...
المبحث الرابع: محمد صلى الله عليه وسلم في ديار بني سعد
بعدما وضعت السيدة آمنة بنت وهب حملها أرسلت إلى جده عبد المطلب وأخبرته بولادة حفيده، فسُر به كثيرا، وأخذه ودخل به الكعبة، ودعا له بخير، وسماه محمدا، فلما سئل عن سبب هذه التسمية مع أنها لم توجد في آبائه أو في أقربائه، قال: أردت أن يحمد في السماء عند الله، وفي الأرض عند الناس1.
يذكر السهيلي أن التسمية كانت لرؤيا رآها عبد المطلب توافقت في دلالتها مع ما حدثته به أمه صلى الله عليه وسلم2.
يروي ابن عساكر أن عبد المطلب سر بولادة محمد كثيرا، وعق عنه بكبش، وقد عاش الوليد في كنف أمه سبعة أيام أرضعته فيها ومعها قبلته "الشفاء"، وقد سر أعمامه بميلاد ابن لأخيهم الذي فقدوه صغيرا، لدرجة أن أبا لهب أعتق جاريته ثويبية عندما أخبرته بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، فذهبت إلى أمه "آمنة"، وأرضعته معها3.
أقبلت آمنة على وليدها بالحنان والرفق، في انتظار مرضعة تستلمه؛ لتقوم بتربيته في البادية؛ حيث الخلاء الواسع، والطبيعة الجميلة، وبساطة الحياة، وفطرة الناس، وكانت عادة أثرياء أهل مكة أن يسلموا أولادهم بعد ولادتهم، لمرضعات من البادية لقاء أجر ورزق.
واتفق أن جاءت المراضع من بني سعد يلتمس أبناء الأغنياء؛ طمعا في الرزق واليسار
__________
1 سبل الهدى والرشاد ج1 ص182.
2 الروض الأنف ج1 ص183.
3 صحيح البخاري بشرح فتح الباري - كتاب النكاح - باب ما يحرم من الرضاع ج7 ص12، وثويبية هي التي أرضعت عمه حمزة وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي؛ ليكون لهما أخا في الرضاع.
ومروا جميعا على آمنة، فرأوا ولدها يتيما فقيرا، فتركنه لقلة الأجر، وضآلة العطاء المنتظر من يتيم فقير.
ووجد النسوة عند أبناء الأثرياء ما يأملون، ما عدا حليمة السعدية، فإنها كانت فقيرة ضعيفة، رأت الأمهات منها ما صرفهن عن اختيارها مرضعة لأبنائهم، فلبنها قليل، وجسدها نحيل، وأتانها هزيل، والفقر باد عليها، فانصرفوا عنها إلى غيرها.
ووجدت حليمة نفسها مضطرة لأخذ محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا تعود لديارها خاوية الوفاض، فكان في أخذها له الخيرة والبركة، وظهر ذلك في كافة جوانب حياتها وأسرتها، ونعمت بهذا الخير هي وقومها بعد ذلك.
وحليمة هي بنت أبي ذؤيب، وهو عبد الله بن الحارث بن سعد من هوازن، وتعرف بحليمة السعدية، وكنيتها أم كبشة.. وزوجها هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة من هوازن كذلك، ويكنى بأبي كبشة.
وقد شرَّفها الله تعالى بإرضاع محمد صلى الله عليه وسلم، فصارت له أما، وصار زوجها له أبا، وصار أبناؤها إخوته، وهم: عبد الله بن الحارث، وحفص بن الحارث، وأمية بن الحارث، والشيماء، وهي خذامة بن الحارث، وقد أكرمها الله تعالى، ففاض الخير في كل جوانب حياتها ببركته صلى الله عليه وسلم، رغم أنها لم تكن راغبة فيه، ولولا انصراف الوالدات عنه ما أخذته.
تحكي حليمة قصتها مع رضاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر، نلتمس الرضعاء بمكة، على أتان لي قمراء قد أدمت بالركب، وخرجنا في سنة شهباء، لم تبقِ لنا شيئا، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى، ومعنا شارف لنا، والله إن يبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لي ما نام ليلنا أجمع، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يمصه، وما في شارفنا من لبن
نغذوه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فشق ذلك علينا ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء.
فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعة، من والد المولود، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن نصنع أمه؟ وما يفعل جده؟ فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة معي إلا أخذت رضيعا غيري.
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي، ولم آخذ رضيعا.
قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت إلى رحلي1.
وقد رأت حليمة فضل الله عليها عقب عودتها إلى رحلها بمحمد صلى الله عليه وسلم، تقول: "فلما وضعته في حجري، أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي.
ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك.
وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا لبنها حافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا ليلتنا تلك بخير ليلة شباعا رواء، وقد نام صبيانا.
يقول أبوه -يعني زوجها- والله يا حليمة، ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة، قد نام صبيانا ورويا.
فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
ثم خرجنا وركبت أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يابنة أبي ذؤيب، ويحك، أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟
__________
1 مع الرسول ص189.
فأقول لهن: بلى والله، وإنها لهي هي.
