"ثم أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه قبل حجة الوداع أيضا في ربيع الأول سنة عشر، وفي الإكليل" للحاكم "في ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى" سنة عشر، وهو الذي في ابن إسحاق في الوفود، ولفظه في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى سنة عشر، وتبعه اليعمري والمصنف في الوفود وغيرهما، وأو يحتمل أنها للشك، أو إشارة إلى قولين متساويين
إلى بني عبد الدان قبيلة بنجران فأسلموا.
__________
إلى بني عبد المدان" بوزن سحاب اسم صنم.
قال في الروض: واسم عبد المدان عمرو بن الديان، واسم الديان يزيد بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب "قبيلة" يقال لها: بنو الحارث "بنجران" موضع باليمن سمي بنجران بن زيد بن سبأ، "فأسلموا" قال ابن إسحاق: أمر صلى الله عليه وسلم خالدا أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا، فقاتلهم، فخرج حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام، ويقولون أيها الناس أسلموا تسلموا، فأسلموا ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام خالد يعلمهم الإسلام والكتاب والسنة، وبذلك كان أمره إن هم أسلموا ولم يقاتلوا، ثم كتب إليه السلام بذلك، فكتب إليه صلى الله عليه وسلم أن يقدم ومعه وفدهم، فقدموا فأمر عليهم قيس بن الحصين، فرجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو صدر ذي القعدة ويأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك في الوفود بعون الله.
زاد الشامي هنا سرية المقداد بن الأسود إلى أناس من العرب، وقال: روى البزار، والطبراني والدارقطني والضياء عن ابن عباس: بعث صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له فقتله المقداد فلامه رجل من الصحابة، ثم أخبره صلى الله عليه وسلم لما قدموا فقال: "أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله، فكيف لك بها غدا"، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، إلى قوله {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} انتهى. وليس في قوله بعث سرية فيها المقداد أنه أميرها، بل ظاهره أنه ليس الأمير، فلا تعد سرية مستقلة، فيحمل على أن المقداد كان في أحد السرايا السابقة مع غيره، ثم نزول الآية في مخالف لما سبق من نزولها في غيره والله تعالى أعلم.
[بعث علي إلى اليمن] :
ثم أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن في شهر رمضان، سنة عشر.
__________
بعث علي إلى اليمن:
"ثم أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن" قال ابن سعد: يقال مرتين إحداهما "في شهر رمضان سنة عشر" من الهجرة، وهي الثانية كما جزم به الشامي. وأفاد أن الأولى بعثه إلى همدان، وبه صرح في فتح الباري، كما يأتي، فوهم من ترجى أنها سريته إلى الفلس المتقدمة؛ لأن تلك إلى بلاد طيء لهدم صنمهم والغارة عليهم، كما مر لا إلى جهة
من الهجرة، وعقد له لواء وعممه بيده.
وأخرج أبو داود وأحمد والترمذي من حديث علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء. قال: فوضع يده في صدري وقال: "اللهم ثبت لسانه واهد قلبه"، وقال: "يا علي إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر" الحديث.
فخرج في ثلاثمائة، ففرق أصحاب فأتوا بنهب
__________
اليمن، "وعقد له لواء".
قال الواقدي: أخذ عمامته، فلفها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه، "وعممه بيده" عمامة ثلاثة أكوار، وجعل له ذراعا بين يديه، وشبرا من ورائه، وقال له: "امض ولا تلتفت"، فقال علي: يا رسول الله ما أصنع، قال: "إذا نزلت بساحتهم، فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وادعهم إلى قول لا إله إلا الله، فإن قالوا نعم، فمرهم بالصلاة، فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت".
ذكره الواقدي: "وأخرج أبو داود وأحمد والترمذي من حديث علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وأنا حديث السن لا أبصر" يجوز فتح الهمزة وضم الصاد، أي لا أعلم "القضاء" وضم الهمزة وكسر الصاد، أي لا أراه بتنزيل المعقول منزلة المحسوس "قال" علي: "فوضع يده" المباركة "في صدري" أي عليه، "وقال: "اللهم ثبت لسانه" بشد الباء، أي اجعله مستقرا دائما على النطق بالحق "واهد قلبه" بهمزة وصل، أضاف الثبات للسان لتحركه عند النطق، فناسب الثبات بمعنى القرار والهداية للقلب؛ لأن المراد بها خلق الاهتداء فيه، "وقال" صلى الله عليه وسلم: "يا علي" النسخ الصحيحة بإثبات ياء النداء، ومثلها في الفتح، وفي نسخة بحذف أداة النداء، لكن الرواية بإثباتها "إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما" وفي رواية "فلا تقض لأحدهما" " حتى تسمع من الآخر" كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء، هذا تمام "الحديث" عند المذكورين.
