إشارة إلى آخر معاقل اليهود في أرض الجزيرة العربية والتي دكها المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم جزاء خيانتهم.
محرم ٧هــ، وخيبر مدينة ذات حصون ومزارع على بعد نحو ٨٠ ميلًا من المدينة إلى الشمال.
قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رأس ١٤٠٠ من أصحابه، وحمل الراية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
ومن جهة اليهود تصدى كنانة بن أبي الحقيق والحارث بن أبي زينب وأخوه مرحب على رأس ١٠ آلاف يهودي (ابن هشام).
وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالمغانم بعد عودة المسلمين من صلح الحديبية لقوله تعالى: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[الفتح: ٢٠]
وقد نقض يهود خيبر عهدهم مع النبي، وعقدوا حلفًا ضده ﷺ مع قريش يهدف لتطويقه من الشمال إلى الجنوب.
كان يهود خيبر من حشد أيضًا ضد المسلمين بغزوة الأحزاب وأثاروا بني قريظة على الغدر ووضعوا خطة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم (سيرة ابن هشام) .
تأهب الصحابة لخيبر
بعد صلح الحديبية، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة نحو شهر متأهبًا لقتال اليهود، بعد أن اطمأن من خطر قريش.
وقد حذر عبدالله بن سلول "رأس النفاق" اليهود من المسلمين، كما تحالفت معهم قبيلة غطفان.(الرحيق المختوم) .
وكان يهود خيبر رجالًا محاربين، وأهل خداع وتآمر، ولهم سلاسل حصون منيعة عُرفت باسم "النطاة"، "الشق" و"الكتيبة" .
منع المخلفين في غزوة خيبر
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ للغزو، واستنفر حلفاءه، وجاء من تخلفوا عن غزوة الحديبية طمعًا بالغنيمة التي وُعد بها المسلمون حيث إن خيبر معروفة بريف الحجاز لخيرها الوفير، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم مناديًا بألا يخرج إلا راغب في الجهاد وليس طالب غنيمة.
وفي ذلك نزل قول الحق سبحانه (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا) [الفتح: ١٥].
لهذا خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من كان معه بصلح الحديبية فقط ويلاحظ ازدياد عتاد الجيش لـ٢٠٠ فارس لأول مرة. ( سيدنا محمد : لرشيد رضا) .
الطريق إلى خيبر
كان الصحابة شديدي اليقين والحماسة، وفي طريقهم لغزوة خيبر كلما صعدوا أطلقوا التكبير وإذا نزلوا سبّحوا، ورفعوا الصوت عند واد أقدموا عليه، فقال النبي ﷺ: «أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم» (البخاري).
وقد جرت بالطريق معجزة عامر بن الأكوع؛ فقد سأل الصحابة في طريقهم رجلًا شاعرًا يدعى عامر أن ينشدهم وهو يحدو أصحابه فقال منها:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما أبقينا ** وأنزل سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا ** إنا إذا صبح بنا أتينا
وبالصباح عولوا علينا
وقد سمعه النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له النبي بالرحمة، وكان دعاؤه يعني عند الصحابة أن ينال الشهادة وتجب له الجنة.(كانت تلك من معجزات النبي)(فتح الباري) .
وفي رواية، أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار موقعًا للعسكرة فيه، فأتاه حُبَاب بن المنذر، فقال : يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله، أم هو الرأي في الحرب ؟ قال : "بل هو الرأي" فنصحه الصحابي بمكان يبتعد عن حصن النطاة الذي يجمع مقاتلي خيبر، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم رأيه وهو ما يفيد قيمة الشورى العظيمة. (أحكام القرآن لابن العربي)
الرعب يدب بصدور خيبر
أتى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه خيبر ليلًا فنام أمامها ثم ركب إليها صبًحا للقتال وكانت تلك من عاداته إذا جاء قرية يغزوها ( رواه البخاري).
