وكانت غزوة خيبر في صفر سنة سبع، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، مشى ثلاثة أيام. وقيل: سميت بخيبر بن قانية بن هلال بن مهلهل بن عبيل بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح [ (1) ] : وكان عثمان بن عفان مصرّها.
,
ويقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال ربيع الأول. ونقل عن الإمام مالك أن خيبر كانت في سنة ست. وإليه ذهب أبو محمد بن حزم، والجمهور على أنها كانت في سنة سبع، وأمر أصحابه بالتهيّؤ للغزو، واستنفر من حوله يغزون معه. وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبيّة ليخرجوا معه رجاء الغنيمة،
فقال: لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، وأما الغنيمة فلا.
وبعث مناديا فنادى: لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد. واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ، وقيل: أبا ذر، وقيل: نميلة بن عبد اللَّه الليثي.
,
ثم دفع إليه اللواء، ودعا له ومن معه بالنصر. وكان أول من خرج إليه الحارث أبو زينب- أخو مرحب- فانكشف المسلمون وثبت علي، فاضطربا ضربات فقتله عليّ، وانهزم اليهود إلى حصنهم.
,
واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مغانم خيبر فروة بن عمرو بن وذفة [ (5) ] بن عبيد ابن عامر بن بياضة البياضي الأنصاري، فلم يخمس الطعام والأدم والعلف، بل أخذ
__________
[ () ] (معالم السنن) ج 4 ص 649 «وفي الحديث دليل على إباحة أكل طعام أهل الكتاب، وجواز مبايعتهم ومعاملتهم، مع إمكان أن يكون في أموالهم الربا ونحوه من الشبهة» .
[ (1) ] في (خ) «اختلف» .
[ (2) ] وفي (الشفا) للقاضي عياض ج 1 ص 268، 269: « ... قال: فأمر بها فقتلت،
وقد روى هذا الحديث أنس، وفيه قالت: أردت قتلك فقال: ما كان اللَّه ليسلطك على ذلك، فقالوا: نقتلها، قال:
لا. وكذلك روى عن أبي هريرة من رواية غير وهب، قال: فما عرض لها، ورواه أيضا جابر بن عبد اللَّه، وفيه: أخبرني به هذه الذراع، قال: ولم يعاقبها، وفي رواية ابن إسحاق وقال فيه: فتجاوز عنها،
وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتل اليهودية التي سمته، وقد ذكرنا اختلاف الروايات في ذلك عن أبي هريرة وأنس وجابر، وفي رواية ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها» .
[ (3) ] العداد: اهتياج وجع اللديغ بعد سنة (ترتيب القاموس) ج 3 ص 170.
[ (4) ] الأبهر: وريد العنق (المرجع السابق) ج 1 ص 231.
[ (5) ] في (خ) «ودفة بن عميل» والصواب ما أثبتناه من كتب السيرة.
الناس منه حاجتهم. وكان من احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم ثم رده [ (1) ] إليه.
فلما اجتمعت المغانم كلها جزأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، وسائر السهمان أغفال. وكان أول سهم خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لم يتخير في الأخماس. ثم أمر ببيع الأخماس الأربعة فيمن يزيد، فباعها فروة ابن عمرو، ودعا فيها صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة فقال: اللَّهمّ ألق عليها النّفاق! - فتداك الناس عليها حتى نفق في يومين، وكان يظن أنهم لا يتخلصون منه حينا لكثرته. فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خمسه ما أراد اللَّه: فأعطى أهله، وأعطى رجالا من بني عبد المطلب ونساء، وأعطى اليتيم والسائل.
وجمعت مصاحف فيها التوراة، ثم ردّت على يهود.
,
وهمّ المسلمون أن يدخلوا جعفرا ومن قدم معه في سهمانهم ففعلوا، وقدم الدوسيون، فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو وأصحابهم، ونفر من الأشعريين، فكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه [ (3) ] فيهم أن يشركوهم في الغنيمة، فقالوا: نعم، يا رسول اللَّه.
