فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد قدومه من بحران، جمادى الآخرة، ورجبا، وشعبان، ورمضان، فغزته كفار قريش فى شوال سنة ثلاث، وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بنى كنانة وغيرهم، وخرجوا بنسائهم لئلا يفروا، فأتوا فنزلوا بموضع يقال له: عينين، وهو بقرب أحد على جبل ببطن السبخة من قناة، على شفير الوادى، مقابل المدينة.
فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا: أن فى سيفه ثلمة، وأن بقرا تذبح، وأنه أدخل يده فى درع حصينة؛ فتأولها: أن نفرا من أصحابه يقتلون، وأن رجلا من أهل بيته يصاب، وأول الدرع المدينة.
فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يخرجوا إليهم، وأن يتحصنوا بالمدينة، فإن قدموا منها قاتلهم على أفواه الأزقة، ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الرأى عبد الله بن أبى بن سلول، وألح قوم من فضلاء المسلمين، ممن أكرمه الله تعالى بالشهادة فى ذلك اليوم- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخروج إلى قتالهم، حتى دخل النبى صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته «1» وخرج، وذلك يوم الجمعة فصلى على رجل من بنى النجار مات، يقال له: مالك بن عمرو، وقيل:
__________
(1) اللأمة: الدرع وقد يسمى السلاح كله لأمة.
بل اسمه محرز بن عامر؛ فندم الذين الحوا عليه، وقالوا: يا رسول الله إن شئت فاقعد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغى لنبى إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ألف من أصحابه، واستعمل على المدينة بن أم مكتوم للصلاة بمن بقى بالمدينة من المسلمين.
فلما صار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشوط بين المدينة وأحد، انصرف عبد الله ابن أبى بن سلول بثلث الناس مغاضبا إذ خولف رأيه، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر، يذكرهم الله عز وجل والرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا عليه، ورجع عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبى من ذلك من أن يستعين بمشرك.
فسلك عليه السلام مع المسلمين حرة بنى حارثة، وقال: من يخرج بنا على القوم من كثب؟ فقال أبو خيثمة، أحد بنى حارثة: أنا يا رسول الله.
فسلك به بين أموال بنى حارثة، حتى سلك فى مال لمربع بن قيظى، وكان منافقا ضرير البصر، فقام الفاسق يحثو التراب فى وجوه المسلمين، ويقول:
إن كنت رسول الله فإنى لا أحل لك أن تدخل حائطى، وزاد فى القول، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال: لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر. وضربه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل بقوسه، فشجه فى رأسه.
ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد، فى عدوة الوادى إلى الجبل، فجعل ظهره إلى أحد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، وقد سرحت قريش الظهر والكراع «1» فى زروع بالصمغة من قناة للمسلمين؛
__________
(1) الظهر المقصود به هنا الإبل. أما الكراع فهو الخيل التى يحارب عليها.
وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القتال، وهو فى سبعمائة؛ وقيل: إن المشركين كانوا فى ثلاثة آلاف، فيهم مائتا فرس، وقيل: كان فى المشركين يومئذ خمسون فارسا. وكان رماة المسلمين خمسين رجلا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بنى عمرو بن عوف من الأوس، وهو أخو خوات بن جبير، وعبد الله يومئذ معلم بثياب بيض.
فرتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلف الجيوش، فأمره أن ينضح المشركين بالنبل، لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم. وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين «1» ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، أخى بنى عبد الدار.
وأجاز عليه السلام يومئذ سمرة بن جندب الفزارى، ورافع بن خديج من بنى حارثة، ولهما خمسة عشر عاما؛ كان رافع راميا. ورد أسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعمرو بن حزم، وهما من بنى مالك بن النجار، والبراء بن عازب، وأسيد بن ظهير، وهما من بنى حارثة، وعرابة بن أوس، وزيد بن أرقم، وأبا سعيد الخدرى؛ ثم أجازهم عام الخندق، بعد ذلك بسنة. وكان لعبد الله بن عمر يوم أحد أربعة عشر عاما، وكان سائر من رد معه فى هذه السن أيضا.
