قال ابن عقبة، وابن إسحاق: ولمّا قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة من الحديبية- زاد ابن إسحاق في ذي الحجة- مكث بها عشرين ليلة أو قريبا منها، ثم خرج غاديا إلى خيبر- زاد ابن إسحاق في المحرم- وكان الله- عز وجل- وعده إيّاها وهو بالحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة، فأعطاه الله- تعالى- فيها خيبر: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح 20]- خيبر.
قال محمد بن عمر: أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أصحابه بالخروج فجدّوا في ذلك، واستنفر من حوله ممّن شهد الحديبية يغزون معه، وجاءه المخلّفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة،
فقال: «لا تخرجوا معي إلّا راغبين في الجهاد، فأمّا الغنيمة فلا» .
قال أنس- رضي الله عنه-: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة- رضي الله عنه- حين أراد الخروج إلى خيبر: «التمسوا إليّ غلاما من غلمانكم يخدمني» فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام، قد راهقت، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا نزل خدمته-، فسمعته كثيرا ما يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال» رواه سعيد بن منصور.
[ (1) ]
واستخلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على المدينة. قال ابن هشام: نميلة أي بضم النون، وفتح الميم، وسكون التحتية، ابن عبد الله الليثي. - كذا قال والصحيح سباع- بكسر السين بن عرفطة- بعين مهملة مضمومة فراء ساكنة ففاء مضمومة، فطاء مهملة كما رواه الإمام أحمد، والبخاري في التاريخ الصغير، وابن خزيمة، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة- رضي الله عنهم [ (2) ] .
وأخرج معه أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها.
ولمّا تجهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس شق على يهود المدينة الّذين هم موادعو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعرفوا أنّه إن دخل خيبر أهلك أهل خيبر، كما أهلك بني قينقاع، والنّضير وقريظة. ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حقّ إلا لزمه.
وروى محمد بن عمر عن شيوخه، وأحمد، والطبراني عن ابن أبي حدرد بمهملات
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 177 (6363) ، وأحمد في المسند 3/ 159 والنسائي 8/ 274، والبيهقي 9/ 125.
[ (2) ] أخرجه البخاري في التاريخ الصغير 1/ 43، والبيهقي قي الدلائل 4/ 198.
وزن جعفر- بسند صحيح أنه كان لأبي الشّحم اليهودي خمسة دراهم، ولفظ الطبراني: أربعة دراهم في شعير أخذه لأهله فلزمه. فقال: أجّلني فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقّك إن شاء الله، قد وعد الله- تعالى- نبيه أن يغنمه خيبر، فقال أبو الشّحم حسدا وبغيا: أتحسبون أنّ قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب، فيها- والتّوراة- عشرة آلاف مقاتل،
وترافعا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم: «أعطه حقّه» قال عبد الله: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها قال: أعطه حقه. قال وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا قال ثلاثا لم يراجع.
قال عبد الله: فخرجت فبعت أحدا ثوبي بثلاثة دراهم، وطلبت بقية حقّه فدفعت إليه ولبست ثوبي الآخر. وأعطاني ابن أسلم بن حريش بفتح الحاء وكسر الراء وبالشين المعجمة ثوبا آخر [ (1) ] .
ولفظ الطّبراني: فخرج به ابن أبي حدرد إلى السّوق وعلى رأسه عصابة وهو يأتزر بمئزر، فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر منّي هذه، فباعها منه بالدراهم فمرتّ عجوز فقالت: مالك يا صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأخبرها، فقالت: هادونك هذا البرد، فطرحته عليه، فخرجت في ثوبين مع المسلمين، ونفلني الله- تعالى- من خيبر، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة، فبعتها منه.
وجاء أبو عبس- بموحدة- ابن جبر- بفتح الجيم وسكون الموحدة، فقال يا رسول الله ما عندي نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه، فأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شقة سنبلانيّة: جنس من الغليظ شبيه بالكرباس.
قال سلمة: خرجنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فاغفر فداء لك ما اتّقينا ... وألقين سكينة علينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا ... إنّا إذا صيح بنا أتينا
وبالصّياح عوّلوا علينا
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من هذا السّائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال: «يرحمه الله» وفي رواية «غفر لك ربك» .
قال: وما استغفر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لإنسان يخصّه إلّا استشهد.
فقال عمر- وهو على جمل: وجبت يا رسول الله: لولا أمتعتنا بعامر [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه أحمد في المسند 3/ 423 والطبراني في الصغير (234) وانظر المجمع 4/ 129 وقال رجاله ثقات إلا إن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة فيكون مرسلا صحيحا.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 530 (4196) وأخرجه مسلم 3/ 1427 (123/ 1802) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 201.
روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي أمامة، والبيهقي عن ثوبان- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في غزوة خيبر: «من كان مضعّفا أو مصعّبا فليرجع» . وأمر بلالا فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على صعب، فمر من اللّيل على سواد فنفر به فصرعه فلما جاءوا به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما شأن صاحبكم؟» فأخبروه، فقال: «يا بلال، ما كنت أذّنت في الناس، من كان مضعّفا أو مصعّبا فليرجع» ؟ قال: نعم. فأبى أن يصلي عليه. زاد البيهقي، وأمر بلالا فنادى في الناس «الجنة لا تحل لعاص» ثلاثا
[ (1) ] .
قال محمد بن عمر: وبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الطريق في ليلة مقمرة إذ أبصر رجلا يسير أمامه عليه شيء يبرق في القمر كأنه في شمس وعليه بيضة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«من هذا» ؟ فقيل: أبو عبس بن جبر فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أدركوه قال: فأدركوني فحبسوني، فأخذني ما تقدم وما تأخر، فظننت أنّه قد أنزل في أمر من السماء، فجعلت أتذكّر ما فعلت حتى لحقني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما لك تقدّم النّاس لا تسير معهم» ؟ قلت: يا رسول الله: إنّ ناقتي نجيبة، قال: فأين الشّقيقة التي كسوتك» قلت يا رسول الله: بعتها بثمانية دراهم، فتزودت بدرهمين وتركت لأهلي درهمين، وابتعت هذه البردة بأربعة دراهم،. فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء والذي نفسي بيده، لئن سلمتم وعشتم قليلا ليكثرنّ زادكم، وليكثرنّ ما تتركون لأهليكم ولتكثرنّ دراهمكم وعبيدكم وما ذلك لكم بخير» .
قال أبو عبس: فكان والله كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
قال سويد بن النعمان- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لمّا وصل إلى الصّهباء- وهي أدنى خيبر- صلّى العصر، ثمّ دعا بالأزواد، فلم يؤت إلّا بالسويق، فأمر به فثرّي فأكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأكلنا معه، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ.
رواه البخاري، [ (2) ] والبيهقي.
زاد محمد بن عمر: ثم صلى بالناس العشاء، ثم دعا بالأدلاء فجاء حسيل بن خارجة وعبد الله بن نعيم الأشجعي فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لحسيل: يا حسيل:
امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية حتى تأتي خيبر من بينها وبين الشام، فأحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان» فقال حسيل: أنا أسلك بك، فانتهى به إلى موضع له طرق، فقال: يا رسول الله إن لها طرقا تؤتى منها كلها. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «سمّها لي» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يحبّ الفأل الحسن والاسم الحسن، ويكره الطّيرة، والاسم القبيح، فقال: لها طريق يقال لها حزن، وطريق يقال لها: شاش، وطريق يقال لها حاطب، فقال
__________
[ (1) ] الطبراني في الكبير 7/ 227.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 529 (4195) .
