روى الطبراني وأبو القاسم البغوي عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: لما أجرى أخي علي بن الحكم فرسه، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه، فقال: «بسم الله» . ومسح ساقه فما نزل عنها حتى برأ.
,
وفيه أنواع:
,
روى أبو بكر بن أبي شيبة والإمام أحمد والبزّار عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشترى لحما قال لأهله: «أكثروا المرق» ، زاد الإمام أحمد والبزار «وتعاهد جيرانك» [ (1) ] .
وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعجبه الثّقل، قال عباد: يعني ثفل المرق [ (2) ] .
وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا عملت مرقة فأكثر ماءها واغرف لجيرانك منها» [ (3) ] .
,
وفيه أنواع:
,
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 6/ 100 وأبو داود 4/ 119 (3735) والحاكم 4/ 138.
[ (2) ] أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 185.
جملة الآبار التي ورد فيها ذلك إحدى وعشرون.
الأولى: بئر أريس كجليس نسبة إلى رجل من يهود اسمه أريس، وهو الفلاح بلغة أهل الشام قديما، وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء.
وروى البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك، فدللته عليها، فقال: لقد كانت هذه، وإن الرجل لينضح حماره فتنزح فيستخرجها له، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأمر بذنوب للسقي فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه، ثم أمر به فأعيد في البئر فما نزحت بعد.
قال السيد السّمهودي رحمه الله تعالى في تاريخه ولم يعد ابن شبّة ولا ابن زبالة بئر [أريس من الآبار التي كانت يستسقي منها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكرها] ابن شبّة رحمه الله تعالى في حديقة عثمان، وهذه البئر المعروفة اليوم تعد من أعذب آبار المدينة الشريفة. انتهى.
الثانية: بئر الأعواف إحدى الصدقات النبوية.
روى ابن شبّة عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على شفة بئر الأعواف، صدقته، وسال الماء فيها، ونبتت نابتة على أثر وضوئه، ولم تزل فيها حتى الساعة، قال السيد: قلت: والأعواف اليوم اسم لجزع كبير في قبلته المربوع، وفي شامية خفافة، وفيه آبار متعددة، فلا يعرف البئر المذكورة منها ولم يذكر المطري [ (1) ] ومن تبعه هذه البئر، ولا الثلاثة بعدها لسكوت ابن النجار عنها.
الثالثة: بئر أنا بضم الهمزة، وتخفيف النون كهنا، وقيل: بالفتح وكسر النون المشددة بعدها مثناة تحتية، وقيل: بالفتح والتشديد كحتى وضبطه في النهاية: بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة كحتى، أو النون الخفيفة، وذكره في القاموس أيضا، وذكره ياقوت في المشترك له، وقال: كذا هو مضبوط بخط ابن الحسين بن الفرات، ثم قال: وذكر آخرون أنها بئر أنا بضم الهمزة والنون الخفيفة.
روى ابن زبالة [ (2) ] عن عبد الحميد بن جعفر قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّته حين حاصر بني قريظة على بئر أنا، وصلّى في المسجد الذي هناك وشرب من بئر [أنا] وربط دابته بالسّدرة التي في أرض مريم ابنة عثمان.
__________
[ (1) ] محمد بن أحمد بن محمد بن خلف الخزرجي الأنصاري السعدي المدني، أبو عبد الله، جمال الدين المطري:
فاضل، عارف بالحديث والفقه والتاريخ وهو من أهل المدينة المنورة، ولي نيابة القضاء فيها، وألف لها تاريخا سماه «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة ومات فيها سنة 741 هجرة» الأعلام 5/ 325.
[ (2) ] انظر ترجمته في التهذيب 9/ 115.
قال ابن إسحاق: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني قريظة نزل على بئر من آبارها، وتلاحق الناس وهي بئر أنا.
وقال السيد رحمه الله تعالى: قلت: وهي غير معروفة اليوم، وناحية بني قريظة عند مسجدهم.
الرابعة: بئر أنس بن مالك بن النضر وتضاف أيضا لأبيه رضي الله تعالى عنه.
وروى ابن سعد عن مروان بن سعد بن العلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يشرب من بئر مالك بن النضر بن ضمضم، وهي التي يقال لها: بئر أبي أنس.
وروى أيضا عن محمود بن الربيع أنه يعقل مجّة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو من بئر أنس.
