لمّا رجع عليه الصلاة والسلام إلى المدينة أصبح حذرا من رجوع المشركين إلى المدينة ليتمّموا انتصارهم، فنادى في أصحابه بالخروج خلف العدو، وأن لا يخرج إلّا من كان معه بالأمس، فاستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح «3» ، فضمّدوا جراحاتهم، وخرجوا واللواء معقود لم يحلّ، فأعطاه عليّ بن أبي طالب، وولّى على المدينة ابن أم مكتوم، ثم سار الجيش حتى وصلوا حمراء
__________
(1) سورة ال عمران اية 156.
(2) اية 152.
(3) الجرح.
الأسد «1» ، وقد كان ما ظنّه الرسول صلّى الله عليه وسلّم حقّا. فإن المشركين تلاوموا على ترك المسلمين من غير شنّ الغارة على المدينة حتى يتمّ لهم النصر، فأصرّوا على الرجوع، ولكن لمّا بلغهم خروج الرسول في أثرهم ظنوا أنه قد حضر معه من لم يحضر بالأمس، وألقى الله الرعب في قلوبهم، فتمادوا في سيرهم إلى مكّة، وظفر عليه الصلاة والسلام وهم في حمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الذي منّ عليه ببدر بعد أن تعهّد ألا يكون على المسلمين فأمر بقتله، فقال: يا محمد أقلني، وامنن عليّ، ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا ألّا أعود لمثل ما فعلت، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا والله لا تمسح عارضيك بمكّة تقول: خدعت محمّدا مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين «2» » ، اضرب عنقه يا زيد «3» ، فضرب عنقه، وفي هذا تأديب عظيم من صاحب الشرع الشريف، فإن الرجل الذي لا يحترز مما أصيب منه ليس بعاقل، فلا بدّ من الحزم لإقامة دعائم الملك.