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تسلكها» . قال: لم يبق إلا طريق واحد يقال له: مرحب، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم «أسلكها» .
ذكر دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أشرف على خيبر
روى ابن إسحاق عن أبي مغيث بن عمرو- رضي الله عنه- وهو بغين معجمة، وثاء مثلثة عند ابن إسحاق، وبعين مهملة مفتوحة ففوقية مشدّدة فموحدة عند الأمير، ومحمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما أشرف على خيبر، قال لأصحابه: «قفوا» فوقفوا.
فقال: اللهم رب السموات السّبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، وربّ الرّياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، أقدموا بسم الله» . وكان يقولها لكل قرية يريد دخولها. ورواه النسائي وابن حبان عن صهيب
[ (1) ] .
ذكر وصول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر
قال محمد بن عمر: ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلي المنزلة، وهي سوق لخيبر، صارت في سهم زيد بن ثابت- رضي الله عنه- فعرّس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بها ساعة من الليل، وكانت يهود لا يظنّون قبل ذلك إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعددهم، فلما أحسّوا بخروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا، ثم يقولون: محمّد يغزونا هيهات هيهات!! وكان ذلك شأنهم، فلما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي، والكرازين والمكاتل، فلمّا نظروا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ولّوا هاربين إلى حصونهم.
وروى الإمام الشافعي، وابن إسحاق، والشيخان من طرق عن أنس- رضي الله عنه- قال: سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فانتهى إليها ليلا، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا طرق قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح، فإذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم حتى يصبح، فصلينا الصّبح عند خيبر بغلس، فلم نسمع أذانا، فلما أصبح ركب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وركب معه المسلمون وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله- صلّى الله عليه وسلم- فانحسر عن فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإني لأرى بياض فخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإنّ قدمي لتمسّ قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
__________
[ (1) ] أخرجه ابن خزيمة (2565) والبخاري في التاريخ الكبير 6/ 472 والطبراني في الكبير 8/ 39، والبيهقي في الدلائل 4/ 204 وابن السني (518) .
وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم، فلمّا رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: محمّد والخميس. فأدبروا هربا.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورفع يديه: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»
[ (1) ] .
وروى الترمذي وابن ماجة والبيهقي، بسند ضعيف عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف، وتحته إكاف من ليف [ (2) ] .
قال ابن كثير: الذي ثبت في الصحيح، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- جرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار، قال: ولعلّ هذا الحديث- أن كان صحيحا- محمول على أنه ركبه في بعض الأيام، وهو محاصرها.
قال محمد بن عمر- رحمه الله- وجاء الحباب- بضم الحاء المهملة، وموحدتين ابن المنذر- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان من أمر أمرت به فلا نتكلم، وإن كان الرأي تكلّمنا. فقال- صلى الله عليه وسلم- «هو الرأي» فقال: يا رسول الله. دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، والنّزّ مع أنّ أهل النّطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم، ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون علينا، ينالنا نبلهم، ولا نأمن من بياتهم، يدخلون في خمر النخل فتحوّل يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى موضع بريء من النزّ ومن الوباء نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا تنالنا نبالهم ونأمن من بياتهم ونرتفع من النزّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «أشرت بالرّأي، ولكن نقاتلهم هذا اليوم»
[ (3) ] .
ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم بريئا من الوباء، نأمن فيه من بياتهم، فطاف محمد حتى أتى الرّجيع، ثم رجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله وجدت لك منزلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «على بركة الله»
[ (4) ] .
ذكر ابتدائه- صلى الله عليه وسلّم- بأهل النطاة
صفّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه ووعظهم وأنهاهم عن القتال حتى يأذن لهم، فعمد رجل من أشجع فحمل على يهودي وحمل عليه اليهودي فقتله،
فقال الناس: استشهد فلان،
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 2/ 89 (610، 2991) ، ومسلم 3/ 1426 (120/ 1365) .
[ (2) ] أخرجه الترمذي 3/ 337 (1017) وابن ماجة (4178) ، الحاكم في المستدرك 2/ 466 والبيهقي في الدلائل 4/ 204، وانظر الدر المنثور 6/ 111.
[ (3) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 2/ 109.
[ (4) ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9291) .
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «أبعد ما نهيت عن القتال؟. قالوا: نعم. فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مناديا فنادى في الناس «لا تحل الجنة لعاص» .
وروى الطبراني في الصغير عن جابر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يومئذ: «لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله تعالى العافية، فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهمّ أنت ربّنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت، ثمّ الزموا الأرض جلوسا، فإذا غشوكم فانهضوا، وكبّروا» ،
وذكر الحديث [ (1) ] .
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وفرّق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الرايات، ولم تكن الرّايات إلّا يوم خيبر، وإنما كانت الألوية.
وكانت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سوداء من برد لعائشة- رضي الله عنها- تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه إلى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم «يا منصور أمت» [ (2) ] .
وأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القتال، وحثّهم على الصّبر، وأوّل حصن حاصره حصن ناعم بالنّون، والعين المهملة، وقاتل- صلى الله عليه وسلّم- يومه ذلك أشدّ القتال، وقاتله أهل النّطاة أشد القتال، وترّس جماعة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ، وعليه- كما قال محمد بن عمر- درعان وبيضة ومغفر، وهو على فرس يقال له الظّرب، وفي يده قناة وترس.
وتقدم في حديث أنس: أنه كان على حمار فيحتمل أنّه كان عليه في الطريق، ثم ركب الفرس حال القتال. والله أعلم.
فقال الحباب: يا رسول الله لو تحولت؟ فقال: «إذا أمسينا- إن شاء الله- تحوّلنا» .
وجعلت نبل يهود تخالط العسكر وتجاوزه، والمسلمون يلتقطون نبلهم ثم يردّونها عليهم- فلما أمسى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحوّل إلى الرّجيع وأمر النّاس فتحوّلوا، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يغدو بالمسلمين على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم.
ذكر أخذ الحمى المسلمين ورفعها عنهم ببركته- صلّى الله عليه وسلم-
وروى البيهقي عن طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان الفهري وعن أبي قلابة وأبي نعيم، والبيهقي عن عبد الرحمن بن المرقع- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه
__________
[ (1) ] بنحوه أخرجه مسلم في الجهاد باب 6 رقم (20) ، وهو عند البخاري بنحوه أيضا في الصحيح حديث (7237) ، والدارمي 2/ 216 وعبد الرزاق (9513) (9518) وأبو داود في الجهاد باب 97.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 48 وذكره ابن حجر في المطالب (4202) والواقدي في المغازي 1/ 407.
- رحمهم الله تعالى- أن المسلمين لمّا قدموا خيبر أكلوا الثّمرة الخضراء وهي وبيئة وخيمة، فأكلوا من تلك الثمرة. فأهمدتهم الحمّى، فشكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «قرسوا الماء في الشّنان، فإذا كان بين الأذانين فاحدروا الماء عليكم حدرا، واذكروا اسم الله- تعالى» ففعلوا فكأنّما نشطوا من العقل [ (1) ] .
ذكر فتحه- صلى الله عليه وسلّم- حصن الصعب بن معاذ بن النطاة وما وقع في ذلك من الآيات
لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا وماشية ومتاعا منه، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أيّاما يقاتلون ليس عندهم طعام إلّا العلق.
