أظهر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوّته بعد ثبوتها بمعجز القرآن واستغنائه عما سواه من البرهان، ما جعله زيادة استبصار يحج بها من قلت فطنته ويذعن لها من ضعفت بصيرته، ليكون إعجاز القرآن مدركا بالخواطر الثاقبة تفكرا واستدلالا، وإعجاز العيان معلوما ببداية الحواس احتياطا وإظهارا، فيكون البليد مقهورا بوهمه وعيانه، واللبيب محجوبا بفهمه وبيانه، لأن لكل فريق من الناس طريقا هي عليهم أقرب ولهم أجذب، فكان ما جمع انقياد الفرق أوضح سبيلا وأعم دليلا.
فمن معجزاته: عصمته من أعدائه وهم الجم الغفير والعدد الكثير، وهم على أتم حنق عليه وأشد طلب لنفسه، وهو بينهم مسترسل قاهر ولهم مخالط ومكاثر ترمقه أبصارهم شذرا وترتعد عنه أيديهم ذعرا، وقد هاجر عنه أصحابه حذرا حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة ثم خرج عنهم سليما لم يكلم في نفس ولا جسد، وما كان ذاك إلّا بعصمة إلهيه وعده الله تعالى بها فحققها حيث يقول: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «1» فعصمه منهم.
,
وأما الوجه الثالث: في فضائل أقواله فمعتبر بثمان خصال:
__________
(14) سورة يوسف الآية (92) .
(15) سبعة أرمقة: سبع سماوات.