حينما جاء الإسلام وأعطى للمرأة حقها وبيّن مكانتها ورفع قدرها، وقرر أنها والرجل خُلِقَا من أصل واحد؛ أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المبدأ فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» (رواه أبو داود). ومن هذا المنطلق حفظ صلى الله عليه وسلم لهن حقوقهن، وأوصى الرجال بهن، وأحسن معاملتهن، ومن ذلك:
فكان صلى الله عليه وسلم «إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُه فَاطِمَةُ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَبَّلهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ» (رواه الترمذي)، وكان يرحب بها عند قدومها قائلًا: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي!» ثُمَّ يجلسها عن يمينه أو شماله. (رواه البخاري).
ورأيناه صلى الله عليه وسلم مع
زوجاته
كم كان زوجًا حنونًا رحيمًا يعطف عليهن ويرحمهن ويعاملهن معاملة كريمة ويصبر عليهن، ويكفي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد في سيرته أنه ضرب بيده الشريفة الطاهرة امرأة ولا خادمًا.
ولما جاءته
أخته
- من الرضاعة - بسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، ثم قال: «سلي تُعْطَيْ، واشفَعِي تُشَفَّعِي» (رواه البيهقي)
حتى
أمه
صلى الله عليه وسلم من رحمته وبره بها زار قبرها بعد موتها فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: «زَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ»، ثُمَّ قَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي؛ فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» (رواه الحاكم).
لماذا كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه ونساء المؤمنين فيها قدر كبير من الرفق والإحسان؟ وضِّحْ ذلك من سيرته صلى الله عليه وسلم.
أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرأة في نصوص كثيرة متفهمًا نفسيتها وطبيعتها، فقال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ..» (رواه البخاري).
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره غلام يقال له «أنجشة»، وكان يحدو [نوع من الغناء تساق به الإبل] بأمهات المؤمنين ونسائهم، فاشتد سياقه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ! رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» (رواه البخاري) وفي لفظ: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالْقَوَارِيرِ».
قال الإمام النووي: «ومعناه: الأمر بالرفق بهن...»، أي: ارفق في سوقك بالقوارير
[شرح النووي على مسلم ].
ولم يَقِفْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإحسان إلى المرأة الكبيرة فحسب، وإنما رغَّب أيضًا في الإحسان إلى المرأة الصغيرة؛ فقال: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» (رواه البخاري).
لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم المرأة فقال: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ» (رواه البخاري).
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا» (رواه أحمد).
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «.. فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ..» (رواه مسلم).
يدَّعي بعض الناس أن الإسلام وضع من منزلة المرأة، ولم يعطها حقوقها،
بماذا ترُدُّ على هؤلاء من خلال سيرته صلى الله عليه وسلم في وصيته بالنساء وحفظه لحقوقهن؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصص للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى، ومن ذلك أن يسيرة رضي الله عنها -وكانت من المهاجرات - قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ» (رواه أحمد).
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصص يومًا للنساء لتعليمهن ووعظهن، فما دلالة ذلك؟
وقد كان دأبه صلى الله عليه وسلم أن تخرج المرأة لصلاة العيد وللمشاركة في فرحة العيد، حتى من لا تستطيع الصلاة أمر صلى الله عليه وسلم بخروجها لحضور فرحة العيد، فعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: «أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، والْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ [الْعَوَاتِق جَمْع عَاتِق وَهِيَ الْجَارِيَة الْبَالِغَة مَا لَمْ تَتَزَوَّج، وَالْخُدُورُ: الْبُيُوت]، فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنّ. قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ:"لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا»
(رواه البخاري).
وما أن تشبَّ البنت وتصير فتاة بالغة؛ حتى يعطِيَها الرسول الحقَّ في اختيار زوجها والموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوِّز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده، وقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا (أي: سكوتها)» (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أَنْ تَسْكُتَ» (رواه البخاري).
وعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- : «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا» (رواه البخاري).
وإذا ما كرهت المرأة كزوجة من زوجها شيء، ولم تُطِق الحياة معه ألبتة، فقد سنَّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حقَّ مفارَقة الزوج، وذلك عن طريق الخُلْعِ.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي» فقالت: «يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دِينٍ ولا خُلُق، إلَّا أنِّي أخاف الكُفْرَ» فقال رسول الله: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فقالت: «نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها» (رواه البخاري).
وفي ذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنُوكُمْ» (رواه مسلم).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» (رواه البخاري)
ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على ستر المرأة وصيانتها حتى وهي في المسجد قوله صلى الله عليه وسلم : «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم).
وتروي لنا السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- فتقول: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»
(رواه البخاري).
وذلك لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي ظروف المرأة كأم ويُقَدِّر مشاعر الأمومة فيها؛ حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ» (متفق عليه).
حتى عند إقامة حدود الله لم يغض النبي صلى الله عليه وسلم الطرف عن ذلك، ومن أوضح الأمثلة على ذلك قصة المرأة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ». فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا» فَفَعَلَ. (رواه مسلم).
ومن ذلك ما يرويه أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. فَقَالَ لَهَا: «يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا» (رواه مسلم).
عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- واصفًا النبي صلى الله عليه وسلم قال: «.. وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ» (رواه النسائي).
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ» (رواه البخاري).
وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة وأقر بحقوقها واستمع لشكواها وتفهم طبيعتها، فما أهمية ذلك؟ وما آثاره الاجتماعية؟
ومن أبرز الدلائل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ»، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» (رواه أبو داود وابن ماجه).
أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بطاعة زوجها، وأمر الرجل بالإحسان إلى زوجته، لتُبنَى أسرة سعيدة مطمئنة ومستقرة، بخلاف الأسرة في الحضارات الحديثة، وضح ذلك.
وتروي لنا عن ذلك أم العلاء -رضي الله عنها- فتقول: «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضَة ٌ»، فَقَالَ: «أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلَاءِ، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ، كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» (رواه أبو داود).
1. المرأة هي أُمُّك وأختك وزوجتك وابنتك، فعاملها بأدب ورفق وحنو وأحسن إليها، فذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ووصيته بها.
2. تَفهَّمْ مشاعر المرأة وما طُبِعت عليه من الغيرة، واستمع لشكواها وتحمل ضعفها وطبيعتها، وأحسن إليها مقتديًا في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم .
3. احفظ للمرأة حقوقها في التعليم، وإبداء الرأي، واختيار الزوج ومفارقته، والمِلك، والبيع والشراء، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
4. أكرمها ولا تضربها فإنها ضعيفة، فلا تتقوى عليها، ومن يفعل ذلك ليسوا هم خيارنا.
5. لا تمنعها الخروج إلى المسجد للصلاة وحضور دروس العلم؛ فقد نهاك النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.