...
تابع كتاب المغازي:
بسم الله الرحمن الرحيم
"غزوة المريسيع":
غزوة المريسيع: بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة- وهو ماء لبني خزاعة، بينه وبين الفرع مسيرة اليوم.
وتسمى غزوة بني المصطلق -بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المشالة المهملة، وكسر اللام بعدها قاف- وهو لقب اسمه: جذيمة بن سعد بن عمرو، بطن من خزاعة.
__________
غزوة المريسيع:
"بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتيتين بينهما مهملة مكسورة آخره عين مهملة" قال في القاموس مصغر مرسوع.
قال السهيلي: وهو من قولهم: رسعت عين الرجل، إذا دمعت من فساد، "وهو ماء لبني خزاعة" بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي المخففة، قال في القاموس: حي من الأزد سموا بذلكن؛ لأنهم تخزعا، أي: تخلفوا عن قومهم، وأقاموا بمكة "بينه وبين الفرع" بضم الفاء والراء كما قاله السهيلي.
وجرى عليه في المشارق، وقال في التنبيهات: كذا قيده الناس، وكذا رويناه، وحكى عبد الحق عن الأحول، إسكان الراء ولم يذكر غير ا. هـ.
ونقل مغلطاي أن الحازمي وافقه وتبعهما ابن الأثير والصغاني، وغيرهما موضع من ناحية المدينة، وأما الفرع بفتحتين، فموضع بين الكوفة والبصرة "مسيرة يوم" هكذا في الفتح، وشرح المصنف، ويقع في بعض النسخ يومين ومثله في سيرة مغلطاي، وقال: بين الفرع والمدينة ثمانية برد، "وتسمى غزوة بني المصطلق، بضم الميم وسكون" الصاد "المهملة وفتح الطاء المشالة المهملة" المبدلة من التاء لأجل الصاد "وكسر اللام بعدها قاف، هو لقب" لحسن صوته، وهو أول من غنى من خزاعة قاله المصنف.
وفي الروض: هو مفتعل من الصلق، وهو رفع الصوت، فأفاد أنه كان حسن الصوت شديده، واقتصر المصنف على الحسن؛ لأنه المرغوب في سماعه، "واسمه جذيمة" بجيم مضمومة فذال معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة "ابن سعد بن عمرو" بفتح العين، ابن ربيعة بن حارثة "بطن من بني خزاعة".
وقد روى الطبراني من حديث سفيان بن وبرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع،
وكانت يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان، سنة خمس، وفي البخاري قال ابن إسحاق في شعبان سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع ا. هـ.
قالوا: وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس.
وسببها أن بلغه عليه الصلاة والسلام أن رئيسهم الحارث بن أبي
__________
غزوة بني المصطلق، "وكانت" كما قال ابن سعد: "يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس" ورواه البيهقي عن قتادة وعروة وغيرهما، ولذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق، ورجحه الحاكم.
"وفي البخاري: قال ابن إسحاق" محمد في مغازيه: رواية يونس بن بكير وغيره "في شعبان سنة ست" وبه جزم خليفة والطبري.
"وقال موسى بن عقبة: سنة أربع ا. هـ، قالوا: وكأنه سبق قلم" من البخاري، "أراد أن يكتب سنة خمس" لأنه الذي قاله ابن عقبة، "فكتب سنة أربع" سهوا، وتبعه عليه اليعمري، وهو عجيب، "والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق، أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل، وغيرهم سنة خمس" ولفظه عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس.
قال في فتح الباري بعد ذكر ما ساقه المصنف من أول الغزوة إلى هنا غير أنه أسقط صورة التبري، ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن ابن عمر؛ أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في شعبان، وابن عمر سنة أربع لم يؤذن له في القتال؛ لأنه إنما أذن له فيه في الخندق، وهي بعد شعبان سواء قلنا إنها كانت سنة خمس، أو سنة أربع.
وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره أنها كانت سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا؛ لأنه مات أيام قريظة، وكانت في سنة خمس على الصحيح، وإ كانت كما قيل سنة أربع، فهو أشد غلطا، فظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان قبل الخندق؛ لأنها كانت في شوال سنة خمس أيضا، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع، ورمي بها بعد ذلك بسهم في الخندق ومات من جراحته في قريظة ا. هـ.
"وسببها أنه بلغة عليه الصلاة والسلام أن رئيسهم" أي: بني المصطلق، "الحارث بن أبي
ضرار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب، فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه، وتهيئوا للمسير معه إليه.
