ثم غزوة خيبر، وبينها وبين المدينة ثمانية برد (1)، في جمادى الأولى سنة سبع، واستخلف على المدينة: سباع بن عرفطة (2).
قال ابن إسحاق: وأقام بعد الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في بقية منه إليها (3)، ولم يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر وأيام (4).
واستخلف نميلة بن عبد الله الليثي (5).
ومعه ألف وأربعمائة راجل، ومائتا فارس (6).
وفرق الرايات، ولم تكن الرايات إلا بها، وإنما كانت الألوية (7).
_________
(1) أي ثلاثة أيام، وبالعدّ الحديث:180 كم، جهة الشام. قالوا: كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، وكل ميل أربعة آلاف خطوة، وكل خطوة ثلاثة أقدام، يوضع قدم أمام قدم ويلصق به.
(2) هذا قول ابن سعد. وقال الواقدي 2/ 636: خرج في صفر سنة سبع ويقال: خرج لهلال ربيع الأول. وذكر البلاذري 1/ 352 التواريخ الثلاثة.
(3) السيرة 2/ 328. وبه قال ابن حبان/300/، ورجحه الحافظ في الفتح (شرح باب غزوة خيبر).
(4) هذا قول أبي عمر في الدرر/196/، وقال ابن حزم/211/: قرب آخر السنة السادسة من الهجرة. وهو قول الإمام مالك، وهذا مبني عندهم على أن السنة الهجرية تبدأ من ربيع وليس من المحرم كما هو عليه الجمهور، وانظر زاد المعاد 3/ 316، والفصول/167/، والفتح 7/ 531.
(5) هذا قول ابن هشام 2/ 328، لكن الأول أصح كما في الفتح، وعليه اقتصر الطبري وابن حبان وابن القيم. وهو الوارد عند أحمد والحاكم وغيرهما.
(6) السيرة 2/ 350، وابن حزم/214.
(7) هكذا قال ابن سعد 2/ 106، وهو قول الواقدي 2/ 649، وعزاه في المواهب 1/ 522 لمغلطاي وغيره. وفي الفتح (كتاب الجهاد، باب ما قيل في لواء-
وقاتل النبي صلى الله عليه وسلم أشد القتال، وقتل من الصحابة عدة، وفتحها الله عليه: حصنا حصنا: النّطاة، وحسن الصّعب، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشّق، وحصن أبي، وحصن البراء (1)، والقموص، والوطيح، والسّلالم، ويقال: السّلاليم.
وقلع عليّ باب خيبر، ولم يقلبه سبعون رجلا إلا بعد جهد (2).
واستشهد من المسلمين خمسة عشر، وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون (3).
_________
= النبي صلى الله عليه وسلم): اللواء-بكسر اللام والمد-هي الراية، ويسمى أيضا العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش، ثم صارت تحمل على رأسه، وقال أبو بكر ابن العربي: اللواء غير الراية، فاللواء: ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية: ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح. وقيل: اللواء دون الراية. وقيل: اللواء العلم الضخم. والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب.
(1) في الواقدي 2/ 648، وابن سعد 2/ 106: (النزار)، وفي الإمتاع 1/ 312: أثبت المحقق (النزار)، لكن قال في الأصل (البراز)، وهذا قريب مما أثبته. وفي البداية 4/ 200: (البزاة). وفي السبل 5/ 192: (النزال). وفي المواهب 1/ 524: (البريء). لكنها في تاريخ الخميس 2/ 47 عنه: (البراء). وأثبتت في السيرة الحلبية 3/ 40 مثل ما في المواهب.
(2) كذا في رواية ضعّفها البيهقي في الدلائل 4/ 212، وأوردها عنه ابن كثير في البداية 4/ 191 أنه اجتمع عليه سبعون رجلا، وكان جهدهم أن أعادوا الباب. وفي السيرة 2/ 335، وعنه الطبري 3/ 13، وابن عبد البر في الدرر/198/ من حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رجلا من يهود ضرب عليا فأطاح ترسه من يده، فتناول بابا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه، قال أبو رافع: فلقد رأيتني في نفر سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.
