عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنّه قال: ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ فقال: (لا) .
وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يسأل شيئا إلّا أعطاه، ثمّ يعود على قوت عامه فيؤثر منه، حتّى لربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء.
وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يسأل شيئا إلّا فعله.
وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يقول لشيء: (لا) ، فإذا هو سئل فأراد أن يفعل.. قال: (نعم) . وإن لّم يرد أن يفعل.. سكت.
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حتّى ينسلخ فيأتيه جبريل فيعرض عليه القران، فإذا لقيه جبريل.. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الرّيح المرسلة.
وعن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه: أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأله أن يعطيه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«ما عندي شيء، ولكن ابتع عليّ؛ فإذا جاءني شيء.. قضيته» . فقال
عمر: يا رسول الله؛ [قد أعطيته] ، فما كلّفك الله ما لا تقدر عليه. فكره صلّى الله عليه وسلّم قول عمر.
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله؛ أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا.
فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعرف في وجهه البشر لقول الأنصاريّ، ثمّ قال: «بهذا أمرت» .
وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءه مال.. لم يبيّته، ولم يقيّله؛ أي: إذا جاءه اخر النّهار.. لم يمسكه إلى اللّيل، أو أوّل النّهار.. لم يمسكه إلى وقت القيلولة، بل يعجّل قسمته.
وكان صلّى الله عليه وسلّم أسخى النّاس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه له، وفجأه اللّيل.. لم يأو إلى منزله حتّى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه.
وأتاه صلّى الله عليه وسلّم رجل فسأله، فأعطاه غنما سدّت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا، فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
وأعطى [صلّى الله عليه وسلّم] غير واحد مئة من الإبل.
وأعطى [صلّى الله عليه وسلّم] صفوان مئة ثمّ مئة ثمّ مئة.
وهذه كانت حاله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث، وقد قال له ورقة بن نوفل: إنّك تحمل الكلّ وتكسب المعدوم، وقالت له خديجة
رضي الله تعالى عنها: أبشر؛ فو الله لا يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ.
و (الكلّ) هنا: الثّقل من كلّ ما يتكلّف؛ كما في «لسان العرب» .
وأعطى [صلّى الله عليه وسلّم] العبّاس رضي الله تعالى عنه ما لم يطق حمله.
وحمل إليه [صلّى الله عليه وسلّم] تسعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثمّ قام إليها يقسمها، فما ردّ سائلا حتّى فرغ منها.
ولمّا قفل [صلّى الله عليه وسلّم] من حنين وجاءت الأعراب يسألونه حتّى اضطرّوه إلى شجرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أعطوني ردائي؛ لو كان لي عدد هذه العضاه نعما..
لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا، ولا كذّابا، ولا جبانا» .
و (العضاه) : شجر له شوك، واحدها: عضاهة.
وردّ [صلّى الله عليه وسلّم] على هوازن سباياها، وكانوا ستّة الاف.
وفي «المواهب» : (ذكر ابن فارس في كتابه في «أسماء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» «1» : أنّه في يوم حنين جاءته امرأة؛ فأنشدت شعرا تذكّره أيّام رضاعته في هوازن، فردّ عليهم ما أخذ وأعطاهم عطاء كثيرا حتّى قوّم ما أعطاهم ذلك اليوم، فكان خمس مئة ألف ألف.
__________
(1) أي: كتابه المؤلّف في ذكر أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن دحية: وهذا نهاية الجود الّذي لم يسمع بمثله في الوجود) .
وعن عائشة رضي الله [تعالى] عنها: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقبل الهديّة ويثيب عليها.
وأتته صلّى الله عليه وسلّم امرأة ببردة، فقالت: يا رسول الله؛ أكسوك هذه؟ فأخذها صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها، فلبسها، فراها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله؛ ما أحسن هذه! فاكسنيها، فقال: «نعم» ، فلمّا قام عليه الصّلاة والسّلام.. لامه أصحابه، وقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها، ثمّ سألته إيّاها، وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه. رواه البخاريّ.
وكان صلّى الله عليه وسلّم رحيما، وكان لا يأتيه أحد إلّا وعده وأنجز له؛ إن كان عنده.
[شجاعة رسول الله ص]
وأمّا