وروى ابن زبالة عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم استسقى فنزع له دلو من بئر دار أنس، فسكب على اللبن، فأتي به فشرب، وعمر بين يديه، وأبو بكر عن يساره، وأعرابي عن يمينه الحديث، وهو في الصحيح عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا له شاة لنا ثم شبته من بئرنا هذه، فأعطيته الحديث.
وروى ابن شبّة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم شرب من بئر أنس رضي الله تعالى عنه.
وروى أبو نعيم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بزق في بئر داره، فلم تكن بالمدينة بئر أعذب منها، قال: وكانوا إذا حوصروا استعذب لهم منها، وكانت تسمى في الجاهلية البرود.
قال السيد وهي غير معروفة اليوم، لكن تقدم عن ابن شبة في الأخبار أنه كان له شرب يخرج عند دار أنس بن مالك في بني جديلة.
الخامسة: بئر أهاب.
قال السيد: وفي نسخة عن ابن زبالة بئر ألهاب، والأول هو الصواب الذي اعتمده المحب.
روى ابن زبالة عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بئر أهاب بالحرة وهي يومئذ لسعد بن عثمان فوجد ابنه عبادة بن سعد مربوطا بين القرنين يفتل، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يلبث سعد أن جاء، فقال لابنه: هل جاءك أحد؟ قال: نعم، ووصف له صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحقه، فخرج عبادة حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلّم على رأس عبادة رضي الله تعالى عنه، وبرّك فيه،
فقال: فمات وهو ابن ثمانين، وما شاب، قال: وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئرها.
قال المطري: إن ابن زبالة رحمه الله تعالى ذكر عدة آبار أتاها النبي صلى الله عليه وسلّم، وشرب منها، وتوضأ لا يعرف الآن شيء منها.
قال: ومن جملة ما ذكر بئر بالحرة الغربية في آخر منزلة السّقيا، ومنها بئر أخرى، [إذا] وقفت على جادة الطريق كانت السّقيا على يسارك، وهذه عن يمينك بعيدة عن الطريق في سند من الحرة، قد حوط حولها بناء مجصص، لم يزل أهل المدينة يتبركون بها، ويشربون من مائها، وينقل إلى الآفاق منها كما ينقل من ماء زمزم، ويسمونها زمزم أيضا لبركتها، ولم أعلم أحداً ذكر فيها أثرا يعتمد عليه.
السادسة: بئر البصة بضم الموحدة وبالصاد المهملة.
قال المجد اللغوي [ (1) ] : إنها مشددة، قال السيد رحمه الله تعالى: الدائر على ألسنة أهل البلد تخفيفها.
قال المجد رحمه الله تعالى كأنه من بص الماء بصّا إذا رشح قال: وإن روي بالتخفيف فمن وبص يبص وبصا وبصة كوعد يعد وعدا أوعدة، ومن وبص لي من المال أي أعطاني.
روى ابن زبالة، وابن عدري من طريقه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتي الشهداء وأبناءهم ويتعاهد عيالاتهم، قال:
فجاء يوما أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال: هل عندك من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة؟ قال:
نعم، فأخرج له سدرا، وخرج معه إلى البصة، فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وصب غسالة رأسه ومراقة شعره في البصة.
قال ابن النجار [ (2) ] رحمه الله تعالى: وهذه البئر قريبة من البقيع على طريق الماضي إلى قباء.
السابعة: بئر بضاعة بضم الموحدة على المشهور، وحكي كسرها، وبفتح الضاد
__________
[ (1) ] محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي، مجد الدين، ابن الظهير: شاعر، أديب. من فقهاء الحنفية، ولد بإربل، وتنقل في العراق والشام، ومات بدمشق، له «تذكرة الأريب وتبصرة الأديب» و «مختصر أمثال الشريف الرضي» و «ديوان شعر» توفي 677 هجرة الأعلام 5/ 323.
[ (2) ] الحافظ الإمام البارع مؤرخ العصر مفيد العراق محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن النجار البغدادي صاحب التصانيف ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ألف كتاب «القمر المنير في المسند الكبير» ذكر كل صحابي وما له من الحديث، وكتاب «كنز الإمام في السنن والأحكام» وكتاب «أنساب المحدثين إلى الآباء والبلدان» وغير ذلك توفي في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة رحمه الله تعالى تذكرة الحفّاظ 4/ 1428.
المعجمة، وأهملها بعضهم، وبالعين المهملة ثم هاء.
روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد المعلّى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يشرب من بئر بضاعة، وبصق فيها وبرّك فيها.
