فخطب الناس وقال ان دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أصنع من دمائنا دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بنى سعد فقتله هذيل وربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد شعر (ضربت له بنمرة) فيه جواز الاستظلال للمحرم وهو للنازل بالاجماع وكرهه مالك وأحمد للراكب وفيه استحباب النزول بنمرة وأن لا يدخلوا عرفات الا بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر جمعا بشرطه ويندب أيضا الغسل بها للوقوف قبل الزوال فقد جاء في غير هذا الحديث (ونمرة) بفتح النون وكسر الميم وبسكون الميم مع فتح النون وكسرها موضع الى جانب عرفات وليس منها (واما المشعر الحرام) فجبل بالمزدلفة يقال له قزح بقاف مضمومة فزاى مفتوحة فمهملة كانت قريش تقف عليه في الجاهلية فظنوا انه صلى الله عليه وسلم سيقف به يومئذ فلم يفعل الا كما أمره الله في قوله ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي سائر العرب غير قريش (حتى أتي عرفة) أى قريبا منها (فرحلت) بتخفيف الحاء أى جعل عليها الرحل (ثم أتى بطن الوادي) أي وادى عرنة بضم المهملة وفتح الراء ثم نون وليست عرنة من أرض عرفات خلافا لمالك (فخطب الناس) فيه استحباب الخطبة يومئذ وذلك بالاتفاق خلافا له (كحرمة يومكم الى آخره) معناه متأكدة التحريم شديدته قال النووى وفيه دليل لضرب الامثال والحاق النظير بالنظير قياسا انتهي وقال بعضهم المشبه به هنا اخفض رتبة من المشبه وذلك خلاف القاعدة وجوابه ان تحريم اليوم والشهر والبلد لما كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الانفس والاموال والاعراض فكانوا يستبيحونها في الجاهلية ورد التشبيه بالمقرر عندهم اذ مناطه ظهوره لنبأ السامع (تحت قدمى) اشارة الى ابطاله (ودماء الجاهلية موضوعة) أى باطلة (دم ابن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب واسم هذا الابن اياس أو حارثة أو ثمام أو آدم أقوال لكن قال الدارقطني في الاخير هو تصحيف من دم قال عياض ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قال وكذا رواة أبو داود قيل وهذا وهم لان ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم الى زمن عمر وتأوله أبو عبيد بانه انما قال دم ربيعة لانه ولى الدم فنسبه اليه قال الزبير بن بكار وكان هذا الابن المقتول طفلا صغيرا يحبو بين البيوت فاصابه حجر في حرب كانت بين بنى سعد وبنى ليث (وربا الجاهلية) أي الزائد عن رأس المال كما قال تعالى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ (موضوع) باطل
المطلب فانه موضوع كله واتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسئلون عنى فما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات ثم أذّن ثم أقام الصلاة وصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتي الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرات مردود لصاحبه (واتقوا الله في) أمر (النساء) راعوا حقوقهن وعاشروهن بالمعروف (بامانة الله) في أكثر أصول مسلم بامان الله أى ان الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الامانة وصيانتها بمراعاة حقوقها (بكلمة الله) وهي قوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أو المراد كلمة التوحيد اذ لا تحل مسلمة لغير مسلم أو المراد اباحة الله والكلمة قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أو المراد بالكلمة الايجاب والقبول أقوال قال بالاول الخطابى والهروى وغيرهما وصحح النووى الثالث (ولكم) واجب (عليهن ان لا يوطئن فرشكم) أي لا يأذن في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم (أحدا) سواء كان رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحد محارم الزوجة ان كنتم (تكرهونه) أى تكرهون دخوله فخرج من علمت الزوجة رضى الزوج بدخوله فلها أن تأذن له هذا معني ما ذكره النووى وقال المازري قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال