الصيام ركن من أركان الإِسلام، وهو مفروض على الأمم السابقة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (5)، وكان تشريع الصيام جاء متدرجا، فأول ما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إِن الله فرض عليه صيام شهر رمضان في شعبان من السنة الثانية من الهجرة، وكان صيامه أول الأمر على التخيير بين الصيام، والإطعام من
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الإيمان ح 40، 399.
(2) السنن الكبرى، كتاب التفسير ح 11004.
(3) صحيح البخاري ح 399، 40، ومسلم، كتاب الصلاة ح 525.
(4) صحيح البخاري ح 403، ومسلم ح 546.
(5) سورة البقرة، آية 183.
شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينا كما قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1)، ثم إِن الله تعالى أنزل الآية الأخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2)، فأثبت وجوب صيامه على المقيم الصحيح ورخّص فيه للمريض والمسافر على أن يصوم من أيام أخر، وأثبت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حولان -أي حالتان- وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون زوجاتهم ما لم يناموا، فإِذا ناموا امتنعوا بن ذلك حتى تغرب شمس اليوم الثاني، ثم أنزل الله التخفيف في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ... الآية} (3)، وبهذا استقر تشريع صيام شهر رمضان على اليسر ورفع الحرج والحمد لله رب العالمين (4).