وروى ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني أبي عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه، قال: سمعت عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو أسيد وأبو حميد وسهل ابن سعد رضي الله تعالى عنهم يقولون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أتى بئر بضاعة فتوضأ في الدلو، ورده في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول: اغسلوه من بضاعة، فيغسل كأنما حل من عقال.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني برجال ثقات عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: لو أني سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، قد- والله- سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مائها.
وروى الطبراني عنه رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بئر بضاعة وبصق فيها.
وروى الطبراني برجال ثقات عن أبي أسيد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن له بئرا بالمدينة يقال لها: بئر بضاعة، قد بصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهي يتبرك بها، ويتيمن بها، وبئر جاسوم، ويقال جاسم بالجيم والسين المهملة فيهما.
وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب من جاسم بئر أبي الهيثم بن التّيّهان براتج.
وروى محمد بن عمر الواقدي عن الهيثم بن نصر الأسلمي رضي الله تعالى عنه، قال:
خدمت النبي صلى الله عليه وسلّم، ولزمت بابه، فكنت آتيه بالماء من بئر جاسم، وهي بئر أبي الهيثم بن التّيّهان، وكان ماؤها طيبا.
الثامنة: بئر جمل بلفظ الجمل من الإبل.
قال المجد رحمه الله تعالى وهي بئر معروفة بناحية الجرف بآخر العقيق، وعليها مال من أموال أهل المدينة، يحتمل أنها سميت بجمل مات فيها، أو برجل اسمه جمل حفرها.
قال السيد رحمه الله تعالى قلت: وهي غير معروفة اليوم، ولم أر من سبق المجد بكونها بالجرف غير ياقوت، وقوله: بآخر العقيق لم أره في السنن الصغرى للنّسائي، ويبعده ما رواه ابن زبالة عن عبد الله بن رواحة، وأسامة بن زيد قالا: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى بئر جمل، وذهبنا
معه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ودخل معه بلال، فقلنا: لا نتوضأ حتى نسأل بلالا كيف توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح على الخفين والخمار- في صحيح البخاري حديث أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل مسلم عليه الحديث.
وفي رواية للدارقطني رحمه الله تعالى: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل، وفي أخرى له أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذهب نحو بئر جمل ليقضي حاجته، فلقيه رجل، وهو مقبل، فسلم عليه، وفي رواية للنّسائي أقبل من نحو بئر جمل بالعقيق.
وقال المطري عقب ذكر الآبار التي اقتصر عليها ابن النجار، ولم يعلم أنها ست والسابعة لا تعرف اليوم إلا ما يسمع من قول العامة إنها بئر جمل، ولم يعلم أين هي؟ ولا من ذكرها غير ما ورد في حديث البخاري رحمه الله تعالى، وذكر ما تقدم.
التاسعة: بيرحاء بكسر الباء وفتحها ممدودا اسم لحديقة نخل بقرب المسجد كانت لأبي طلحة، وقيل بفتح الموحدة والراء مقصورا والأول تصحيف، وروي بضم الراء في الرفع، وفتحها في النصب، وكسرها في الجر، على حسب العامل، وكسر مرخما، وجاء على هذا كما قيل: اسم رجل تنسب إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب.
قال أنس رضي الله تعالى عنه فلما نزلت هذه الآية قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أن الله تبارك وتعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب مالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة لله عز وجل أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» ، وفي رواية: «فقراء أقاربك» ، فقال أبو طلحة رضي الله تعالى عنه: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، وفي رواية فجعلها لحسان، وأبي بن كعب.
العاشرة: بئر حلوة بالحاء المهملة لم يذكرها ابن النجار وذكرها ابن زبالة.
فروي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا فبعث إلى بعض نسائه منها بالكتف، فتكلمن في ذلك بكلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«أنتن أهون على الله تعالى من ذلك» ، وهجرهن،
وكان يقيل تحت أراكة على حلوة: بئر كانت في الزّقاق الذي فيه دار آمنة بنت سعد، وبه سمي الزقاق زقاق حلوة، ويبيت في مشربة له، فلما مضت تسع وعشرون ليلة
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها
فقالت: يا رسول الله إنك آليت شهرا قال: «إن الشهر يكون تسعا وعشرين» .
قال السيد: قلت: وهذه البئر غير معروفة اليوم بعينها.
الحادية عشرة: بئر ذرع بالذال المعجمة وهي بئر بني خطمة.