فيقلن: والله إن لها لشأنا.
ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا به معنا شباعا لبنا، وتروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذويب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبنا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير، حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، كان صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة، فبلغ ستا وهو غلام جفر"1.
إن رعاية الله تعالى مستمرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هي بركاته تحل بحليمة؛ حيث أخصبت أرضها الجدباء، ودر لبن إبلها الجاف، وصارت ترى النعيم في كل شئونها.
وقد أجمع مؤرخو السيرة على رواية ما حكته حليمة عن قصة إرضاعها محمدا صلى الله عليه وسلم.. وهي بما روت تضيف فصلا جديدا من تكريم الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم..
ولما بلغ عمره صلى الله عليه وسلم سنتين فصلته حليمة، وعادت به إلى أمه في مكة..
ويرجع السبب في عادة أثرياء مكة إرضاع أولادهم وتنشئتهم في البادية إلى أمور نتملس بعضها فيما يلي:
1- تتميز البادية بالنقاء والصفاء؛ حيث الخلاء الواسع، والفضاء الرحيب، وهذا يساعد في اتساع الأفق، وبعد المدارك، ويؤدي إلى هدوء الطبع، واستقرار النفس، فالناس في البادية يعيشون بين الخضرة اليانعة، والطبيعة الخلابة، مع الطمأنينة والهدوء، فلا اشتغال لهم بقضايا السلطة والإدارة،
__________
1 مع الرسول ص189.
ولا عناء معهم في السعي والتجارة، ولا تعب في الترقي والصناعة، إن حياتهم الرتيبة تصنع الهدوء والاستقرار.
2- تصنع البادية من أبنائها رجالا يعتمدون على أنفسهم، فليس لهم جيش يحميهم، ولا رجال أمن يحرسونهم، وإنما يعتمد كلٌّ على نفسه؛ ولذلك ينشأ البدوي على الجرأة والشجاعة، ويتعود الإقدام وعدم الخوف، ويعتمد البدو على أنفسهم في الدفاع والنصرة والحماية.
3- يعيش أبناء البادية في مجتمع مغلق، لا يأتيهم غريب ولا يعيش بينهم أجنبي، وهذا الوضع ساعدهم على المحافظة على الفطرة الطبيعية، واللغة الفصيحة، والنسب الصريح، والقوة البدنية، في ترابط الأقارب، ومودة المحبين.
إن الآباء قصدوا تربية أبنائهم في البادية؛ لينشئوا أقوياء البنية، فصحاء اللسان، حسني الأخلاق، يتميزون بهدوء الطبع، وشجاعة السلوك، وحب التعاون والتواد، وتلك عوامل أرادها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فأرضعته حليمة السعدية ونشأ في ديار بني سعد؛ ليستفيد بما أراده الله له.
عادت حليمة السعدية بمحمد إلى أمة السيدة آمنة بعد تمام إرضاعه وفصاله، وذلك على عادة سائر المراضع مع أبنائهن، ولم تكن حليمة سعيدة بعودته لأمه؛ لأنها تخاف توقف الخير الذي تدفق عليها، تقول حليمة: "فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه فينا؛ لما كنا نرى من بركته"1.
عرضت حليمة على آمنة أن تعود بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى ديارها مرة ثانية لتستمر بركته، ولتبتعد به عن وباء كان بمكة يومذاك، فوافقتها آمنة، وأعادته معها مرة ثانية إلى ديار بني سعد، وبخاصة أن مكة يومذاك كانت موبوءة، وأملت أن يزداد محمد نضارة وازدهارا ونموا في بدنه وعقله وشخصيته، ليشب رجلا له قدره ومنزلته
__________
1 السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص164.
ويقوم بدوره مع جده وأعمامه وقومه.
وأخذته حليمة وعادت به سعيدة مرة ثانية، وفرحت بذلك، إلا أنها اضطرت إلى إعادته لأمه حين بلغ عمره خمس سنوات وشهرا، ولم تره بعد ذلك إلا مرتين، الأولى: بعد تزويجه صلى الله عليه وسلم خديجة، والثانية: يوم حنين، وسيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى.
وكانت آمنة قد أوصت حليمة بمحمد، وعرفتها بما حصل معها، في حملها وولادته، وبينت لها ما رأت وما شاهدت من كرامات صاحبت مولده، وقالت لها: احفظي ابني هذا، واحذري عليه الرهبان والكهان.
تقول حليمة: مر بي بعض اليهود فقلت لهم: ألا تحدثوني عن ابني هذا؟! فإني حملته كذا، ووضعته كذا، ورأيت كذا! كما قالت أمه.
تريد حليمة بذلك أن تعرف شيئا عن الأسرار المتصلة بهذا الغلام المبارك.
تقول حليمة: لما رآه اليهود، قال بعضهم لبعض: اقتلوه.
وسألوها: أيتيم هو؟
فقلت لهم: لا، هذا أبوه، وأنا أمه.
فقالوا: لو كان يتيما لقتلناه.
فذهبت به حليمة وقالت: كدت أخرب أمانتي1.