ولم يرد زنا لان ذلك يوجب حدها ولانه حرام وان لم يكرهه الزوج قال عياض كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء ولم يكن ذلك عيبا ولا ريبة عندهم فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك (غير مبرح) بالموحدة فالمهملة أى غير شديد شاق والبرح المشقة وفي الحديث جواز ضرب الرجل امرأته تأديبا فان ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله (كتاب الله) بالنصب والرفع (وينكتها الى الناس) بضم الكاف بعدها فوقية هكذا الرواية قال عياض وهو بعيد المعني وصوابه ينكبها بالموحدة ومعناه يردها ويقلبها الي الناس مشيرا اليهم انتهى وقال القرطبى روايتى وتقييدي على ما اعتمده من الائمة بضم التحتية وفتح النون وكسر الكاف مشددة وضم الموحدة أى يعدلها الي الناس قال وروينا مكتها بالفوقية وهي أبعدها (فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر) فيه مشروعية الجمع بين الظهر والعصر ثم يومئذ وهو اجماع وسببه الشك عند أبى حنيفة وبعض أصحابنا والصحيح عندنا ان سببه السفر فنحو المكي لا يجمع يومئذ كما انه لا يقصر وفيه ان الجامع يصلى الاولى أولا ويؤذن لها ويقيم لكل واحدة منهما ويوالى بينهما وكل ذلك متفق عليه عندنا (ثم ركب) قال النووى فيه تعجيل الذهاب الي الموقف بعد الصلاة وان الوقوف راكبا أفضل كما هو أحد أقوال ثلاثة (الى الصخرات) جمع صخرة وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي يوسط جبل عرفات وفي
وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف اسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصوى الزمام حتى ان رأسها ليصيب مورك رجله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتي جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتي المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء باذان واحد واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع الحديث ندب الوقوف بذلك المحل فان عجز ففيما قرب منه (جبل المشاة) روى بالمهملة وسكون الموحدة أى صفهم ومجتمعهم من جبل الرمل وهو ما طال منه وضخم وروي بالجيم وفتح الموحدة أي طريقهم وحيث مسلك الرجالة قال غياض والاول أشبه بالحديث (واستقبل القبلة) فيه استحباب استقبالها في الوقوف (حتى غربت الشمس) فيه انه ينبغي أن لا يخرج من أرض عرفات حتى يتحقق غروب الشمس فلو أفاض قبل الغروب اراق دما وجوبا أو استحبابا قولان للشافعي أظهرهما الثانى (حتى غاب القرص) قال عياض لعل صوابه حين غاب القرص قال النووي يوؤل بانه بيان لقوله غربت الشمس فان هذه قد يطلق مجازا على مغيب معظم القرص فازال ذلك الاحتمال به (واردف اسامة) فيه جواز الارداف اذا كانت الدابة مطيقة وقد تظاهرت به الاحاديث قاله النووي (وقد شنق) بفتح المعجمة والنون الخفيفة ثم قاف أى ضم وضيق (مورك رجله) بفتح الميم وكسر الراء هو الموضع الذي يعطف الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل اذامل الركوب وضبطه عياض بفتح الراء قال وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب يجعل في مقدم الرحل تشبه المخدة الصغيرة (السكينة السكينة) مكرر منصوب أي الزموا السكينة وهى الرفق والطمأنينة ففيه استحباب السكينة في الدفع من عرفات فاذا وجد فرجة أسرع (جبلا من الجبال) بالمهملة وسكون الموحدة لا غير والجبل التل اللطيف من الرمل الضخم (حتى تصعد) بفتح أوله مع فتح العين وضمه مع كسرها من صعد وأصعد (المزدلفة) سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب لازدلاف الحجاج اليها اذا أفاضوا من عرفة أو لمجىء الناس اليها في زلف أي ساعات من الليل قولان ويسمى جمعا بفتح الجيم وسكون الميم لاجتماع الناس (فصلى بها المغرب والعشاء) فيه ندب تأخير المغرب له ليلئذ بنية الجمع ليصليها مع العشاء بمزدلفة والخلاف في سببه كما سبق (باذان واقامتين) هذا دليل الصحيح في مذهبنا وهو مذهب أحمد وأبي ثور وقال به عبد الملك بن