وكانت أول اية نزلت فيه هي قوله تعالى:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ «3» يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «4» .
__________
(1) سورة الأحقاف: الاية 35.
(2) سورة المزمل: الاية 10.
(3) الصوامع للرهبان، والبيع متعبدات اليهود والنصارى وهي الكنائس، والصلوات متعبدات النصارى أيضا، والمساجد: متعبدات المسلمين.
(4) سورة الحج: الايات 39- 41.
والإذن لا يكون إلا بعد منع، فأسلوب الايات يشعر بأنها أول ما نزل، هذا إلى ما روى الحاكم في المستدرك عن حبر القران ابن عباس، أنها أول ما نزل في القتال، ورواه عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية- وهو من التابعين- أن أول اية نزلت فيه قوله تعالى:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «1» .
ويرى البعض أن أول ما نزل هو قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «2» .
والذي نرجّحه هو الأول، وهو الذي يؤيده العقل والنقل، أما الاية الثانية فهي إلى تنظيم شؤون القتال أقرب، والتنظيم إنما يكون بعد الإذن، وأما الاية الثالثة فهي إلى الحثّ والترغيب في الجهاد أقرب.