نا يونس عن قرة بن خالد قال: نا يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: بينا نحن بهذا المربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس معه قطعة أديم، أو قطعة جراب فقلنا: كأن هذا ليس على أهل البلد، فقال أجل هذا كتاب كتبه إلى رسول الله
__________
(1) ربع الغنائم.
(2) فراغ في ع.
صلى الله عليه وسلم، فقال القوم: هات، فأخذته فقرأته فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من محمد النبي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لبني زهير بن أقيش- قال أبو العلاء: وهم حي من عكل- إنكم (146) إن شهدتم ألا إله إلا الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم، والصفي- وربما قال: وصفيه- فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال القوم: هات أصلحك الله حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؟
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهب من وحر «1» الصدر، فقال القوم: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؟ فقال: لا أراكم تخافون أن أكون أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والله لا أحدثكم حديثاً اليوم، ثم «2» أهوى إلى الصحيفة فانتزعها، ثم انصاع مدبراً.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي تميمة الهجيمي قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعوك إلى من أصابك ضر فدعوته كشف عنك ضرك، وإلى من إن كنت بفلاة من الأرض فأضللت راحلتك فدعوته رد عليك، وإلى من إن أصابتك سنة فأجدبت أنبت لك، فقال الأعرابي: ما أحسن هذا، أوصني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصيك ألا تغتبط الناس، ولا تزهد في المعروف، والق أخاك حين تلقاه ووجهك منبسط إليه وإن لم يكن لك إلا دلو واحد فسألك أن تفرغ له من دلوك فأفرغ منه، وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة، وإن الله عز وجل لا يحب المخيلة.
نا يونس عن يوسف بن ميمون عن الحسن قال: جاء رجل من أشراف أهل
__________
(1) الوحر: الحقد والغيظ، وجاء في ع: وجر، وهو تصحيف.
(2) سقطت ثم من ع.
البوادي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعوك إلى من إن أسنت ثم دعوته أنبت لك، وإن أضللت ثم دعوته رد عليك، وإن أصابك كرب أو هم أو غم ثم دعوته كشف عنك، ثم أسلم، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال: يا رسول الله إني أريد الرجوع إلى أهلي فأوصني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصيك بتقوى الله وأن تصدق، فقال: من أي شيء أتصدق، فقال:
من إبلك، فقال: وكلنا له إبل، قال: فمن غنمك، فقال: وكلنا له غنم، قال: فمن مالك، فقال: وكلنا له مال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا هذا تكف لسانك عن الناس فإنها صدقة عليك حسنة.
إسلام جرير بن عبد الله
نا يونس عن داود بن زيد عن عامر الشعبي عن جرير بن عبد الله أنه حدثه قال: أتيت (147) رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرني يدك يا جرير، فقلت: على مه؟ فقال على أن تسلم لله، والنصيحة لكل مسلم، فأدركها جرير، وكان رجلاً فطناً، فقال: يا رسول الله فيما أطقت، فكانت له وللناس بعد، قال جرير: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
نا يونس عن قيس بن الربيع عن سماك بن حرب وعبد الله بن عمر عن جابر ابن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتفتتحن أرض كسرى عصابة من المسلمين.
نا يونس عن قيس بن الربيع عن جبلة بن سحيم عن موثر بن غفارة العبدي قال: نزلت بابن الخصاصية «1» في ركب من عبد القيس فقال: بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وحج البيت، والزكاة طيبة بها نفسك، والجهاد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله كل هذا لا أستطيع، أما الزكاة فليس لي إلا مال أعيش فيه، وأهل يعتملون عليه وأما الجهاد فإني أخاف أن تخشع نفسي فأفر فأبوء بغضب من الله، فكف يده عني فقال: لا جهاد ولا صدقة، فبم تدخل الجنة؟ فقلت يا رسول الله مد يدك فأبايعك عليهن كلهن، فبسط يده فبايعه.
نا يونس عن يحيى بن أبي حية الكلبي عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال:
__________
(1) هو بشير بن الخصاصية له صحبة.