وروى محمد بن عمر عن أبي اليسر كعب بن عمر- رضي الله عنه-: أنّهم حاصروا حصن الصّعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصنا منيعا، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من رجل يطعمنا من هذه الغنم» ؟ فقلت: أنا يا رسول الله فخرجت أسعى مثل الظّبي، وفي لفظ: مثل الظّليم، فلما نظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مولّيا قال: «اللهم متّعنا به» فأدركت الغنم
- وقد دخل أوّلها الحصن- فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء، حتى انتهيت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأمر بهما فذبحتا، ثم قسّمهما، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلّا أكل منهما، فقيل لأبي اليسر: كم كانوا؟ قال: كانوا عددا كثيرا.
وروى ابن إسحاق عن بعض من أسلم، ومحمد بن عمر- رحمه الله- عن معتّب- بكسر الفوقية المشددة- الأسلمى- رضي الله عنه- واللّفظ له، قال: أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر، وأقمنا عشرة أيام على حصن النّطاة لا نفتح شيئا فيه طعام، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة- بالحاء المهملة والثاء المثلثة، فقالوا ائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقل له: إن أسلم يقرئونك السّلام، ويقولون: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فقال بريدة بن الحصيب- بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين: والله إن رأيت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا، فقال زيد بن حارثة أخو أسماء: والله إني لأرجو أن يكون هذا البعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مفتاح الخير
فجاءه أسماء فقال: يا رسول الله إنّ أسلم تقرأ عليك السّلام، وتقول إنّا قد جهدنا من الجوع والضّعف، فادع الله لنا فدعا لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال:
__________
[ (1) ] أخرجه ابن أبي شيبة 7/ 454.
«والله ما بيدي ما أقوّيهم به، قد علمت حالهم، وأنّهم ليست لهم قوة، ثم قال: «اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها، أكثرها طعاما، وأكثرها ودكا» .
ودفع اللّواء إلى الحباب بن المنذر- رضي الله عنه- وندب النّاس، فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصّعب بن معاذ.
قالت أم مطاع الأسلمية- رضي الله عنها- لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ما شكوا من شدّة الحال، فندب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس فنهضوا، فرأيت أسلم أوّل من انتهى إلى حصن الصّعب بن معاذ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله- تعالى- وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه، وكان عليه قتال شديد.
برز رجل من يهود يقال به يوشع، يدعو إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات فقتله الحباب، وبرز له آخر يقال له الزّيال، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاريّ، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاريّ، فقال الناس «بطل جهاده» ، فبلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ذلك فقال: ما بأس به يؤجر ويحمد» .
وروى محمد بن عمر عن محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رمى بسهم فما أخطأ رجلا منهم، وتبسّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليّ، وانفرجوا ودخلوا الحصن.
وروى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- أنهم وجدوا في حصن الصّعب من الطّعام ما لم يكونوا يظنّون أنه هناك من الشّعير والتّمر والسّمن والعسل والزّيت والودك.
ونادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: كلوا واعلفوا ولا تحملوا، يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم.
ذكر محاصرته- صلى الله عليه وسلّم- حصن الزبير بن العوام- رضي الله عنه- الذي صار في سهمه بعد
روى البيهقي عن محمد بن عمر قال: لمّا تحولت يهود من حصن ناعم وحصن الصّعب بن معاذ إلى قلة الزّبير حاصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو حصن في رأس قلة، فأقام محاصرهم ثلاثة أيام، فجاء يهوديّ يدعى غزال فقال: يا أبا القاسم تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النّطاة وتخرج إلى أهل الشّق، فإن أهل الشّق قد هلكوا رعبا منك؟ فأمّنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهله وماله، فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، لهم دبول
تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد قتال [ (1) ] .
وقتل من المسلمين يومئذ نفر، وأصيب من اليهود في ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان هذا آخر حصون النّطاة.
فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من النّطاة تحوّل إلى الشّق.
ذكر انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى محاصرة حصون الشق وفتحها
روى البيهقي عن محمد بن عمر- رحمه الله- عن شيوخه- رحمهم الله- قالوا: لما تحوّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الشّق وبه حصون ذوات عدد، فكان أوّل حصن بدأ به حصن أبيّ، فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- على قلعة يقال لها سموان فقاتل عليها أهل الحصن، قتالا شديدا، وخرج رجل من يهود يقال له غزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاقتتلا فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب، فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزول، فبادر راجعا منهزما إلى الحصن، فتبعه الحباب، فقطع عرقوبه، فوقع فذفّف عليه، فخرج آخر، فصاح: من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش، فقتل الجحشيّ، وقام مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة، وقد عصب رأسه بعصابته الحمراء، فوق المغفر، يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة- رضي الله عنه- فضربه فقطع رجله ثم ذفّف عليه، وأخذ سلبه، درعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فنفله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأحجم اليهود عن البراز، فكبّر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحّموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا إلى حصن النّزال بالشّق، وجعل يأتي من بقي من فلّ النّطاة إلى حصن النّزال، فغلّقوه، وامتنعوا فيه أشدّ الامتناع، وزحف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليهم في أصحابه، فقاتلهم، فكانوا أشد أهل الشّق رميا للمسلمين بالنّبل والحجارة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- معهم حتى أصابت النّبل ثياب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلقت به، فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النّبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصى فحصب به حصنهم، فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض، حتى جاء المسلمون فأخذوا أهله أخذا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 224 والواقدي في المغازي 2/ 646.
[ (2) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 224 والواقدي 2/ 666.
ذكر انتقاله- صلى الله عليه وسلم- إلى حصون الكتيبة وبعثه السرايا لوجع رأسه وما وقع في ذلك من الآيات
لما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حصون النّطاة، والشّق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة، وأعظم حصونها القموص، وكان حصنا منيعا.
ذكر موسى بن عقبة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حاصره قريباً من عشرين ليلة، وكانت أرضا وخمة.
وروى الشيخان عن سهل بن سعد، والبخاريّ وابن أبي أسامة، وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع، وأبو نعيم، والبيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. وأبو نعيم عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وأبو ليلى، ومسلم، والبيهقي عن أبي هريرة، والإمام أحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي- رضي الله عنهم- قال بريدة- رضي الله عنه-: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- تأخذه الشّقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته الشّقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأرسل أبا بكر- رضي الله عنه- فأخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع، ولم يكن فتح. وقد جهد، ثم أرسل عمر- رضي الله عنه- فأخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، ولم يكن فتح. وفي حديث عن علي عند البيهقي: إن الغلبة كانت لليهود في اليومين [ (1) ] . انتهى.
فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة» وفي لفظ «يفتح الله علي يديه»
قال بريدة: فبتّنا طيّبة أنفسنا أن يفتح غدا، وبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجو أن يعطاها، قال أبو هريرة قال عمر: فما أحببت الإمارة قطّ حتى كان يومئذ [ (2) ] .
قال بريدة: فما منّا رجل له من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرّجل، حتى تطاولت أنالها، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منّة.
وفي حديث سلمة، وجابر: وكان عليّ تخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لرمد شديد كان به لا يبصر، فلما سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-!! فخرج
__________
[ (1) ] البيهقي في الدلائل 4/ 209.
[ (2) ] أخرجه البخاري 7/ 544 (4209) (4210) والبيهقي في الدلائل 4/ 205.
فلحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال بريدة: وجاء علي- رضي الله عنه- حتى أناخ قريبا، وهو رمد، قد عصب عينيه بشقّ برد قطري، قال بريدة: فما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- صلّى الغداة، ثمّ دعا باللّواء، وقام قائما. قال ابن شهاب: فوعظ الناس، ثم قال: «أين على» ؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» قال سلمة: فجئت به أقوده، قالوا كلهم: فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «مالك؟» قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدّامي. قال: «ادن مني» وفي حديث علي عند الحاكم: فوضع رأسي عند حجره، ثم بزق في ألية يده فدلك بها عيني، قالوا: فبرأ كأن لم يكن به وجع قط، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله، ودعا له وأعطاه الراية، قال سهل فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى- وحق رسوله. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» وقال أبو هريرة: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: «اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت» قال: علام أقاتل الناس؟ قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» فخرجوا، فخرج بها والله يؤج يهرول هرولة. حتى ركزها تحت الحصن فاطّلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي، فقال اليهودي غلبتهم والذي أنزل التوراة على موسى، فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه.
قال أبو نعيم: فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله- تعالى- على يديه.
ذكر قتل علي- رضي الله عنه- الحارث وأخاه مرحبا، وعامرا وياسرا فرسان يهود وسبعانها
روى محمد بن عمر عن جابر- رضي الله عنه- قال: أول من خرج من حصون خيبر- مبارزا- الحارث أخو مرحب في عاديته فقتله علي- رضي الله عنه- ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلا جسيما طويلا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حين برز وطلع عامر «أترونه خمسة أذرع؟» وهو يدعو إلى البراز، فخرج إليه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفّف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي ياسر ... شاكي السّلاح بطل مغاور
إذا اللّيوث أقبلت تبادر ... وأحجمت عن صولة المساور
إنّ حسامي فيه موت حاضر
قال محمد بن عمر: وكان من أشدّائهم، وكان معه حربة يحوس النّاس بها حوسا، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت ألا خلّيت بيني وبينه، ففعل،
فقالت صفيّة لمّا خرج إليه الزبير- رضي الله عنها-: يا رسول الله يقتل ابني؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «بل ابنك يقتله- إن شاء الله»
فخرج إليه الزّبير وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي زبّار ... قرم لقرم غير نكس فرّار
ابن حماة المجد، ابن الأخيار ... ياسر لا يغررك جمع الكفّار
فجمعهم مثل السّراب الختّار
ثمّ التقيا فقتله الزّبير، قال ابن إسحاق: وذكر أن عليا هو الذي قتل ياسرا.
قال محمد بن عمر: وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للزّبير لما قتل ياسرا فداك عم وخال ثم قال: «لكل نبي حواري وحواريّ الزبير ابن عمتي» .
حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقيّ أن مرحبا- وهو بفتح الميم، والحاء المهملة، وسكون الراء- بينهما- وبالموحدة- خرج وهو يخطر بسيفه، وفي حديث ابن بريدة عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا اللّيوث أقبلت تلهّب
قال سلمة: فبرز له عامر وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السّلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، وفي رواية عين ركبته، وكانت فيها نفسه، قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا اللّيوث أقبلت تلهّب ... وأحجمت عن صولة المغلّب
فبرز له علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعليه جبّة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظرة
أو فيهم بالصّاع كيل السّندره
فضرب مرحبا ففلق رأسه، وكان الفتح.
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي- رضي الله عنه- بضربة فقد الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الأحراش وسمع أهل العسكر صوت ضربته وقام النّاس مع عليّ حتى أخذ المدينة.
وروى الإمام أحمد عن علي- رضي الله عنه- قال: لما قتلت مرحبا، جئت برأسه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.
ذكر من زعم من أهل المغازي وغيرهم إن محمد بن مسلمة- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا
روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن الزّهريّ، وعن ابن إسحاق، وعن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: واللفظ لابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، وقد جمع سلاحه يقول من يبارز ويرتجز
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إذا اللّيوث أقبلت تحرّب
إنّ حماي للحمى لا يقرب
فأجابه كعب بن مالك فقال:
قد علمت خيبر أنّي كعب ... مفرّج الغمّى جريء صلب
إذا شبّت الحرب تلتها الحرب ... معي حسام كالعقيق عضب
نطأكم حتّى يذلّ الصّعب ... نعطي الجزاء أو يفيء النّهب
بكفّ ماض ليس فيه عتب
قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد- رحمه الله:
قد علمت خيبر أنّي كعب ... وأنّني متى تشبّ الحرب
ماض على الهول جريء صلب ... معي حسام كالعقيق عضب
بكفّ ماض ليس فيه عتب ... ندكّكم حتّى يذلّ الصّعب
قال: ومرحب بن عميرة.
قال جابر: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «من لهذا؟» قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس، قال: «فقم إليه، اللهمّ أعنه عليه»
قال: فلمّا دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمريّة من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، فكلما لاذ منه بها اقتطع صاحبه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرّجل القائم، ما فيها فنن، ثمّ حمل مرحب علي محمد بن مسلمة فضربه، فاتّقاه بالدّرقة، فوقع سيفه فيها، فعضّت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله. والله أعلم.
قلت: جزم جماعة من أصحاب المغازي: بأن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا.
ولكن ثبت في صحيح مسلم كما تقدم عن سلمة بن الأكوع أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا.
وورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة، فما في صحيح مسلم مقدّم عليه من وجهين:
أحدهما أنه أصحّ إسنادا، الثاني. أن جابرا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة وبريدة، وأبو رافع- رضي الله عنهم- وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه، ومر به علي فأجهز عليه، يأباه حديث سلمة وأبي رافع، والله أعلم. وصحح أبو عمر- رحمه الله- أن عليا- رضي الله عنه- هو الذي قتل مرحبا، وقال ابن الأثير: إنه الصّحيح.
ذكر قلع علي- رضي الله عنه- باب خيبر
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حين بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترّسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتى فتح الله- تعالى- عليه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه.
وروى البيهقي من طريقين عن المطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي- رضي الله عنه- عن آبائه، قال: حدثني جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أن عليا- رضي الله عنه- حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون
فافتتحوها، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا- رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم- وهو ضعيف [ (1) ] .
قال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف عن جابر قال: اجتمع عليه سبعون رجلا، وكان أجهدهم أن أعادوا الباب، قلت: رواه الحاكم.
,
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الإبل والبقر والمتاع والحوائط. وفي رواية ألا الأموال والثياب والمتاع. رواه مالك والشيخان، وأبو داود، والنسائي [ (1) ] . وقال ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشّق ونطاة والكتيبة، وكانت الشّق، ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، وسهم النبي- صلى الله عليه وسلّم- وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطعم أزواج
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 557 (4234) .
النبي- صلى الله عليه وسلم- وطعم رجال مشوا بين رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وبين أهل فدك بالصّلح، منهم محيّصة بن مسعود، أعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منها ثلاثين وسقا من شعير، وثلاثين وسقا من تمر، وقسّمت خيبر على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلّا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام- رضي الله عنهما- فقسم له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كسهم من حضرها، وكان وادياها- وادي السّريرة، ووادي خاص، وهما اللذان قسّمت عليهما خيبر.
وكانت نطاة والشّق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشّق ثلاثة عشر سهما، وقسّمت الشّق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم، وكانت عدّة الّذين قسّمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم، للرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتا فرس، فكان لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وكان لكلّ راجل سهم، وكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل، فكانت ثمانية عشر سهما، جمع.
فكان علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- رأسا، والزبير بن العوام رأسا، وسرد ذكر ذلك ابن إسحاق. ثم قال: ثم قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتيبة، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها، ثم ذكر كيفيّة القسمة.
وروى أبو داود عن سهل بن أبي خيثمة- بخاء معجمة، فثاء مثلثة ساكنة- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر نصفين، نصفا لنوائبه وخاصّته، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما [ (1) ] .
