«فصل» اعلم ان المسجد الشريف في دار بنى غنم بن مالك بن النجار وهو حيث مبرك الراحلة وكان كما ورد في الصحيح مربدا للتمر لسهل وسهيل بني رافع بن عمرو غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وكان يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بنى النجار فقال ثامنونى بحائطكم هذا فقالوا لا والله ما نطلب ثمنه الا الى الله ولما كان لليتيمين لم يقبله الا بالثمن قيل اشتراه بعشرة دنانير ذهبا دفعها عنه أبو بكر ثم ابتدأ صلى الله عليه وسلم حجة قال انما أخذه من قول الشاعر وذكر البيت (ثاويا) أي هالكا (غاديا) بمعجمة ممدودة من الغدو وهو الذهاب بكرة وقد يراد به مطلق الخروج أي وقت كان ويريد هنا بقوله غاديا الغدو الى القبر (وصاتي) الوصاة الوصية (فلا تحسدونهم) باثبات النون في تحسدونهم وكان حقها أن تسقط بلا الناهية الا انها قد تهمل حملا على أختها ما (فانفسكم) منصوب على انه مفعول لقوله فاجعلوا (غرم) بغين معجمة مضمومة فراء ساكنة هو ما يجب أداؤه كالدين ونحوه (فادح) ما يفدح حمله أي يشق حمله ومنه قولهم خطب فادح أي لا تطيقه النفوس ويشق عليها احتماله (أرفدوهم) من الرفد بكسر الراء العطاء (الملمات) جمع ملمة وهي الحادثة التى تلم بالانسان أي تنزل به (أمعرتم) بعين مهملة فراء أي افتقرتم يقال أمعر الرجل اذا خلت يده من المال (فضل) بالضاد المعجمة الفضل الزيادة يقول اذا افتقرتم فكونوا اعفة واذا كان عندكم في أموالكم فضل فتفضلوا بها على غيركم.
(فصل) واعلم ان المسجد الشريف (حيث مبرك الراحلة) كما تقدم ذكره (ثامنونى) بمثلثة ممدودة أى اتفقوا معي على ثمنه في السيرة فقال له معاذ بن عفراء هو يا رسول الله لسهل وسهيل بني عمرو وهما
في بنائه واعانه عليه المسلمون وكان ينقل معهم اللبن ويقول
هذا الحمال لاحمال خيبر ... هذا أبر ربنا واطهر
فقال قائل من المسلمين
لئن قعدنا والنبى يعمل ... لذاك منا العمل المضلل
وأرتجز أمير المؤمنين على كرم الله وجهه في الجنة شعرا فقال
لا يستوى من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن الغبار حائدا
قيل دخل عمار بن ياسر وقد اثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلونى يحملون علىّ مالا يحملون فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض عنه التراب ويقول ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مربعا وجعل قبلته الى بيت المقدس وطوله سبعين ذراعا في ستين أو يزيد وجعل له ثلاثة أبواب ولم يسطحوه فشكوا الحر فجعلوا خشبه وسواريه جذوعا وظللوا بالجريد ثم بالخصف فلما وكف طينوه بالطين وجعلوا وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يظلل قامة وأشبرا وبقي كذلك الى خلافة عمر فزاد فيه وقال بعضهم بناه حينئذ أقل من مائة في مائة فلما فتح خيبر زاد عليه مثله والله أعلم. وأما دار أبي أيوب الانصارى التي نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المطرى في تاريخه هي اليوم مدرسة للمذاهب الاربعة اشترى عرصتها الملك المظفر احد بنى أيوب بن شادي وبناها ووقفها على أهل المذاهب الاربعة من أهل السنة والجماعة ووقف عليها أوقافا بميافارقين.
يتيمان لى وسأرضيهما فدفعها عنه أبو بكر (هذا الحمال) بكسر الحاء أي المحمول وهو اللبن وقوله (لاحمال خيبر) أى ما يحمل منها من تمر وزبيب وغير ذلك (يدأب) أي يستمر في عمله لا ينقطع عنه (حائدا) بمهملة ممدودة من حاد عن الشىء اذا ابتعد عنه ولم يتعرض له (انما تقتلك الفئة الباغية) الفئة الجماعة من الناس تقل وتكثر والباغية الخارجة عن سنن الاستقامة وقد قتلته فئة معاوية يوم صفين ويقال ان عليا رضى الله عنه كتب الى معاوية يحتج عليه بقتل عمار فكتب اليه انما قتله من أخرجه (الملك المظفر) هو السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي بالشين المعجمة والدال المهملة وفي هامش نسخة من الاصل بالشين والذال المعجمتين والاول حكاه السبكي في طبقات الشافعية ابن مروان الدويني الاصل التكريتى المولد المشهور بالسلطان صلاح الدين ولد سنة 532 وأقام في السلطنة 24 سنة يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله وكان ملكا عظيما عادلا شجاعا مظفرا صنف في سيرته القاضى ابن شداد وابن واصل وآخرون عدة مؤلفات (ميافارقين) بفتح أوله وتشديد ثانيه ثم فاء وبعد الالف راء وقاف مكسورة وياء ونون كذا ضبطه ياقوت في المعجم وقال هي أشهر مدينة بديار بكر
[