(3) ابن سعد 2/ 107 وانظر أسماء شهداء المسلمين عنده وفي السيرة 2/ 343 - 344.
,
وفي هذه الغزوة حرّم النبي صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية (1).
ونهى عن أكل كلّ ذي ناب من السباع (2).
وعن بيع المغانم حتى تقسم.
,
وأن لا توطأ جارية حتى تستبرأ (3).
وعن متعة النساء (4)، واختلفوا هل. . . . . . . . . . . .
_________
(1) ورد هذا في الصحيحين وغيرهما من عدة أحاديث، منها حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه، أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر (4220)، ومسلم في الصيد والذبائح، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية (1937). وانظر جامع الأصول 7/ 456 وما بعدها.
(2) هذا في الصحيحين أيضا، لكن كون التحريم يوم خيبر هو لفظ حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أبي داود في الأطعمة، باب النهي عن أكل السباع (3805)، وفيه أيضا: «وكل ذي مخلب من الطير». وذو الناب: كالأسد والنمر ونحوهما، وذو المخلب: كالبازي والصقر ونحوهما. وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الأطعمة، باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية (1796) وقال: حسن صحيح. وأخرجه الدارقطني عن المقدام بن معدي كرب عن خالد بن الوليد رضي الله عنهما في الصيد والذبائح والأطعمة (60).
(3) الخبران في السيرة 2/ 331 - 332، وأخرجه أبو داود عن طريق ابن إسحاق في النكاح، باب في وطء السبايا (2158).
(4) متعة النساء: يعني نكاحهن إلى أجل، فإذا انقضى وقعت الفرقة. وقد كان هذا مباحا في بداية الأمر للحاجة، ثم حرّم أخيرا، وقال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد 10/ 121 بعد أن ساق ما ورد في المتعة من أحاديث وآثار، وأعلّ-
حرّمت (1) مرة، أو مرتين، أو أكثر؟ وذلك أن في بعض الأحاديث: إنما حرمت يوم خيبر، وفي بعضها: يوم الفتح، وفي بعضها: في تبوك، وفي بعضها: في عمرة القضاء، وفي بعضها: عام أوطاس (2).
,
وقال عليه الصلاة والسلام: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، فدفعها إلى علي رضي الله عنه (1).
قال الحاكم: وروى ذلك جماعة كثيرة منهم: سهل بن سعد، وأبو هريرة، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير، والحسن بن علي، وعبد الله بن عمرو، وأبو سعيد، وسلمة بن الأكوع، وعمران بن حصين، وأبو ليلى الأنصاري، وبريدة، وعامر بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله (2).
,
وسأل أهل فدك (3) النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يحقن لهم دماءهم، ويخلّوا له الأموال ففعل، فكانت خالصة له (4).
,
واختلف في فتح خيبر: هل كان عنوة، أو صلحا، أو جلا أهلها بغير قتال، أو بعضها صلحا وبعضها عنوة، وبعضها جلا عنه أهلها رعبا؟
_________
(1) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر (4210)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2406).
(2) أخرج أكثر هذه الروايات البيهقي في الدلائل 4/ 205 - 213، وقال الحافظ في الفتح عند شرح الحديث (4210): وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة، سردهم الحاكم في الإكليل، وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل.
(3) تقدم بيانها، وأهلها من يهود.
(4) أخرجها أبو داود في الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر (3016)، وانظر قصتها في السيرة 2/ 337، والطبري 3/ 20، والدرر /207/، وفتوح البلدان للبلاذري 42 - 47 بتوسع.
وعلى ذلك تدل السنن الواردة (1).
وقسمها نصفين: الأول له وللمسلمين، والثاني: لمن نزل به من الوفود والنوائب (2).