روى ابن زبالة حديث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني خطمة، فصلى في بيت العجوز، ثم خرج منه فصلى في مسجد بني خطمة، ثم مضى إلى بئرهم، ذرع، فجلس في قفّها، فتوضأ وبصق فيها.
وروى ابن شبّة عن الحارث بن الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من ذرع بئر بني خطمة التي بفناء مسجدهم، وفي رواية فصلى في مسجدهم، وفي رواية عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم بصق في بئر بني خطمة، قال السيد رحمه الله تعالى: وهذه البئر غير معروفة اليوم.
الثانية عشرة: بئر رومة بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم بعدها هاء، وقيل رؤمة بهمزة ساكنة بعد الراء.
وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب من بئر رومة بالعقيق.
وروى ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر رومة، وكانت لرجل من مزينة يسقي عليها بأجر، فقال: «نعم صدقة المسلم هذه، من رجل يبتاعها من المزني فيتصدق بها؟» فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بأربعمائة دينار، فتصدق بها، فلما علق عليها العلق مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسأل عنها، فأخبر أن عثمان اشتراها وتصدق بها فقال: «اللهم أوجب له الجنة» ، ودعا بدلو من مائها فشرب منه، وقال صلى الله عليه وسلم: «هذا المتاع أما إن هذه الوادي ستكثر مياهه، وتعذب، وبئر المزني أعذبها» .
وروى أيضا عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ببئر المزني، وله خيمة إلى جنبها، وجرة فيها ماء بارد، فسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء باردا في الصيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «هذا العذب الزلال» .
في أسانيد الجميع محمد بن عمر.
وروى البخاري عن عبد الرحمن السّلمي أن عثمان رضي الله تعالى عنه حيث حوصر أشرف عليهم فقال: أنشدكم الله تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر رومة فله الجنة» ،
فحفرتها الحديث، قال: وفيه فصدقوه بما قال، وللنّسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك سعد بن أبي وقاص وعليّ بن أبي طالب وطلحة والزبير.
وبئر زمزم: على يمين السالك إلى العقيق سميت بذلك لبركتها، ولم تزل أهل المدينة قديما وحديثا يتبركون بها، ويشربون من مائها، وينقل إلى الآفاق منها، كما ينقل من زمزم بئر الحرم المكي.
الثالثة عشرة: بئر السّقيا بسين مهملة مضمومة فقاف ساكنة فتحتية.
روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب منها.
وروى ابن شبّة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقى له الماء العذب من بئر السّقيا، وفي رواية من بيوت السّقيا، رواه أبو داود بهذا اللفظ، وسنده جيد، وصححه الحاكم.
الرابعة عشرة: بئر العقبة بالعين المهملة ثم القاف قال المجد رحمه الله تعالى ذكرها رزين العبدري في آبار المدينة، وقال: هي التي أدلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أرجلهم فيها، ولم يعين لها موضعا، والمعروف أن هذه القصة إنما كانت في بئر أريس، قال السيد رحمه الله تعالى: والذي رأيته في كتاب رزين في تعداد الآبار المعروفة بالمدينة ما لفظه: وبئر أريس التي سقط فيها الخاتم، وبئر العقبة التي أدلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر أرجلهم فيها انتهى، قال: وقد قدمنا في بئر أريس ما يقتضي تعدد الواقعة.
الخامسة عشرة: بئر أبي عنبة بلفظ واحدة العنب.
قال ابن سيّد الناس في خبر نقله عن ابن سعد في غزوة بدر ما لفظه: وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره على بئر أبي عنبة، وهي على ميل من المدينة، فعرض أصحابه، وردّ من استصغر، ونقل الحافظ عبد الغني المقدسيّ رحمه الله تعالى أنه عرض جيشه عند بئر أبي عنبة بالحرة فوق هذه البئر أي السّقيا إلى الغرب، ونقل أنها على ميل من المدينة، قال السيد رحمه الله تعالى: قلت: ولعل العرض وقع أولا عند مرورهم بالسّقيا، ثم لما ضرب عسكره على هذه البئر أعاد العرض فرد من استصغر.
وقد روى ابن زبالة أن عمر وجدّته اختصما إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابني ويستسقي لي من بئر أبي عنبة، فدل على أن الماء كان يستعذب منها، قال المجد رحمه الله تعالى: وقد جاء ذكر هذه البئر في غير ما حدّثت والله تعالى أعلم بالصواب.