وفي رواية لأبي داود وغيره قال علي: والله ما شككت في قضاء بين اثنين، "فخرج" كما قال ابن سعد وشيخه علي وعسكر بقناة بفتح القاف والنون الخفيفة، كما أمره حتى تمام أصحابه "في ثلاثمائة فارس"، قالا: وكانت أول خيل دخلت تلك البلاد، وهي بلاد مذحج، "ففرق" لما انتهى إلى تلك الناحية "أصحابه فأتوا بنهب" قال البرهان: بفتح النون بلا خلاف نص عليه غير واحد، وسمعت بعض الطلبة، بكسرها ولا أعرفه، ولا سمعته انتهى. وهو الغلبة والقهر، كما في
وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك، ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا. ورموا بالنبل، ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا، وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله.
__________
المصباح فهو هنا بمعنى المنهوب؛ لأنه الذي يؤتى به لا نفس الغلبة، كما هو ظاهر "وغنائم" تفسير للمنهوب لقول ابن سعد بنهب غنائم.
قال في النور: بدل مما قبله وساقه الشامي بالواو كالمصنف، ثم قال: إنه يدل مما قبله، ولا يصح لوجود الواو فكأنه كتب كلام النور أو زادت عليه الواو سهوا، "ونساء، وأطفال، ونعم وشاء وغير ذلك" بيان الغنائم قال ابن سعد: وجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي، فجمع إليه ما أصابوا "ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا" المسلمين "بالنبل" والحجارة، "ثم" بعد أن خرج رجل من مذحج يدعو إلى البراز فبرز إليه الأسود بن خزاعي، فقتله الأسود وأخذ سلبه "حمل عليهم علي بأصحابه" بعد أن صفهم ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان الأسلمي، "فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا، وانهزموا فكف عن طلبهم" قليلا، "ثم" لحقهم حتى "دعاهم إلى الإسلام" فلا يرد أنه كيف يدعوهم بعد تفرقهم وكفه عن طلبهم أو لعلهم اجتمعوا بعد التفرق، وأتوا إليه فدعاهم، "فأسرعوا وأجابوا، وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام، وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله"، وجمع على الغنائم فجزأها على خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله، وأقرع عليها فخرج أول السام سهم الخمس، وقسم على أصحابه بقية الغنم.
ذكره ابن سعد وشيخه قال اليعمري: ويشبه أن هذه السرية هي الثانية والأولى هي ما ذكر شاط، قال وفي حديث أنه: صلى الله عليه وسلم بعث علينا إلى اليمن وذلك في رمضان سنة عشر فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، فكتب بذلك إليه صلى الله عليه وسلم، فخر لله ساجدا، ثم جلس فقال: السلام على همدان، وتتابع أهل اليمن على الإسلام، انتهى. وهو واضح لكن التاريخ وهم لاتحاده مع ما قال إنه الثانية كما ترى، فالأولى قول الحافظ لما شرح ما أخرجه البخاري عن البراء: بعثنا صلى الله عليه وسلم مع خالد إلى اليمن، ثم بعث عليًّا بعد ذلك مكانه، فقال: "مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معلك، فليعقب ومن شاء فليقبل"، فكنت فيمن عقب معه فغنمت أواقي ذوات عدد.
زاد الإسماعيلي: فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي، وصفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى
ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر.
__________
رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا، ثم رفع رأسه وقال: "السلام على همدان"، وكان البعث بعد رجوعهم من الطائف، وقسمه الغنائم بالجعرانة انتهى. فهو صريح في أن البعث الأول كان في أواخر سنة ثمان، وأنه إلى همدان، والثاني كان في رمضان سنة عشر إلى مذحج، كما ذكر ابن سعد وغيره، وأنها أول خيل أغارت عليهم لاختلاف الجهة، وأن جمع الكل اسم اليمن، ويؤيده أن في رواية البيهقي عن البراء: فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا، ثم بعث عليًّا مكان خالد، فذكر الحديث قالوا: ثم أقام علي فيهم يقرئهم القرآن، ويعلمهم الشرائع، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بخبره مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، فأتاه فأمره صلى الله عليه وسلم أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله، فأخبر عليًّا بذلك، "ثم قفل" علي، "قوافي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر" وتعجل وخلف على أصحابه، والخمس أبا رافع، وكان في الخمس من ثياب اليمن أحمال معكومة، ونعم وشاء مما غنموا، ومن صدقات أموالهم، فسأل أصحاب علي أبا رافع أن يكسوهم ثيابا يحرمون فيها، فكساهم ثوبين ثوبين، فلما كانوا بالسدرة داخلين خرج علي ليتلقاهم ليقدم بهم فرأى الثياب على أصحابه، فنزعها فشكوه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما لأصحابك يشكونك"؟ قال قسمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس، حتى يقدم عليك فترى فيه رأيك، فسكت صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
[حجة الوداع] :
ثم حج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع،
__________