«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن عضاه (وجّ) وصيده لا يعضد «1» ، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، وإن تعدّ ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا، وإن هذا أمر النبي محمد» وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعدّه أحد يظلم نفسه فيما أمره به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال وزاد فيه شهادة علي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله قال: «إن صيد وجّ وعضاهه حرم محرم لله» وكذا رواه أبو داود، وذلك قبل نزول الطائف وحصاره ثقيفا، وقد اختلف الأئمة في هذا الحديث، فمنهم من ضعّفه كأحمد والبخاري وغيرهما، ومنهم من صححه كالشافعي وقال بمقتضاه «2» .
__________
(1) العضاه ككتاب: شجر ذو شوك، وج: أرض الطائف، يعضد: يقطع. قال السهيلي حرم عضاهه وشجره على غير أهله كتحريم المدينة ومكة.
(2) البداية والنهاية، ج 5 ص 34.
,
,
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية وقد أمن شر قريش ومناوأتها لدعوة الإسلام، ووجد الرسول الفرصة سانحة لتبليغ رسالة الإسلام للناس جميعا عربهم وعجمهم، إذ قد أرسل للبشر كلهم قال تعالى:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» .
وقال:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «2» .
وقال:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «3» .
وقد كان هذا كسبا كبيرا للدعوة، فقد شهدت افاقا واسعة، ووجدت أرضا خصبة، ونفوسا مستعدة لتقبل الدين الجديد بعد أن عاشت البشرية في ليل داج مظلم، ولم يكن ليخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعانيه العالم- ولا سيما الدولتان اللتان كانتا تقتسمان النفوذ في العالم حينئذ: فارس والروم- من انحراف ديني، وفساد خلقي، واضطراب اجتماعي، وما وقع بينهما من حروب وغارات أنهكت قواهما، مما جعل هذه الشعوب على استعداد لقبول الإسلام،
__________
(1) سورة الأعراف: الاية 158.
(2) سورة الأنبياء: الاية 107.
(3) سورة سبأ: الاية 28.
الذي ينعمون فيه بالإيمان والأمان، والحرية والإخاء، والعدل والمساواة، ولذلك لم تكد تنتهي ثلاثون عاما من دعوتهم إلى الإسلام، حتى كانت هذه البلاد قد دخلت في الإسلام، واستظلت بلوائه، وقد كان بدء إرسال الكتب بعد الحديبية في أواخر سنة ست أو أوائل سنة سبع، ولذلك اثرت ذكر هذه الكتب في هذا الموضع.
ولما عزم رسول الله على مكاتبة الملوك والأمراء خرج على أصحابه ذات يوم فقال: «أيها الناس: إن الله قد بعثني رحمة وكافة، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم» فقال أصحابه: وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ قال: «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلّم، وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل» ثم ذكر أنه مرسل إلى هرقل وكسرى والمقوقس والنجاشي وغيرهم، يدعوهم إلى الإسلام، فأجابه أصحابه إلى ما أراد، ثم صنع له خاتم من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله) ليختم به هذه الكتب.
,
وجه رسول الله دحية بن خليفة الكلبي بكتاب إلى قيصر، وأمره أن يدفعه إلى حاكم (بصرى) ليوصله إلى هرقل، ونص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولّيت فإن عليك إثم الإرّيسيين «1» : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» «2» .
__________
(1) الإرّيسيون: الفلاحون والأتباع، والمراد رعيته لأنها غالبا تتبع ملكها وراعيها.
(2) سورة ال عمران: الاية 64.
,
ولما وصل الكتاب إلى هرقل وكان الرجل عاقلا قال: ائتوني برجل من قومه أسأله عنه، فالتمسوه، فصادفوا أبا سفيان في ركب من قومه ذاهبين بتجارتهم إلى الشام بعد صلح الحديبية، فجاؤوا بهم إليه، فسألهم بوساطة ترجمانه أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان:
أنا، فقال له: ادن مني، فأجلسه أمامه، ثم أجلس بقية قومه خلفه حتى لا يخجلوا من ردّ كذبه عليه إذا كذب. ثم سأله عن نسبه، وهل ادّعى ذلك أحد قبله، وعن مبلغ صدقه؟ وهل كان من ابائه من ملك؟ وأيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ وأيزيدون أم ينقصون؟ وهل يرتد أحد من أتباعه سخطة لدينه؟ وهل يغدر إذا عاهد؟ وكيف حربكم وحربه؟ وبم يأمركم؟ كل ذلك وأبو سفيان يجيب بما هو الحق.