روي أيضاً عن بشير- بضم الموحدة- بن يسار- رحمه الله- تعالى عن رجال من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر قسّمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كلّ سهم مائة سهم، فكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين النّصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بيّن فيها نصف النوائب: الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما، وكان سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما حيز معهما كسهم أحدهم [ (2) ] .
قال ابن إسحاق- رحمه الله- تعالى-: وكان المتولّي للقسمة بخيبر جبّار- بفتح الجيم، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة- ابن صخر الأنصاري من بني سلمة- بكسر اللّام،
__________
[ (1) ] أخرجه أبو داود (3010) ، والتمهيد لابن عبد البر 6/ 450.
[ (2) ] أخرجه أبو داود (3012) .
وزيد بن ثابت من بني النجار، وكانا حاسبين قاسمين.
وقال ابن سعد- رحمه الله- تعالى- أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها، الله، وسائر السّهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يتحيّز في الأخماس، فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد، فباعها فروة، وقسّم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس، زيد ابن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وكانت السّهمان على ثمانية عشر سهما، لكل مائة سهم، وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته، ورجالا من بني المطلب، ونساء، واليتيم والسائل.
ثم ذكر قدوم الدّوسيين والأشعريين واصحاب السفينتين، وأخذهم من غنائم خيبر، ولم يبين كيف أخذوا.
قال في العيون: وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون؟
وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشّق، والنّطاة والكتيبة أشبه، فإنّ هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح، وأما الوطيح والسّلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما ينوب المسلمين، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله: إنّ بعض خيبر كان صلحا، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك، ويكون مشاورة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم، وإنما هي المشورة العامة، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران 159] .
روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل- بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، والفاء المشددة، وباللام- رضي الله عنه- قال أصبت جرابا، وفي لفظ: دلّي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته، وقلت: لا أعطي أحداً منه شيئا، فالتفتّ فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فاستحييت منه، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الّذي جعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمّ حتّى نقسمه بين المسلمين، قلت: لا والله لا أعطيك، فجعل يجاذبني الجراب، فرآنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نصنع ذلك، فتبسّم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: «لا أبالك، خلّ بينه وبينه» فأرسله، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي، فأكلناه
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 6/ 255 (3153) ومسلم 3/ 1393 (72/ 1772) .
قال ابن إسحاق: وأعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابن لقيم- بضم اللام، قال الحاكم: واسمه عيسى العبسي- بموحدة- حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة وداجن.
ذكر إهداء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النساء والعبيد من المغانم
قال ابن إسحاق: وشهد خيبر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من نساء المسلمين فرضخ لهن [ (1) ] من الفيء، ولم يضرب لهن بسهم.
روى ابن إسحاق، والإمام أحمد، وأبو داود، كلاهما من طريقه عن امرأة من غفار قالت: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نسوة من بني غفار- بكسر الغين المعجمة- فقلن: يا رسول الله قد أردنا الخروج معك إلى وجهك هذا- وهو يسير إلى خيبر- فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين ما استطعنا، فقال: «على بركة الله تعالى» . قالت: فخرجنا معه، وذكرت الحديث [ (2) ] .
قالت: فلما فتح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيبر رضخ لنا من الفيء.
وعن عبد الله بن أنيس [ (3) ]- رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر ومعي زوجتي- وهي حبلى، فنفست في الطريق، فأخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: انقع لها تمرا، فإذا أنعم بلّه فامرثه لتشربه» . ففعلت فما رأت شيئا تكرهه، فلمّا فتحنا خيبر أحذى النساء ولم يسهم لهن، فأحذى زوجتي وولدي الذي ولد. رواه محمد بن عمر
[ (4) ] .
وروى أبو داود عن عمير مولى أبي اللّخم- بالموحدة بلفظ اسم الفاعل- رضي الله عنه- قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فأمر بي فقلّدت سيفا- فإذا أنا أجرّه، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثيّ المتاع [ (5) ] .
,
أسلم الحبشي الراعي، ذكره أبو عمر واعترضه ابن الأثير بأنه ليس في شيء من السياقات أن اسمه أسلم، قال الحافظ: وهو اعتراض متجه، قلت: قد جزم ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام بأن اسمه أسلم الأسود الرّاعي، تقدم أن اسمه أسلم. وقال محمد بن عمر: اسمه يسار.
__________
[ (1) ] الرضخ: العطية القليلة، انظر النهاية 2/ 228.
[ (2) ] أحمد 6/ 380 والبيهقي 2/ 407 وابن سعد 8/ 214 وانظر البداية والنهاية 4/ 204.
[ (3) ] عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى المدني، حليف الأنصار، صحابي، شهد العقبة وأحدا، ومات بالشام في خلافة معاوية، سنة أربع وخمسين، ووهم من قال سنة ثمانين. بخ م ع التقريب 1/ 402.
[ (4) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 243 وابن كثير في البداية 4/ 205.
[ (5) ] أخرجه أبو داود 3/ 75 (2730) .
أنيف- تصغير أنف- بن حبيب بن عمرو بن عوف.
أنيف- كالذي قبله بن واثلة بالمثلثة، أو التحتية.
أوس بن جبير- بالجيم- الأنصاري من بني عمرو بن عوف، قتل على حصن ناعم، أورده ابن شاهين، وتبعه أبو موسى: أوس بن حبيب الأنصاري. ذكره أبو عمر، وقيل هو الذي قبله.
أوس بن فايذ- بالتحتيّة والذّال المعجمة الأنصاري، ذكره أبو عمر: أوس بن فايد- بالفاء والدال المهملة، أو ابن فاتك أو الفاكه من بني عمرو بن عوف.
أوس بن قتادة الأنصاري.
بشر- بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن البراء بتخفيف الراء- ابن معرور، بفتح الميم، وسكون العين المهملة، وضم الراء الأولى.
ثابت بن إثلة- بكسر الهمزة، وسكون الثاء المثلثة، وزاد أبو عمر واوا في أوّله، ولم يوافقوه.
ثقف- بثاء مثلثة- مفتوحة، فقاف ساكنة ففاء، وقال محمد بن عمر ثقاف بن عمرو بن سميط الأسدي.
الحارث بن حاطب، ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وقالا: شهد بدرا، ولم يتعرض له أبو عمر، ولا الذهبي، ولا الحافظ: لكونه استشهد بخيبر. وهو أخو ثعلبة بن حاطب بن عمر بن عبيد الأنصاري الأوسي.
ربيعة بن أكثم بن سخبرة- بفتح السين المهملة، وسكون الخاء المعجمة، وبالموحدة ابن عمرو الأسدي، قتل بالنّطاة، قتله الحارث اليهودي.
رفاعة بن مسروح- بمهملات- الأسدي حليف بني عبد شمس، قتله الحارث اليهودي.
سليم بن ثابت بن وقش الأنصاري الأشهلي، ذكره ابن الكلبي، وأبو جعفر بن جرير الطبري.
طلحة: ذكره ابن إسحاق، ولم ينسبه، ولم يقف كثير من الحفّاظ على نسبه، ولم يذكره محمد بن عمر ولا ابن سعد، وقال أبو ذر في الإملاء: هو طلحة بن يحيى بن إسحاق بن مليل.
قال أبو علي الغساني- رحمه الله- لم يخبر ابن إسحاق باسم طلحة هذا، قلت: ولم أر لطلحة بن يحيى بن إسحاق هذا ذكرا في الإصابة للحافظ، ولا في الكاشف للذهبي.