وقد صفّ النبي جنودَه ودعا قائلًا : «اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها.. أقدموا بسم الله وسار الجيش أربعة أيام إلى أن وصلوا خيبر».(ابن اسحاق)
صلى المسلمون الفجر يؤمهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما وصلوا واديًا يُقال له الرجيع، وكان بين اليهود وبني غطفان، احتشد لهم محاربو غطفان (حلفاء اليهود) لكن يشاء الله أن يسمعوا صوت أهلهم فيفروا عن ملاقاة المسلمين ظنًا أنهم قد أجهزوا عليهم، وبهذا تركوا الطريق مفتوحًا لخيبر؛ فكفى الله المؤمنين مؤونة قتالهم.(ابن هشام)
ولما جاء الصباح، خرج يهود خيبر كعادتهم إلى زروعهم بمساحيهم ومكاتلهم (معدات زراعية) فلما رأوا النبي قالوا: محمد والخميس( تعني والجيش) فزعًا، فقال النبي ﷺ: «الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» (رواه البخاري)
وبهذا حقق النبي صلى الله عليه وسلم عنصر المفاجأة وألقى الله الرعب في قلوبهم وارتدوا هربًا إلى حصونهم.
وفي هؤلاء نزل قول الله تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)[الحشر: ١٣ : ١٤]
ولما شاهد اليهودُ المسلمين، أشار زعيمهم سلام بن مشكم أن يدخلوا أموالهم وعيالهم في حصنين، وذخائرهم في آخر "الناعم"، ودخلت أهل الحرب حول حصن يسمى (النطاة) (سيرة ابن هشام).
حصار الخندق .. وراية علي
حاصر المسلمون حصون اليهود حصارًا شديدًا، امتدَّ لأيام، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم شحذ همة أصحابه فقال ﷺ في ليلة القتال: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»(رواه البخاري).
بات الصحابة يتمنون نيل هذا الشرف، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم اختار لها علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-، وقد رأى رمدًا شديدًا في عينيه فبصق فيهما (كانت تلك من معجزاته) ودعا له فبرأ بإذن الله.(رواه البخاري)
وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم راية للصحابي الحباب بن المنذر،ودفع راية أخرى لسعد بن عبادة رضي الله عنهم.
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرغب بسفك الدماء ولا جني الغنائم؛ وإنما تبليغ الدعوة، ولهذا حين سأله ابن أبي طالب هل يقاتلهم كي يكونوا مسلمين حقًا، أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « انْفُذْ على رِسْلِكَ حتى تَنْزِلَ بساحَتِهِم، ثمَّ ادعُهُم إلى الإِسلامِ، وأخْبِرْهُم بما يَجِبُ عليهِم [من حقِّ اللهِ فيهِ]، فواللهِ؛ لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رَجُلاً [واحداً] خيرٌ لكَ مِن أن تكونَ لك حُمْرُ النَّعَمِ» أي أجود الإبل وكانت أثمن هدية عند العرب (رواه البخاري) .
الزحف الإسلامي لخيبر وبداية النصر
لم يستجب اليهود لدعوة علي بن أبي طالب بالدخول في الإسلام، وأصروا على القتال.
في ذلك الزمان، كانت عادة الحروب أن يفتتح القتال بمبارزة فارس من كل فريق؛ فخرج الملك اليهودي مرحب ، وكان رجلاً عملاقًا ضخم الجثة، وتطوع للخروج أمامه عامر بن الأكوع، واستشهد الأخير متأثرًا بضربة قوية في ركبته من مرحب.
ولما شاهد الصحابة واقعة عامر قال بعضهم "قد قتل نفسه"!، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه ثم قال: «إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ،قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ» (رواه البخاري).
ظل الملك مرحب يفخر بنفسه منشدًا:
أنا الذي سمتني أمي مرحب ** شاكِي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب ** وأحجمت عن صولة المغلب
فبرز إليه علي كرم الله وجهه وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ** كليث غابات شديد القسورة أوفيهم بالصاع كيل السندرة
أي: اقتل الأعداء قتلاً واسعاً
وتقدم علي - رضي الله عنه - إلى مرحب فعلاه بالسيف فقطع رقبته، وسقط حصن «ناعم» الشديد، فكان كلما فتح المسلمون حصنًا بعده فر اليهود للآخر.
بعد ذلك خرج أخو مرحب -وكان اسمه ياسرًا وكان يريد الثأر لأخيه، فواجهه الزبير بن العوام، واستطاع أن يقتله، وكان ذلك بداية الانتصار للمسلمين.
أزمة جوع الصحابة في خيبر
ازداد الجوع على الصحابة خلال القتال، فقام بعض رجال الجيش الإسلامي بذبح بعض الحمير للأكل، ولم يكن الأمر محرمًا على المسلمين في ذلك الوقت، فلما رأى النبي القدور المنصوبة قال «لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِقُوهَ (أي: اسكبوها ) فامتثلوا جميعًا» (الرحيق المختوم)
ولما أصاب المسلمين بخيبر الجهد أتى بعضهم رسول الله يطلبون شيئا يقتاتون منه فلم يجد ما يعطيهم، ولكنه دعا ربه، فغدا الناس وفتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر كان أكثر طعاما وودكا منه (سيرة ابن هشام).