فجعلت قريش على ميمنتهم فى الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم فى الخيل عكرمة بن أبى جهل.
ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه بحقه «2» إلى أبى دجانة سماك بن خرشة أخى بنى ساعدة، وكان شجاعا بطلا يختال عند الحرب.
__________
(1) ظاهر بين درعين: أى لبس واحدة فوق الأخرى.
(2) حق سيف رسول الله أن يضرب بهذا السيف فى أعداء الله ورسوله حتى ينحنى السيف من شدة الضرب به فى رقاب الأعداء.
وكان أبو عامر عبد عمرو بن صيفى بن مالك بن النعمان أحد بنى ضبيعة، وهو والد حنظلة غسيل الملائكة، وكان أبوه- كما ذكرنا- فى الجاهلية قد ترهب وتنسك، فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء، ففر مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فى جماعة من فتيان الأوس، فلحق بمكة، وشهد يوم أحد مع المشركين، وكان سيدا فى الأوس، فوعد قريشا بانحراف قومه إليه، وكان هو أول من لقى المسلمين يوم أحد فى عبدان أهل مكة والأحابيش؛ فلما نادى قومه وعرفهم بنفسه، قالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق. قال: لقد أصاب قومى بعدى شر. ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا.
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أمت أمت. وأبلى يومئذ أبو دجانة، وطلحة، وحمزة، وعلى، وأبلى أنس بن النضر بلاء شديدا عجز عن مثله كثير ممن سواه؛ وكذلك جماعة من الأنصار، أصيبوا يومئذ مقبلين غير مدبرين. وقاتل الناس، فاستمرت الهزيمة على قريش.
فلما رأى ذلك الرماة قالوا: قد هزم الله أعداء الله. قالوا: فما لقعودنا ها هنا معنى، فذكر لهم أميرهم عبد الله بن جبير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بأن لا يزولوا، فقالوا: قد انهزموا؛ ولم يلتفتوا إلى قوله، فقاموا، ثم كر المشركون، فأكرم الله تعالى من أكرم من المسلمين بالشهادة، ووصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل رضوان الله عليه؛ وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه المكرم، وكسرت رباعيته «1» اليمنى والسفلى بحجر، وهشمت البيضة «2» فى رأسه المقدس، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية لعلى بن أبى طالب بعد مقتل مصعب،
__________
(1) الرباعية: إحدى الأسنان الأربعة التى تلى الثنايا، بين الثنية والناب.
(2) البيضة: الخوذة التى يضعها الفارس على رأسه.
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار. وكان الذى نال مما ذكرنا من نحو النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن قميئة الليثى، وعتبة بن أبى وقاص.
وشد حنظلة الغسيل بن أبى عامر على أبى سفيان، فلما تمكن منه، حمل شداد بن الأسود الليثى، وهو ابن شعوب، على حنظلة فقتله؛ وكان حنظلة قتل جنبا كما قام من امرأته، فغسلته الملائكة، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان قد قتل أصحاب اللواء من المشركين حتى سقط، فرفعته عمرة بنت علقمة الحارثية للمشركين، فاجتمعوا إليه.
وقد قيل: إن عبد الله بن شهاب الزهرى، عم الفقيه محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، هو الذى شج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جبهته «1» ، وألبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سقط فى حفرة، قد كان حفرها أبو عامر الأوسى مكيدة للمسلمين. فخر النبى صلى الله عليه وسلم على جنبه، فأخذه على بيده، واحتضنه طلحة، حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومص مالك بن سنان- والد أبى سعيد الخدرى- الدم من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ونشب حلقتان من حلق المغفر «2» فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح بثنيتيه، وعض عليهما حتى ندرت ثنيتا أبى عبيدة، وكان الهتم يزينه.
ولحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكر دونه نفر من المسلمين رضوان الله عليهم، كانوا سبعة، وقيل أكثر، حتى قتلوا كلهم، وكان آخرهم عمارة بن يزيد بن السكن.
__________
(1) كان الدم يسيل من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم» .
(2) المغفر: شبيه بالدرع له حلق يجعل على رأس الفارس يتقى ضربات فى الحرب.
ثم قاتل طلحة «1» بعد ذلك كقتال الجماعة، حتى أجهض المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية قتالا شديدا، وضربت عمرو بن قميئة بالسيف ضربات، فوقعت درعان كانتا عليه، وضربها عمرو بالسيف فجرحها جرحا عظيما على عاتقها. وترس أبو دجانة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك، وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص: ارم فداك أبى وأمى.
فأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفرى، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعينه على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أصح عينيه وأحسنهما.
وانتهى أنس بن النضر- عم أنس بن مالك- إلى جماعة من الصحابة، قد ألقوا بأيديهم، فقال لهم: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال لهم: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم استقبل الناس، ولقى سعد بن معاذ، فقال: يا سعد، إنى والله لأجد ريح الجنة من قبل أحد. فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه، وجد به سبعون ضربة.
وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحو عشرين جراحة، بعضها فى رجله، فعرج منها.
وأول من ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بعد الحملة كعب بن مالك الشاعر من بنى سلمة، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا
__________
(1) وقال عنه النبى الكريم: «من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشى على الأرض فلينظر إلى طلحة» تكريما له.
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اصمت. فلما عرفه المسلمون لاثوا به «1» ، ونهضوا معه نحو الشعب، فيهم: أبو بكر، وعمر، وعلى، وطلحة، والزبير، والحارث بن الصمة الأنصارى، وغيرهم.
فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعب، أدركه أبى بن خلف الجمحى، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم طعنه بها فى عنقه، فكر أبى منهزما، فقال له المشركون: والله ما بك من بأس. فقال: والله لو بصق على لقتلنى. وكان قد أوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل بمكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أقتلك. فمات عدو الله بسرف، مرجعه إلى مكة.
وملأ على درقته من المهراس «2» فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم، فوجد له رائجة، فعافه، وغسل به وجهه، ونهض إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان قد بدن «3» ، وظاهر بين درعين، فجلس طلحة بن عبيد الله، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره، ثم استقل به طلحة حتى استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وحانت الصلاة، فصلى صلى الله عليه وسلم قاعدا والمسلمون وراءه قعودا.
وانهزم قوم من المسلمين، فبلغ بعضهم إلى الجلعب دون الأعوص.
منهم: عثمان بن عفان، وعثمان بن عبيد الأنصارى، غفر الله عز وجل ذلك لهم، ونزل القرآن بالعفو عنهم بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا، وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ «4» إلى آخر الآية.
__________
(1) لاثوا به: لا ذوا به، وانضموا إليه وذهبوا معه إلى الشعب وهم خلق كثير من الصحابة.
(2) المهراس: ماء بأحد وقيل: صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء.
(3) بدن: أسن وضعف وقيل: عظم بدنه وكثر لحمه.
(4) سورة آل عمران الآية 155.
وكان الحسيل بن جابر، وهو اليمان والد حذيفة، وثابت بن وقش، شيخين كبيرين فاضلين، قد جعلا فى الآطام مع النساء والصبيان والهرمى؛ فقال أحدهما لصاحبه: ما بقى من أعمارنا إلا ظمء حمار «1» ، فلو أخذنا سيوفنا فلحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله تعالى يرزقنا الشهادة. ففعلا ذلك، ودخلا فى المسلمين؛ فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ، وقيل: إن متولى قتله كان عتبة بن مسعود، أخا عبد الله بن مسعود، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين.