عامر بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المعروف بابن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع،
روى الشيخان، والبيهقي عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: لما تصافّ القوم يوم خيبر، وكان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبته فمات منه، فلما قفلوا سمعت نفرا من أصحاب محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لمّا رآني شاحبا: مالك؟ قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله. قال: «من قال؟» قلت: فلان وفلان، وأسيد بن الحضير الأنصاري فقال: «كذب من قاله، إنّ له لأجرين» وجمع بين أصبعيه «إنّه لجاهد مجاهد، قلّ عربيّ مشى- وفي لفظ نشأ بها مثله»
ووقع في حديث، أنه عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، وفي حديث آخر أنه أخوه، ولا تنافي بينهما، لأنه عمّه وأخوه في الرضاعة.
عبد الله بن أبي أمية بن وهب الأسدي بالحلف، قتل بالنّطاة، وذكره محمد بن عمر، وابن سعد ولم يذكره ابن إسحاق.
عبد الله بن هبيب- بموحدتين- مصغر- ابن أهيب، ويقال: وهيب بن سحيم اللّيثي حليف بني أسد، ذكره ابن إسحاق في رواية البكائي، وجرير بن حازم، ويونس بن بكير، لكن عنده عبد الله بن فلان بن وهب، وكذا سمّاه أبو عمر وجماعة وذكر محمد بن عمر: أنه استشهد هو وأخوه عبد الرحمن بأحد قال الحافظ: والأول أولى.
عديّ بن مرة بن سراقة البلوي بفتح الموحدة واللام- حليف الأنصار طعن بين ثدييه بحربة فمات منها- ذكره محمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر.
عروة بن مرة بن سراقة الأوسي: ذكره أبو عمر.
عمارة بن عقبة بن حارثة الغفاريّ، رمي بسهم ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، وأبو عمر، وتعقبه الحافظ في كونه استشهد بخيبر بكلام يدل على أنه لم يراجع السّيرة في هذا المحل، ولا شك في صحة ما ذكره أبو عمر.
فضيل بن النّعمان الأنصاري السّلمي- بفتح السين، ذكره ابن إسحاق في رواية يونس وابن سلمة وزياد، وجزم بذلك محمد بن عمر، وابن سعد هنا، وقال ابن سعد في موضع آخر:
كذا وجدناه في غزوة خيبر، وطلبناه في نسب بني سلمة فلم نجده، ولا أحسبه إلّا وهما، وإنما أراد الطّفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان، والطّفيل ذكره ابن عقبة فيمن شهد خيبر.
بشر بن المنذر بن زنبر- بزاي، ونون موحدة وزن جعفر- بن زيد بن أمية الأنصاري، ذكره ابن إسحاق.
محمود بن مسلمة [ (1) ] : قتل عند حصن ناعم، ألقيت عليه صخرة، قيل ألقاها عليه مرحب، وقيل: كنانة بن الربيع، ولعلهما اشتركا في الفعل.
ومدعم الأسود [ (2) ] مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قتل بخيبر- وهو الذي غلّ الشملة يومئذ، وجاء الحديث أنها تشتعل عليه نارا.
مرة بن سراقة الأنصاري [ (3) ] ، ذكره أبو عمر، وتعقبه ابن الأثير بأن الذي ذكروا أنه شهد خيبر ابنه عروة بن مرة. قال الحافظ: ولا مانع من الجمع، قلت: ويؤيّد كلام ابن الاثير أن أبا عمر لم يذكره في الدّر، بل ذكر ابنه عروة.
مسعود بن ربيعة [ (4) ]- ويقال: ربيع بن عمرو القاريّ بالتشديد ممن استشهد بخيبر.
مسعود بن سعد بن قيس الأنصاري الزّرقي: ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد، ونقل أبو نعيم عن ابن عمارة أنه ذكره فيهم، وخالفه الواقديّ- اه. نقله الحافظ وأقرّه.
والذي في مغازي الواقدي أنه استشهد بخيبر، وأنّ مرحبا قتله، فالله أعلم.
يسار: اسم الأسود الراعي، ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وسمّاه ابن إسحاق، أسلم.
أبو سفيان بن الحارث، كذا في نسخة سقيمة عن الزهري نقلا عن رواية يونس عن ابن إسحاق، ولم أره في الإصابة.
أبو ضيّاح- بضاد مفتوحة، فتحتية مشدّدة، فألف، فحاء مهملة- الأنصاري، اسمه النّعمان، وتقدم في البدريين رجل من أشجع ذكره محمد بن عمر، وابن سعد.
وروى النسائي والبيهقي عن شداد بن الهاد- رضي الله عنه- إن رجلا من الأعراب جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فآمن واتّبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي- صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا قسّمه لهم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم
__________
[ (1) ] محمود بن مسلمة بن سلمة الأنصاري ذكروه في الصحابة واستشهد في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم. وذكر ذلك موسى بن عقبة في المغازي وقال: ابن سعد شهد محمود أحدا والخندق والحديبية وخيبر وقتل يومئذ شهيدا أدلى عليه مرحب رحى فأصابت رأسه فهشمت البيضة رأسه، الإصابة 6/ 67.
[ (2) ] مدعم الأسود مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم.. كان مولدا من حسمى أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم. الإصابة 6/ 74.
[ (3) ] مرة بن سراقة الأنصاري.. ذكر أبو عمر انه استشهد بحنين وتعقبه ابن الأثير بأن الذي ذكروا أنه شهد حنينا عروة بن مرة قلت ولا مانع من الجمع، قال الحافظ انظر الإصابة 6/ 81.
[ (4) ] مسعود بن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب بن عائدة بن نثيع بن مليح بن الهون وهو القارة بن خزيمة بن مدركة القاري.. ويقال مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمير بن سعد ابن مخلد بن غالب وهذا قول ابن الكلبي وأفاد ان من ذريته محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، الإصابة 6/ 89.
له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا قسم قسمه لك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخذه، فجاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذا؟ قال: «قسم قسمته لك» قال: ما على هذا أتبعك، ولكن اتبعتك على أن أرمى ههنا، وأشار إلى حلقه- بسهم- فأموت، فأدخل الجنة. فقال: «إن تصدق الله يصدقك» ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «هو هو» قالوا: نعم. قال: «صدق الله فصدقه» فكفّنه النبي- صلى الله عليه وسلم- في جبّته، ثم قدمه. فصلّى عليه، وكان مما ظهر من صلاته:
«اللهمّ هذا عبدك وابن عبدك خرج مهاجرا في سبيلك، قتل شهيدا، أنا عليه شهيد» .
وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا.
ذكر انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن خيبر وتوجهه إلى وادي القرى
قال أبو هريرة: نزلناها أصيلا مع مغرب الشّمس، رواه ابن إسحاق.
قال البلاذري: قالوا: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منصرفه من خيبر وادي القرى فدعا أهلها إلى الإسلام، فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة، وغنّمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا، فخمّس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك، وتركت الأرض، والنخل في أيدي يهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر.
قال محمد بن عمر: لما انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن خيبر، وأتى الصّهباء سلك على برمة، حتى انتهى إلي وادي القرى، يريد من بها من يهود، وكان أبو هريرة- رضي الله عنه- يحدث فيقول، - خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم عبدا أسود يقال له مدعم- بميم مكسورة فدال ساكنة فعين مفتوحة مهملتين، وكان يرحّل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلمّا نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود، وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد استقبلتنا يهود بالرّمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهي يصيحون في أطامهم،
فيقبل سهم عائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال: رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كلّا والذي نفسي بيده إنّ الشّملة الّتي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا» . فلما سمع الناس بذلك جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشراك أو شراكين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «شراك من نار أو شراكان من نار»
[ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري 11/ 592 (6707) ومسلم 1/ 108 (183/ 115) .
وعبّأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصحابه للقتال، وصفّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف- بضم الحاء المهملة وفتح النون، وسكون التحتية، وراية إلى عبّاد- بتشديد الموحدة، وبالدّال المهملة- ابن بشر.
ثم دعاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله- تعالى.
فبرز رجل منهم، فبرز له الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر، فبرز له الزّبير فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، ثم برز آخر فبرز له أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحد عشر رجلا كلّما قتل رجل دعا من بقي إلى الإسلام.
ولقد كانت الصّلاة تحضر يومئذ فيصلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشّمس حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنوة، وغنّمه الله- تعالى أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا، وأقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الأرض والنخيل بأيدي يهود، وعاملهم عليها.
قال البلاذري: وولّاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمرو بن سعيد بن العاص، وأقطع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمرة- بالجيم- ابن هوذه- بفتح الهاء، والذّال المعجمة- العذريّ رمية بسوطه من وادي القرى.
,
روى مسلم، وأبو داود عن أبي هريرة. وأبو داود عن ابن مسعود، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلته حتى إذا كان قبيل الصّبح بقليل نزل وعرّس، وقال: ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام؟ قال بلال: يا رسول الله أنا أحفظه عليك، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقام بلال يصلّي ما شاء الله أن يصلّي. ثم استند إلى بعيره، واستقبل الفجر يرقبه، فغلبته عينه، فنام، فلم يستيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من أصحابه حتّى ضربتهم الشمس [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم 1/ 471 (309/ 680) ، وأبو داود في الصلاة باب (11) والترمذي في التفسير، وابن ماجة في الصلاة (10) ومالك في الموطأ (25) .
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أول أصحابه هبّ، فقال: «ما صنعت بنا يا بلال» ؟ قال: يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال: «صدقت» ثم اقتاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعيره غير كثير، ثم أناخ وأناخ الناس فتوضّأ، وتوضّأ النّاس، وأمر بلالا فأقام الصّلاة، فلما فرغ، قال:
إِذَا نَسِيْتُم الصَّلَاةَ فَصَلُّوهَا إِذَا ذَكَرْتُمُوهَا فإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَ يَقُول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي
[طه 14] .
ذكر رجوع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مؤيدا منصورا
روى الأئمة السّتَّة عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله»
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «اربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» وأنا خلف دابّة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوّة إلّا إلا بالله العلي العظيم، فقال: «يا عبد الله بن قيس» قلت: لبيك يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»
[ (1) ] .
ولما انتهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى الجرف ليلا، نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا، فذهب رجل فطرق أهله، فرأى ما يكره فخلى سبيله ولم يهجر، وضنّ بزوجته أن يفارقها، وكان له منها أولاد، وكان يحبها، فعصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورأى ما يكره.
ولما نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى جبل أحد، قال: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، اللهم إني أحرم ما بين لابتي المدينة»
[ (2) ] .
ذكر رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الأنصار ما منحوه للمهاجرين
روى الشيخان، والحافظ، ويعقوب بن سفيان عن أنس- رضي الله عنه- قال: لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل أرض وعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أم أنس أعطت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعذاقا لها، فأعطاهن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد، فلما فرغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أهل خيبر، وانصرف إلى المدينة، ردّ
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري (4205) ، وأخرجه مسلم في الذكور والدعاء (44) وأحمد 4/ 402، والبيهقي 2/ 184 وابن أبي عاصم 1/ 274، والطبري 8/ 147 وابن السني (512) وعبد الرزاق (9244) وانظر البداية 4/ 213.
[ (2) ] أخرجه البخاري 6/ 83 (2889) (2893) (4084) (7333) ومسلم 2/ 993 (462/ 1365) .
المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا قد منحوهم من ثمارهم، وردّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أمّي أعذاقها.
وفي رواية: فسألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعطانيهن، فجاءت أمّ أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يا أم أيمن اتركي ولك كذا وكذا» وهي تقول: كلّا- والله الذي لا إله إلا هو، فجعل يقول: لك كذا وكذا، ولك كذا» وهي تقول: كلّا والله الذي لا إله إلا هو حتى أعطاها عشرة أمثالها أو قريبا من عشرة أمثالها
[ (1) ] .
,
قال كعب بن مالك- رضي الله عنه:
ونحن وردنا خيبرا وفروضه ... بكلّ فتى عاري الأشاجع مذود
جواد لدى الغايات لاواهن القوى ... جريء على الأعداء في كلّ مشهد
عظيم رماد القدر في كلّ شتوة ... ضروب بنصل المشرفيّ المهنّد
يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة ... من الله يرجوها وفوزا بأحمد
يذود ويحمي عن ذمار محمّد ... ويدفع عنه باللّسان وباليد
وينصره من كل أمر يريبه ... يجود بنفس دون نفس محمّد
يصدّق بالأنباء بالغيب مخلصا ... يريد بذاك العزّ والفوز في غد
وقال حسان- رضي الله- تعالى- عنه:
بئس ما قاتلت خيابر عمّا ... جمّعوا من مزارع ونخيل
كرهوا الموت فاستبيح حماهم ... وأقرّوا فعل اللّئيم الذّليل
أمن الموت تهربون فإنّ ال ... موت موت الهزال غير جميل
,
قوله: أحذى النساء: أعطاهن.
الحوائط- جمع حائط: وهو هنا البستان.
شريق- بالشين المعجمة، والقاف.
وادي خاص- بالخاء المعجمة، فألف، فصاد مهملة، كذا عند ابن إسحاق، وجرى عليه ياقوت والسيد وغيرهما، وقال أبو الوليد الوقشي: إنما هو وادي خلص باللام. قال البكري: وهو بضم أوله، وإسكان ثانيه، وبالصاد المهملة.
الجراب- بكسر الجيم، ويجوز فتحها في لغة نادرة.
لا أبالك: هو أكثر ما يستعمل في المدح: أي لا كافي لك غير نفسك، وقد يذكر في معرض الذم، وقد يكون بمعنى جدّ في أمرك وشمّر، لأن من له أب اتّكل عليه في بعض شأنه.
رضخ- بالخاء- والضاد المعجمتين: أعطى.
خرثيّ المتاع- بخاء معجمة، مضمومة، فراء ساكنة فثاء مثلثة مكسورة فتحتية مشددة:
هو أثاث البيت ومتاعه، فالإضافة بيانية.
الدجاج- بتثليث الدال: الطائر المعروف.
الداجن: ما ألف الناس في بيوتهم كالشاة التي تعلف، والدجاج، والحمام، وسمّي داجنا لإقامته مع الناس، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به.
,
قوله: قفلوا: رجعوا.
شاحبا- بشين معجمة فحاء مهملة، فموحدة: أي متغير اللون.
كذب من قاله: أخطأ.
إنه لجاهد مجاهد- كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما، وكسر الهاء، وبالتنوين، والأول مرفوع على الخبر والثاني إتباع، ولأبي ذرّ عن الجمحي والمستملي- بفتح الهاء والدال، قال القاضي- رحمه الله- تعالى: والأول هو الوجه، قال ابن دريد- رحمه الله تعالى-: رجل جاهد، أي مجدّ في أموره، وقال ابن التّيه- رحمه الله تعالى: الجاهد: من يرتكب المشقة لأعداء الله تعالى.