كيف فتح المسلمون خيبر؟
كما رأينا خضع حصن الصعب بن معاذ المنيع للمسلمين، وكان من أغناها بالطعام والشراب، فكان قوة وزادًا لهم لاستكمال الحرب.
انتقل المسلمون بعدها لقلعة الزبير وهو الحصن الثالث(بعد الناعم وصعب) وكان حصنًا منيعًا فوق قمة جبل يصعب الوصول إليه، ودام حصاره ثلاثة أيام، ثم ألقى الله الرعب في قلب رجل من اليهود فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الأمان وقد أفشى سر أهله بأن لهم عيونًا في الأرض يشربون منها ويتقوون، وبالفعل قطع المسلمون عنهم المياه فاضطروا للخروج للقتال، واستمر القتال حتى انتصر المسلمون.(الرحيق المختوم عن كتب المغازي)
وبعد فتح قلعة الزبير، حاصر المسلمون قلعة "أبيّ" وقام مقاتلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو أبو دُجَانة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء.
أسرع أبو دجانة إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجري قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول.
وكان حصن النزار من أمنع الحصون ولذلك أقام اليهود فيه مع الذراري (الأولاد) والنساء، بينما كانوا قد أُخلوا منها في القلاع الأربعة السابقة.
وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وكان صعبًا لكونه يقع على جبل مرتفع وقاوم اليهود بشدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة. وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا به القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه.
ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخري، بل فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم.
وبهذا انفتحت حصون الشق الأول وهي ناحية النَّطَاة والشَّقِّ، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخري إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر (الرحيق المختوم وسيرة ابن هشام)
ثم تحول المسلمون إلى حصن القَمُوص: حصن بني أبي الحُقَيْق من بني النضير، وحصن الوَطِيح والسُّلالم، وجاءهم كل فَلِّ] الفِل: الجندي المنهزم [ كان انهزم من النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن.
واختلف الرواة هل جرى في تلك الحصون قتال كما يقول ابن اسحاق أم رضخت بعد التفاوض كما يقول الواقدي.
وقد فرض المسلمون عليها الحصار ١٤ يومًا، حتى همّ النبي صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم الصلح.
يهود خيبر يطلبون الصفح
أرسل ابن أبي الحُقَيْق إلى النبي ﷺ: أنزل فأكلمك؟ قال ﷺ: (نعم)، فنزل، وصالح على حقن دماء مَنْ في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها تاركين أموالهم إلا شيئا من الملبس على أجسادهم، فصالحوه على ذلك ، وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر .
وذكر ابن القيم أن النبي محمدًا ﷺ أمر بقتل ابن أبي الحقيق، بتهمة إخفاء المال (كنز بنو النضير) وكان محمد بن مسلمة هو من قتله جزاء قتله أخيه خلال الحصار، وقد سبى النبي محمد ﷺ صفية بنت حيي بن أخطب، واصطفاها بأمر من الله لنفسه.
معجزة الشاة المسمومة
ظل اليهود على غدرهم برغم التساهل معهم والكف عن قتلهم؛ فقد أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم- وهو ممن قُتل في الحرب- شاة مشوية مسممة.
تناول النبي ﷺ من ذراع الشاه(كانت اليهودية قد شددت السم فيه)، فلاك منها قطعة فلم يسغها، وأكل الصحابي بشر بن البراء فمات، وأما رسول الله ﷺ فلفظها وقال: « إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم » (رواه البخاري) (كانت تلك من معجزات النبي في خيبر)
وقد جمع النبي ﷺ اليهود وسألهم عن النار وأهلها، فقالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفوننا، فقال:« كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم سألهم عمن وضع السم في طعامه».(البخاري)
اعترفت السيدة أمام النبي ﷺ بفعلتها، ولما سألها علة فعلتها قالت: إن كان كذابا استرحنا منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها، ومات الصحابي بشر من أكلته هذه.
ويروى أن النبي قتلها به قصاصا (السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة) كما يروى أنها أسلمت ولهذا لم يقتلها. (فقه السيرة للبوطي ).