فبعث عليه الصلاة والسلام بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا في بشر كثير من المنافقين، لم يخرجوا في غزاة قط مثلها, واستخلف على المدينة زيد بن حارثة, وقادوا الخيل، وكانت ثلاثين فرشا
__________
ضرار" والد جويرية أم المؤمنين، وأسلم لما جاء في فدائها، "سار في قومه، ومن قدر عليه من العرب، فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه وتهيئوا للمسير معه إليه" وكانوا ينزلون ناحية الفرع، "فبعث عليه الصلاة والسلام" كما قال ابن سعد "بريدة" بضم الموحدة وفتح الراء مصغر "ابن الحصيب" بضم الحاء.
قال الغساني: وصحف من أعجمها وفتح الصاد المهملتين.
"الأسلمي يعلم علم ذلك" أي: ليعلم حالهم الذي هم عليه، فاستأذنه أن يقول, فأذن له، "فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار، وكلمه" فوجدهم قد جمعوا الجموع، قالوا: من الرجل؟، قال: منكم قدمت لما بلغني من جمعكم لهذا الرجل، فأسير في قومي ومن أطاعني فنكون يدا واحدة حتى نستأصله.
قال الحارث: فنحن على ذلك فعجل علينا، فقال بريدة: اركب الآن وآتيكم بجمع كثير من قومي، فسروا بذلك منه، "ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" فأخبره خبرهم، فندب صلى الله عليه وسلم الناس "وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا في"، أي: مع "بشر" يطلق على الواحد والجمع، لكن العرب ثنوه ولم يجمعوه. وفي التنزيل: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ} [المؤمنون: 47] ، كما في المصباح، لكن وصفه بقوله "كثير" دليل على استعماله في الجمع "من المنافقين، لم يخرجوا في غزاة قط مثلها".
قال الشامي: ليس بهم رغبة في الجهاد، إلا أن يصيبوا من عرض الدنيا بفتحتين ما سوى العين، ولقرب السفر، "واستخلف على المدينة" حبه "زيد بن حارثة" قاله ابن سعد وشيخه.
وقال ابن هشام: أبا ذر الغفاري، ويقال: نميلة بن عبد الله الليثي، ونميلة تصغير نملة، كما قال البرهان، "وقادوا الخيل، وكانت ثلاثين فرسا" قاله ابن سعد قال: منها عشرة في المهاجرين, وفي الأنصار عشرون ومعه صلى الله عليه وسلم لزاز والظرب.
وخرجت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.
وبلغ الحارث ومن معه مسيره عليه الصلاة والسلام فسيء بذلك هو ومن معه، وخافوا خوفا شديدا، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب.
وبلغ عليه الصلاة والسلام المريسيع، وصف أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة
__________
وذكر الشامي أنهما من جملة عشرة المهاجرين.
قال البرهان: لزاز بكسر اللام وزاي مكررة مخففة بينهما ألف، من لاززته، أي: ألصقته، كأنه لصق بالمطلوب لسرعته، وقيل: لاجتماع خلقه، واللزز المجتمع الخلق، ا. هـ. والظرب بفتح الظاء المعجمة كما في القاموس والنور في الخيل النبوية، والسبل وتكسر على ما في بعض نسخ النور هنا، وصدر به الشامي في ذكر الخيل النبوية فراء مكسورة فموحدة واحد الظراب، وهي الروابي الصغار سمي بذلك لكبره وسمنه، وقيل: لقوته وصلابته.
"وخرجت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما" فسار صلى الله عليه وسلم حتى سلك على الخلائق بالخاء والقاف، مكان به مزارع وآبار قرب المدينة، فنزل بها فأتي يومئذ برجل من عبد القيس، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "أين أهلك"؟، قال: بالروحاء من عمل الفرع، قال: "أين تريد"؟، قال: إياك جئت لأؤمن بك، وأشهد أن ما جئت به حق وأقاتل معك عدوك، فقال صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام"، فقال: "أي الأعمال أحب إلى الله"؟، قال: "الصلاة، لأول وقتها".
فكان بعد ذلك يصلي الصلاة لأول وقتها، وأصاب صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين، أي: جاسوسا لهم، فسألوه عنهم فلم يذكر من شأنهم شيئا، فعرض عليه الإسلام فأبى، فأمر عمر بن الخطاب فضرب عنقه كما في الشامية.