السادسة عشرة: بئر العهن بكسر العين المهملة، وسكون الهاء ونون.
لما ذكر المطري الآبار التي ذكرها ابن النجار، وهي أريس والبصة وبضاعة، ورومة
والغرس وبيرحاء قال: والسابعة لا تعرف اليوم ثم قال: رأيت حاشية بخط الشيخ أمين الدين ابن عساكر على نسخة من الدرر الثمينة في أخبار المدينة للشيخ محب الدين بن النجار ما مثاله: العدد يقتصر على المشهورة وبقيت بئر واحدة لأن المثبت ست، والمشهور سبع، والسابعة بئر العهن، ولها اسم آخر مشهورة به، قال المطري: عنبة، وبئر العهن هذه بالعوالي وهي بئر مليحة جدا، منقورة في الجبل، ولا يكاد ينزف ماؤها، قال السيد رحمه الله تعالى:
قلت: ولم يذكروا شيئا يتمسك به في فضلها، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم يزل الناس يتبركون بها، والذي ظهر لي بعد التأمل أنها بئر اليسيرة الآتي ذكرها وأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليها، وتوضأ منها، وبصق فيها لأن اليسيرة بئر بني أمية من الأنصار عند منازلهم، وبئر العهن عند منازلهم.
السابعة عشرة: بئر غرس بضم الغين المعجمة وبالراء والسين المهملة.
روى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم شرب منها وبرّك فيها، وقال: «هي عين من عيون الجنة» .
وروى أيضاً عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على شفير بئر غرس: «رأيت الليلة أني جالس على عين من عيون الجنة» ، يعني هذه البئر.
وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئر غرس من عيون الجنة» .
وروى أيضاً عن عمر بن الحاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم البئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستعذب له منها، وغسل منها.
وروى أيضا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم قباء فانتهينا إلى بئر غرس، وإنه ليستقي منها على حمار، ثم يقوم عامة النهار ما يجد فيها ماء، فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدلو، ورده فيها، فجاشت بالرّواء. في أسانيده هذه كلها محمد بن عمر الأسلمي.
الثامنة عشرة: بئر القرضافة.
قال السيد رحمه الله تعالى: لعلها بالقاف والراء كما رأيت في بعض النسخ، وفي بعضها بعين بدل القاف.
روى ابن زبالة عن جابر بن عبد الله أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه عرض على غرماء
أبيه القرضافة بما عليه من الدين فأبوا فقال: «دعهم حتى إذا كان جذاذها، فجذها في أصولها، ثم ائتني» ، فجاءه فأعلمه، فخرج صلى الله عليه وسلم فبصق في بئرها ودعا الله تعالى أن يؤدي عن عبد الله،
قال السيد: ويؤيده أن أصل حديث جابر في أرضه مذكور في الصحيح بطرق، وفي بعضها:
وكانت لجابر البئر التي بطريق رومة، وهذه الجهة بطريق رومة.
التاسعة عشرة: بئر القريصة بقاف وصاد مهملة مصغرة.
روى ابن زبالة عن سعد بن حرام، والحارث بن عبيد قالا: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بئر في القريصة، بئر بني حارثة أي شرب منها وبصق فيها، وسقط فيها خاتمه، فنزع، ثم روى عقبة سقوط الخاتم في بئر أريس.
العشرون: بئر اليسيرة من اليسر ضد العسر.
وروى ابن سعد عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من العسيرة بئر بني أمية بن زيد، وقف على يسارها فبصق فيها، وشرب منها، وبارك فيها، وسأل عن اسمها فقيل: العسيرة، فسماها: اليسيرة.
,
روى الشيخان والترمذيّ وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسمع تسبيح الطعام، وهو يؤكل [ (1) ] .
وروى أبو الشيخ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام ثريد، فقال: «إن هذا الطعام يسبّح» ، قالوا: يا رسول الله، وتفقه تسبيحه، قال: «نعم» ، ثم قال لرجل: «ادن هذه القصعة من هذا الرجل» ، فأدناها منه فقال: نعم، يا رسول الله، هذا الطعام يسبح فقال: «ادنها من آخر» وأدناها منه فقال: هذا الطعام يسبح ثم قال: «ردها» فقال رجل: يا رسول الله، لو أمرّت على القوم جميعا، فقال: «لا إنها لو سكتت عند رجل لقالوا: من ذنب ردّها» ، فردّها،
وروى أبو الشيخ عن خيثمة قال: كان أبو الدرداء يطبخ قدرا، فوقعت على وجهها فجعلت تسبح [ (2) ] .