ثم استخلص هرقل الحق من كلام أبي سفيان فقال له: إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فزعمت أن لا، فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتم بقول قيل قبله. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فقلت ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك هل كان من ابائه ملك فقلت: لا، فلو كان من ابائه ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فقلت: بل يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، وأن الحرب بيننا وبينه سجال، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، وسألتك بماذا يأمر؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد اباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
ثم قال: وهذه صفة نبي كنت أعلم أنه نبي، ولكن لم أعلم أنه منكم، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه!! ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرىء على الحاضرين، فعلت أصوات من حوله من عظاماء الروم وكثر لغطهم، وأمر بأبي سفيان وأصحابه فأخرجوا، فقال أبو سفيان: لقد عظم أمر ابن أبي كبشة «1» ، هذا ملك بني الأصفر «2» يخافه، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام.
ولما سار قيصر إلى حمص وأذن لعظماء الروم في دسكرة له، ثم أمر بأبوابها فأغلقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى قيصر نفرتهم وغضبهم قال: ردّوهم علي، ثم قال لهم: إنما قلت مقالتي انفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فسجدوا له ورضوا عنه «3» . وهكذا غلبه حب ملكه على الإسلام، فذهب بإثمه وإثم رعيته كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع هذا كرّم دحية ورده ردا جميلا.
,
ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السّهمي بكتاب إلى كسرى «4» ملك الفرس، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه هذا إلى كسرى ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله
__________
(1) قيل: هو كنية أبيه من الرضاعة، واسمه الحارث بن عبد العزى، كانوا ينسبونه إليه استهزاء.
(2) بنو الأصفر: الروم.
(3) صحيح البخاري، باب بدء الوحي، وكتاب الجهاد- باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.
(4) كسرى لقب لكل ملك الفرس وهو كسرى بن برويز بن هرمز بن أنو شروان.
واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فإن تسلم تسلم، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك» .
فلما قرىء الكتاب عليه مزقه، فلما بلغ رسول الله ذلك دعا عليه قائلا:
«اللهم مزّق ملكه» وقد استجاب الله لنبيه، فقتله ابنه شيرويه، ولم تقف حماقة كسرى عند تمزيق الكتاب بل أرسل إلى «باذان» عامله على اليمن: ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، ففعل باذان، فلما قدما على النبي قال: «أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة» ! وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاخرة سنة سبع من الهجرة، فخرجا من عند النبي حتى قدما على باذان فأخبراه بمقتل كسرى، وقالا له يقول لك: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء.
ثم لم ينشب باذان أن جاءه كتاب شيرويه يخبره بقتل أبيه، وأوصاه أن لا يهيج النبي حتى يأتيه أمره فيه، فقال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلم الأبناء من فارس الذين كانوا باليمن.
,
وأوفد عليه الصلاة والسلام حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس عظيم مصر وأميرها من قبل الروم بكتاب ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم القبط:
يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «1» .
__________
(1) انظر: صورة هذا الخطاب في كتاب «الوسيط في الأدب العربي وتاريخه» ، ص 122.
فوفد حاطب على المقوقس وكان بمدينة الإسكندرية، فناوله الكتاب، فقبّله وأكرم حاطبا وأحسن نزله.
ثم بعث إلى وفد جمع بطارقته، وقال: إني سائلك عن كلام، فأحب أن تفهم عني، قال: قلت هلمّ، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت:
بلى، هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟! قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى، قلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟!.
فسر منه وقال له: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم «1» ، ثم قال إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدت أنه لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، وسأنظر، ثم كتب ردّ الخطاب، فقال فيه:
(لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظنه بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت إليك بغلة تركبها والسلام) .