"وبلغ الحارث ومن معه مسيره عليه الصلاة والسلام" وأنه قتل جاسوسه "فسيء بذلك" الخبر "هو ومن معه" أي: ساءهم خبر مسيره إليهم، كما قاله البيضاوي، وسيء بهم معناه ساءه مجيئهم، وفي إعراب السمين سيء مبني للمفعول، والقائم مقام الفاعل ضمير لوط من ساءني بكذا، أي: حصل لي سوء وبهم متعلق به، أي: بسببهم "وخافوا شديدا" للرعب الذي قذفه الله في قلوب أعدائه، "وتفرق عنهم من كان معهم من العرب" الذين جمعهم الحارث من غير قومه، "وبلغ عليه الصلاة والسلام إلى المريسيع".
قال ابن سعد: فضرب عليه قبة فتهيئوا للقتال، "وصف أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر" الصديق، قاله ابن سعد، ويقال: إلى عمار بن ياسر "وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة".
فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر عليه الصلاة والسلام أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، وقتلوا عشرة وأسروا سائرهم، وسبوا الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء.
__________
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أمر عمر، فنادى في الناس: قولوا: لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، فأبوا "فتراموا بالنبل ساعة" فكان أول من رمى رجل منهم، "ثم أمر عليه الصلاة والسلام أصحابه فحملوا حملة رجل واحد" فما أفلت منهم إنسان، "وقتلوا عشرة وأسروا سائرهم" أي: باقيهم.
قال البرهان: لم يذكر عدتهم، وقد قال بعض شيوخي: كانت الأسرى أكثر من سبعمائة فطلبتهم منه جويرية ليلة دخوله بها فوهبهم لها ا. هـ، ولا يشكل بما رواه ابن إسحاق وغيره من حديث عائشة، وخرج الخبر إلى الناس أنه صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، ا. هـ؛ لأن طلبها إياهم منه وكونه وهبهم لها لا يمنع كون المسلمين حين سمعوا أنه تزوجها أطلقوا الأسرى، فكان ذلك زيادة إكرام من الله لنبيه حتى لا يسأل أحدا منهم في ذلك بشيء أو مجانا.
نعم، روى الواقدي بسند له مرسل أن جويرية قالت: رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال، كأن القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس حتى قدم صلى الله عليه وسلم، فلما سبينا رجوت الرؤيا، فلما أعتقني وتزوجني والله ما كلمته في قومي، حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم من أيديهم وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر فحمدت الله تعالى، فإن صح أمكن أن يكون قولها ما كلمته، أي: ألححت عليه، بل اكتفيت بأول مرة ليلة الدخول، أو ما كلمته حين خطبني.
"وسبوا الرجال والنساء والذرية" تفسير لأسر سائرهم، "و" ساقا "النعم والشاء" فهو مفعول لمحذوف؛ لأن السبي مخصوص بأسر العدو، أو ضمن سبي معنى أخذ فلا تقدير.
قال ابن سعد: وكانت الإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة، وكان المسبي مائتي بيت.
قال البرهان: وأحد البيوت.
وفي نسخة: بنت بكسر الموحدة ونون ساكنة وفوقية، والأولى أظهر ا. هـ. وهو الذي دل عليه حديث عائشة: لقد أعتق..... إلخ، ثم ظاهر حديث عائشة أنهم كلهم أطلقوا بلا فداء.
وذكر الواقدي أنه قدم وفدهم فافتدوا الذرية والنساء كل واحد منهم بست فرائض ورجعوا إلى بلادهم وخير من خير منهن أن تقيم عند من صارت في سهمه، فأبين إلا الرجوع، فإن صح
ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحدا، كذا ذكره ابن إسحاق.
والذي في صحيح البخاري من حديث ابن عمر يدل على أن أغار عليهم على حين غفلة منهم فأوقع بهم ولفظه: أن النب صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تستقي على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وهم على الماء.
يحتمل أنهم حين الإيقاع بهم ثبتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتل انهزموا بأن يكونوا لما دهمهم
__________
فيحتمل أن بعض الوفد قدم ففادى جملة، وذهبوا بهم قبل تزوج جويرية، ثم أعتق المسلمون الباقي بعد تزوجها وإلا فالأصلح الأول.
"ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد" هو هشام بن صبابة، بصاد مهملة مضمومة فموحدة مخففة فألف فموحدة أخرى، أصابه أنصاري يقال له أوس من رهط عبادة بن الصامت، يرى أنه من المشركين فقتله خطأ، وقدم أخوه مقبس بن صبابة من مكة مسلما في الظاهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلما، وأطلب دية أخي قتل خطأ، فأمر له بدية أخيه، فأقام غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا، كما ذكر ابن إسحاق وأتباعه، فأهدر صلى الله عليه وسلم دمه فقتل يوم الفتح، "كذا ذكره" أي: حاصل المعنى الذي ساقه المصنف "ابن إسحاق" وإلا فأكثره لفظ ابن سعد، كما فصله صاحب العيون.
وإنما قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر ومحمد بن يحيى، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث، فخرج حتى لقيهم على المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه.
قال الحافظ: كذا عنده بأسانيد مرسلة، "والذي في صحيح البخاري" في كتابه العتق، وكذا في صحيح مسلم "من حديث ابن عمر يدل على أنه أغار عليهم على حين غفلة منهم، فأوقع بهم" القتل والأسر.
قال المصباح: وقع بالقوم وقيعة قتلت وأثخنت وتميم تقول: أوقعت بهم بالألف، "ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون" بغين معجمة فألف فراء مشددة، أي: غافلون "وأنعامهم تستقي على الماء فقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم وهم على الماء" فهذا خلاف رواية ابن إسحاق أنهم اقتتلوا. "فيحتمل" في الجمع بينهما، كما قاله الحافظ "أنهم حين الإيقاع بهم" وإن كانوا غافلين "ثبتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتل" بحمل المسلمين عليهم حملة واحدة، "انهزموا بأن يكونوا" تصوير لما فعل بهم "لما دهمهم" بكسر الهاء وفتحها، أي:
وهم على الماء وتصافوا وقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم.
قيل وفي هذه الغزوة نزلت آية التيمم. وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فذكر حديث التيمم.
__________
فجأهم "وهم على الماء وتصافوا، وقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم" للمسلمين، والحمد لله.
وذكر ابن سعد القصة بنحو ما ذكر ابن إسحاق، ثم أشار إلى حديث ابن عمر، ثم قال: الأول أثبت وأقره اليعمري، ورده الحافظ، فقال: والحكم يكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردوده، ولا سيما مع إمكان الجمع ا. هـ.
وذكر ابن إسحاق من جملة السبي جويرية أم المؤمنين، وسيذكر المصنف قصتها التي ساقها الشارح في الزوجات، فلا نطيل بها هنا.
"قيل: وفي هذه الغزوة نزلت آية التيمم".
قال ابن بطال: هي آية النساء، أو المائدة.
وقال القرطبي: آية النساء ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء.
وكذا ذكر الواحدي في سبب النزول الحديث في آية النساء.
قال الحافظ: وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أنها آية المائدة بلا تردد لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرح فيها بقوله: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] .
"وفي الصحيحين" البخاري في التيمم والمناقب والنكاح والتفسير والمحاربين، ومسلم في الطهارة "من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فذكر" كل في صحيحه "حديث التيمم" بطوله، وهو حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا له: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيه في خاصرتي،
قال في فتح الباري: "قوله في بعض أسفاره" قال ابن عبد البر في التمهيد:
يقال كان ذلك في غزوة بني المصطلق. وجزم بذلك في الاستذكار. وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان، وغزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع.
وفيها كانت قصة الإفك لعائشة، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا.
فإن كان ما جزموا به ثابتا، حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين, لاختلاف القصتين، كما هو بين من سياقهما.
__________
فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثا البعير فأصبنا العقد تحته.
"قال في فتح الباري" في كتاب التيمم "قولا في بعض أسفاره. قال ابن عبد البر في التمهيد" لما في الموطأ من المعاني والأسانيد رتبه على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم، ولم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءا.
قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه "يقال كان ذلك في غزوة بني المصطلق، وجزم بذلك في الاستذكار" بمذاهب علماء الأمصار، فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، شرح فيه الموطأ على وجهه، ونسق أبوابه، "وسبقه إلى ذلك" الجزم "ابن سعد وابن حبان وغزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع، وفيها كانت" تامة، أي: وقعت، وبه عبر الفتح "قصة الإفك لعائشة" حال من قصة أو صفة لها، أي: المنسوبة لعائشة لا حال من الإفك وإلا لقال عن عائشة، ثم هو كما ترى لم يذكر قصة الإفك كما توهمه الشارح، وجعل له ترجمة وتكلم فيها على لفظ الإفك لغة. "وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا" كما أنه سبب حديث التيمم، "فإن كان ما جزموا به" من أن قصة التيمم في غزوة المريسيع "ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين، لاختلاف القصتين، كما هو بين من سياقهما" فقد علمت سياق حديث التيمم.