وروى البيهقي وأبو نعيم عن قيس، قال: بينا أبو الدرداء وسلمان يأكلان من صحفة إذ سبّحت وما فيها.
وروى النّسائيّ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا نسمع صوت الماء وتسبيحه وهو يشرب، الحديث وتقدم في باب نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/ 185.
جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وسلّم في الأشجار
الباب الأول في حنين الجذع شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم
روى الإمام الشافعيّ حنين الجذع أكبر من إحياء الموتى، زاد البيهقي [ما أعطى الله- عز وجل- نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيّء له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذاك] وسيأتي توجيهه في الخصائص أن شاء الله تعالى.
وقد روى القصة أبي بن كعب رواه الإمام الشافعي وأحمد وابن ماجة والبغوي وابن عساكر وأنس بن مالك رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه وأبو يعلى والبزار وابن ماجه وأبو نعيم من طرق على شرط مسلم وبريدة، رواه الدارميّ، وجابر بن عبد الله، رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي، والمطلب بن أبي وداعة، رواه الزبير بن بكار، وأبو سعيد الخدري، رواه عبد بن حميد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى وأبو نعيم بسند على شرط مسلم، وعائشة رواه الطبراني والبيهقي، وأم سلمة رواه أبو نعيم والبيهقي بإسناد جيد بألفاظ متقاربة المعنى أدخلت بعضها في بعض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع نخلة، فاتّخذ له منبر، فلما فارق الجذع، وغدا إلى المنبر الذي صنع له جزع الجذع فحنّ له كما تحنّ الناقة، وفي لفظ: فخار كخوار الثّور، وفي لفظ: فصاحت النخلة صياح الصبيّ حتى تصدع وانشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكن فسكن وقال: «اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت، وإن شئت أن أغرسك في الجنة، فتشرب من أنهارها وعيونها، فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك الصالحون» فاختار الآخرة على الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة» ،
وقال: لا تلوموه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارق شيئا إلا وجد [ (1) ] ، ولقد أبدع من قال:
وألقى له الرحمن في الجمد حبّه ... فكانت لإهداء السّلام له تهدا
وفارق جذعا كان يخطب عنده ... فأنّ أنين الأمّ إذ تجد الفقدا
__________
[ (1) ] أخرجه من حديث جابر البخاري 2/ 397 (918، 2095، 3584، 3585) وأخرجه الدارمي 1/ 16، 19 وأحمد 1/ 249، 267، 363 وابن ماجة (1415) والبخاري في التاريخ 7/ 26 والطبراني في الكبير 12/ 187 وأبو نعيم في الدلائل (142) وانظر البداية 6/ 145، 147، 148 والكنز (31784، 32084) .
يحنّ إليه الجذع يا قوم هكذا ... أما نحن أولى أن نحنّ له وجدا
إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة ... فليس وفاء أن نطيق له بعدا
,
روى الطبراني والبيهقي عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات أو قال: تسع حصيات، فأخذهن في كفه، فسبّحن، حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهنّ فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهنّ فوضعهنّ في يد عثمان فسبّحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه خلافة النبوة» [ (1) ] .
ورواه البزّار والطبراني والبيهقي ورواه محمد بن يحيى الذهبي والبيهقي وابن عساكر عن أنس نحوه.
قصة أخرى.
روى أبو نعيم والحكيم الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم ملوك حضرموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم الأشعث بن قيس، فقالوا إنا قد خبأنا لك خبأ فما هو؟
قال: «سبحان الله! إنما يفعل هذا الكاهن والكهانة في النار» ، فقالوا: فكيف نعلم أنك رسول الله عز وجل فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّا من حصى، فقال: «هذا يشهد أني رسول الله» فسبح الحصى في يده، فقالوا: نشهد أنك رسول الله عز وجل [ (2) ] .
قصة أخرى.
روى ابن عساكر عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات، فسبّحن في يده، ثم ناولهنّ أبا بكر فسبّحن كما سبّحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ناولهنّ النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبّحن في يده كما سبّحن في يد أبي بكر، ثم ناولهنّ عثمان فسبّحن في كفّه كما سبحن في يد أبي بكر وعمر.
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 6/ 65 وانظر الكنز (35409) والبداية 6/ 151، 7/ 206.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في الدلائل 1/ 78 وانظر الدر المنثور 4/ 201، 5/ 270.