وهكذا نجى الله نبيّه من غدر هذه اليهودية، كما نجّاه من غدرهم وهمهم بقتله فيما قبل، ولم يزل أثر هذا السم يعاود النبي ﷺ كل عام حتى اختاره الله لجواره، ففي صحيح البخاري عن النبي ﷺ قال: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري [عرق متصل بالقلب]» .
زواج النبي بالسيدة صفية
كان في السبي اليهودي صفية بنت حيي بن أخطب (زوجة زعيم اليهود الذي قتله المسلمون) فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه.
دعا النبي صفية إلى الإِسلام فأسلمت، فأعتقها رسول الله ﷺ وجعل عتقها صداقها، وبنى بها، وأولم عليها بالتمر والسمن، ولم يكن في وليمتها لحم قط (رواه البخاري).
ولما دخل رسول الله ﷺ على صفية وجد في وجهها خضرةً، فلما سألها قصت له رؤيا حق قد رأتها في منامها قبل فترة فقالت: رأيت كأن القمر زال من مكانه فوقع في حجري، فذكرت ذلك لزوجي ابن أبي الحقيق اليهودي، فلطمني على وجهي؛ وقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة- يقصد رسول الله، وأنا والله يا رسول الله لا أذكر من أمرك شيئاً [أي كانت البشارة بزواجها قبل أن تعرفه]
تقسيم مغانم خيبر
قسم رسول الله ﷺ المغانم الكثيرة التي غنمها من يهود خيبر كما أمره الله تعالى، ويدل على خيرها ما رواه ابن عمر قال «ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وقول عائشة رضي الله عنها «الآن نشبع من التمر» (رواه البخاري) وضرب النبي بسهم لمهاجري الحبشة (جعفر بن أبي طالب وصحبه) .
قسم النبي أرض خيبر على ٣٦ سهمًا، كل منها به مائة سهم، فكان للنبي محمد ﷺ والمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الآخر لنوائب المسلمين وما يتنزل بهم.
ومن حكمة النبي أن الـ١٨٠٠ سهم هي عدد من شاركوا في غزوة الحديبية يضاف لهم نصيب الفرسان الـ٢٠٠ بواقع سهمين إضافيين لكل منهم!(زاد المعاد لابن القيم ) .
أ
راد النبي ﷺ أن يجلي اليهود من خيبر، ولكنه انتهى لإجابة طلب اليهود في زراعة الأرض والقيام عليها، خاصة وأن المسلمين لم يكن لهم عهد بالزراعة، ومنحهم النبي ﷺ شطرًا من كل زرع وثمر، وأمر على ذلك عبدالله بن رواحة.
ولما رجع النبي ﷺ إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل(زاد المعاد لابن القيم )
النبي يعيد التوراة لليهود
كان من إحسان النبي ﷺ معاملة يهود خيبر؛ وقد أمر بتسليمهم عدة صحف من التوراة غنمها المسلمون خلال الغزوة، ولم يصنع النبي ﷺ ما صنع الرومان حينما فتحوا أورشليم وأحرقوا الكتب (حياة محمد لهيكل) .
ومن رحمته ﷺ أنه قد رأى بلالًا يمر بامرأتين يهوديتين على قتلى رجالهما فقال له «أنزعت منك الرحمة ؟!» (البداية والنهاية لابن كثير ) .
مسلمات شاركن في خيبر:
شهد خيبر عشرون امرأة، منهن: أم المؤمنين أم سلمة، وصفية بنت عبد المطلب، وأم أيمن، وقد وضع النبي ﷺ لهن من الفيء .
وروت أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار جاءت النبي ﷺ تطلب أن تخرج نسوة من بني غفار للجهاد ومداواة الجرحى، فقال ﷺ: على بركة الله، وقد أصابها خلال المعركة دم حيضة فنصحها نبي الله ﷺ بطرح الملح على ما أصابت حقيبة رحلها من دم، وقلدها قلادة، كانت لا تخلعها حتى ماتت (من رحمته ورفقه بالنساء صلوات الله عليه) (سيرة ابن هشام).
عجائب شهداء خيبر
قاتل النبي ﷺ أهل خيبر، وقاتلوه أشدّ القتال، واستشهد من المسلمين ١٥، وقتل من اليهود ٩٣
عامر بن الأكوع: تنبأ رسول الله كما رأينا باستشهاده ودخوله الجنة، وكان ذلك في الطريق إلى خيبر.
