وفى هذه السنة بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش ووقع التزوّج فى السنة السادسة من الهجرة* وفى هذه السنة وقع الزفاف كما مرّ وقصتها انها كانت قد خرجت مهاجرة الى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فى الهجرة الثانية ثم ارتدّ عن الاسلام وتنصر ومات هناك وثبتت أم حبيبة على الاسلام قالت رأيت فى المنام كأن آتيا يقول يا أمّ المؤمنين ففزعت فأوّلها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوّجنى فلما انقضت عدّتى فما شعرت الا برسول النحاشى على بابى يستأذن فاذا بجارية له يقال لها ابرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علىّ فقالت ان الملك يقول لك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الىّ أن أزوّجك منه قلت بشرك الله بالخير قالت يقول الملك وكلى من يزوّجك فأرسلت الى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وفى سيرة اليعمرى ولى نكاح أم حبيبة عثمان بن عفان وقيل خالد بن سعيد بن العاص فأعطت ابرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا فى رجليها وخواتم من فضة فى أصابع رجليها سرورا بما بشرت به فلما كان العشىّ أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن كان هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشى فقال الحمد لله الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار وأشهد أن لا اله الا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وانه الذى بشر به عيسى ابن مريم* أما بعد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الىّ أن أزوّجه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فأجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار* وفى روضة الاحباب أربعمائة مثقال من الذهب ثم سكب الدنانير بين يدى القوم فتكلم خالد بن سعيد بن العاص فقال الحمد لله أحمده واستعنه واستغفره وأشهد أن
لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسوله ودفع النجاشى الدنانير الى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال النجاشى اجلسوا فان من سنن الانبياء اذا تزوّجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرّقوا وذلك سنة سبع من الهجرة كذا فى الصفوة قالت أمّ حبيبة لما أتانى المال أرسلت الى ابرهة التى بشرتنى فقلت لها انى كنت أعطيتك ما أعطيتك ولا مال بيدى فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستعينى بها* وفى معالم التنزيل أنفذ اليها النجاشى أربعمائة دينار على يد ابرهة فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا انتهى قالت فأخرجت ابرهة كل ما كنت أعطيتها فردّته علىّ وقالت عزم على الملك أن لا أرزأك وأنا التى أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله وأسلمت لله وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن اليك بكل ما عندهن من العطر* فلما كان من الغد جاءتنى بعداد ورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بكله على النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان يراه علىّ وعندى ولا ينكره ثم قالت ابرهة حاجتى اليك أن تقرئى على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام وتعلميه انى اتبعت دينه قالت وكانت هى التى جهزتنى وكانت كلما دخلت علىّ تقول لا تنسى حاجتى اليك فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بى ابرهة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأته منها السلام فقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته وبعث النجاشى أمّ حبيبة الى النبىّ صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة ولما بلغ أبا سفيان خبر تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة قال ذاك الفحل لا يقرع أنفه وكان لامّ حبيبة حين قدم بها الى المدينة بضع وثلاثون سنة ومكثت عند النبىّ صلى الله عليه وسلم قريبا من أربع سنين وتوفيت فى زمان معاوية سنة ثنتين أو أربع وأربعين من الهجرة فى المدينة على القول الصحيح وصلى عليها مروان بن الحكم وقيل توفيت بالشام ومروياتها فى الكتب المتداولة خمسة وستون حديثا المتفق عليه حديثان وفرد مسلم حديث واحد والبقية فى سائر الكتب*