الماجشون المالكي والطحاوى الحنفي وحكي عن عمرو بن مسعود انه يصليهما باذانين واقامتين وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف باذان واقامة واحدة ولنا كاحمد قول انه يصلى كل واحدة باقامة بغير اذان وحكى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وحكي أيضا عن ابن عمر انه يصليهما باقامة واحدة وهو مذهب الثوري (ولم يسبح) أي لم يصل ففيه استحباب الموالاة في جمع التأخير (ثم اضطجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلي الفجر حين تبين له الصبح باذان واقامة ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس خلفه وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر اليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الكريمة على وجه الفضل فحول الفضل وجهه الى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) قال النووي فيه ان المبيت بمزدلفة نسك وللعلماء خلاف فيه والصحيح عندنا انه واجب يجبر تركه بدم والثاني انه سنة والثالث انه ركن (حتى طلع الفجر) فيه انه يستحب أن يبقي بها حتى يصلى بها الصبح الا للضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر وأقل ما يجزي في هذا المبيت ساعة بعد نصف الليل على الصحيح عندنا (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) فيه استحباب التبكير بها في هذا الموضع متأكدا أكثر من تأكده في غيره لكثرة وظائف هذا اليوم فيتسع الوقت لها (باذان واقامة) فيه استحبابهما في السفر كالحضر وقد تظاهرت به الاحاديث الصحيحة (حتى أتى المشعر الحرام) فيه استحباب الوقوف به وفيه حجة للفقهاء على انه قزح وقال المحدثون والمفسرون وأهل السير انه جميع مزدلفة (حتى اسفر) الضمير الى الفجر المذكور أولا (جدا) بكسر الجيم أي اسفارا بليغا (وسيما) أى حسنا جميلا (ظعن) بضم الظاء والمهملة ويجوز اسكان العين جمع ظعينة وأصلها البعير الذى يكون عليه امرأة ثم سميت به مجازا لملابسها له كالراوية (يجرين) بفتح أوله من جري قال القرطبي ويضمه من أجري فالاول لازم والثاني متعد (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الاجنبيات وغضهن عن الرجال الاجانب وللترمذى وغيره فلوى عنق الفضل فقال له العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما (بطن محسر) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين سمى بذلك لان الفيل الذى جاء به ابرهة ليهدم البيت حسر فيه أي أعيا وكل (فحرك قليلا) فيه استحباب الاسراع من هذا الوادي فيحرك الراكب دابته ويسرع الماشى قدر رمية حجر (ثم سلك الطريق الوسطي) فيه استحباب سلوكها في الرجوع من عرفات وهي غير الطريق الذي ذهب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا سنة في كل عبادة كما مر (فرماها) فيه استحباب البداءة برمى الجمرة ويكون ذلك قبل نزوله (بسبع حصيات) فيه تعيين الحجر للرمى كما هو مذهب الجمهور وجوزه أبو حنيفة بكل ما كان من آجر الارض (يكبر) فيه ندب التكبير (مع كل حصاة) أى رمية وفيه وجوب التفريق بين الحصيات حتى لورمى باكثر من
مثل حصى الخذف يرمي بطن الوادى ثم انصرف الى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب صلى الله عليه وسلم فافاض الى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بنى عبد المطلب فلولا ان يغلبكم النأس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه انتهى حديث جابر وهو عظيم الفوائد وقد اشتمل على جمل من مهمات القواعد قال القاضى عياض وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزأ كبيرا وخرج فيه من الفقه مائة ونيفا حصاة دفعة بحسب الازمنة (مثل حصى الخذف) بالمعجمتين فيه استحباب كون حصى الرمي كذلك وهي قدر حبة الباقلاء وان أجزأ (من بطن الوادى) فيه استحباب الرمي منه بحيث يكون منى وعرفة والمزدلفة عن يمينه ومكة عن يساره هذا في رمي يوم النحر وأما غيره فيندب استقبال القبلة فيه (ثلاثا وستين بيده) الكريمة ولابن ماهان