وأما حديث الإفك ففي البخاري ومسلم عن عائشة خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه حت إذا فرغ صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين أذن ليلة بالرحيل فقمت حين أذنوا بالرحيل، فمضيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع،
واستبعد بعض شيوخنا ذلك؛ لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث: حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، وهما بين مكة وخيبر كما جزم به النووي.
قال: وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فإنه قال: البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة، وذات الجيش وراء ذي الحليفة.
__________
فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما تكلمنا بكلمة، ولا سمعت منه غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش في نحر الظهيرة وهم نزول، فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ... الحديث في نحو أربع ورقات.
"واستبعد بعض شيوخنا ذلك" أي: ما جزموا به، أي: ابن سعد وابن حبان وابن عبد البر، من أن قصة التيمم في غزاة المريسيع؛ "لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة" أي: قصة التيمم، "كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث: حتى إذا كنا بالبيداء" بفتح الموحدة والمد، "أو بذات الجيش" بفتح الجيم، وسكن التحتية وشين معجمة، والشك من عائشة قاله المصنف، "وهما بين مكة وخيبر" وليست خيبر من جهة قديد التي بها المريسيع "كما جزم به النووي".
"قال" أي: بعض شيوخه: "وما جزم به" النووي "مخالف لما جزم به ابن التين" شارح البخاري "فإنه قال: البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة وذات الجيش وراء ذي الحليفة" وهذا يرد الاستبعاد، ويدل على أن قصة التيمم كانت بالمريسيع كما جزموا به.
وقال أبو عبيد البكري في معجمه: البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا، ثم قال: وذات الجيش من المدينة على بريد. قال: وبينها وبين العقيق سبعة أميال, والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قاله ابن التين تنبيه.
__________
"وقال أبو عبيد البكري في معجمه: البيداء أدنى" أقرب "إلى مكة من ذي الحليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا" في التيمم، ثم ساق حديث ابن عمر، قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد.
قال: والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة، هكذا أسقطه المصنف من الفتح قبل قوله، "ثم قال: وذات الجيش من المدينة على بريد قال: وبينها وبين العقيق سبعة أميال".
قال ابن حجر: قلت: "والعقيق من طريق مكة، لا من طريق خيبر، فاستقام ما قاله ابن التين" وظهر به عدم استبعاد كون قصة التيمم بالمريسيع.
"تنبيه" لا يخفى عليك أن الكلام كله صريح في أن الاستبعاد، إنما هو في كون قصة التيمم بالمريسيع، ولم أدر ما وجه ترجيع اسم الإشارة لقصة الإفك، وأيضا فقصة الإفك لا نزاع في كونها في غزاة المريسيع؛ لأنه المنقول في البخاري عن الزهري.
ورواه الجوزقي والبيهقي عنه عن عروة عن عائشة، وجزم به ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، فلا يتأتى من شيخ الحافظ استبعادها؛ لأنه يشبه خرق الإجماع؛ فإنما استبعد ما جزم به أولئك، كما هو صريح الكلام السابق واللاحق.
وفي الفتح عقب قوله: فاستقام، ما قال ابن التين ويؤيده ما رواه الحميدي: أن القلادة سقطت ليلة الأبواء، والأبواء بين مكة والمدينة.
وعند الفريابي: وكان ذلك المكان يقال له الصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين أولاهما ساكنة بين الصادين.
قال البكري: جبل عند ذي الحليفة، كذا ذكره في حرف الصاد المهملة، ووهم مغلطاي وغيره، فزعم أنه ضبطه بالمعجمة، وعرف من تظافر هذه الروايات تصويب ما قال ابن التين ا. هـ.
ثم قال في الفتح في شرح قول أسيد: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، أي: بل مسبوقة بغيرها من البركات، وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، فأخذه المصنف ووصله بكلامه الأول وهو صادق؛ لأنه كله كلامه.
وقد قال قوم بتعدد ضياع العقد مرتين، ومنهم محمد بن حبيب الأخباري فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق.
وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزوتين كانت أولا.
وقال الداودي: كانت قصة التيمم في غزاة الفتح ثم تردد في ذلك.
وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع, فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق؛ لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف.