يقول ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن الذي أهاج أمه السعدية على إعادته لأمه أن نفرا من نصارى الحبشة رأوه معها، حين رجعت به بعد فطامه، فنظروا إليه، وسألوها عنه، وقلبوه، ثم قالوا لها: لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا غلام كائن له شأن، نحن نعرف أمره.. يقول ابن إسحاق: إنها لم تكد تنفلت به منهم2.
__________
1 الطبقات الكبرى ج1 ص71.
2 سيرة النبي ج1 ص167.
وعاد محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمه ليبدأ مرحلة جديدة من قومه وعشيرته..
وفاء النبي لأيام حليمة:
عاش النبي صلى الله عليه وسلم أيامه الأولى عند حليمة السعدية، ونما جسده بلبنها، وصفا لسانه بلغات بني سعد، وصاحب عديدا من الناس.
وعاش محمد -وهو في ديار حليمة- مع قبيلة بني سعد؛ حيث أحبه كل مَن رآه، وأحاطوه بالرعاية الحسنة والتكريم الجميل.
وحفظ صلى الله عليه وسلم لحليمة وأسرتها هذا الجميل، وكان يذكره، ويشيد به.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أعربكم، أنا من قريش، ولساني لسان بني سعد" 1.
يقول محمد بن المنذر: استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت أرضعته، فلما دخلت عليه، سر بها، وقال: أمي، أمي، وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه2، وعرَّف أصحابه بأنها حليمة.
يروي ابن سعد بسنده أن حليمة قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد زواجه خديجة رضي الله عنها، وشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة في شأنها، فأعطتها أربعين شاة وبعيرا، وانصرفت لأهلها3.
وأخرج أبو داود بسنده عن ابن الطفيل رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله يقسم لحما بالجعرانة -وأنا يومئذ غلام أحمل لحم الجزور- إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى رسول الله فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت: مَن هذه؟ قالوا: هذه أمه صلى الله عليه وسلم التي أرضعته"4.
__________
1 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد - كتاب المناقب - باب في حليمة ج9 ص415.
2 الطبقات الكبرى ج1 ص113.
3 المرجع السابق ج1 ص114.
4 سنن أبي داود - كتاب الأدب - باب في بر الوالدين ج2 ص630.
وهكذا كان تقدير النبي صلى الله عليه وسلم لمرضعته حليمة؛ وفاء لحقها، وبرا بأمومتها، وتكريما لوفادتها.. لم ينسه تغير الحال ما أسدي له من جميل..
ولم يتصور أن ما أخذته من أمه أجرا كافيا في حقها، بل كان صلى الله عليه وسلم يقدر زوجها وأبناءها، فهم أبوه وإخوته في الرضاعة، أخرج أبو داود عن عمر بن الحارث أن عمر السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه، فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله فأجلسه بين يديه1.
وبعد فتح مكة كانت غزوة حنين، وأسر النبي صلى الله عليه وسلم عددا من هوازن قبيلة حليمة، فجاء وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة لفك أسراهم، وكان رأس القوم، والمتكلم فيها "أبو صرد زهير بن صرد" فقال: إن في هذه الحظائر "مكان الأسرى" أخواتك، وعماتك، وخالاتك، وبنات عمك، وبنات خالاتك، وأبعدهن قريب منك، بأبي أنت وأمي! إنهن حضنك في حجورهن، وأرضعنك بثديهن، وتوركنك على أوراكهن، وأنت خير المكفولين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن الحديث أصدقه، وعندي من ترون من المسلمين، أفأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم، أم أموالكم؟ ".
فقالوا: يا رسول الله، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، وما كنا لنعدل بالأحساب شيئا، فرد علينا أبناءنا ونساءنا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس، فإذا صليت بالناس الظهر فقولوا: نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله، فإني سأقول لكم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأطلب
__________
1 الطبقات الكبرى ج1 ص114.
لكم الناس"، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، قاموا فتكلموا بالذي قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"، وهنا تأثر المهاجرون والأنصار، وقالوا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتفقوا على قول واحد وقاموا بتسليم الوفد جميع ما أخذوا، وهم راضون سعداء، وأطلقوا سراح ما في أيديهم من سبي هوازن إلا قوما تمسكوا بما في أيديهم، فأعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إبلا عوضا عن ذلك، وفك أسرهم جميعا1.
إن الإنسان العظيم لا ينسى جميلا أُسدي إليه، وأو أسدي لأحد من صحابته، ودائما يحفظ الفضل لأهله، وعلى رأس العظماء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، لقد تذكر جميل آل حليمة في وقت عسرهم، وضعفهم فما خذلهم وما هانهم.. بل أكرمهم جميعا، وأعادهم إلى ديارهم أحرارا.
وهكذا حافظ رسول الله على الخلق الكريم، فوفَّى لحليمة رضي الله عنها يوم أتت إليه، وأكرم أهلها وقومها صلى الله عليه وسلم، يوم أن وقعوا أسرى عند المسلمين، وقد أسلموا بعد ذلك، وحسن إسلامهم..
__________
1 الطبقات الكبرى ج8 ص115.