قصة أخرى.
روى عن ثابت البنانيّ عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حصيات في يده فسبّحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعنا التّسبيح، ثم صيّرهنّ في يد عمر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيّرهنّ في أيدينا رجلا رجلا فما سبّحت حصاة منهنّ.
,
روى الإمام أحمد وابن سعد والحاكم من طرق عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من بعض المعادن بمثل بيضة الدجاجة من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ هذه يا سلمان، فأدبها ما عليك» ، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه مما علي؟ فقلّبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسانه ثم قذفها إلي، ثم قال: «انطلق بها، فإن الله سيؤدّي بها عنك، فوالذي نفسي بيده، لو وزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وبقي عندي مثل ما أعطيتهم» ،
الحديث [ (1) ] .
وتقدم في قصة إسلامه أول الكتاب في باب ما أخبرته الأحبار والرهبان والكهان بأنه النبي المبعوث آخر الزمان.
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد 5/ 444 والطبراني في الكبير 6/ 277 أخرجه البيهقي 10/ 322 والخطيب في التاريخ 6/ 169 وابن عساكر كما في التهذيب 6/ 197 وأبو نعيم في الدلائل 1/ 89 وابن سعد 1/ 1/ 123 وانظر المجمع 9/ 336.
الباب الثالث في تأمين أسكفّة الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم
روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: «يا أبا الفضل، لا ترمّ منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإنّ لي فيكم حاجة» ، فانتظروه، حتى جاء بعد ما أضحى، فدخل عليهم، فقال: «السلام عليكم» فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قال لهم: «تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض» حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: «يا رب، هذا عمّي وصفو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه» ، قال: فأمّنت أسكفّة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين [ (1) ] .
ورواه ابن ماجة مختصرا وليس في سنده متّهم.
ورواه أبو نعيم من حديث عبد الله بن الغسيل.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
ملاءته: ملحفته.
صفو أبي: مثل أبي.
أسكفّة الباب: عتبته.
__________
[ (1) ] ابن عساكر كما في التهذيب 7/ 238 والبيهقي في الدلائل 6/ 71 وابن كثير في البداية 6/ 153.
الباب الرابع في تحرك الجبل فرحاً به صلى الله عليه وسلم
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: «اثبت، عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان» [ (1) ] .
وروى أبو يعلى والبيهقي من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد فقط، وروى مسلم من حديث أبي هريرة مثله، وزاد (وعليّ وطلحة والزبير) فقال: «اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» رواه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء فقط [ (2) ] .
وروى أبو نعيم عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حراء فتحرك فضربه برجله، ثم قال: «اسكن حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد» ،
ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأنا [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 42 (3686) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في الفضائل (50) وأحمد 2/ 419 والترمذي (3696) والبيهقي في الدلائل 6/ 352 والبغوي في التفسير 1/ 74 وانظر الكنز (33098، 36719) .
[ (3) ] أخرجه البيهقي 6/ 167 والدارقطني 4/ 198 والبخاري في التاريخ 8/ 105 وابن عساكر كما في التهذيب 5/ 363، 7/ 80، 435، 6/ 102 وانظر البداية والنهاية 7/ 179.
الباب الخامس في تنكيس الأصنام حين أشار إليها صلّى الله عليه وسلم
روى الشيخان عن ابن مسعود والإمام أحمد وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس وابن إسحاق والبيهقي عن عليّ وأبو نعيم والبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما فأشار إلى كل صنم بعصا، فقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (1) ] [سورة الإسراء 81] جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط من غير أن يمسّه بعصا
وفي لفظ: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فأخذ بقوسه فجعل يهوي إلى صنم صنم وهو يهوي حتى مرّ عليها كلّها وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعيّ:
وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثّواب أو العقابا
وأخرجه ابن مندة من وجه ثالث عن ابن عباس وقال: حديث غريب تفرد به يعقوب بن محمد الزّهريّ.
قال البيهقي في حديث ابن عمر إسناده إن كان ضعيفا فحديث ابن عباس يؤكده.
__________
[ (1) ] تقدم.