,
وشهد خيبر عشرون امرأة، منهن: أم المؤمنين أم سلمة، وصفية بنت عبد المطلب، وأم أيمن، وسلمى امرأة أبي رافع مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وامرأة عاصم بن عدي، [وولدت بخيبر سهلة بنت عاصم] ، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وأم منيع وهي أم شباث، وكعيبة بنت سعد الأسلمية، وأم مطاوع الأسلمية، وأم سليم بنت ملحان، وأم الضحاك بنت مسعود الحارثية، وهند بنت عمرو بن حرام، وأم العلاء الأنصارية، وأم عامر الأشهلية، وأم عطية الأنصارية، وأم سليط، وأمية بنت قيس الغفارية، فرضخ لهن [ (1) ] من الفيء ولم يسهم لهن. وولدت امرأة عبد اللَّه بن أنيس فأحذاها ومن ولدته.
,
وولي إحصاء الناس بخيبر زيد بن ثابت، فقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينهم الغنائم:
__________
[ (1) ] رضخ له: أعطاه عطاء يسيرا.
[ (2) ] في (سنن الدارميّ) ج 2 ص 325، 326: «عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهمين» .
[ (3) ] الهجين من الخيل: ما كانت أمه غير عربية، وهو عيب يعاب به.
[ (4) ] العراب: من الخيل الأصيل.
وهم ألف وأربعمائة، والخيل مائتا فرس. وكانت السهمان التي في النطاة والشق على ثمانية عشر سهما. وكان من كان فارسا له في ذلك ثلاثة أسهم فوضى لم تحد ولم تقسم، إنما لها رءوس مسمون، لكل مائة رأس يقسم على أصحابه ما خرج من غلتها.
,
ولما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، ساقى [ (1) ] يهود على الشطر من الثمر والزرع، وكان يزرع تحت النخل، وكان يبعث عبد اللَّه بن رواحة يخرص [ (2) ] عليهم النخل، ويقول إذا خرص، إن شئتم [فلكم] [ (3) ] ، وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم فلنا، ونضمن لكم ما خرصت. وخرص عليهم أربعين ألف وسق [ (4) ] . فلما قتل ابن رواحة بمؤتة «خرص عليهم أبو الهيثم بن التّيهان، وقيل: جبار بن صخر، وقيل: فروة بن عمرو.
,
واستشهد بخيبر خمسة عشر رجلا: أربعة من المهاجرين، والبقية من الأنصار.
فقيل: صلى عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: لم يصل عليهم.
وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا، وأعطى صلّى اللَّه عليه وسلّم جبل [ (6) ] بن جوال الثعلبي كل داجن بخيبر، وقيل: إنما أعطاه كل داجن [ (7) ] في النطاة، ولم يعطه من الكتيبة ولا من الشق شيئا.
,
وفي غزاة خيبر نهى صلّى اللَّه عليه وسلّم: عن أكل الحمار الأهلي [ (8) ] ، وعن أكل كل ذي
__________
[ (1) ] المعاملة: المساقاة في كلام فقهاء العراق.
[ (2) ] في (خ) «وكان» .
[ (3) ] وجف: ضرب من سير الخيل والإبل (ترتيب القاموس) ج 4 ص 578.
[ (4) ] نوى: جمع نواة.
[ (5) ] في (خ) «وقسم بينهم ذي القربى» .
[ (6) ] في (خ) جبلة.
[ (7) ] الداجن: الحمام والشاة وغيرها ألفت البيوت (ترتيب القاموس) ج 2 ص 152.
[ (8) ] (سنن أبي داود) ج 4 ص 164 حديث رقم 3811.
ناب من السباع [ (1) ] ، وأن توطأ الحبالى حتى يضعن، وعن أن تباع السهام حتى تقسم [ (2) ] ، وأن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها [ (3) ] . ولعن يومئذ الواصلة والموصلة [ (4) ] ، والواشمة والموشومة [ (4) ] ، والخامشة وجهها [ (5) ] ، والشاقة جيبها [ (6) ] ، وحرم لحوم البغال وكل ذي مخلب من الطيور، وحرم المجثّمة [ (7) ] والخليسة [ (8) ] ، والنّهبة [ (9) ] ، ونهى عن قتل النساء.