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبل آكله نواء فلما بلغنا إلى الصحراء طلع راكب يوضع نحونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم يريد هذا، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين أقبلت؟ قال: من مالي وولدي وعشيرتي، فقال: أين تريد؟
قال: أردت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: قد أصبت، فقال له: يا رسول الله علمني الاسلام، فلما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل عليه حففنا ببعيره، فقال له: تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: أقررت، قال: وتصلي الصلوات المكتوبة، قال: أقررت، قال: وتؤدي الزكاة المفروضة، قال: أقررت، قال: وتحج البيت، قال: أقررت، قال: وتصوم رمضان، قال: أقررت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الاسلام، فسار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت رجل بعيره في شبكة جرذان فعثر، فوقع الرجل على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاكم، فوثب إليه حذيفة وعمار فأسنداه فقالا: يا رسول الله قد مضى الرجل فأعرض (148) عنه ما شاء الله، ثم أقبل بوجهه فقال: ألم تروني حين أعرضت فإني رأيت ملكين يحشوان في فيه من ثمار الجنة، فعرفت أن الرجل كان جائعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عمل قليلاً وأجر كثيراً، هذا والله من «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ «1» » احملوا أخاكم فاحتملناه فلما انتهينا به إلى الماء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه وكفنوه وحنطوه، ففعلنا، ثم صلى عليه، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر فقال: ألحدوا له فإن اللحد لنا والشق لغيرنا.
نا يونس عن عبد الرحمن بن أمين الكناني قال: حدثني محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب؛ وحدثني الزهري، قالا: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن قومي أسلموا فزادهم الاسلام فقراً، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل كان دفع إليه نفقه فقال: قد أنفقت ما كان معي، فقال يهودي خلف رسول
__________
(1) سورة الأنعام: 82.
الله صلى الله عليه وسلم: هذا رجل يعطيك ورقا «1» ، يسلفك في تمر حائط كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نسمي لك حائطاً ولكن تسلفنا في تمر مسمى في كيل معلوم إلى أجل معلوم، فبايعه اليهودي، ثم حل ورقاً معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ادفعها إلى الأعرابي، الحق فأغث بها قومك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما وضع الميت في قبره وحثوا عليه، قام اليهودي فقال: يا محمد ألا تقضين تمري، فو الله ما أعلمكم يا بني عبد المطلب إلا تمطلون الناس بحقوقهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله لولا مجلسه لوجأت أنفك، وقال الزهري:
لوجأت خطمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر أنت إلى غير هذا أحوج أن تأمره فيحسن طلبي، وتأمرني فأحسن قضاءه، إنطلق معه إلى حائط كذا وكذا، وهو الذي كان أراد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يسميه له، فأدخله فقل لفلان يكشف له عن الطعام ليريه إياه، فإن رضيه فمره فليوفه ماله، وكل له كذا وكذا صاعاً بشتمك إياه، فانطلق به عمر، فأراه فرضي فكال له ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال اليهودي لعمر: إنه لم يكن بقي شيء مما وجدنا في كتابنا مما وصف لنا موسى عليه السلام إلا قد رأيناه في محمد صلى الله عليه وسلم إلا الحلم فقد رأيناه الآن منه فأنا أشهدك أني اشهد [149] الا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأشهد أن نصف ما أملك صدقة على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر:
إنه قد حقت علي نصيحتك، لا يسعهم كلهم ولكن اجعله لمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل، ثم إن هذا اليهودي مات فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمل سريره على عاتقه الأيمن وحمل علي أيضاً سريره على عاتقه الأيسر.
نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال:
كان عبد الله بن مزينة ذو البجادين بينما هو في حجر عمه، وكان يعطيه، وكان محسناً إليه، فبلغ عمه أنه قد تابع دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: لئن فعلت وتبعت
__________
(1) أي فضة وهذا يعني الدراهم.
محمداً لأنزعن منك كل شيء أعطيتك، فقال: إني مسلم فنزع منه كل شيء أعطاه حتى جرده من ثوبه، فأتى أمه فقطعت له بجاداً «1» لها باثنين، فإئتز نصفاً وارتدى نصفاً، ثم أصبح فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصفح الناس ينظر من أتاه، وكذلك كان يفعل، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد العزى، فقال: بل أنت عبد الله ذو البجادين، فالزم بابي، فكان يلزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يرفع صوته بالقرآن «2» والنحيب والتسبيح، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أمرائي هو؟ قال: دعه عنك فإنه أحد الأواهين «3» .
__________
(1) البجاد: الكساء الغليظ الجاف، انظر ابن هشام، الروض: 4/ 179.
(2) زاد في ع: «والتكبير» بعد «بالقرآن» وقبل «والنحيب» .
(3) أورد الواقدي، المغازي: 3/ 1013- 1014 خبره بشكل فيه بعض الزيادات وذكر أنه توفي وهو برفقة النبي في غزوة تبوك.