وكان البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة.
ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة...........
__________
فقال: "وقد قال قوم بتعدد ضياع العقد مرتين، ومنهم محمد بن حبيب الأخباري".
قال أبو ذر في حواشيه: أكثر العلماء لا يصرف حبيب هنا يجعله اسم أمه، فعلى هذا لا ينصرف للتعريف والتأنيث ا. هـ، أي: العلمية والتأنيث المعنوي. وبهذا جزم النووي في شرح مسلم وهو مردود.
ففي الروض للسهيلي ما لفظه وابن حبيب النسابة مصروف اسم أبيه، ورأيت لابن المغربي إنما هو حبيب بفتح الباء غير مجرى، أي: مصروف لأنها أمه، وأنكر عليه غيره، وقالوا: هو حبيب بن المحبر معروف ا. هـ. "فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق" فليست المرتان في غزوة واحدة، "وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزوتين كانت أولا" بالفتح وشد الواو.
"وقال الداودي" أحمد بن نصر المالكي شارح البخاري: "كانت قصة التيمم في غزاة الفتح، ثم تردد في ذلك وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع" لأنه ليس فيها بيان كيفية التيمم، "فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق؛ لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهي بعدها" أي: بعد غزوة بني المصطلق، "بلا خلاف" وهذا أيضا يرد أن المرتين كانتا في غزوة واحدة، "وكان" فعل ماض "البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة" في سنة سبع، "ومما يدل على تأخر القصة" للتيمم "أيضا عن
الإفك ما رواه الطبراني من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدي حتى جلس الناس على التماسه، فقال لي أبو بكر: يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: إنك لمباركة.
__________
قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق" محمد بن إسحاق، عن "يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير" بن العوام، المدني الثقة، مات بعد المائة، وله ست وثلاثون سنة "عن أبيه" عباد قاضي مكة زمن أبيه وخليفته إذا حج ثقة.
روى له الجميع "عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان من أمر عقدي" أي: قلادتي، وكانت من جزع ظفار كما مر عنها في حديث الإفك، ورواه أبو داود وغيره عن عمار في هذه القصة، وجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني وظفار مدينة باليمن.
وفي رواية عروة، عنها في الصحيح: أنها استعارتها من أسماء أختها فهلكت، أي: ضاعت.
قال الحافظ: والجمع أن إضافتها إليها لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريحها بأنها استعارتها منها "ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو أخرى، فسقط أيضا عقدي حتى جلس الناس" بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم "على التماسه" أي: لأجل طلبه.
وفي أبي داود: فبعث أسيد بن حضير وناسا معه في طلبه، وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين، وإن قلت فقد نقل ابن بطال أنه روي أن ثمن العقد كان اثني عشر درهما، وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال, قاله الحافظ وقد مر في حديث الصحيحين، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة، أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء.
"فقال لي أبو بكر" قال الحافظ: لم تقل أبي؛ لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذا أنزلته منزلة الأجنبي، فقال أبو بكر:
"يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم".
اختلف فيه هل هو عزيمة أو رخصة، وفصل بعضهم قال هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة، "فقال أبو بكر: إنك لمباركة" هذا لفظ الفتح، ولفظ العيون: والله يا بنية إنك كما علمت لمباركة. وكل عزى للطبراني فكأنهما روايتان له، أو الفتح اختصر وقال لها صلى الله عليه وسلم: "ما كان
وفي إسناده محمد بن حميد الرازي. وفيه مقال.
وفي سياقه من الفوائد: بيان عتاب أبي بكر رضي الله عنه الذي أبهم في حديث الصحيح، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين. ا. هـ.
وفي هذه الغزوة
__________
أعظم بركة قلادتك" رواه ابن إسحاق القتيبي في تفسيره، وقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، وفي رواية: لقد بارك الله فيكم، وفي رواية: فقال أسيد: جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيرا، وفي رواية: إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة، رواها كلها البخاري.
قال الحافظ: إنما قال ذلك دون غيره؛ لأنه كان رئيس من بعث في طلب العقد الذي ضاع، قال: وقولها: فأصبنا العقد تحته ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه لم يجدوه.
وللبخاري أيضا: فبعث رجلا فوجدها وله ولمسلم، فبعث ناسا من أصحابها في طلبها, ولأبي داود: فبعث أسيد بن حضير، وناسا معه قال: وطريق الجمع أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك، فلذا سمي في بعض الروايات دون غيره وأسند الفعل إلى واحد منهم، وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولا، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم، وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد، فرواية وجدها, أي: بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره انتهى ملخصا.
