ومن وقائع السنة الثامنة وفاة عبد المطلب واختلف فى سن عبد المطلب حين مات فقال السهيلى ان عبد المطلب مات وعمره مائة وعشرون سنة* وقال ابن جبير عمره خمس وتسعون سنة وقيل مائة وعشر سنين وقيل مائة وأربعون سنة وقيل ثنتان وثمانون سنة ذكر هذه الاقاويل الاربعة الاخيرة مغلطاى فى سيرته وقد عمى قبل موته ودفن على ما ذكره ابن عساكر بالحجون كذا فى شفاء الغرام ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثمان سنين وشهر وعشرة أيام كذا فى نور العيون لليعمرى* وفى سيرة مغلطاى وقيل ثمان سنين وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال نعم انا يومئذ ابن ثمان سنين* وفى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى قيل كان ابن تسع سنين وقيل عشر وقيل ست وقيل ثلاث وفيه نظر قالت أمّ أيمن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبكى خلف جنازة عبد المطلب وفى المنتقى توفى عبد المطلب فى ملك كسرى هرمز بن أنوشروان*
كفالة أبى طالب له صلّى الله عليه وسلم
ومن وقائع السنة الثامنة كفالة أبى طالب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم روى أنه لما مات عبد المطلب كفل أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضمه اليه وذلك لان أبا طالب وعبد الله أبا النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانا من أمّ واحدة وهى فاطمة بنت عمرو وكان الزبير عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أيضا من أمّهما لكن كفالة أبى طالب اما بوصية عبد المطلب واما لانّ الزبير وأبا طالب اقترعا فخرجت القرعة لابى طالب واما لانّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اختار أبا طالب لكثرة مؤانسته وشفقته قيل بل كفله الزبير حتى مات ثم كفله أبو طالب وهذا غلط لان الزبير شهد حلف الفضول بعد موت عبد المطلب ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم نيف وعشرون سنة وأجمع العلماء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم شخص مع عمه أبى طالب الى الشام بعد موت عبد المطلب بأقل من خمس سنين فهذا يدل على أن أبا طالب كفله ذكره ابن الاثير فى أسد الغابة* وروى أن أبا طالب كان فقيرا وكان يحبه حبا شديدا وكان لا يحب أولاده كذلك وكان لا ينام الا الى جنسه ويخرج معه متى يخرج* وفى المواهب اللدنية وقد أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم فى قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادى وأجدب العيال وهلكت المواشى فهلم استسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجنّ تجلت عنه سحابة قتماء وما زال يسعى والغلام معه فلما صارا بازاء الكعبة وحوله اعيلمة فألصق الغلام ظهره
بالكعبة ولا زال يشير بأصبعه وما فى السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر الوادى وأخصب النادى والبادى وفى ذلك يقول أبو طالب
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل
الثمال بكسر المثلثة الملجأ والغياث وعصمة الارامل أى يمنعهم من الضياع والحاجة والارامل المساكين من الرجال والنساء ويقال لكل واحد من الفريقين على انفراده أرمل وهو بالنساء أخص وأكثر استعمالا والواحد أرمل وأرملة وهذا البيت من أبيات قصيدة لابى طالب ذكرها ابن اسحاق بطولها وهى أكثر من ثمانين بيتا انتهى* وانشأ أبو طالب فى مدح النبىّ صلّى الله عليه وسلم أبياتا منها هذا البيت
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا البيت فقال
ألم تر أن الله أرسل عبده ... بآياته والله أعلى وأمجد
أغر عليه للنبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الا له اسم النبىّ الى اسمه ... اذا قال فى الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
نبىّ أتانا بعد يأس وفترة ... من الدين والاوثان فى الارض تعبد
وأرسله ضوأ منيرا وهاديا ... يلوح كما لاح الصقيل المهند
وكان اذا أكل عيال أبى طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا واذا أكل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم شبعوا وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم صقيلا دهينا كحيلا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبغض حضور الاصنام والاعياد مع قومه* روى ان بوانة كانت صنما يحضره قريش فى كل سنة يوما ويعظمونه ويعبدونه ويجعلونه عيدا وتنسك له النسائك ويحلقون رؤسهم عنده ويعكفون عنده الى الليل وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فغضب أبو طالب وأعمامه عليه فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع اليهم مرعوبا فزعا فقالوا له ما الذى رأيت قال انى كل ما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل أبيض طويل يصيح بى وراءك يا محمد لا تمسه فاعاد الى عيدهم بعد ذلك وكان لم يأكل مما ذبح على النصب وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعبد الله وحده قبل أن يوحى اليه لانه كان من ورثة دعوة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام* قال العلامة الدوانى فى تفسير قل يأيها الكافرون اختلف الاصوليون فى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بشريعة من قبله أولا فقيل انه كان متعبدا بشريعة موسى وقيل بشريعة عيسى وقيل بشريعة ابراهيم وقيل بشريعة نوح عليهم السلام وقيل انه لم يكن متعبدا فالمختار انه كان متعبدا قبل البعث لما ثبت أنه كان متعبدا فى غار حراء والتعبد لا يكون الا بشريعة لان الحاكم هو الشرع عند أهل الحق وعلى مذهب المعتزلة القائلين بحكم العقل الامر أظهر اذ العبادة لا تتوقف على هذا التقدير على شريعة والحاصل انه كان يتحنث فى غار حراء أى يتعبد الليالى ذوات العدد فلا جرم تكون هذه العبادة لله تعالى لا غير اذ الانبياء معصومون عن الكفر قبل البعثة بالاتفاق* روى عن علىّ رضى الله عنه أنه قال قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يا رسول الله هل عبدت غير الله قال لا قيل فهل شربت خمرا قط قال لا ثم قال ما زلت أعرف ان الذى هم عليه كفر
وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الايمان وكذلك سائر الانبياء اذ لم ينقل ناقل من المسلمين ولا من أهل الكتاب ان أحدا من الانبياء كان يعبد سوى الله تعالى قبل أن يوحى اليه* وورد فى تفسير قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى أى غير مهتد الى تفاصيل الملة الحنيفية وكان يسمع بأنها ملة أبيه ابراهيم الخليل فطفق يطلبها ولا يهتدى الى تفاصيلها فهداه الله منها الى سواء السبيل وكان موسى مؤمنا حين قتل القبطى باخبار الله ايانا فقال تعالى قال رب انى ظلمت نفسى فاغفرلى فغفر له وقال رب بما أنعمت علىّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم أخبر عنه قال فعلتها اذا وأنا من الضالين فعلمنا ان ضلاله كان من شرائع الاحكام الحلال والحرام والتكاليف التى لا تعرف الا بتوفيق وكان العلم بتفاصيل الشرائع قد درس فى عصر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يذهب بالتوحيد على جماعة منهم ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وأبو ذرّ الغفارى وكان منهم أمية بن أبى الصلت فارتدّ وعتبة بن ربيعة ثم ارتدّ وأبو عامر الراهب بن صيفى ثم ارتدّ حسدا للنبىّ صلّى الله عليه وسلم*