السنة السابعة من الهجرة وهى الستون من مولده صلى الله عليه وآله وسلم اتفق فيها فتح خيبر. وخيبر اسم جامع لجملة من الحصون والقرى وبينها وبين المدينة ثلاث مراحل تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتأمرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم ففيه أشكال من حيث أن أبا سفيان انما أسلم يوم الفتح سنة ثمان بلا خلاف وما ذكر من تزوج أم حبيبة كان سنة ست وقيل سنة سبع حمل القاضي عياضا على استغرابه وابن حزم على ان قال بوضعه قال والآفة فيه من عكرمة بن عمار قال ابن الصلاح وهذا من جسارته لانه كان هجوما على تخطئة الائمة الكبار واطلاق اللسان فيهم وحمل ذلك على انه سأله عقد النكاح تطييبا لقلبه لانه كان ربما يرى ذلك غضاضة من رياسته ومسبة ان تزوج بنته بغير رضاه أو ظن ان اسلام الاب في مثل هذا يقتضى تجديد العقد قال النووى ليس في الحديث ان النبى صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لابي سفيان انه يحتاج الى تجديد ففعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أى ان مقصودك حصل وان لم يكن فيه حقيقة عقد (وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه مشروعية الرد على النساء قال المفسرون ونزل في تزويج أم حبيبة قوله تعالى عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ منهم مودة يعنى تزويج أم حبيبة قال البغوى وغيره ولما بلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة قال هو الفحل لا يقرع أنفه (وبعث أنواعا من الهدايا) قال يوسف بن عبد البر في الاستيعاب روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال حدثني يحيي ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المقوقس ملك الاسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزلني في منزله فاقمت عنده ليالى ثم بعث الى وقد جمع بطارقته فقال انى سأكلمك بكلام أحب ان تفهمه عنى قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك اليس هو نبيا قال قلت بلى هو رسول الله قال فما له حيث هكذا لم يدع على قومه حين أخرجوه من بلدته الى غيرها قال فقلت له فعيسي بن مريم اتشهد انه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فارادوا صلبه الا يكون دعا عليهم بان يهلكهم الله حتى رفعه الله الي السماء الدنيا قال أحسنت أنت حكيم جابمسن عند حكيم هذه هدايا ابعث بها معك الى محمد وأرسل معك من يبلغك الى مأمنك قال فاهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي جهم ابن حذيفه وأخري وهبها لحسان بن ثابت وارسل اليه بكتاب مع طرف* السنة السابعة (خيبر) سميت باسم رجل نزل بها من العماليق كما مر وهو خيبر بن قاينه بن مهلاييل قاله البكري (ثلاث مراحل) الى جهة الشام
وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من الحديبية وقد وعده الله فتح خيبر إثابة عما لحقهم من الانكسار يومئذ فقال تعالى وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الى قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ الآية فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة في ذي الحجة وسار في المحرم الى خيبر فصبحها بكرة على غرة روينا في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس وركب نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم وركب أبو طلحة وانا رديف أبي طلحة فأجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زقاق خيبر وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وانحسر الازار عن فخذ نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم واني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل وفي التوشيح وغيره انها على ثمانية برد وذلك أربع مراحل ولعل الكل تقريب (وَعَدَكُمُ اللَّهُ) يا معشر المؤمنين (مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) وهي الفتوح التي تفتح عليهم الى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) المغانم التي أصبتم بخيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) يعني القبائل من أسد وغطفان الذين هموا ان يغيروا على المسلمين وذراريهم بالمدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى خيبر فكف الله أيديهم بالقاء الرعب في قلوبهم وقيل يعني أهل مكة بالصلح (غرة) أي غفلة من أهلها (صلاة الغداة) قال النووى فيه دليل على عدم كراهية تسميتها بذلك (بغلس) وهو بفتح اللام بقية ظلام الليل (أبو طلح) اسمه زيد بن سهل كما مر (وانا رديف أبى طلحة) فيه جواز الارداف اذا اطاقته الدابة وقد فعله صلى الله عليه وسلم كثيرا (فاجرى نبي الله) فيه ان ذلك لا يخرم المروءة ولا يخل بمراتب أهلها سيما عند الحاجة (فى زقاق خيبر) بضم الزاى وبالقاف المكررة هي الطريق الضيقة بين الابنية (وان ركبتى لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) استدل به أحمد على جواز كشف اليسير من العورة وأبو حنيفة على جواز كشف قدر درهم من السوأتين وقدر أربع دراهم من غيرها وأصحاب مالك وغيرهم ممن يقول ان الفخذ ليس بعورة وذلك عند أصحابنا محمول على العذر كما تقتضيه قرينة الحال جمعا بينه وبين حديث ابن عباس عند أحمد والترمذى والحاكم غط فخذك فان فخذ الرجل من عورته وحديث جرهد بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء ثم مهملة عند مالك والترمذي وابن حبان غط فخذك فان الفخذ من العورة وحديث محمد بن عبد الله بن جحش وهو صحابى ابن صحابي عند احمد والحاكم غط فخذك فان الفخذ عورة (وانحسر الازار) أي انكشف وللبخارى ثم حسر الازار وهو مبنى للفاعل وللاسماعيلي أندحر الازار أي سقط (فائدة) انما كرر أنس ذكره صلى الله عليه وسلم ظاهرا ولم يأت بالضمير قاصدا الالتذاذ بذكره صلى الله عليه وسلم ومعظما لشأنه ومبينا لمحبته له صلى الله عليه وسلم الشديد لان ذكر الحبيب يحلو في لسان المحب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حديث
