ثم كانت سرية علي رضي اللَّه عنه في رمضان: بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن [حين] [ (6) ] تتام أصحابه، وعقد له لواء: أخذ عمامة فلفها مثنية مربعة وجعلها
__________
[ (1) ] في (خ) القصة.
[ (2) ] انظر آية المباهلة، وهي الآية رقم 16/ آل عمران، وأسباب النزول للواحدي ص 74.
[ (3) ] في (خ) «يعاشروا» ، ومعنى لا يعشروا: لا يؤخذ عشر أموالهم في التجارات.
[ (4) ] لا يحشروا: لا يندبون إلى المغازي.
[ (5) ] زيادة من (ط) عن (فتوح البلدان) ص 71.
[ (6) ] زيادة للسياق من (ط) .
في رأس الرّمح، ثم دفعها إليه وقال: هاك هذا اللواء! وعممه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعها بين يديه وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمّة [ (1) ] !
وصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم له
وقال له: امض ولا تلتفت! فقال على: يا رسول اللَّه، كيف أصنع؟ قال:
إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منك قتيلا، فإن قتلوا منك قتيلا فلا تقاتلهم، تلوّمهم [ (2) ] حتى تريهم أناة. ثم تقول لهم: هل لكم أن تقولوا لا إله إلا اللَّه؟ فإن قالوا: نعم، فقل هل لكم إلى أن تصلوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردّونها على فقرائكم؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك، واللَّه لأن يهدي اللَّه على يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت.
,
فخرج في ثلاثمائة فارس حتى انتهى إلى أرض مذحج ففرّق [ (3) ] أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك، فكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد، فجعل على الغنائم بريدة بن الحصيب ثم لقي جمعا فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا ورموا بالنّبل والحجارة ساعة، فصفّ أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السّلمي، وحمل عليه بمن معه، قتل منهم عشرين رجلا، فانهزموا فلم يتبعهم، ودعاهم إلى الإسلام فأجابوا. وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا: نحن على من وراءنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق اللَّه.
,
وجمع على الغنائم وجزأها خمسة أجزاء. وأقرع عليها، وكتب في سهم منها، فخرج أوّل السهام سهم الخمس، ولم ينفل منه أحدا من الناس شيئا.
وكان من قبله من الأمراء يعطون أصحابهم- الحاضر دون غيرهم- من
__________
[ (1) ] العمة: هيئة الاعتمام، والعمامة: ما يعتمم به.
[ (2) ] تلومهم: انتظرهم.
[ (3) ] في (خ) «فعرق» .
الخمس، ثم يخبر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا يردّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى فيه رأيه، وهذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوافي الموسم، ونلقاه به فيصنع ما أراه اللَّه فانصرف راجعا، وحمل الخمس، وساق معه ما كان ساق.
وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة، ونعم مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم.
ثم تعجل، وجعل أبا رافع على أصحابه وعلى الخمس، وكان عليّ ينهاهم عن ركوب إبل الصدقة. فسأل القوم أبا رافع أن يكسوهم ثيابا يحرمون فيها، فكساهم ثوبين.
,
فلما خرج علي يتلقاهم- وهم داخلون مكة ليقدم بهم- رأى عليهم الثياب فعرفها، فقال لأبي رافع: ما هذا! فأخبره، فقال: قد رأيت إبائي عليهم ذلك، ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت فتعطيهم؟! وجرّد بعضهم من ثوبيه.
فلما قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شكوه، فدعاه [ (1) ] وقال. ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم: قسمت عليهم ما غنموا. وحبست الخمس حتى نقدم عليك وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أمورا: ينفلون من أرادوا من الخمس، فأردت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك! فسكت عليه السلام.
,
وكان عليّ رضي اللَّه عنه قد كتب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما ظهر علي عدوّه- مع عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزنيّ- بما كان من لقاء القوم وإسلامهم، فأمر أن يوافيه في الموسم-، فعاد إليه عبد اللَّه.
وقدم عليّ من اليمن فوجد فاطمة عليها السلام ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: أمرني بهذا أبي، فذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محرّشا عليها [ (2) ] ، مستفتيا في الّذي ذكرت، وأخبره، فقال: صدقت! ماذا قلت
__________
[ (1) ] في (خ) «فدعاهم» .
[ (2) ] التحريش: الإغراء والتهييج بذكر ما يوجب العتاب.
حين فرضت الحج؟ قال: قلت اللَّهمّ إني أهلّ بما أهلّ به رسولك! قال: فإن معي فلا تحلّ، وكان الهدي الّذي جاء به عليّ رضي اللَّه عنه والّذي ساقه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة مائة بدنة، فأشرك عليا في هديه [ (1) ] .