بدله بدنة وكلاهما صواب والاول أصوب قاله عياض وفيه استحباب الاستكثار من الهدي وان ينحر أو يذبح بنفسه (ثم أعطى عليا فنحر ما غبر) بالمعجمة أي ما بقى وهو سبع وثلاثون ففيه جواز الاستنابة في ذبح الهدى وهو اجماع اذا كان النائب مسلما فان كان كافرا تحل ذبيحته فكذلك عندنا لكن النية على صاحب الهدي لعدم تأهل النائب لها قال النووي وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا وان كانت كبيرة في يوم النحر ولا يؤخر بعضها الي أيام التشريق (واشركه في هديه) ظاهره انه كان شريكا في نفس الهدى قاله عياض وعندى انه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا ينحره قال والظاهر انه صلى الله عليه وسلم نحر البدن التى جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذى وأعطا عليا البدن التي جاءت معه من اليمن وهي سبعة وثلاثون (ثم أمر من كل بدنة الى آخره) قال العلماء لما كان الاكل من كل بدنة سنة وفي الاكل من لحم كل واحدة بانفرادها كلفة جعلت في قدر ليكون قد أكل من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر والاكل من هدية التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب اجماعا (بضعة) بفتح الموحدة لا غير القطعة من اللحم (فافاض الى البيت) أي طاف به طواف الافاضة وهو ركن من أركان الحج اجماعا (فصلي بمكة الظهر) لا ينافي هذا ما في صحيح مسلم عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر وصلى الظهر بمني اذقد جمع بينهما بانه لما عاد الى منى أعاد صلاة الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك (فاتي بنى عبد المطلب) أي بعد فراغه من طواف الافاضة (وهم يسقون على زمزم) يغرفون في الدلاء ويصبونه في الحياض ونحوها لشرب الناس (انزعوا) بكسر الزاى أى اسقوا بالدلاء وانزعوها بالرشا (فلولا ان يغلبكم الناس) أى فلولا اني أخاف ان يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم
وخمسين نوعا قال ولو تقصى لزيد على هذا العدد قريب منه والله أعلم.
[فصل ومن الواردات في حجّة الوداع نزول قوله تعالى اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ]
«فصل» ومن الواردات في حجة الوداع نزول قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وكان نزولها بعد العصر يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فحين نزولها كاد عضد الناقة أن يندق من شدة ثقلها فبركت روينا في صحيح البخارى عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤن آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمرانى لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم الجمعة وانّا والله بعرفة قال ابن عباس كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود وعيد النصارى والمجوس ولم يجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده وروى هرون بن عنترة عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر قال بكائى انا كنا في زيادة من ديننا فاما اذا كمل فانه لم يكمل شيء الا نقص قال صدقت فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض والأحكام وعاش بعدها النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها أحد وثمانون يوما عن الاستقاء فتزول الخصوصية به الثابتة لكم لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء (ولو تقصي) بضم الفوقية والقاف وتشديد المهملة المكسورة مبني للمفعول أي قصواه أى غايته «فصل» في الواردات في حجة الوداع (اليوم أكملت لكم دينكم) أي الفرائض والسنن والحدود والاحكام والحلال والحرام قاله ابن عباس ويروى عنه انه الذى نزلت بعدها وقال سعيد بن جبير وقتادة أكملت لكم دينكم فلم يحج معكم مشرك وقيل أظهرت دينكم وأمنتكم من العدو (واتممت عليكم نعمتي) أى وأنجزت وعدى في قولى ولأتم نعمتي عليكم فكان من تمام نعمته ان دخلوا مكة آمنين وعليها ظاهرين وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين (ورضيت لكم الاسلام دينا) لا أرتضى لكم غيره فلا تستبدلوا به وأكرموه بالسخاء وحسن الخلق (وكان نزولها بعد العصر الي آخره) ذكره البغوى في التفسير (عضد الناقة) من المرفق الى رأس الكتف (ان يندق) أى ينحطم وينفت (فبركت) بالموحدة (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذى والنسائي (طارق) بالمهملة والراء والقاف (قالت اليهود لعمر) قال ابن حجر وغيره كان القائل منهم ذلك كعب الاحبار (أنزلت يوم عرفة) أشار عمر الى ان ذلك اليوم كان عيدا لنا لان العيد لغة السرور العائد فكل يوم شرع تعظيمه يسمى عيدا وللترمذي نزلت يوم عيدين لانه وافق يوم الجمعة وهو عيد المسلمين (قال ابن عباس كان ذلك اليوم خمسة أعياد) كما نقله عن البغوي (بن عنترة) بالمهملة فالنون فالفوقية بوزن حيدرة واسمه هرون قال الذهبي وغيره ثقة وأبو عنترة الشيبانى عده ابن شاهين في الصحابة (احدى وثمانين يوما) كما في تفسير البغوى وذلك مبنى على ان وفاته كانت في ربيع
فكأنها كانت في معنى النعي له صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما روينا في الصحيحين واللفظ للبخارى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بى من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثنى الا بنت لى واحدة أفأتصدق بثلثي مالى قال لا قلت فاتصدق بنصف مالى قال لا قلت والثلث قال والثلث كثير وانك ان تذر ورثتك أغنياء خير من ان تذرهم الاول وسيأتى الخلاف فيه (النعي) الاعلام بالموت وهو بفتح النون وسكون العين وتخفيف الياء وبضم النون وكسر العين وتشديد الياء (ومن ذلك ما رويناه في) الموطأ ومسند أحمد و (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عادني (النبي صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب العيادة للامام كغيره (أشفيت منه) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الفاء ثم تحيته ساكنة أشرفت (من الوجع) قال ابراهيم الحربي الوجع اسم لكل مرض وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح وانما المكروه ما كان على سبيل التسخط وهو الذي يقدح في أجر المريض (وأنا ذو مال) قال الووي فيه اباحة جمع المال لان هذه الصفة لا تستعمل في العرف الا للمال الكثير (ولا يرثنى الا ابنة لى) أراد من الولد وخواص الورثة والا فقد كان له عصبة وقيل أراد من أهل الفروض وهذه الابنة هي أم الحكم الكبري ولم يكن له سواها يومئذ وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وهي شقيقة اسحق الاكبر الذى كان يكنى به سعد بن أبي وقاص قال ابن حجر وهم من قال هي عائشة لانها لا صحبة لها وليست لسعد ابنة أخري اسمها عائشة (أفأتصدق بثلثى مالى) قال النووي يحتمل انه أراد بالصدقة الوصية ويحتمل أنه أراد بالصدقة المنجزة وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء الا ما زاد على الثلث لا ينفذ الا برضاء الوارث وخالف أهل الظاهر فقالوا للمريض مرض الموت ان يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح ودليل الجمهور قوله (الثلث والثلث كثير) مع حديث الذى أعتق ستة أعبد في مرضه فاعتق النبى صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة انتهي قال عياض يجوز نصب الثلث الاول على الاعزي «1» وعلى تقدير افعل واعط ورفعه على تقدير يكفيك فهو فاعل أو على انه مبتدأ حذف خبره أو خبر حذف مبتداؤه وضبط كثير بالمثلثة وبالموحدة وكلاهما صحيح قال النووي وفي الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية وقال العلماء ان كانت الورثة أغنياء استحب استغراق الثلث بالوصية والا استحب ان ينقص وأما الزيادة عليه فمحرمة اركان يقصد حرمان الوارث والا فلا يحرم ولا ينفذ الا باجازته سواء كان له وارث خاص أم لا وروى عن على وابن مسعود جوازه فيمن لا وارث له وذهب اليه أبو حنيفة واسحاق وكذا أحمد في احدي الروايتين عنه (أن) بفتح الهمزة (تذر) منصوب بان وروي أيضا بكسر الهمزة وجزم تذر
__________
(1) كذا في الأصل.
عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله الا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قلت يا رسول الله اخلف بعد أصحابي قال انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغى به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون اللهم امض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة بالشرط قال النووى وكلاهما صحيح (عالة) أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم باكفهم وفي الحديث الحث على صلة الرحم والاحسان الى القريب والشفقة على الوارث وان صلة القريب الاقرب أفضل من الابعد قال النووي واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير انتهي وفي الاستدلال به نظر (ولست تنفق نفقة) فيه الحث على الانفاق في وجوه الخير (تبتغي بها وجه الله) أي لا رياء فيها ولا سمعة ولا تريد عليها جزاء دنيويا (حتى اللقمة) بالنصب والضم (في في امرأتك) فيه ان المباح يصير طاعة بالنية وذلك لان زوج الانسان من أخص حظوظه الدنيوية وملاذه المباحة ووضع اللقمة في فيها انما يكون عادة عند المداعبة ونحوها وهذه الحالة أبعد الاشياء من الطاعة وأمور الآخرة فغير هذه الحالة أولى بحصول الاجر مع النية كذا قاله النووى (اخلف) استفهام حذفت ادانه (بعد أصحابي) أي بعد خروجهم الى المدينة اخلف عنهم بمكة وانما قال ذلك خوفا من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها لله كما صرحت به رواية في مسلم أو خوفا من بقائه بمكة بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى المدينة بسبب المرض وكانوا يكرهوا الرجوع فيما تركوه لله تعالى لا كمن جاء في رواية أخرى اخلف عن هجرتى قال عياض قيل كان حكم الهجرة باقيا بعد الفتح لهذا الحديث وقيل انما ذلك لمن هاجر قبل فاما من هاجر يعده فلا (انك لن تخلف) أراد بالتخلف هنا طول العمر والبقاء في الدنيا بعد جماعات من أصحابه (الا أزددت به درجة الى آخره) فيه فضيلة طول العمر للازدياد من الطاعات وفيه الحث على ارادة وجه الله تعالى بها (ولعلك تخلف) حرف ترج وهو هنا واجب (حتى ينتفع) في بعض نسخ مسلم حتى ينفع مبني للمفعول كقوله (ويضربك آخرون) وفي الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم فان سعدا عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به قوم في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار كذلك وتوفي رضي الله عنه في قصره بالعقيق وحمل الى المدينة وعليها يومئذ مروان بن الحكم قيل وكان آخر المهاجرين موتا بالمدينة سنة ثمان أو خمس وخمسين وعن بعض بضع وستين سنة (اللهم امض لاصحابى هجرتهم) أي أتمها لهم ولا تبطلها (ولا تردهم على أعقابهم) أي بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالتهم المرضية واستدل به من قال ان بقاء المهاجرين بمكة كيف كان قادح في هجرته قال عياض ولا دليل فيه عندى لاحتمال انه دعا لهم دعاء عاما (لكن البائس) أى الفقير الذى عليه أثر البؤس أي الفقر (سعد بن خولة) هو زوج سبيعة الا سليمة وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو وفي صحيح البخاري في الوصايا يرحم الله ابن عفراء قال ابن حجر يحتمل أن يكون خولة اسم أبيه وعفراء أمه وهو من بنى عامر بن لؤي واختلف في قصته فقيل لم يهاجر من مكة حتى مات بها وذكر البخاري انه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف الى مكة ومات بها وقال ابن هشام هاجر الى الحبشة الهجرة الثانية وشهد
رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة ومنها ما رويناه في صحيح البخارى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لجرير استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقال أيضا الا ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنى عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان بدرا وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع سنة عشر وقيل سنة سبع في الهدنة خرج مختارا من المدينة الى مكة فعلى هذا وعلى الاول سبب بؤسه موته بمكة على أى حال كان لفوت الثواب الكامل بالموت في دار هجرته قال عياض وقد روي في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلا وقال إن مات بمكة فلا تدفنه بها (يرني) بالمثلثة أي يتوجع (له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان) بفتح الهمزة (مات بمكة) هذا كله من كلام الراوى وانتهى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله لكن البائس سعد بن خولة والتفسير من كلام سعد بن أبي وقاص أو من كلام الزهري قولان قلت ينبغى للقاريء ان يفصل بين الحديث والتفسير بقال وقد ثبت لفظه قال في نسخة من نسخ صحيح مسلم بخط الحافظ الصريفيني كما نقله السيوطى في الديباج (ما رويناه في) مسند أحمد (وصحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه قال (لجرير) ورواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو رواه البخارى والنسائي عن أبي بكر ورواه البخاري والترمذي عن ابن عباس (لا ترجعوا بعدى) أى بعد وفاتي (كفارا) أى تتشبهوا بهم في قتل بعضكم بعضا (يضرب) بالرفع فقط ومن جزم احال المعني قاله عياض (وقال أيضا) فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي بكرة (ان الزمان) يعني السنة (قد استدار كهيئته) أى عاد مثل حالته وكان ذلك تاسع ذى الحجة في الوقت الذي حلت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوى الليل والنهار وكانت العرب يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا (منها) أى من السنة (أربعة حرم) سميت بذلك لحرمتها حتى ان الجهاد كان محرما فيها أول الاسلام ثم نسخ بفعله صلى الله عليه وسلم يوم حنين اذ دخل عليه شهر ذي القعدة وهو في جهاد ثم وقال عطاء وآخرون ان ذلك غير منسوخ ونقل عنه ابن جريج انه كان يحلف ما يحل للناس ان يقروا في الحرم ولا في الاشهر الحرم ولا ان يقاتلوا فيها وما يستحب (ذو القعدة الي آخره) فيه دليل لمن يقول ان الادب المستحب في غير هذه الاشهر ان يبدأ بذي القعدة ويختم برجب وهو الصحيح وقيل يبدأ بالمحرم ويختم بذي الحجة ليكون الاربعة من سنة واحدة (فالمحرم) هذا الاسم له اسلامي كما مر وكانوا في الجاهلية يسمونه صفر الاول وهو أفضل الاشهر الحرم وثلاثة رجب ثم ذو الحجة ثم ذو القعدة (ورجب مضر) انما أضافه اليهم ليمكنهم في تعظيمه أكثر من غيرهم أو لانهم كان بينهم وبين ربيعة اختلاف فيه فكانت مضر تجعله هذا المعروف وربيعة تجعله رمضان قولان (الذي بين جمادي وشعبان) قال النووي انما قيده هذا التقييد مبالغة في ايضاحه وازالة اللبس عنه وذلك لان العرب كانت
أيّ شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذا الحجة قلنا بلى يا رسول الله قال وأي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذه البلدة مكة قلنا بلى قال فأى يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذا يوم النحر قلنا بلى قال فان دماؤكم وأموالكم قال محمد وأحسبه قال واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدى ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ولعل بعض من لم يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت ألا هل بلغت ألا هل بلغت- ومعنى استدارة الزمان أنهم كانوا في الجاهلية ينسئون الشهر الحرام أى يؤخرونه اذا احتاجوا الى القتال فيه فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخركما يجعلون المحرم صفر فاذا احتاجوا الى تأخير تحريم صفر أخروه الى ربيع هكذا شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم الى السنة تسمى رجب وشعبان الرجبين وسمى شعبان بذلك نتشعب العرب فيه للحرب أي تفرقهم وخروجهم في كل وجه (أى شهر هذا الى آخره) قال النووي هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التقدير والتفخيم والتنبيه على عظم مزية هذا الشهر والبلد واليوم وقول الصحابة (الله ورسوله أعلم) من حسن أدبهم فانهم عرفوا انه صلى الله عليه وسلم لا يخفي عليه ما يعرفونه من الجواب فعلموا انه ليس المراد مطلق الاخبار بما يعرفون (أليس ذا الحجة) بالنصب خبر ليس واسمها مستتر فيها وكذا ما بعده (قال محمد) هو ابن سيرين (وليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) فيه وجوب تبليغ العلم بحيث يتيسر وذلك فرض كفاية (فلعل بعض) النصب اسم لعل (من تبلغه) بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه (أوعى له من بعض) ولمسلم ممن (سمعه) قال النووى احتج العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم عن الشيوخ الذين لا علم عندهم ولا فقه اذا ضبط ما يحدث به (الاهل بلغت) ففي كلامه صلى الله عليه وسلم وما قبله اعتراض (ومعني استدارة الزمان) كما قاله أبو عبيد (انهم كانوا ينسئون أى يؤخرون) وقيل هو من النسيان الواقع على المنسي وهو المتروك (الشهر الحرام) اسم جنس والمراد الاشهر الحرم والعرب كانت تعظمها كلها وذلك من جملة ما تمسكت به من دين ابراهيم (تنبيه) اختلف المفسرون في أول من نسأ فقيل بنو مالك من كنانة فقام الاسلام والذى نسؤا أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية الكناني وقيل أول من فعله نعيم بن ثعلبة رجل من كنانة وقيل أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له القلمس بفتح القاف واللام والميم المشددة ثم مهملة وفيه يقول شاعرهم* ومنا ناسيء الشهر القلمس* وقيل أول من فعله عمرو بن طي (اذا احتاجوا الى القتال فيه)
كلها وتحولت الشهور عن اماكنها فوافق حجة الوداع شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم ان أشهر الحج قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الامر الى ما وضع الله عليه حساب الاشهر يوم خلق السموات والأرض وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل في مستأنف الزمان*
[السنة المخترمة بوفاته صلى الله عليه وسلّم]
ومن ذلك ما روى ابن اسحق وغيره ومعناه في الصحيحين عن عمرو ابن خارجة قال بعثني عتاب بن أسيد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فبلغته ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لعابها ليقع على رأسى فسمعته وهو يقول أيها الناس ان الله قد أدى إلى كل ذى حق حقه وانه لا يجوز وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن ادعى الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وصدر النبي صلى الله عليه وسلم من حجته وقد أدى الناس مناسكهم وعلمهم معالم دينهم وحذر وأنذر فكانت حجة البلاغ وحجة الوداع والله أعلم.