القرية قال الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم الى أعمالهم فقالوا محمد والخميس يعنون الجيش فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم سار من تلك النواحي من قبائل أسد وغطفان ليظاهروا اليهود فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا ثم هموا أن يخالفوا الى المدينة فأعجزهم الله تعالى وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود وذلك قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصون خيبر يفتحها حصنا حصنا فافتتح أولا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحا فقتلته ثم الغموص حصن بنى ابى الحقيق ومن سباياه صفية بنت حيى جاء بها بلال وبأخرى معها فمر بهما على القتلى فلما رأتهم التى مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اعزبوا عني هذه الشيطانة وقال يا بلال أنزعت منك الرحمة حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم افتتح صلى الله عليه وآله وسلم حصن الصعب بن معاذ ومنه شبع الجيش طعاما وودكا بعد مخمصة شديدة ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حصنيهم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصونهم افتتاحا وأوسعها أموالا وأكثرها قتالا فحاصرهم النبي ضعيف من أحب شيئا أكثر من ذكره رواه الديلمي في مسند الفردوس عن عائشة (الله أكبر) فيه ندب التكبير وذكر الله تعالى في الحرب امتثالا لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً (خربت خيبر) قيل هو دعاء أي أسأل الله خرابها وقيل أخبار بخرابها على الكفار وفتحها على المسلمين (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) فيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن وانما يكره من ذلك ما كان على ضرب الامثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث كما قاله النووى والساحة العرصة التى تحيط بها الدور وتسمى باحة بالموحدة ورحبة (قالها ثلاث مرات) امتثالا لقوله تعالى كَثِيراً فيؤخذ منه أن الثلاث كثير قاله النووى (والخميس) على لفظ اليوم سمى الجيش خميسا لانه خمسة أقسام مقدمة وساقة وقلب وجناحان وقيل (الخميس الغنائم) وأبطلوه بان هذا الاسم كان معروفا في الجاهلية ولم يكن يومئذ غنائم قاله النووى (يعنى الجيش) هذا تفسير من عبد العزيز بن صهيب أو ممن دونه من الرواة (ليظاهروا اليهود) أي ليعاونوهم (فافتتح أولا حصن ناعم) بالنون والمهملة والصرف (الغموص) بالغين المعجمة المفتوحة وقد تبدل قافا وآخره مهملة (الحقيق) بالتصغير (فصكت وجهها) ضربته بيدها (اعزبوا) بهمزة قطع وكسر الزاي ابعدوا (وودكا) بفتح المهملة أي دهنا (الوطيح) بمهملتين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمى باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود قاله البكري قال السهيلى ولفظه مأخوذ من الوطح وهو ما تعلق باظلاف الدواب ومخالب الطير من الطين (السلالم) بكسر المهملة وكسر اللام (وروى ان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة ليلة وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت وروي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخذته شقيقة فلم يخرج الى الناس فأخذ الراية أبو بكر وقاتل قتالا شديدا ثم رجع ولم يفتح عليه ثم عمر كذلك فتقدم أمير المؤمنين على بن أبى طالب وكان الفتح على يديه رضي الله عنه وروينا في الصحيحين من طرق ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر وكان به رمد فقال انا اتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج فلحق بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها قال عمر بن الخطاب ما أحببت الامارة الا يومئذ فتساورت لها رجاء أن ادعى لها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اين على بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فارسلوا اليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع وفي رواية عن سلمة فاذا نحن بعلى بن أبي طالب وما نرجوه فقالوا هذا على فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية ففتح الله عليه وروى انه لما دنا من صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة) رواه البغوي في التفسير عن جماعة منهم سهل بن سعد وأبو هريرة وأنس والشقيقة وجع يكون في احد جانبي الرأس (ثم عمر كذلك) ولفظ البغوى فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه (أنا أتخلف) قال ذلك استعظاما فلما كان (مساء) بالرفع والنصب (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) هكذا هو في رواية في الصحيحين وغيرهما بواو العطف وفي بعض الروايات بأو التى للشك ومحبة الله للعبد المراد بها توفيقه وهدايته وهي في حق المخلوق ميل القلب تنزه الله عن ذلك (يدوكون) بضم الدال المهملة وبالواو أى يخوضون ويتحدثون في ذلك فقائل منهم أراد فلانا وقائل أراد فلانا وفي بعض نسخ صحيح مسلم بالذال المعجمة وبالراء (ما أحببت الامارة الا يومئذ) أي لما دلت عليه من محبة الله ورسوله ومحبتهما له والفتح على يديه (فتساورت لها) بالمهملة ثم واو ثم راء أى تطاولت لها كما في رواية في صحيح مسلم أي حرصت عليها وأظهرت وجهي متصديا لذلك ليتذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى به) بالبناء للمفعول وكان المرسل اليه والآتي به يقوده سلمة بن الاكوع كما في صحيح مسلم (فبرأ حتي كان لم يكن به وجع) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم يومئذ ومنها اعلامه ان الله يفتح على يدي على (فاذا نحن بعلى وما نرجوه) لا ينافي ما مر انه جاءبه يقوده لامكان انهم رأوه من بعد فارسلوا سلمة له فجاء به يقوده
حصنهم أشرف عليه رجل من اليهود فقال من أنت فقال علي بن أبي طالب فقال اليهودى علوتم وما أنزل على موسى وروينا في صحيح مسلم انه خرج اليه مرحب وهو يقول
قد علمت خيبر اني مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرب
اذا الحروب اقبلت تلهب
فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أنا الذي سمتن أمى حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أو فيهم بالصاع كيل السندره
فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه وكان مرحب قبل ذلك قد بارز عامر بن الاكوع فرجع سيف عامر عليه فقتله فقال الناس حبط علمه قال سلمة (قد علمت خيبر) أي أهلها (مرحب) بفتح الميم والمهملة وسكون الراء بينهما وآخره موحدة بن الحارث (شاكي السلاح) أي تامه (بطل) أى شجاع (مجرب) بفتح الراء أى بالشجاعة وقهر الفرسان (انا الذي سمتن أمي حيدره) بفتح الحاء والدال المهملتين وسكون التحتية بينهما وهو من أسماء الاسد سمي بذلك لغلظه والحادر الغليظ القوي وكان على سمته أمه أسدا باسم أبيها يوم ولد وكان أبوه غائبا فلما قدم سماه عليا قال في الديباج وغيره وكان مرحب قد رأى في منامه ان أسدا يقتله فذكره على بذلك ليخيفه ويضعف نفسه (غابات) جمع غابة وهى عرين الاسد ويسمي غيلا بالمعجمة المكسورة ثم تحتية ساكنة (المنظره) بفتح المعجمة (أو فيهم بالصاع كيل السندره) أى أقتل الاعداء قتلا واسعا ذريعا والسندرة بالمهملتين بينهما نون مكيال واسع وقيل هي العجلة أى أقتلهم عاجلا وقيل مأخوذ من السندرة وهي شجرة قوية يعمل منها القسى والنبل (فضرب رأس مرحب) زاد البغوي فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الاضراس (وكان مرحب قبل ذلك) قد خرج يخطر بسيفه بكسر الطاء أي يرفعه مرة ويضعه أخري ويقول شعره المذكور فتقدم اليه عامر بن الاكوع عم سلمة وأخوه من الرضاعة كما قاله النووي فقال
قد علمت خيبر اني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
بالغين المعجمة أي يركب غمرات الموت وشدائدها ويلقي نفسه فيها فاختلفا بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له (فرجع سيف عامر عليه) فقطع أكحله وكانت فيها نفسه وكان عامر قبل ذلك وهم اثناء الطريق قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعنا من هنياتك أى أراجيزك فقال
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الاقدام ان لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر لك ربك يا عامر وما استغفر رسول الله لرجل يخصه الا استشهد فقال عمر رضي الله عنه لولا أمتعتنا بعامر أي وددنا انك أخرت الدعاء بهذا الى وقت لنستمتع به مدة روي ذلك الشيخان واللفظ لمسلم في احدى رواياته (فقال الناس) سمي منهم البخارى في الادب أسيد بن حضير (حبط عمله)
فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال كذب من قال ان له أجرين وجمع بين أصبعيه انه لجاهد قل عربي مشى بها مثله وروى ان عليا عليه السلام يومئذ بارز يهوديا مرحبا أو غيره فضرب اليهودى ترس على فطرحه من يده فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه قال أبو رافع لقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ثم برز بعد مرحب أخوه ياسر يرتجز فخرج اليه الزبير فقالت صفية بنت عبد المطلب أيقتل ابنى يا رسول الله قال ابنك يقتله ان شاء الله تعالى فقتله الزبير قلت في سيرة ابن هشام رواية عن ابن اسحق ان قاتل مرحب محمد بن سلمة الانصارى ولا يصح ذلك فما ثبت في الصحاح أولى والله أعلم فلما أيقن أهل الوطيح والسلام بالهلكة استسلموا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ففعل فسمع بهم أهل فدك فأرسلوا يطلبون ذلك ففعله لهم أيضا فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ثم عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على خيبر بشطر ما يخرج منها أي لانه قتل نفسه كما في رواية في مسلم (فاتيت النبى صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي كما في رواية في مسلم (ان له لاجرين) في رواية مسلم بل له أجره مرتين (انه لجاهد) بكسر الهاء أي جاد في أمره مرتكب المشاق في الله (مجاهد) بضم الميم لاعداء الله وهذه الجملة لبيان سبب حصول الاجرين له وروي لجاهد بفتح الهاء فعل ماض مجاهد بفتح الميم وكسر الهاء وهي محال الجهاد (مشابها) ضبط بوجهين أحدهما فتح الميم على انه فعل ماض من المشى وبها جار ومجرور والضمير للارض أو للحرب والثاني ضم الميم وتنوين الهاء على انه كلمة واحدة اسم فاعل من المشابهة أى مشابها لصفات الكمال في القتال أو في غيره فيكون منصوبا بفعل محذوف أي رأيت والمعنى قل عربي يشبهه في جميع صفات الكمال وفي البخاري نشأ بها بالنون والهمز أى شب وكبر قال عياض وهو أوجه الروايات (وروى) في بعض كتب السير (ان عليا يومئذ بارز يهوديا) ولم أطلع على اسم اليهودى وقد حصل الشك فيه هل هو مرحب أو غيره (نجهد) بفتح النون والهاء أي نتكلف (ياسر) بتحتية فالف فمهملة مكسورة فراء (بل ابنك يقتله) بكسر اللام ووصل الهمزة وفيه معجزة ظاهرة له صلي الله عليه وسلم اذ وقع الامر كما أخبر وقوله (ان شاء الله) للتبرك ولامتثال قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بلد قريبة من خيبر (فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لانها فيء وكان له فيه أربعة أخماسه مع خمس الخمس (بشطر) أى بنصف (ما يخرج منها) من تمر وزرع على ان يكلفوا العمل وبه استدل على جواز المزارعة تبعا للمساقاة وحديث النهي عنها في صحيح مسلم محمول على ما اذا لم يكن تبعا لكن استشكل حمل قصة خيبر على المزارعة بانه لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم كان يدفع لهم بذرا وتقدم ورود لفظ المزارعة في شئ من طرق الحديث