رجل صدق الله: هو أعرابي قسم له النبي ﷺ قسمة بالحرب، فجاء النبي ﷺ يقول: ما على هذا اتبعتك، ولكن على أن أرمى ها هنا، وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت فأدخل الجنة، فقال النبي:« إن تصدق الله يصدقك، ثم نهض الصحابي إلى قتال العدو، فأُتي به إلى النبي ﷺ، وهو مقتول، فقال: «أهو؟» قالوا: نعم. قال: «صدق الله فصدقه». فكفنه النبي ﷺ في جبته، ثم قدمه، فصلى عليه، وكان من دعائه له: «اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، قُتل شهيدًا، وأنا عليه شهيد».(رواه النسائي).
دخل الجنة بلا سجدة: هو عبد أسود حبشي من أهل خيبر، كان يرعى غنم سيده، وقد أخبر النبي ﷺ بحشد اليهود سلاحهم ضده، وشهد بأن لا إله إلا الله وأنه نبي الله حين قال له النبي «لك الجنة إن مت على ذلك». ونصحه النبي ﷺ بترك الغنم وقد أرجعها الله لسيدها، وشاء أن يكون الغلام شهيدًا بين قتلى خيبر.
ومن معجزات النبي في غزوة خيبر أنه أخبر بأن رجلا من الذين خرجوا معه من أهل النار.وقد قاتل الرجل أشد ما يكون القتال، وكثرت به الجراحات ولكنه للأسف أخرج بيده سهما نحر بها نفسه لإنهاء الألم، فلما أخبروا النبي بانتحاره قال: «قم يا فلان فأذن في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن».ثم قال الرسول : «إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر» (رواه البخاري)
ما نُهي عنه في خيبر
في غزوة خيبر نهى النبي ﷺ عن أكل الحمار الأهلي (أبي داود)، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وأن توطأ الحبالى حتى يضعن(من الأسرى)، وعن أن تباع السهام حتى تقسم، وأن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها. ولعن يومئذ الواصلة والموصلة، والواشمة والموشومة، والخامشة وجهها، والشاقة جيبها، وحرم لحوم البغال وكل ذي مخلب من الطيور، وحرم المجثّمة والخليسة، والنّهبة، ونهى عن قتل النساء (إمتاع الأسماع نقلا عن البخاري وغيره).
- انتصر المسلمون في المعركة وكانت بذلك نهاية النفوذ اليهودي في الجزيرة العربية، وتمهيدًا لفتح مكة المبين وما بعده.
- طلب اليهود الصفح وتركهم النبي ﷺ يزرعون الأرض وقسم لهم جزء من ريعها.
- وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ٩٣ رجلًا، واستشهد من المسلمين نحو ١٥ رجلًا.
- كانت مغانم الغزوة كبيرة فجميع أرض خيبر الغنية صارت ملكًا للمسلمين .
- ومن النتائج أيضا زواج النبي ﷺ بالسيدة صفية رضي الله عنها
- العزم على الجهاد لإعلاء كلمة الله(خرج الصحابة بعد شهر واحد من غزوة الحديبية)
- الانتصار يستوجب الإخلاص (منع النبي ﷺ خروج المخلفين الراغبين بالغنائم وليس الجهاد)
- عدل النبي ﷺ حيث قسم ﷺ الغنائم بالعدل ولم ينس مهاجري الحبشة وأبقى لنوائب المسلمين
- رحمة النبي ﷺ بأصحابه (كان النبي يلاطف جنوده ويحمسهم ويدعو لهم بالنصر وقد أخذته الشفقة بهم لجوعهم فدعا أيضا، وقد كفن شهيدًا بثوبه)
- التحمل والصبر سبيلا للفوز بالجنة (كانت خيبر مدرسة للصبر فقد واجه الصحابة حصونًا منيعة فوق الجبال وهم جائعون حتى فتح الله عليهم)
- اليهود أهل خيانة حتى بأنفسهم (ترك كثير من اليهود الحصون بالنساء والذرية للمسلمين!)
- مكانة المرأة في الإسلام (خرجت النساء لأعمال التطبيب في خيبر)
- حزم النبي (كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الحزم والرحمة؛ فلما رأى غدر ابن أبي الحقيق وإخفائه المال أمر بقتله، ولم يترك لليهود غير ذريتهم في خيبر جزاء الخيانة)