وفى هذه السنة سرق طعمة بن أبيريق من بنى ظفر بن الحارث بفتح الفاء بطن من الانصار درعا لقتادة بن النعمان وهو جار له وكانت الدرع فى جراب فيه دقيق ينتثر من خرق فى الجراب حتى انتهى الى دار طعمة ثم خبأها عند يهودى يقال له زيد السمين فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف والله ما أخذها ولا له بها من علم فقال أصحاب الدرع لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق فانتهوا الى منزل اليهودى فأخذوها فقال دفعها الىّ طعمة فقال قوم طعمة وهم بنو ظفر انطلقوا الى رسول الله ليجادل عن صاحبنا وأخبروه بخلاف الحق قالوا ان لم نفعل افتضح صاحبنا وبرئ اليهودى ففعلوا وصدّقهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهمّ أن يعاقب اليهودى فأنزل الله تعالى انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما فلما ظهرت السرقة على طعمة خاف على نفسه من قطع اليد وهرب الى مكة وارتدّ عن الدين فنزل على رجل من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط من بنى سليم فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع أن يدخل ولا أن يخرج حتى أصبح فأخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ اليكم فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشأم فنزل منزلا فسرق بعض متاعهم فطلبوه فأخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره تلك الحجارة وقيل انه ركب سفينة الى جدّة فسرق فيها كبسا فيه دنانير فألقى فى البحر وقيل انه نزل حرة بنى سليم وكان يعبد صنما لهم الى أن مات فأنزل الله انّ الله لا يغفر أن يشرك به الآية* وفى ذى القعدة من هذه السنة علقت فاطمة بالحسين وكان بين ولادة الحسن وعلوقها بالحسين خمسون ليلة وستجىء ولادة الحسين فى الموطن الرابع
*
,
وفى هذه السنة وقعت غزوة حمراء الاسد قال ابن اسحاق كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوّال السنة الثالثة من الهجرة فلما كان يوم الاحد من الغد من يوم أحد لست عشرة ليلة مضت من شوّال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حمراء الاسد وهو موضع على ثمانية أميال من المدينة كذا فى سيرة ابن هشام وقيل عشرة* وفى معجم ما استعجم هى على يسار الطريق اذا أردت ذا الحليفة واليها انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثانى من أحد لما بلغه ان قريشا منصرفون الى المدينة* قال أهل السير لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من قتال أحد وبلغوا الروحاء بالفتح ثم السكون ثم حاء مهملة أكثر ما قيل فى المسافة بينها وبين المدينة اثنان وأربعون ميلا* وفى صحيح مسلم ست وثلاثون وفى القاموس على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا بئس ما صنعتم لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى اذا لم يبق منهم الا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوّة وشوكة* وفى الكشاف ولما عزموا على الرجوع ألقى الله الرعب فى قلوبهم فامسكوا وفى رواية منعهم صفوان بن أمية ويقول لا تفعلوا فانّ القوم قد حربوا وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذى كان فارجعوا فرجعوا وفى المنتقى قال يا قوم لا ترجعوا فانّ محمدا وأصحابه الآن فى حنق شديد مما أصابهم فو الله ما أمنت ان رجعتم أن يجتمع جميع من كان تخلف عن أحد من الاوس والخزرج ويطؤكم ويغلبوا عليكم والآن لكم الغلبة فلا يكون الا أن ينعكس الامر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقذف فى قلوبهم الرعب ويريهم من نفسه وأصحابه قوّة وانّ الذى أصابهم لم يوهنهم من عدوّهم فندب أصحابه للخروج فى طلب أبى سفيان وأصحابه فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجراح والقرح الذى أصابهم يوم أحد ففى اليوم الثانى من وقعة أحد نادى منادى رسول الله بالخروج فى طلب العدوّ وأن لا يخرجنّ معنا أحد الا من حضر يومنا بالامس فكلمه جابر بن عبد الله ابن عمرو
فقال يا رسول الله انّ أبى كان قد خلفنى على أخوات لى سبع وقال يا بنى انه لا ينبغى لى ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهنّ ولست بالذى أو ثرك بالجهاد مع رسول الله على نفسى فتخلف على اخوتك فتخلفت عليهنّ فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج معه ولم يخرج ممن لم يشهد قتال أحد غيره فلما سمعوا النداء تسارعوا الى الخروج ولم يشتغلوا بالتداوى فخرجوا مع الجراحات المتعدّدة واستعمل النبىّ صلّى الله عليه وسلم على المدينة ابن أمّ مكتوم فيما قاله ابن هشام وخرج وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية مكلوم الشفة متوهن المنكب الايمن من ضرب ابن قميئة