وقال نقركم على ذلك ما شئنا وبقوا على ذلك الى خلافة عمر واحدثوا احداثا فاجلاهم عمر الى تيماء واريحاء ولما حاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر واعمالها أخذ قسم المغانم الجليلة ويعطي العطيات الجزيلة ورد المهاجرون الى الانصار منائحهم وحدث لهم رحاء لم يكن معهم قبل ذلك روينا في صحيح البخارى عن عائشة قال فلما افتتح خيبر قلنا الآن نشبع من التمر وفيه عن ابن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وما ينزل به من الامور المهملة ونصفا بين المسلمين وجملتها ستة وثلاثون سهما وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فرس فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل سهم وكانت أصول السهام ثمانية عشر سهما وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق رؤساء أصحابه سبعة عشر رأسا واضاف الى كل واحد منهم مائة والثامن عشر سهم اللفيف وهو سهم جمع قبائل شتي ولم يغب أحد من أهل الحديبية عن خيبر الا جابر بن عبد الله فاسهم له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمن حضروا اسهم صلى الله عليه وسلم لمهاجرة الحبشة ولم يحضروا ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ودست له فيها سما واكثرت في الذراع لما أخبرت انها تعجبه فوضعت بين يديه ومعه بشربن البراء فأكلا فاما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يسغ لقمته واما بشر فأساغها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا العظم بل الظاهر انهم كانوا يزرعون من مالهم فهم مخابرون ومن ثم اختار النووي تبعا لابن المنذر والخطابي وغيرهما جواز المزارعة والمخابرة وحملوا أحاديث النهي على ما اذا اشترط لاحدهما زرع قطعة معينة وللآخر أخري بدليل حديث رافع بن خديج كان أحدنا يكرى ارضه فيقول هذه القطعة لى وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (تيماء) بفتح التاء المثناة وسكون التحتية والمد (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون التحتية ومهملة ومد موضعان بقرب بلاد طي على البحر في أوّل طريق الشام الى المدينة (لنوائبه) جمع نائبة وهى كل أمر مهم (أللفيف) بفائين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمي به من اللف وهو الجمع (شتى) متفرقة (زينب بنت الحارث) هى أخت مرحب كما في سنن أبي داود (سلام) بالتشديد كما مر (مصلية) مشوية وزنا ومعنى (وبشر بن البراء) بن معرور في الشفا من طريق ابن عبد البر وأكل القوم فدل على أنهم أكلوا كلهم معه (ان هذا العظم) يعني الذراع في رواية في الشفا فانها أخبرتني انها مسمومة وفي رواية فيه ان فخذها تكلمني انها مسمومة وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في نطق الجمادات له واختلف
ليخبرنى انه مسموم ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها فلما مات بشر بن البراء قتلها قصاصا قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت عائشة كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت منه بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم خرج الشيخان أكثره وجملة من استشهد من المسلمين بخيبر أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين رجلا قال ابن هشام وذكر سفيان بن عيينة أئمة أهل السنة فيه وفي أمثاله فمنهم من يقول هو كلام يخلقه الله في الجماد وحروف وأصوات يحدثها الله فيه ويسمعها منه دون تغير شكله ونقله عن هيئته ومنهم من يقول يوجد الله الحياة فيها أولا ثم يوجد فيها الكلام وقال الجبائي من المعتزلة له يخلق الله في الجماد حياة ويخلق له فما ولسانا وآلة يمكنه بها الكلام قال عياض لو كان هذا لكان نقله والتهمم به اكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه (على ذلك) بكسر الكاف (فتجاوز عنها) كما قاله ابن اسحاق في السيرة وهى احدي روايتين عن أبي هريرة وفي أخرى عنه فامر بها فقتلت والجمع بين ذلك انه صلى الله عليه وسلم تجاوز عنها أولا (فلما مات بشر بن البراء) بعد أن اعتل سنة كما قاله السهيلي دفعها لاولياء بشر فقتلوها كما في حديث ابن عباس وفي كتاب شرف المصطفي انه (قتلها) وصلبها وذكر الصلب غريب (اعرفها) أي الأكلة يعنى أثرها (لهوات) بثلاث فتحات جمع لهاة وهي اسم اللحمة المعلقة في أقصى الفم (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) في سيرة ابن اسحاق انه قال ذلك لام بشر بن البراء لما دخلت تعوده في مرض موته فقال يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التى أكلت مع ابنك تعادني (فهذا أوان انقطاع أبهري) ومعنى تعادني يراجعنى ويعاودني ألم سمها قال الداوودي الالم الذى حصل له صلى الله عليه وسلم من الاكلة هو بعض الاذوقة قال ابن الأثير وليس ببين لان بعض الذوق ليس بألم (أبهري) بفتح الهمزة وسكون الموحدة عرق يكتنف الصلب والقلب اذا انقطع مات صاحبه (من ذلك) بكسر الكاف زاد ابن اسحاق وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة قال الشمني فان قيل ما الجمع بين قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وبين هذا الحديث المقتضى ان موته صلى الله عليه وسلم بالسم الصادر من اليهودية والجواب ان الآية نزلت عام تبوك والسم كان بخيبر قبل ذلك «فائدة» أخرج الطبراني عن عمار بن ياسر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الهدية حتي يأمر صاحبها ان يأكل منها للشاة التى أهديت له (أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين) وهم عامر بن الاكوع ومحمود بن الربيع كما في الكتاب وباقيهم كما في الاستيعاب وغيره أنيف بن حبيب قال في الاستيعاب ذكره الطبري وواثلة ذكره ابن اسحاق وأوس بن الفاكه الانصارى وأوس بن عائذ وأوس ابن حبيب وثابت بن واثلة وثعلبة بن عنمة بفتح المهملة والنون وقيل استشهد يوم الخندق والحارث بن حاطب
عن الاجلح عن الشعبي ان جعفر بن أبي طالب قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بايهما أسر أكثر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وقدم بقدوم جعفر أبو موسى الاشعري ورفقته الاشعريين وقد سبق ذلك في حديث أسماء بنت عميس في فضلهم عند ذكر هجرتهم قال اهل السيرة ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر اهله وفتحه الله عليه وأصيب به مولاه مدعم فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال النبى صلى الله عليه وسلم بل والذي نفسي بيده ان الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا
[,
السنة السابعة من الهجرة وهى الستون من مولده صلى الله عليه وآله وسلم اتفق فيها فتح خيبر. وخيبر اسم جامع لجملة من الحصون والقرى وبينها وبين المدينة ثلاث مراحل تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتأمرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم ففيه أشكال من حيث أن أبا سفيان انما أسلم يوم الفتح سنة ثمان بلا خلاف وما ذكر من تزوج أم حبيبة كان سنة ست وقيل سنة سبع حمل القاضي عياضا على استغرابه وابن حزم على ان قال بوضعه قال والآفة فيه من عكرمة بن عمار قال ابن الصلاح وهذا من جسارته لانه كان هجوما على تخطئة الائمة الكبار واطلاق اللسان فيهم وحمل ذلك على انه سأله عقد النكاح تطييبا لقلبه لانه كان ربما يرى ذلك غضاضة من رياسته ومسبة ان تزوج بنته بغير رضاه أو ظن ان اسلام الاب في مثل هذا يقتضى تجديد العقد قال النووى ليس في الحديث ان النبى صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لابي سفيان انه يحتاج الى تجديد ففعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أى ان مقصودك حصل وان لم يكن فيه حقيقة عقد (وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه مشروعية الرد على النساء قال المفسرون ونزل في تزويج أم حبيبة قوله تعالى عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ منهم مودة يعنى تزويج أم حبيبة قال البغوى وغيره ولما بلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة قال هو الفحل لا يقرع أنفه (وبعث أنواعا من الهدايا) قال يوسف بن عبد البر في الاستيعاب روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال حدثني يحيي ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المقوقس ملك الاسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزلني في منزله فاقمت عنده ليالى ثم بعث الى وقد جمع بطارقته فقال انى سأكلمك بكلام أحب ان تفهمه عنى قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك اليس هو نبيا قال قلت بلى هو رسول الله قال فما له حيث هكذا لم يدع على قومه حين أخرجوه من بلدته الى غيرها قال فقلت له فعيسي بن مريم اتشهد انه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فارادوا صلبه الا يكون دعا عليهم بان يهلكهم الله حتى رفعه الله الي السماء الدنيا قال أحسنت أنت حكيم جابمسن عند حكيم هذه هدايا ابعث بها معك الى محمد وأرسل معك من يبلغك الى مأمنك قال فاهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي جهم ابن حذيفه وأخري وهبها لحسان بن ثابت وارسل اليه بكتاب مع طرف* السنة السابعة (خيبر) سميت باسم رجل نزل بها من العماليق كما مر وهو خيبر بن قاينه بن مهلاييل قاله البكري (ثلاث مراحل) الى جهة الشام
وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من الحديبية وقد وعده الله فتح خيبر إثابة عما لحقهم من الانكسار يومئذ فقال تعالى وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الى قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ الآية فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة في ذي الحجة وسار في المحرم الى خيبر فصبحها بكرة على غرة روينا في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس وركب نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم وركب أبو طلحة وانا رديف أبي طلحة فأجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زقاق خيبر وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وانحسر الازار عن فخذ نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم واني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل وفي التوشيح وغيره انها على ثمانية برد وذلك أربع مراحل ولعل الكل تقريب (وَعَدَكُمُ اللَّهُ) يا معشر المؤمنين (مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) وهي الفتوح التي تفتح عليهم الى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) المغانم التي أصبتم بخيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) يعني القبائل من أسد وغطفان الذين هموا ان يغيروا على المسلمين وذراريهم بالمدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى خيبر فكف الله أيديهم بالقاء الرعب في قلوبهم وقيل يعني أهل مكة بالصلح (غرة) أي غفلة من أهلها (صلاة الغداة) قال النووى فيه دليل على عدم كراهية تسميتها بذلك (بغلس) وهو بفتح اللام بقية ظلام الليل (أبو طلح) اسمه زيد بن سهل كما مر (وانا رديف أبى طلحة) فيه جواز الارداف اذا اطاقته الدابة وقد فعله صلى الله عليه وسلم كثيرا (فاجرى نبي الله) فيه ان ذلك لا يخرم المروءة ولا يخل بمراتب أهلها سيما عند الحاجة (فى زقاق خيبر) بضم الزاى وبالقاف المكررة هي الطريق الضيقة بين الابنية (وان ركبتى لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) استدل به أحمد على جواز كشف اليسير من العورة وأبو حنيفة على جواز كشف قدر درهم من السوأتين وقدر أربع دراهم من غيرها وأصحاب مالك وغيرهم ممن يقول ان الفخذ ليس بعورة وذلك عند أصحابنا محمول على العذر كما تقتضيه قرينة الحال جمعا بينه وبين حديث ابن عباس عند أحمد والترمذى والحاكم غط فخذك فان فخذ الرجل من عورته وحديث جرهد بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء ثم مهملة عند مالك والترمذي وابن حبان غط فخذك فان الفخذ من العورة وحديث محمد بن عبد الله بن جحش وهو صحابى ابن صحابي عند احمد والحاكم غط فخذك فان الفخذ عورة (وانحسر الازار) أي انكشف وللبخارى ثم حسر الازار وهو مبنى للفاعل وللاسماعيلي أندحر الازار أي سقط (فائدة) انما كرر أنس ذكره صلى الله عليه وسلم ظاهرا ولم يأت بالضمير قاصدا الالتذاذ بذكره صلى الله عليه وسلم ومعظما لشأنه ومبينا لمحبته له صلى الله عليه وسلم الشديد لان ذكر الحبيب يحلو في لسان المحب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حديث