,
وقدم عباس بن مرداس السلمي مكة، فخبّر أن محمدا سار إلى خيبر، وأنه لا يفلت. فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس. وضوى معه نفر، وقال حويطب بن عبد العزّى: إن محمدا سيظهر [ (10) ] . ووافقه جماعة، فتخاطر [ (11) ] مائة بعير. فلما جاء الخبر بظهور [ (10) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ حويطب وحيّزه [ (12) ] الرهن.
وكان الّذي جاءهم بذلك علاط السّلمي [بن ثويرة بن حنثر بن هلال بن عبيد ابن ظفر بن سعد بن عمرو بن تيم بن بهز] [ (13) ] بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم ابن منصور، وقد أسلم بخيبر. [وكان قد استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأتي مكة،
__________
[ (1) ] (المرجع السابق) ج 4 ص 159، 160 حديث رقم 3802، 3805.
[ (2) ] (سنن الدارميّ) ج 2 ص 226، 227.
[ (3) ] (سنن أبي داود) ج 3 ص 669 حديث رقم 3373.
[ (4) ]
(سنن أبي داود) ج 4 ص 396 باب صلة الشعر حديث رقم 4168 «لعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة» وأخرجه البخاري في اللباس باب تحريم فعل الواصلة، والترمذي في اللباس حديث 1814 باب ما جاء في مواصلة الشعر، وسنن النسائي ص 145 في الواصلة والمستوصلة، ص 147 في المتوشمات.
[ (5) ] خمش وجهه: خدشه ولطمه وضربه (ترتيب القاموس) ج 2 ص 109.
[ (6) ] (سنن النسائي) ج 4 ص 2، 21 باب ضرب الخدود، وشق الجيوب.
[ (7) ] المجثمة: هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في الأرض: أي يلزمها ويلتصق بها. (النهاية) ج 1 ص 239.
[ (8) ] في (خ) «الخلسة» والخليسة: وهي ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى، من خلست الشيء واختلسته إذا سلبته، وهي فعيلة بمعنى مفعولة (النهاية) ج 2 ص 61.
[ (9) ] النّهبة: ما ينهب من الشيء.
[ (10) ] من الظهور: وهو النصر والغلبة.
[ (11) ] تخاطرا: تراهنا.
[ (12) ] في (خ) «وجيزة» والحيزة: الناحية.
[ (13) ] في (خ) بعد «السلمي» ما نصه: «بن عمرو بن زهير بن امرئ القيس ... » وصواب النسب ما بين القوسين.
وكان له بها مال وأهل، وتخوّف إن علمت قريش بإسلامه أن يذهبوا بماله، فأذن له رسول اللَّه أن يأتي مكة] [ (1) ] ليجمع ماله.
,
ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزوة خيبر في صفر سنة سبع، وقيل: كانت في سنة ست، فحاصر اليهود حتى غنّمه اللَّه ديارهم، وأموالهم، ومضى منها إلى وادي القرى، فقابل يهود، وأخذها عنوة، وانصرف بعد ما أقام بوادي القرى أربعة أيام، فقدم المدينة، [واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ] [ (1) ] .
[أخرج البخاري من حديث أبى هريرة قال: شهدنا خيبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لرجل ممن معه يدّعى الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها سهما فنحر نفسه، فاشتدّ رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه، صدّق اللَّه حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه، فقال: قم يا فلان فأذّن لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر] [ (2) ] .
[وقاتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل خيبر، وقاتلوه أشدّ القتال، واستشهد من المسلمين خمسة عشر، وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون، وفتحها اللَّه حصنا حصنا، وهي: النطاة، وحصن الصعب، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشق، وحصن أبىّ، وحصن البريء، والقموص، والوطيح،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة.
[ (2) ] رواه البخاري برقم (4203) .
والسلام، وهو حصن بنى أبى الحقيق] [ (1) ] .
[وأخذ كنز آل بنى الحقيق الّذي كان في مسك [جلد] الحمار، وكانوا غيبوه في خربة، فدل اللَّه رسوله عليه فاستخرجه] [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (المواهب اللدنية) : 4/ 517- 524 مختصرا.