وكان مخيريق أحد بنى ثعلبة بن الفطيو؟؟؟ من اليهود، فدعا اليهود مخيريق إلى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق واجب. فقالوا له: إن اليوم السبت. فقال: لا سبت لكم.
فأخذ سلاحه، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل، وأوصى أن يكون ما له لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء، فيقال: إن بعض صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من مال مخيريق.
وكان الحارث بن سويد بن الصامت منافقا، فخرج يوم أحد مع المسلمين، فلما التقى المسلمون عدا على المجذر بن ذياد البلوى، وعلى قيس بن زيد أحد بنى ضبيعة، فقتلهما، وفر إلى الكفار، وكان المجذر فى الجاهلية قتل سويدا- والد الحارث المذكور. - فى بعض حروب الأوس والخزرج.
ولحق الحارث بن سويد بمكة، فأقام هنالك، ثم إنه حينه الله «2» تبارك وتعالى فانصرف إلى قومه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء، فنهض عليه السلام إلى قباء فى وقت لم يكن يأتيهم فيه، فخرج إليه الأنصار أهل قباء،
__________
(1) الظم: مقدار ما يكون بين الشربتين وأقصر الأظماء ظم الحمار وهذا المثل يضرب القرب الأجل.
(2) حينه الله: أى كتب عليه الهلاك.
فى جملتهم الحارث بن سويد عليه ثوب مورس «1» فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويم بن ساعدة بأن يضرب عنق الحارث بن سويد. فقال الحارث: فيم يا رسول الله؟ فقال: فى قتلك المجذر بن ذياد يوم أحد غيلة. فما راجعه الحارث بكلمة، وضرب عويم عنقه، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلس.
وقد روى أنه قال: يا رسول الله، والله ما قتلته شكا فى دينى، ولكنى لما رأيته لم أملك نفسى، إذ ذكرت أنه قاتل أبى. ثم مد عنقه وقتل.
وكان عمرو بن ثابت بن وقش، من بنى عبد الأشهل، يعرف بالأصيرم- يأبى الإسلام. فلما كان يوم أحد، قذف الله تعالى فى قلبه الإسلام للذى أراد به من السعادة، فأسلم، وأخذ سيفه ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم. فقاتل، فأثبت بالجراح، ولم يعلم أحد بأمره؛ فلما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل فى القتلى يلتمسون قتلاهم، فوجدوه وبه رمق يسير، فقال بعضهم لبعض:
والله إن هذا الأصيرم. فأجابه: لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر. ثم سألوه:
يا عمرو، ما الذى أتى بك؟ أحدب على قومك أم رغبة فى الإسلام؟ فقال:
بل رغبة فى الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابنى ما ترون. فمات من وقته؛ فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
هو من أهل الجنة. قيل: وكان أبو هريرة إذا بلغه أمره يقول: ولم يصل لله قط.
وكان فى بنى ظفر رجل أتى «2» لا يدرى ممن هو، يقال له قزمان، فأبلى يوم أحد بلاء شديدا، وقتل سبعة من وجوه المشركين، وأثبت جراحا، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، فقال: هو من أهل النار. فقيل لقزمان:
__________
(1) المورس: الثوب المصبوغ بالورس وهو نبت أصفر يميل إلى الا حمرار.
(2) الأتى: الغريب وأصل الأتى: السيل الذى يأتى من بلد إلى بلد.
أبشر بالجنة. فقال: بماذا أبشر؟ والله ما قاتلت إلا عن أحساب قومى. ثم لما اشتد عليه الألم أخرج مهما من كنانته، فقطع به بعض عروقه، فجرى دمه حتى مات.
ومثل بقتلى المسلمين.
وأخذ الناس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قريش، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدفنوا فى مضاجعهم، وأن لا يغسلوا، ويدفنوا بدمائهم وثيابهم.