القرية قال الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم الى أعمالهم فقالوا محمد والخميس يعنون الجيش فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم سار من تلك النواحي من قبائل أسد وغطفان ليظاهروا اليهود فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا ثم هموا أن يخالفوا الى المدينة فأعجزهم الله تعالى وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود وذلك قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصون خيبر يفتحها حصنا حصنا فافتتح أولا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحا فقتلته ثم الغموص حصن بنى ابى الحقيق ومن سباياه صفية بنت حيى جاء بها بلال وبأخرى معها فمر بهما على القتلى فلما رأتهم التى مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اعزبوا عني هذه الشيطانة وقال يا بلال أنزعت منك الرحمة حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم افتتح صلى الله عليه وآله وسلم حصن الصعب بن معاذ ومنه شبع الجيش طعاما وودكا بعد مخمصة شديدة ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حصنيهم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصونهم افتتاحا وأوسعها أموالا وأكثرها قتالا فحاصرهم النبي ضعيف من أحب شيئا أكثر من ذكره رواه الديلمي في مسند الفردوس عن عائشة (الله أكبر) فيه ندب التكبير وذكر الله تعالى في الحرب امتثالا لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً (خربت خيبر) قيل هو دعاء أي أسأل الله خرابها وقيل أخبار بخرابها على الكفار وفتحها على المسلمين (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) فيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن وانما يكره من ذلك ما كان على ضرب الامثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث كما قاله النووى والساحة العرصة التى تحيط بها الدور وتسمى باحة بالموحدة ورحبة (قالها ثلاث مرات) امتثالا لقوله تعالى كَثِيراً فيؤخذ منه أن الثلاث كثير قاله النووى (والخميس) على لفظ اليوم سمى الجيش خميسا لانه خمسة أقسام مقدمة وساقة وقلب وجناحان وقيل (الخميس الغنائم) وأبطلوه بان هذا الاسم كان معروفا في الجاهلية ولم يكن يومئذ غنائم قاله النووى (يعنى الجيش) هذا تفسير من عبد العزيز بن صهيب أو ممن دونه من الرواة (ليظاهروا اليهود) أي ليعاونوهم (فافتتح أولا حصن ناعم) بالنون والمهملة والصرف (الغموص) بالغين المعجمة المفتوحة وقد تبدل قافا وآخره مهملة (الحقيق) بالتصغير (فصكت وجهها) ضربته بيدها (اعزبوا) بهمزة قطع وكسر الزاي ابعدوا (وودكا) بفتح المهملة أي دهنا (الوطيح) بمهملتين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمى باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود قاله البكري قال السهيلى ولفظه مأخوذ من الوطح وهو ما تعلق باظلاف الدواب ومخالب الطير من الطين (السلالم) بكسر المهملة وكسر اللام (وروى ان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة ليلة وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت وروي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخذته شقيقة فلم يخرج الى الناس فأخذ الراية أبو بكر وقاتل قتالا شديدا ثم رجع ولم يفتح عليه ثم عمر كذلك فتقدم أمير المؤمنين على بن أبى طالب وكان الفتح على يديه رضي الله عنه وروينا في الصحيحين من طرق ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر وكان به رمد فقال انا اتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج فلحق بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها قال عمر بن الخطاب ما أحببت الامارة الا يومئذ فتساورت لها رجاء أن ادعى لها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اين على بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فارسلوا اليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع وفي رواية عن سلمة فاذا نحن بعلى بن أبي طالب وما نرجوه فقالوا هذا على فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية ففتح الله عليه وروى انه لما دنا من صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة) رواه البغوي في التفسير عن جماعة منهم سهل بن سعد وأبو هريرة وأنس والشقيقة وجع يكون في احد جانبي الرأس (ثم عمر كذلك) ولفظ البغوى فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه (أنا أتخلف) قال ذلك استعظاما فلما كان (مساء) بالرفع والنصب (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) هكذا هو في رواية في الصحيحين وغيرهما بواو العطف وفي بعض الروايات بأو التى للشك ومحبة الله للعبد المراد بها توفيقه وهدايته وهي في حق المخلوق ميل القلب تنزه الله عن ذلك (يدوكون) بضم الدال المهملة وبالواو أى يخوضون ويتحدثون في ذلك فقائل منهم أراد فلانا وقائل أراد فلانا وفي بعض نسخ صحيح مسلم بالذال المعجمة وبالراء (ما أحببت الامارة الا يومئذ) أي لما دلت عليه من محبة الله ورسوله ومحبتهما له والفتح على يديه (فتساورت لها) بالمهملة ثم واو ثم راء أى تطاولت لها كما في رواية في صحيح مسلم أي حرصت عليها وأظهرت وجهي متصديا لذلك ليتذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى به) بالبناء للمفعول وكان المرسل اليه والآتي به يقوده سلمة بن الاكوع كما في صحيح مسلم (فبرأ حتي كان لم يكن به وجع) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم يومئذ ومنها اعلامه ان الله يفتح على يدي على (فاذا نحن بعلى وما نرجوه) لا ينافي ما مر انه جاءبه يقوده لامكان انهم رأوه من بعد فارسلوا سلمة له فجاء به يقوده
حصنهم أشرف عليه رجل من اليهود فقال من أنت فقال علي بن أبي طالب فقال اليهودى علوتم وما أنزل على موسى وروينا في صحيح مسلم انه خرج اليه مرحب وهو يقول
قد علمت خيبر اني مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرب
اذا الحروب اقبلت تلهب
فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أنا الذي سمتن أمى حيدره ... كليث غابات كريه المنظره
أو فيهم بالصاع كيل السندره
فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه وكان مرحب قبل ذلك قد بارز عامر بن الاكوع فرجع سيف عامر عليه فقتله فقال الناس حبط علمه قال سلمة (قد علمت خيبر) أي أهلها (مرحب) بفتح الميم والمهملة وسكون الراء بينهما وآخره موحدة بن الحارث (شاكي السلاح) أي تامه (بطل) أى شجاع (مجرب) بفتح الراء أى بالشجاعة وقهر الفرسان (انا الذي سمتن أمي حيدره) بفتح الحاء والدال المهملتين وسكون التحتية بينهما وهو من أسماء الاسد سمي بذلك لغلظه والحادر الغليظ القوي وكان على سمته أمه أسدا باسم أبيها يوم ولد وكان أبوه غائبا فلما قدم سماه عليا قال في الديباج وغيره وكان مرحب قد رأى في منامه ان أسدا يقتله فذكره على بذلك ليخيفه ويضعف نفسه (غابات) جمع غابة وهى عرين الاسد ويسمي غيلا بالمعجمة المكسورة ثم تحتية ساكنة (المنظره) بفتح المعجمة (أو فيهم بالصاع كيل السندره) أى أقتل الاعداء قتلا واسعا ذريعا والسندرة بالمهملتين بينهما نون مكيال واسع وقيل هي العجلة أى أقتلهم عاجلا وقيل مأخوذ من السندرة وهي شجرة قوية يعمل منها القسى والنبل (فضرب رأس مرحب) زاد البغوي فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الاضراس (وكان مرحب قبل ذلك) قد خرج يخطر بسيفه بكسر الطاء أي يرفعه مرة ويضعه أخري ويقول شعره المذكور فتقدم اليه عامر بن الاكوع عم سلمة وأخوه من الرضاعة كما قاله النووي فقال
قد علمت خيبر اني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
بالغين المعجمة أي يركب غمرات الموت وشدائدها ويلقي نفسه فيها فاختلفا بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له (فرجع سيف عامر عليه) فقطع أكحله وكانت فيها نفسه وكان عامر قبل ذلك وهم اثناء الطريق قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعنا من هنياتك أى أراجيزك فقال
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الاقدام ان لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر لك ربك يا عامر وما استغفر رسول الله لرجل يخصه الا استشهد فقال عمر رضي الله عنه لولا أمتعتنا بعامر أي وددنا انك أخرت الدعاء بهذا الى وقت لنستمتع به مدة روي ذلك الشيخان واللفظ لمسلم في احدى رواياته (فقال الناس) سمي منهم البخارى في الادب أسيد بن حضير (حبط عمله)
فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال كذب من قال ان له أجرين وجمع بين أصبعيه انه لجاهد قل عربي مشى بها مثله وروى ان عليا عليه السلام يومئذ بارز يهوديا مرحبا أو غيره فضرب اليهودى ترس على فطرحه من يده فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه قال أبو رافع لقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ثم برز بعد مرحب أخوه ياسر يرتجز فخرج اليه الزبير فقالت صفية بنت عبد المطلب أيقتل ابنى يا رسول الله قال ابنك يقتله ان شاء الله تعالى فقتله الزبير قلت في سيرة ابن هشام رواية عن ابن اسحق ان قاتل مرحب محمد بن سلمة الانصارى ولا يصح ذلك فما ثبت في الصحاح أولى والله أعلم فلما أيقن أهل الوطيح والسلام بالهلكة استسلموا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ففعل فسمع بهم أهل فدك فأرسلوا يطلبون ذلك ففعله لهم أيضا فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ثم عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على خيبر بشطر ما يخرج منها أي لانه قتل نفسه كما في رواية في مسلم (فاتيت النبى صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي كما في رواية في مسلم (ان له لاجرين) في رواية مسلم بل له أجره مرتين (انه لجاهد) بكسر الهاء أي جاد في أمره مرتكب المشاق في الله (مجاهد) بضم الميم لاعداء الله وهذه الجملة لبيان سبب حصول الاجرين له وروي لجاهد بفتح الهاء فعل ماض مجاهد بفتح الميم وكسر الهاء وهي محال الجهاد (مشابها) ضبط بوجهين أحدهما فتح الميم على انه فعل ماض من المشى وبها جار ومجرور والضمير للارض أو للحرب والثاني ضم الميم وتنوين الهاء على انه كلمة واحدة اسم فاعل من المشابهة أى مشابها لصفات الكمال في القتال أو في غيره فيكون منصوبا بفعل محذوف أي رأيت والمعنى قل عربي يشبهه في جميع صفات الكمال وفي البخاري نشأ بها بالنون والهمز أى شب وكبر قال عياض وهو أوجه الروايات (وروى) في بعض كتب السير (ان عليا يومئذ بارز يهوديا) ولم أطلع على اسم اليهودى وقد حصل الشك فيه هل هو مرحب أو غيره (نجهد) بفتح النون والهاء أي نتكلف (ياسر) بتحتية فالف فمهملة مكسورة فراء (بل ابنك يقتله) بكسر اللام ووصل الهمزة وفيه معجزة ظاهرة له صلي الله عليه وسلم اذ وقع الامر كما أخبر وقوله (ان شاء الله) للتبرك ولامتثال قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بلد قريبة من خيبر (فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لانها فيء وكان له فيه أربعة أخماسه مع خمس الخمس (بشطر) أى بنصف (ما يخرج منها) من تمر وزرع على ان يكلفوا العمل وبه استدل على جواز المزارعة تبعا للمساقاة وحديث النهي عنها في صحيح مسلم محمول على ما اذا لم يكن تبعا لكن استشكل حمل قصة خيبر على المزارعة بانه لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم كان يدفع لهم بذرا وتقدم ورود لفظ المزارعة في شئ من طرق الحديث