وفى المنتقى وشفته العليا قد كلمت من باطنها وخرج لابسا سلاحه ووقف على الطريق راكبا حتى لحق به أصحابه فأنزل فيهم الذين استجابو الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ودفع لواءه وهو معقود لم يحلّ بعد الى على بن أبى طالب وقيل الى أبى بكر الصدّيق ونزل اليه أهل العوالى وقدّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم كما مرّ فبصروا بالرجلين فرجعوا اليهما فقتلوهما ومضى رسول الله وأصحابه حتى نزلوا بحمراء الاسد وعسكروا هناك ودفنوا الرجلين فى قبر واحد فأقام بها الاثنين والثلاثاء والاربعاء وأمر حتى أوقدوا تلك الليالى خمسمائة نار فذهب صيت عسكرهم ونارهم الى كل جانب فكبت الله بذلك عدوّهم فمرّ برسول الله معبد بن أبى معبد الخزاعى بحمراء الاسد وهو يريد مكة وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ كان مشركا فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك فى أصحابك ولوددنا انّ الله عافاك فيهم ثم خرج ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بحمراء الاسد حتى لقى أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا أحدّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّن على بقيتهم فلنفرغن منهم فمنعهم صفوان ابن أمية عن ذلك فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال محمد قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم أر مثله قط يتحرّفون عليكم تحرّفا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وندموا على ما صنعوا وفيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصى الخيل قال فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل قال فانى أنهاك عن ذلك والله لقد حملنى ما رأيت ان قلت فيه أبياتا من شعر قال وما قلت قال قلت
كادت تهد من الاصوات راحلتى ... اذ سالت الارض بالجرد الابابيل
وذكر أبياتا فتر ذلك أبا سفيان ومن معه فقذف الله فى قلوبهم الرعب والتزلزل حتى رجعوا عما هموا به فارتحلوا سراعا وذلك قوله تعالى سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب* ومرّ به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة أرسلكم بها اليه وأحمل لكم بهذه غدا زبيبا بعكاظ اذا وافيتمونا قالوا نعم قال فاذا وافيتموه فأخبروه انا قد أجمعنا الرجعة والسير اليه والى أصحابه لنستأصل بقيتهم فبعث معبد الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من يخبره بما وقع من استخبار أبى سفيان عنه وجوابه ومنع صفوان اياه عن الرجعة واندفاعهم الى مكة فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان برشيد وقال صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد حين بلغه انهم هموا بالرجعة والذى نفسى بيده لقد سوّمت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب كذا فى سيرة ابن هشام والاكتفاء* فمرّ الركب برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد فأخبروه بالذى قال أبو سفيان وأصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه
حسبنا الله ونعم الوكيل هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة نزلت هذه الآية فى غزوة بدر الصغرى الموعد وستجىء وأخذ رسول الله فى وجهه ذلك قبل رجوعه الى المدينة رجلين أحدهما معاوية بن المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس جدّ عبد الملك بن مروان أبو أمّه عائشة بنت معاوية والثانى أبو عزة الجمحى اسمه عمرو بن عبد الله بن عثمان وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسره يبدر ثم منّ عليه وأطلقه لبناته الخمس وأخذ عليه العهد أن لا يعود الى حرب المسلمين وأن لا يظاهر عليهم أحدا وقد نقض العهد وحضر أحدا كما مرّ فى غزوة أحد فلما جىء به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله أقلنى فقال رسول الله والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها تقول خدعت محمدا مرّتين اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه كذا فى سيرة ابن هشام وفى رواية لا تمسح لحيتك بمكة تجلس فى الحجر وتقول خدعت محمدا مرّتين* قال ابن هشام وبلغنى عن سعيد بن المسيب أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انّ المؤمن لا يلدغ من حجر مرّتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه وانصرف عليه السلام الى المدينة ودخلها يوم الجمعة وكانت غيبته خمس ليال وأمّا معاوية بن المغيرة فاستأمن له عثمان بن عفان رسول الله فأمّنه على انه ان وجده بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر وقال انكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه*