قال محمد بن عمر، وابن سعد [ (1) ] رحمهما الله تعالى واللفظ للأول: قالوا-: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا إلى اليمن في رمضان وأمره أن يعسكر بقناة فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه. فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء وأخذ عمامته فلفها مثنية مربّعة فجعلها في رأس الرّمح ثم دفعها إليه وعمّمه بيده عمامة ثلاثة أكوار وجعل له ذراعا بين يديه وشبرا من ورائه وقال له:
«امض ولا تلتفت» .
فقال علي: يا رسول الله ما أصنع؟ قال: «إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وادعهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن قالوا نعم فمرهم بالصلاة فإن أجابوا فمرهم بالزكاة فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت» .
فخرج عليّ في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرّق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم وسبايا نساء وأطفالا ونعما وشاء وغير ذلك. فجعل عليّ على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعا. ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا أصحابه بالنّبل والحجارة. فلما رأى أنهم لا يريدون إلا القتال صفّ أصحابه ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السّلمي فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود وأخذ سلبه. ثم حمل عليهم عليّ وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرّقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائما وكفّ عليّ عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا. وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى. وجمع عليّ ما أصاب من تلك الغنائم، فجزّأها خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله ثم أقرع عليها، فخرج أول السّهمان سهم الخمس وقسم علي رضي الله تعالى عنه على أصحابه بقيّة المغنم، ولم ينفّل أحدا من الناس شيئا، وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس ثم يخبرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يردّه عليهم فطلبوا ذلك من عليّ فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى فيه رأيه.
وأقام فيهم يقرئهم القرآن ويعلّمهم الشرائع وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا مع
__________
[ (1) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 1/ 122.
عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره الخبر. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى عليّ بذلك فانصرف عليّ راجعا. فلما كان بالفتق تعجّل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر وخلّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج، وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة ونعم وشاء مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. فسأل أصحاب عليّ أبا رافع إن يكسوهم ثيابا يحرمون فيها فكساهم منها ثوبين ثوبين. فلما كانوا بالسّدرة داخلين خرج عليّ ليتلقّاهم ليقدم بهم، فرأى على أصحابه الثياب
فقال لأبي رافع: ما هذا؟
فقال: «كلّموني ففرقت من شكايتهم وظننت أن هذا ليسهل عليك وقد كان من قبلك يفعل هذا بهم» . فقال: «قد رأيت امتناعي من ذلك ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلّفت فتعطيهم» . فنزع عليّ الحلل منهم.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه، فدعا عليّا، فقال: «ما لأصحابك يشكونك؟» قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا وحسبت الخمس حتى يقدم عليك فترى فيه رأيك. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: واحتفر قوم بئرا باليمن فأصبحوا وقد سقط فيها أسد، فنظروا إليه، فسقط إنسان بالبئر فتعلّق بآخر وتعلّق الآخر بآخر حتى كانوا في البئر أربعة فقتلهم الأسد، فأهوى إليه رجل برمح فقتله. فتحاكموا إلى علي رضي الله تعالى عنه. فقال: ربع دية وثلث دية ونصف دية ودية تامة: للأسفل ربع دية من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث دية لأنه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف دية من أجل أنه هلك فوقه واحد، وللأعلى الدّية كاملة.
فإن رضيتم فهو بينكم قضاء وإن لم ترضوا فلا حقّ لكم حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضي بينكم. فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّوا عليه خبرهم، فقال: «أنا أقضي بينكم إن شاء الله تعالى» . فقال بعضهم: يا رسول الله إن عليّا قد قضى بيننا. قال: «فيم قضى؟» فأخبروه، فقال:
«هو كما قضى به» .