"وفي إسناده" الحافظ "محمد بن حميد الرازي" أبو عبد الله التميمي عن ابن المبارك وخلق.
وعنه أبو داود والترمذي وابن ماجه وطائفة، توفي سنة ثلاثين ومائتين، "وفيه مقال" فضعفه النسائي والجوزجاني، ووثقه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد، "وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر رضي الله عنه الذي أبهم في حديث الصحيح" في قولها: فعاتبني أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول.
"والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين" في قولها: خرجت مرة أخرى فسقط أيضا عقدي، وقول أبيها في كل سفرة "انتهى" كلام الفتح، وحاصله: هل السفر المبهم في قول عائشة في بعض أسفاره المريسيع، أو ذات الرقاع، أو الفتح أقوال، وهل سقط العقد مرتين في غزوة واحدة وهي المريسيع, أو مرتين في غزوتين "وفي هذه الغزوة" على ما عند ابن إسحاق وأهل المغازي.
وعند النسائي أن ذلك كان في غزوة تبوك وأيده الحافظ, بأن في رواية للبخاري في سفر
قال ابن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسمعه زيد بن أرقم، ذو الأذن الواعية، فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إلى ابن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد صدقك يا زيد". رواه البخاري.
وكانت غيبته عليه الصلاة والسلام في هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما.
__________
أصاب الناس فيه شدة، ورجح ابن كثير الأول، بأن ابن أبي لم يخرج في غزوة تبوك، بل ورد أنه رجع بطائفة من الجيش.
"قال ابن أبي" ابن سلول، رأس المنافقين: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز" يعني نفسه، "منها" أي: المدينة، "الأذل" يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وما أحسن قول أسيد بن حضير بالموجب، لما قال له ذلك عليه السلام، قال: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: ارفق به فوالله لقد جاء الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه وإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا، ذكره ابن إسحاق، وذلك أنه ضرب مهاجري أنصاريا بيده, فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما هذا"؟ فأخبروه، فقال: "دعوها فإنها منتنة"، فقال ابن أبي أوقد: فعلوا والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" رواه البخاري عن جابر، وأورده ابن إسحاق مطولا، وسمى المهاجري جهجاه بن مسعود أجير عمر بن الخطاب والأنصاري سنان بن وبر, "فسمعه زيد بن أرقم" الأنصاري استصغر بأحد وأول مشاهده الخندق، وقيل: المريسيع، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، كما في الصحيح وله حديث كثير وشهد صفين مع علي، ومات بالكوفة سنة ست، وقيل: ثمان وستين "ذو الأذن الواعية" الضابطة لما سمعته؛ لأنه لما نقل قول ابن أبي، واتهم فيه نزل القرآن مصدقا له، فدل على قوة ضبطه وحفظه لما سمعه، "فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك" بنفسه، كما في رواية أو ذكر ذلك لعمه، فذكره عمه له صلى الله عليه وسلم كما في أخرى، وكلاهما في الصحيح، "فأرسل إلى ابن أبي وأصحابه، فخافوا ما قالوا".
قال في حديث البخاري فصدقهم، وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله، فجلست في بيتي، "فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد صدقك يا زيد" وفي مرسل الحسن: أنه أخذ بإذنه فقال له: وفي الله بإذنك يا غلام، وكان عليه السلام لما حلف له ابن أبي قال لزيد: لعله أخطأ سمعك، "رواه" أي: أصل الحديث بمعناه، لا كونه في هذه الغزوة "البخاري" بطرق عديدة من حديث زيد.
وفي الترمذي فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي: والله لا تنقلب، أي: إلى المدينة،
حتى تقول إنك أنت الذليل ورسول الله العزيز، ففعل.
"وكانت غيبته عليه الصلاة والسلام في هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما" وقدم المدينة لهلال رمضان، قاله ابن سعد، وفي هذه الغزوة أيضا نهى صلى الله عليه وسلم عن العزل، رواه البخاري وغيره عن أبي سعيد.
"غزوة الخندق وهي الأحزاب":
جمع حزب، أي: طائفة
فأما تسميتها بالخندق: فلأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمره عليه الصلاة والسلام، ولم يكن اتخاذ الخندق من شأن العرب، ولكنه من مكايد الفرس وكان الذي أشار به سلمان
__________