لم يؤذن للمسلمين في القتال قبل الهجرة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة رغم ما ذاقوا من المر وكابدوا من فنون الأسى والضر، فلم يكن من همهم إلا أن ينشروا (دعوة) ، ويثبتوا (عقيدة) ويقولوا في حرارة وصدق: ربنا الله ... فلما اشتد عداء قريش وصمموا على القضاء على الدعوة الاسلامية، وأجمعوا أمرهم على قتل النبي صلّى الله عليه وسلم، هاجر هو وأصحابه الى المدينة المنورة.
فهل وقف البغي، وخفّت حدّة العدوان؟ كلا، ظلت قريش تحارب المسلمين، وتخرجهم من ديارهم وأموالهم حتى أذن الله للمسلمين في القتال فنزلت فيه أول آية: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ) «2» .
__________
(1) - حرب الفروسية: كفاح شرف لا يجوز أن يلجأ المحاربون فيه الى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف. فالشرف العسكري يستلزم احترام العهد المقطوع ويحرم استعمال السلاح الذي لا يتفق استعماله مع الشرف، أو القيام بعمل من أعمال الخيانة. ويجب مواساة الجرحى والمرضى والعناية بهم وعدم الإجهاز عليهم وعدم التعرض لغير المقاتلين وللآمنين من السكان.
(2) - الآيتان الكريمتان من سورة الحج 22: 39- 40.
لقد خرج الرسول صلّى الله عليه وسلم غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه الى المدينة المنورة، وبذلك بدأ القتال (فعلا) في الإسلام.