ذكر من استشهد من المسلمين يوم أحد
حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله وحشى، غلام بنى نوفل بن عبد مناف وأعتق لذلك، رماه بحربة، فوقعت فى؟؟؟. ثم إن وحشيا أسلم، وقتل بتلك الحربة نفسها مسيلمة الكذاب يوم اليمامة.
وعبد الله بن جحش حليف بنى أمية، وقيل: إنه دفن مع حمزة فى قبر واحد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يحفروا ويعمقوا، ويدفنوا الرجلين والثلاثة فى قبر واحد، ويقدموا أكثرهم قرآنا.
وذكر سعد بن أبى وقاص قال: قعدت أنا وعبد الله بن جحش صبيحه يوم أحد نتمنى، فقلت: اللهم لقنى من المشركين رجلا عظيما كفره، شديدا حرده «1» ، فيقاتلنى فأقتله، قيل: فآخذ سلبه. فقال عبد الله بن جحش: اللهم لقنى من المشركين رجلا عظيما كفره، شديدا حرده، فأقاتله فيقتلنى، قيل: ويسلبنى ثم يجدع أنفى وأذنى، فإذا لقيتك فقلت:
يا عبد الله بن جحش، فيم جدعت؟ قلت: فيك يا ربى. قال سعد: فو الله لقد رأيته آخر ذلك النهار وقد قتل، وإن أنفه وأذنه لفى خيط واحد بيد رجل من المشركين؛ وكان سعد يقول: كان عبد الله بن جحش خيرا منى.
__________
(1) الحرد الشديد: الغضب والغيظ والحقد على الإسلام.
ومصعب بن عمير، قتله ابن قميئة الليثى.
وعثمان بن عثمان، وهو شماس بن عثمان المخزومى.
ومن الأنصار، ثم من الأوس، ثم من بنى عبد الأشهل:
عمرو بن معاذ بن النعمان، أخو سعد بن معاذ.
والحارث بن أنس بن رافع.
وعمارة بن زياد بن السكن.
وسلمة وعمرو، ابنا ثابت بن وقش.
وأبوهما: ثابت بن وقش.
وأخوه: رفاعة بن وقش.
وصيفى بن قيظى.
وحباب بن قيظى.
وعباد بن سهل.
والحارث بن أوس بن معاذ، ابن أخى سعد بن معاذ.
واليمان، وهو الحسيل بن جابر، والد حذيفة حليف لهم.
ومن أهل رالج من بنى عبد الأشهل أيضا:
إياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن الأعلم بن زعورا بن جشم.
وعبيد بن التيهان.
وحبيب بن زيد بن تيم.
ومن بنى ظفر:
يزيد، أو زيد، بن حاطب بن أمية بن رافع.
ومن بنى عمرو بن عوف، ثم من بنى ضبيعة بن زيد:
أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد.
وحنظلة الغسيل بن أبى عامر بن صيفى بن النعمان بن مالك.
ومن بنى عبيدة بن زيد:
أنبس بن قتادة.
ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف:
أبو حبة بن عمرو بن ثابت، أخو سعد بن خيثعة لأمه.
وعبد الله بن جبير بن النعمان، أمير الرماة.
ومن بنى السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس:
خيثمة، والد سعد بن خيثمة.
ومن حلفائهم من بنى العجلان:
عبد الله بن سلمة.
ومن بنى معاوية بن مالك:
سبيع بن حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة.
ومن بنى خطمة:
عمير بن عدى، ولم يكن فى بنى خطمة يومئذ مسلم غيره.
ومن بنى النجار، ثم من بنى سواد:
عمرو بن قيس.
وابنه: قيس بن عمرو بن قيس بن زيد بن سواد.
وثابت بن عمرو بن زيد.
وعامر بن مخلد.
ومن بنى مبذول بن مالك بن النجار:
أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالك بن مبذول.
وعمرو بن مطرف.
ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار:
أوس بن ثابت بن المنذر، أخو حسان بن ثابت.
ومن بنى عدى بن النجار:
أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار.