وإحدى الجاريتين مارية التي تسرّاها رسول الله وولدت له إبراهيم، والاخرى أعطاها حسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان وقيل أربع جوار، ومما أهدي غلام خصي اسمه «مابور» وحمار أسمي عفيرا أو يعفور، وقد أسمى النبي البغلة دلدلا، وكانت فريدة ببياضها بين البغال التي عرفتها بلاد العرب.
وخطاب المقوقس هذا يدل على إكباره لرسول الله كما يدل على أنه لم يسلم، ولم يبعد، والذي يبدو أن الرجل خاف على ملكه، ولولا هذا لامن ونال حظه من الإسلام.
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 273.
,
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم:
يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك» «1» .
ولما وصله الكتاب احترمه وكرم حامله وقال له: إني أعلم والله أن عيسى بشّر به، ولكن أعواني بالحبشة قليل، فأنظرني حتى أكثر الأعوان وألين القلوب.
وفي بعض الروايات أنه أسلم، والصحيح خلافه، ففي صحيح مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس النجاشي الذي صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم» .
ثم بعث إليه رسول الله بكتاب اخر مع عمرو أيضا بشأن مساعدة مهاجري الحبشة على الخروج إلى المدينة، فأعدّ لهم سفينتين حملتاهم إليها، فوصلوا عقب فتح خيبر كما سيأتي إن شاء الله.
,
,
ووجه عليه الصلاة والسلام العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، يدعوه وقومه إلى الإسلام، فأسلم، فأقره النبي على إمارته، وأوصاه
__________
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 83.
بالنصح والطاعة والإصلاح، وألايكره أحدا على الإسلام، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية.
,
وأرسل عليه الصلاة والسلام الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى أمير بصرى، فلما بلغ مؤتة- قرية بمشارف الشام- تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، قال له: أين تريد؟ قال: الشام. قال: لعلك من رسل محمد؟ قال:
نعم، فأمر به فضربت عنقه، ولم يقتل لرسول الله رسول غيره.
,
ووجه عليه الصلاة والسلام شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير دمشق من قبل هرقل، يدعوه إلى الإسلام، ويعده ملكه إن أسلم، فلما وصله الكتاب رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي؟ واستعد ليرسل جيشا لحرب النبي، وقال لشجاع: أخبر صاحبك بما ترى، ثم أرسل إلى قيصر يستأذنه في ذلك، وصادف ذلك مجيء دحية بكتاب رسول الله إلى هرقل، فكتب إليه يثنيه عن عزمه، فلما رأى الحارث كتاب قيصر صرف شجاعا بالحسنى ووصله بنفقه وكسوة.
,
ووجه النبي سليط بن عمرو العامري بكتاب إلى هوذة بن علي ملك اليمامة يدعوه إلى الإسلام، ووعده أن يجعل له ما تحت يديه إن أسلم، فكتب في رد الكتاب: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، فلما بلغ كتابه الرسول قال: «لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه» فلم يلبث أن مات منصرف الرسول من فتح مكة.
,
وكذلك أرسل النبي إلى جبلة بن الأيهم الغساني، وإلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن، وإلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان،
وإلى غيرهم من الملوك والأمراء، فمنهم من أجاب وأسلم ومنهم من رد ردا سيئا.
ويلاحظ على هذه الكتب الخبرة الدقيقة بنفوس من أرسل إليهم، وحسن تخير الألفاظ المناسبة لكل، والمثيرة للعواطف والمشاعر، كما يلاحظ أن بعض من لم يسلم كان رده ردا جميلا رقيقا مما يدل على قوة الإسلام وسطوته، وسماحة دعوته، فلا تعقيد فيها ولا غموض، وأن الصحابة الذين حملوا الكتاب كانوا عند حسن ظن الرسول بهم، ووفوا بما عاهدوه عليه من الإقدام، وأن لا ينكصوا كما نكص بعض رسل عيسى عليه الصلاة والسلام، كما كان عجيبا أن لم يقتل من الرسل على كثرتهم إلا واحد، وهذا يدل على أن العالم حينئذ كان يستشرف إلى دين جديد سمح، ينقذه من الحضيض الذي هوى إليه، فكان هذا الدين هو الإسلام.
السّنة السّابعة من الهجرة
[