وغزا صلى الله عليه وسلم بني المصطلق من خزاعة في شعبان من السنة السادسة، وقيل: كانت في شعبان سنة خمس، والأول أصح وهو قول ابن إسحاق وغيره.
واستعمل على المدينة أبا ذر، وقيل: نميلة بن عبد الله الليثي، فأغار عليهم وهم غارون على ماء لهم يسمى
المريسيع، وهو من ناحية قديد إلى الساحل، فقتل من قتل منهم، وسبى النساء والذرية، وكان شعار المسلمين يومئذ: أمت أمت.
وكان من السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ملك بني المصطلق، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فصارت أم المؤمنين، فأعتق المسلمون بسبب ذلك مائة بيت من بني المصطلق قد أسلموا.
وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم قال: الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعرض برسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغها زيد بن أرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عبد الله بن أبي معتذراً ويحلف ما قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله عز وجل تصديق زيد بن أرقم في سورة المنافقين.
وكان في هذه الغزوة من الحوادث قصة الإفك الذي افتراه عبد الله بن أبي هذا الخبيث وأصحابه، وذلك أن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها كانت قد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة، وكانت تحمل في هودج، فنزلوا بعض المنازل ثم أرادوا أن يرتحلوا أول النهار فذهبت إلى المتبرز، ثم رجعت
فإذا هي فاقدة عقداً لأختها أسماء كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي كانت فيه، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون بها فحملوا الهودج، حملة رجل واحد، وليس فيه أحد، فرحلوه على البعير ولم يستنكروا خفته لتساعدهم عليه، ولأن عائشة رضي الله عنها كانت في ذلك الوقت لم تحمل اللحم، بل كانت طفلة في سن أربع عشرة سنة.
فلما رجعت وقد أصابت العقد لم تر بالمنزل أحداً، فجلست في المنزل وقالت: إنهم سيفقدونها فيرجعون إليها، والله غالب على أمره وله الحكم فيما يشاء.
وأخذتها سنة من النوم فلم تستيقظ إلا بترجيع صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني، وكان قد عرس في أخريات القوم، لأنه كان شديد النوم كما جاء ذلك عنه في رواية أبي داود، فلما رأى أم المؤمنين قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم أناخ بعيره فقربه إليها، فركبته، ولم يكلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا ترجيعه، ثم سار بها يقودها حتى قدم بها وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة.
فلما رأى ذلك الناس تكلم المنافقون بما الله مجازيهم به، وجعل عبد الله بن أبي الخبيث مع ما تقدم له من الخزي في هذه الغزوة يتكلم في ذلك ويستحكيه، ويظهره ويشيعه ويبديه.
وكان الأمر في ذلك كما هو مطول في الصحيحين من
حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، كلهم عن عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات مما اتهمها به أهل الإفك في هذه الغزوة في قوله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} الآيات.
فلما أنزل الله تعالى ذلك وكان بعد قدومهم من هذه الغزوة بأكثر من شهر.
جلد الذين تكلموا في الإفك، وكان ممن جلد مسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك صعد على المنبر فخطب المسلمين واستعذر من عبد الله بن أبي وأصحابه، «فقال: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، فإن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تستطيع قتله، ولو كان من رهطك لما أحببت أن يقتل.
فقال أسيد بن الحضير: والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان حتى كادوا يقتتلون، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم ويسكنهم حتى سكنوا.. الحديث.
هكذا وقع في الصحيحين أن المقاول لسعد بن عبادة هو سعد بن معاذ، وهذا من المشكلات التي أشكلت على كثير من أهل العلم بالمغازي، فإن سعد بن
معاذ لا يختلف أحد منهم أنه مات إثر قريظة، وقد كانت عقب الخندق، وهي سنة خمس على الصحيح.
ثم حديث الإفك لا يشك أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع.
وقال الزهري: في غزوة المريسيع.
وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا، فقال موسى بن عقبة فيما حكاه البخاري عنه: إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور، ثم في الحديث ما ينفي ما قال، لأنها قالت: وذلك بعد ما أنزل الحجاب، ولا خلاف أنه نزل صبيحة دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلى الله عليه وسلم زينب عن شأن عائشة في ذلك، فقالت: أحمي سمعي وبصري.
قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر أهل التواريخ أن تزويجه بها كان في ذي القعدة في سنة خمس فبطل ما كان ولم ينجل الإشكال.
وأما الإمام محمد بن إسحاق بن يسار فقال: إن غزوة بني المصطلق كانت في سنة ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، فذكر الحديث.
قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: أنا أعذرك منه ولم يذكر سعد بن معاذ.
قال أبو محمد بن حزم: وهذا الصحيح الذي لاشك فيه، وذلك عندنا وهم.. وبسط الكلام في ذلك مع اعترافه بأن ذكر سعد جاء من طرق صحاح.
قلت: وهو كما قال إن شاء الله.
وقد وقع من هذا النمط في الحديث
مما لا يغير حكماً أحاديث ذوات عدد، وقد نبه الناس على أكثرها، وقد حاول بعضهم أجوبة لها فتعسف، والله سبحانه وتعالى أعلم.