل أم سعد) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة فالويل الهلكة أي وأهلكت أم سعد بعده (صرامة) بفتح الصاد المهملة أى قطعا (وحدا) بالمهملة (يقدهاما) بالتنوين (قدا) مصدر «فائدة» أخرج ابن سعد في الطبقات من حديث محمود بن لبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل نائحة تكذب الا أم سعد (قالت عائشة) فيما رواه أحمد (ان للقبر لضمة الي آخره) وأخرجه النسائى من حديث ابن عمر أيضا وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن عباس فيه اثبات عذاب القبر وانه حق يجب الايمان به وفي حديث النسائى ان سعدا ضم ضمة ثم فرج عنه وهى آخر ما يلحق المؤمن من الشدائد التى يكفر الله بها الذنوب أو يرفع بها الدرجات وذكر أبو سعد الاعرابي في كتاب الملحمة عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمه فقال يا عائشة ان ضغطة القبر على المؤمن أو قال ضمة القبر على المؤمن كضمة الام الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو اليها الصداع وصوت منكر ونكير كالكحل في العين ولكن يا عائشة ويل للشاكين أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغط البيض على الصخر ولابن إسحاق من حديث أمية بن عبد الله قال قلت لبعض أهل سعد بن معاذ ما بلغكم في هذا يعني الضمة التي انضمها القبر عليه قال كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير قلت في النفس من صحة هذا الحديث شيء (ومناقب سعد كثيرة) منها ما أخرجه الشيخان والترمذي عن البراء رضى الله عنه قال
جميلة وختم الله له بالشهادة فمات حميدا شهيدا فقيدا رضي الله عنه*
[