وقال نقركم على ذلك ما شئنا وبقوا على ذلك الى خلافة عمر واحدثوا احداثا فاجلاهم عمر الى تيماء واريحاء ولما حاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر واعمالها أخذ قسم المغانم الجليلة ويعطي العطيات الجزيلة ورد المهاجرون الى الانصار منائحهم وحدث لهم رحاء لم يكن معهم قبل ذلك روينا في صحيح البخارى عن عائشة قال فلما افتتح خيبر قلنا الآن نشبع من التمر وفيه عن ابن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وما ينزل به من الامور المهملة ونصفا بين المسلمين وجملتها ستة وثلاثون سهما وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فرس فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل سهم وكانت أصول السهام ثمانية عشر سهما وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق رؤساء أصحابه سبعة عشر رأسا واضاف الى كل واحد منهم مائة والثامن عشر سهم اللفيف وهو سهم جمع قبائل شتي ولم يغب أحد من أهل الحديبية عن خيبر الا جابر بن عبد الله فاسهم له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمن حضروا اسهم صلى الله عليه وسلم لمهاجرة الحبشة ولم يحضروا ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ودست له فيها سما واكثرت في الذراع لما أخبرت انها تعجبه فوضعت بين يديه ومعه بشربن البراء فأكلا فاما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يسغ لقمته واما بشر فأساغها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا العظم بل الظاهر انهم كانوا يزرعون من مالهم فهم مخابرون ومن ثم اختار النووي تبعا لابن المنذر والخطابي وغيرهما جواز المزارعة والمخابرة وحملوا أحاديث النهي على ما اذا اشترط لاحدهما زرع قطعة معينة وللآخر أخري بدليل حديث رافع بن خديج كان أحدنا يكرى ارضه فيقول هذه القطعة لى وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (تيماء) بفتح التاء المثناة وسكون التحتية والمد (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون التحتية ومهملة ومد موضعان بقرب بلاد طي على البحر في أوّل طريق الشام الى المدينة (لنوائبه) جمع نائبة وهى كل أمر مهم (أللفيف) بفائين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمي به من اللف وهو الجمع (شتى) متفرقة (زينب بنت الحارث) هى أخت مرحب كما في سنن أبي داود (سلام) بالتشديد كما مر (مصلية) مشوية وزنا ومعنى (وبشر بن البراء) بن معرور في الشفا من طريق ابن عبد البر وأكل القوم فدل على أنهم أكلوا كلهم معه (ان هذا العظم) يعني الذراع في رواية في الشفا فانها أخبرتني انها مسمومة وفي رواية فيه ان فخذها تكلمني انها مسمومة وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في نطق الجمادات له واختلف
ليخبرنى انه مسموم ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها فلما مات بشر بن البراء قتلها قصاصا قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت عائشة كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت منه بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم خرج الشيخان أكثره وجملة من استشهد من المسلمين بخيبر أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين رجلا قال ابن هشام وذكر سفيان بن عيينة أئمة أهل السنة فيه وفي أمثاله فمنهم من يقول هو كلام يخلقه الله في الجماد وحروف وأصوات يحدثها الله فيه ويسمعها منه دون تغير شكله ونقله عن هيئته ومنهم من يقول يوجد الله الحياة فيها أولا ثم يوجد فيها الكلام وقال الجبائي من المعتزلة له يخلق الله في الجماد حياة ويخلق له فما ولسانا وآلة يمكنه بها الكلام قال عياض لو كان هذا لكان نقله والتهمم به اكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه (على ذلك) بكسر الكاف (فتجاوز عنها) كما قاله ابن اسحاق في السيرة وهى احدي روايتين عن أبي هريرة وفي أخرى عنه فامر بها فقتلت والجمع بين ذلك انه صلى الله عليه وسلم تجاوز عنها أولا (فلما مات بشر بن البراء) بعد أن اعتل سنة كما قاله السهيلي دفعها لاولياء بشر فقتلوها كما في حديث ابن عباس وفي كتاب شرف المصطفي انه (قتلها) وصلبها وذكر الصلب غريب (اعرفها) أي الأكلة يعنى أثرها (لهوات) بثلاث فتحات جمع لهاة وهي اسم اللحمة المعلقة في أقصى الفم (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) في سيرة ابن اسحاق انه قال ذلك لام بشر بن البراء لما دخلت تعوده في مرض موته فقال يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التى أكلت مع ابنك تعادني (فهذا أوان انقطاع أبهري) ومعنى تعادني يراجعنى ويعاودني ألم سمها قال الداوودي الالم الذى حصل له صلى الله عليه وسلم من الاكلة هو بعض الاذوقة قال ابن الأثير وليس ببين لان بعض الذوق ليس بألم (أبهري) بفتح الهمزة وسكون الموحدة عرق يكتنف الصلب والقلب اذا انقطع مات صاحبه (من ذلك) بكسر الكاف زاد ابن اسحاق وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة قال الشمني فان قيل ما الجمع بين قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وبين هذا الحديث المقتضى ان موته صلى الله عليه وسلم بالسم الصادر من اليهودية والجواب ان الآية نزلت عام تبوك والسم كان بخيبر قبل ذلك «فائدة» أخرج الطبراني عن عمار بن ياسر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الهدية حتي يأمر صاحبها ان يأكل منها للشاة التى أهديت له (أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين) وهم عامر بن الاكوع ومحمود بن الربيع كما في الكتاب وباقيهم كما في الاستيعاب وغيره أنيف بن حبيب قال في الاستيعاب ذكره الطبري وواثلة ذكره ابن اسحاق وأوس بن الفاكه الانصارى وأوس بن عائذ وأوس ابن حبيب وثابت بن واثلة وثعلبة بن عنمة بفتح المهملة والنون وقيل استشهد يوم الخندق والحارث بن حاطب
عن الاجلح عن الشعبي ان جعفر بن أبي طالب قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بايهما أسر أكثر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وقدم بقدوم جعفر أبو موسى الاشعري ورفقته الاشعريين وقد سبق ذلك في حديث أسماء بنت عميس في فضلهم عند ذكر هجرتهم قال اهل السيرة ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر اهله وفتحه الله عليه وأصيب به مولاه مدعم فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال النبى صلى الله عليه وسلم بل والذي نفسي بيده ان الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا
[