وقيس بن مخلد، من بنى مازن بن النجار.
وكيسان، عبد لهم.
ومن بنى الحارث بن الخزرج:
خارجة بن زيد بن أبى زهير.
وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير- دفنا فى قبر واحد.
وأوس بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب.
وهو أخو زيد بن أرقم.
ومن بنى الأبجر، وهم بنو خدرة:
مالك بن سنان، والد أبى سعيد الخدرى.
وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الأبجر.
وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الأبجر.
ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج:
ثعلبة بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج ابن ساعدة.
وثقف بن فروة بن البدن.
ومن بنى طريف رهط سعد بن عبادة:
عبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف.
وضمرة، حليف لهم من جهينة.
ومن بنى عوف بن الخزرج، ثم من بنى سالم، ثم من بنى مالك بن العجلان بن يزيد بن غنم بن سالم:
نوفل بن عبد الله.
والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان.
والنعمان بن مالك بن ثعلبة بن فهر بن غنم بن سالم.
والمجذر بن ذياد البلوى، حليف لهم.
وعبادة بن الحسحاس- دفن هؤلاء الثلاثة: النعمان والمجذر وعبادة- فى قبر واحد.
ومن بنى سلمة:
عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر بن عبد الله، اصطبح الخمر فى صبيحة ذلك اليوم، ثم قتل من آخره شهيدا، وذلك قبل أن تحرم الخمر.
وعمر بن الجموح بن زيد بن حرام- دفنا فى قبر واحد، وكانا صديقين جدا.
وابنه خلاد بن عمرو بن الجموح.
وأبو أيمن، مولى عمرو بن الجموح.
ومن بنى سواد بن غنم:
سليم بن عمرو بن حديدة.
ومولاه: عنترة.
وسهيل بن قيس بن أبى كعب.
ومن بنى زريق بن عامر:
ذكوان بن عبد قيس.
وعبيد بن المعلى بن لوذان- فجميعهم خمسة وستون رجلا.
وقد ذكر أيضا فى شهداء أحد من الأوس:
مالك بن نميلة، حليف بنى معاوية بن مالك.
ومن بنى خطمة، واسم خطمة: عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس:
الحارث بن عدى بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة.
ومن الخزرج، ثم من بنى سواد بن مالك:
مالك بن إياس.
ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار:
إياس بن عدى.
ومن بنى سالم بن عوف:
عمرو بن إياس.
فتموا سبعين، رضوان الله عليهم؛ ولم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد حين دفنهم.
ذكر من قتل من كفار قريش يومئذ اثنان وعشرون رجلا
فيهم من بنى عبد الدار:
طلحة، وأبو سعيد، وعثمان، بنو أبى طلحة- واسم أبى طلحة:
عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار.
ومسافع، وجلاس، والحارث، وكلاب، بنو طلحة بن أبى طلحة المذكور.
وأرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
وابن عمه: أبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
وابن عمهما: القاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
وصؤاب مولى أبى طلحة.
ومن بنى أسد بن عبد العزى:
عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد، قتله على.
ومن بنى زهرة بن كلاب:
أبو الحكم بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى، حليف لهم، قتله على.
وسباع بن عبد العزى الخزاعى، حليف لهم.
ومن بنى مخزوم:
هشام بن أبى أمية بن المغيرة، أخو أم سلمة أم المؤمنين.
والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة.
وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة.
وخالد بن الأعلم، حليف لهم.
ومن بنى جمح:
أبو عزة الشاعر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره يوم بدر، ثم من عليه وأطلقه بغير فداء، وأخذ عليه ألا يعين عليه، فنقض العهد، فأسر يوم أحد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه صبرا، وقال له: والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين.
وأبى بن خلف- رجلان.
ومن بنى عامر بن لؤى:
عبيدة بن جابر.
وشيبة بن مالك بن المضرب- رجلان.