السنة المخترمة بوفات النفس الزكية المكرمة وهى سنة احدى عشرة من الهجرة وثلاث وعشرين من النبوة وثلاث وستين من المولد وكأنها آخر الدنيا قال ابن اسحق ثم قفل أو الى الصيد (حجة الوداع) بالنصب (شهر الحج) بالرفع ويجوز عكسه (ما روى ابن اسحاق) وكذا البيهقي قال الذهبي بسند صالح (فان لعابها يقع على رأسى) يستدل به على طهارة نحو لعاب الحيوان الطاهر (لا يجوز وصية لوارث) زاد الدارقطني والبيهقى عن ابن عباس الا ان يسأل الورثة وللبيهقي من طريق عمرو بن خارجة الا ان يجيزها الورثة ففيه ان الوصية للوارث باى سبب كان لا تصح حتى يجيزها باقى الورثة أي مطلق التصرف منهم اما نحو السفيه فلا يجوز الاجازة منه ولا من وليه ولا من الحاكم كما صرح به الماوردي قال أصحابنا ويكفي من الورثة لفظ الاجازة لانها تنفيذ لا ابتداء عطية (من ادعي) بهمز وصل والبناء للفاعل (فعليه لعنة الله) أى عذابه الذى يستحقه على ذلك الذنب والطرد عن الجنة أول الأمر وليست كلعنة الكفار الذين يبعدون عن رحمة الله ابعادا كليا (لا يقبل الله منه صرفا) بفتح المهملة وسكون الراء أي فريضة (ولا عدلا) أي نافلة وقيل عكسه وقيل الصرف التوبة والعدل القربة قال عياض قيل معناه لا يقبل ذلك منه قبول رضي وان قبل قبولا آخر قال وقد يكون القبول هنا بمعني تكفير الذنب بهما قال وقد يكون معنى القربة هنا انه لا يجد في القيامة أحدا يفدي به بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عليهم بان يفديهم من النار باليهود والنصاري كما ثبت في الحديث الصحيح (وصدر) أي رجع (فكانت) مبينة (حجة) بالنصب خبرها* ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم (المخترمة) بالمعجمة (وثلاث وستين من المولد) كما رواه مسلم من رواية أنس وعائشة وابن عباس ومعاوية وهى أصح وأشهر ولمسلم رواية انه توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى من حجة الوداع وأقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعثا الى الشام وأمّر عليهم اسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره النبى صلى الله عليه وسلم ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدروم من أرض فلسطين وروى كثيرون ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يغير على ابنى صباحا وان يحرق وابنى هي القرية التى عند مؤتة حيث قتل أبوه زيد وانما أمره ليدرك ثأره وطعن ناس في أمارته لكونه مولى ولحداثة سنه وكان اذ ذاك ابن ثمانى عشرة سنة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان تطعنوا في أمارته فقد كنتم قبل تطعنون في أمارة أبيه من قبل وأيم الله ان كان لخليقا للامارة وان كان لمن أحب الناس اليّ وان هذا لمن أحب الناس الىّ بعده
[