مشى- بشين معجمة- كذا في رواية بالميم والقصر من المشي. والضمير في بها للأرض أو للمدينة أو للحرب أو للخصلة، وفي رواية نشأ- بنون وهمزة، وحكى السّهيلي: أنه وقع في رواية مشابها- بضم الميم، اسم فاعل من الشبه: أي ليس مشابها في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيت مشابها أو على الحال، من قوله عربي، قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى.
شرح غريب ذكر انصراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومصالحة أهل تيماء
قوله: أصلا- بضم أوله وثانيه: جمع أصيل وهو العشيّ.
وادي القرى- بضم القاف [ (1) ] .
العنوة- بفتح العين المهملة: القهر.
الجذامي- بضم الجيم، وذال معجمة.
الشّملة: كساء غليظ يلتحف به.
ضوى- بفتح الضاد المعجمة، والواو: مال.
الآطام- جمع أطم: الحصن.
مدعم- بكسر الميم، وسكون الدال، وفتح العين المهملتين.
يرحّل- بضم التحتية، وفتح الراء، وكسر الحاء المهملة المشددة: أي يضع الرّحل على الدابة ويشدّه.
سهم عائر- بعين مهملة فألف فهمزة مكسورة: لا يدرى من رمى به.
سهم غرب بفتح الغين المعجمة، وسكون الرّاء، وتحرّك، يضاف ولا يضاف: أي لا يدرى من رماه.
هنيئا له الشهادة: أي جاءته بلا مشقّة.
الشراك- بكسر الشين المعجمة: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها.
تيماء- بفتح الفوقية- وسكون التحتية: بلد بين المدينة والشام.
شرح غريب نومهم عن الصلاة ورجوعه- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة
قوله: سرى ليلته: سار فيها.
عرّس- بفتح العين، والرّاء المشددة والسين المهملات: نزل آخر الليل.
__________
[ (1) ] وادي القرى واد بين المدينة والشام، من أعمال المدينة كثير القرى. مراصد الاطلاع 3/ 1417.
هبّ- بفتح الهاء، والموحدة المشددة: استيقظ.
اقتاد بعيره: قاده.
من كنز الجنة، أي أجرها يدّخر لقائلها كما يدّخر الكنز.
الجرف- بضم الجيم، والراء وبالفاء: موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال إلى جهة الشام.
طرق أهله: أتاهم ليلا.
ضنّ بكذا- بضاد معجمة ساقطة، فنون مشددة، مفتوحتين: بخل.
لابتا المدينة: حرّتاها، وهما جانباها.
شرح غريب ذكر رد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الأنصار ما منحوه للمهاجرين، وغريب شعر كعب بن مالك- رضي الله عنه
فروضه- بضم الفاء والراء وبالواو والضاد المعجمة: المواضع التي فيها الأنهار.
الأشاجع: عروق ظهر الكفّ.
مذود- بميم مكسورة، فذال معجمة ساكنة، فواو مفتوحة، فدال مهملة: مانع الواهن قال في الإملاء الواهن: الضعيف.
المشرفي: السّيف.
يذود: يمنع ويحمي.
الذّمار- بذال معجمة مكسورة، وراء: ما تجب حمايته.
الأنباء- بفتح الهمزة: الأخبار.
الغيب: هنا بالياء ويروى بالميم من الغنيمة.
شرح غريب أبيات ابن القيم- رضي الله تعالى عنه
رميت نطاة من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار
واستيقنت بالذل لما شيعت ... ورجال أسلم وسطها وغفار
صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة ... والشق أظلم أهله بنهار
جرت بأبطحها الذيول فلم تدع ... إلا الدجاج تصيح بالأسحار
ولكل حصن شاغل من خيلهم ... من عبد الأشهل أو بني النجار
ومهاجرين قد اعلموا سيماهم ... فوق المغافر لم ينو القرار
ولقد علمت ليغلبن محمد ... وليثوين بها إلى أصفار
فرت يهود عند ذلك في الوغى ... تحت العجاج غمائم الأبصار
الفيلق- بفتح الفاء، وسكون التحتية، وفتح اللام، وبالقاف شهباء: كثيرة السلاح.
المناكب- جمع منكب كمسجد: مجتمع رأس العضد والكتف.
الفقار- بالفتح: مفاصل عظم الصّلب. جعل لها مناكب وفقارا: يريد بذلك شدّتها.
شيّعت: فرقت.
أسلم، وغفار- بكسر الغين المعجمة: قبيلتان.
الأبطح: المكان السّهل.
عبد الأشهل- بالشين المعجمة، وبنو النجار، من الأنصار.
سيماهم: علائمهم.
المغافر- جمع مغفر: وهو الذي يجعل على الرأس.
لم ينو- بتحتية، فنون: لم يضعفوا أو لم يفتروا.
يثوينّ- بالثاء المثلثة: يقمن.
أصفار: جمع صفر-، وهو الشهر.
فرّت يهود: هربت.
الوغى- بفتح الواو، وبالغين المعجمة: الحرب.
العجاج: الغبار.
الغمائم- بالغين المعجمة: جفون العيون.
الأبصار- بالموحدة. قال ابن سراج: ويصح أن تكون عمائم بالمهملة، جمع عمامة، ويكون الأنصار بالنون، وقال السهيلي: قوله فرت يهود «هو بيت مشكل، غير أن بعض النسخ، وهي قليلة عند ابن هشام، إنّه قال: فرّت: فتحت، من قولك: فرت الدّابة إذا فتحت فاها وغمائم الأبصار، مفعول فرّت، وهي جفون أعينهم، قال السهيلي: هذا قول. وقد يصح أن يكون فرّت من الفرار. وغمائم الأبصار من صفة العجاج، وهو الغبار، ونصبه على الحال من العجاج، وإن كان لفظه لفظ المعرفة عنده، وليس بشاذ في النحو، ولا مانع في العربية، وأمّا عند أهل التحقيق فهو نكرة لأنه لم يرد الغمائم، حقيقة، وإنما أراد مثل الغمائم، استدل السهيلي على ذلك بأشياء ذكرها.
,
روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح خيبر:
«لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، فلما أصبح قال: «أين علي بن أبي طالب؟» قالوا: يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» ، فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع.
وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان علي رضي الله عنه [ (1) ] تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان رمدا، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فخرج فلحق به، فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه» ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه الراية ففتح الله عليه.
ورواه مسلم (من) [ (2) ] وجه آخر عن سلمة وذكر قوله: فبصق في عينيه فبرأ. ورواه الحارث وأبو نعيم من وجه آخر عن سلمة وزاد فأخذ الراية، فخرج بها حتى ركزها تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي، قال: علوتم وما أنزل على موسى، فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وروى البيهقي وأبو نعيم عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خيبر:
«لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يأخذها عنوة» ، وليس ثم علي فتطاولت لها قريش، وجاء علي على بعير له وهو أرمد، قال: «ادن مني» ، فتفل في عينيه فما وجعها حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية.
__________
[ (1) ] سقط في ب.
[ (2) ] في ح «في» .
الباب الثالث والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا أنه من أهل النار فمات فوجدوه قد غلّ من الغنيمة وما في ذلك من الآيات
روى أبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على صاحبكم، إنه غل في سبيل الله» ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار» ، فلما حضرنا القتال قاتل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفا: أنه من أهل النار، فإنه قاتل قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار» ، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: فإنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله» ، ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وروي عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا تبعها فضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أنه من أهل النار» ، فقال رجل من القوم:
أنا صاحبه أبدا، قال: فجرح الرجل جراحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» ، وقد تقدم في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر قرمان يقول: «أنه من أهل النار» فقتل نفسه.