,
روى الشيخان وأبو نعيم عن جابر رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاحق بي وتحتي ناضح أعيا ولا يكاد يسير حتى ذهب الناس فجعلت أرقيه ويهمّني شأنه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في آخر الناس فقال لي: «ما لبعيرك؟» قلت: عليل فمسح في نحره من الماء ثم ضربه ودعا له، فوثب ثم قال: «اركب باسم الله» ، قلت: إنيّ أرضى أن يساق معنا قال: «اركب» فركبت، فو الذي نفسي بيده، لقد رأيتني وإني لأكفّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إرادة ألا يسبقه فما ركبت دابّة قبله ولا بعده أوسع ولا أوطأ منه، وما زال بين الإبل يسير قدّامها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف ترى بعيرك؟» قلت: بخير، قد أصابته بركتك [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا فأتاه، فقال: يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث، فأتاها فضربها برجله، قال أبو هريرة والذي نفسي بيده، لقد رأيتها تسبق القائد.
وروى ابن حبان في تاريخه والحسن بن سفيان والطّبراني عن الحكم بن أيوب، ويقال ابن الحارث السّلمي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حلب ناقتي فرجّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدّمت الرّكاب.
__________
[ (1) ] تقدم وانظر البخاري 4/ 320 (2097، 2718، 2967) ومسلم 3/ 1221 (110/ 715) .
,
روى النّسائي في الكبرى والطبراني برجال ثقات والبيهقي بسند صحيح عن جعيل الأشجعي رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة فكنت في آخر الناس، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع مخفقة فضربها بها وقال: «اللهم، بارك فيها» ،
قال: فلقد رأيتني ما أمسك رأسها أن أتقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن أهل المدينة فزعوا مرّة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة كان يقطف به أو به قطاف.
وفي رواية بطيئا فلما رجع، قال: «وجدنا فرسك بحرا» ، فكان بعد لا يجارى
[ (2) ] .
,
روى الطبراني عن عصمة بن مالك الخطميّ قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فلما أراد أن يرجع جئناه بحمار يتجافى قطوف فركبه، وردّه علينا فهو هملاج ما يساير [ (1) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
الهملجة: سرعة السير شبه الهرولة فارسيّ معرّب ويسمّى الآن رهوانا.
قصة أخرى.
روى ابن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا، فقال عنده فلما برد جاءوا بحمار قطوف فوطئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقطيفة عليه، فركب، فرده، وهو هملاج فزيع لا يساير [ (2) ] .
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.
هملاج: الهملجة سرعة السير فارسيّ معرب ويسمى الآن رهوانا.
فزيغ: بفاء وغين معجمة أي واسع المشي.
__________
[ (1) ] تقدم.
[ (2) ] تقدم.
الباب السادس عشر في قصة الطائر الذي حلّق بإحدى خفيه صلّى الله عليه وسلم
روى الطبراني، وأبو نعيم والبيهقي والخرائطيّ في المكارم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بخفيه فلبس إحداهما فجاء طائر أخضر فأخذ الخفّ الآخر فحلّق به في السماء فاستلب أسود سالخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله عز وجل بها» زاد الخرائطيّ: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما يمشي على أربع» [ (1) ] .
قصة أخرى.
روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفّيه، فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به فخرجت منه حية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» [ (2) ] .
,
روى ابن سعد مرسلا عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين في بعض أمره فقالا: يا رسول الله، ما معنا ما نتزوده، فقال: «ابتغيا لي سقاء» فجاءاه بسقاء، قالا:
فأمرنا فملأناه ماء ثم أوكأه وقال: «اذهبا حتى تبلغا مكان كذا وكذا فإن الله عز وجل سيرزقكما» فانطلقا حتى أتيا ذلك المكان الذي أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فانحلّ سقاؤها فإذا لبن وزبد فأكلا حتى شبعا [ (1) ] .
,
روى ابن سعد عن زيد بن أسلم ويزيد بن رومان وغيرهما والبيهقي عن ابن إسحاق أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه في يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من شجرة فصار في يده سيفا صارما صافي الحديد شديد المتن فقاتل بها حتى فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده وكان ذلك يسمى القويّ.
__________
[ (1) ] ابن سعد 1/ 1/ 114.
,
روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن الجرشي قال: أخبرنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عسيبا من نخل فرجع في يد عبد الله سيفا.
قصة أخرى.
روى الزبير بن بكار في الموافقيات عن عبد الله بن جحش أن سيفه انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا فصار في يده سيفا فكان يسمى العرجون ولم يزل بعد يتوارث حتى بيع من التركي بمائتي دينار.
قصة أخرى.
روى البيهقي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال: «اضرب به» ، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 2/ 370، 3/ 99.
,