وفى نصف شوّال هذه السنة يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة وقعت غزوة بنى قينقاع بفتح القاف وتثليث النون والضم أشهر حى من اليهود كانوا بالمدينة كذا فى القاموس* وفى الوفاء منازلهم عند جسر بطحان مما يلى العالية* وفى صحيح البخارى عن ابن عمر أن بنى قينقاع هم رهط عبد الله بن سلام* وقال الحافظ ابن حجر وهم من ذرّية يوسف الصدّيق عليه السلام* وفى الاكتفاء لما رجع من قرقرة الكدر الى المدينة أقام بقية شوّال وذا القعدة وأفدى فى اقامته تلك جل الاسارى من قريش أى أسارى بدر* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع اليهود على أن لا يعينوا عليه أحدا وان دهمه بها عدوّ نصروه فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغى وقالوا لم يلق محمد من يحسن القتال ولو لقينا لاقى عندنا قتالا لا يشبه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد كذا فى المنتقى* وفى خلاصة السير اليهود يرجعون الى ثلاث طوائف بنى قينقاع والنضير وقريظة فنقض الثلاث
العهد طائفة بعد طائفة فأوّل من نقض العهد منهم بنو قينقاع قتلوا رجلا من المسلمين وحاربوا فيما بين بدر وأحد* وقال مغلطاى قال الحاكم غزوة بنى قينقاع وبنى النضير واحدة فربما اشتبهتا على من لا يتأمّل* وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر انهم أوّل من نقض العهد فغزاهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم بنى النضير وأغرب الحاكم فزعم ان اجلاء بنى قينقاع واجلاء بنى النضير كان فى زمن واحد ولم يوافق على ذلك لانّ اجلاء بنى النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدّة طويلة على قول ابن اسحاق* وذكر الواقدى ان اجلاء بنى قينقاع كان فى شوّال سنة اثنتين يعنى بعد بدر بشهر ويؤيده رواية ابن اسحاق عن ابن عباس ان غزوة بنى قينقاع بعد بدر* وفى الوفاء حاربهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد بدر فى شوّال فألقى الله الرعب فى قلوبهم فنزلوا على حكمه فأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبى وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة الى أذرعات* وفى الاكتفاء منشأ أمرهم فى نقض العهد أن امرأة من العرب قدمت بحلب لها فباعته بسوق بنى قينقاع وجلست الى صائغ بها فجعلوا يرادونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الى طرف ثوبها من خلفها بحيث لا تعلم فعقده الى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهود يا فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع فلما أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بذلك جمع أشراف يهود بنى قينقاع فقال لهم يا معشر اليهود احذروا من الله أن يوقع بكم ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فانكم قد عرفتم انى نبىّ مرسل تجدون ذلك فى كتابكم وعهد الله اليكم قالوا يا محمد انك ترى أنا قومك لا يغرّنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس* وفى الوفاء قالوا انهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فأنزل الله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم الى قوله أولى الابصار فخرج صلّى الله عليه وسلم اليهم للنصف من شوّال سنة اثنتين بعد بدر بشهر ودفع لواءه يومئذ الى حمزة وكان أبيض* قال ابن هشام واستعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة فى محاصرته اياهم بشر بن عبد المنذر فتحصنت اليهود فى حصنهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة الى هلال ذى القعدة حتى جهدهم الحصار فنزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر منذر بن قدامة السلمى أن يكتفهم فكتفوا وهو يريد قتلهم فمرّ بهم عبد الله بن أبى بن سلول فأراد أن يطلقهم وهم حلفاؤه قال له المنذر أتطلق قوما أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بربطهم والله لا يفعله أحد الا أضرب عنقه* وفى سيرة ابن هشام فقام اليه عبد الله بن أبى بن سلول حين أمكن الله نبيه منهم فقال يا محمد أحسن فى موالىّ فأعرض عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأعاد ابن أبى كلامه فسكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يجبه بشئ فأدخل ابن أبىّ يده فى جيب درع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يقال لها ذات الفضول فيما قاله ابن هشام وقال يا رسول الله أحسن فى حلفائى وألح عليه من أجلهم فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال ويحك أرسلنى قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن فى موالىّ أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد كانوا منعونى من الاحمر والاسود تحصدهم فى غداة واحدة وانى والله امرؤ أخشى الدوائر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك فأمر أن يجلوا وتركهم من القتل* وفى رواية قال حلوهم لعنهم الله ولعن من معهم فتجاوز عن دمائهم ولكن أمر باجلائهم* قال ابن اسحاق حدّثنى أبى اسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلّى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبى وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وكان أحد بنى عوف لهم من حلفه مثل الذى لهم من عبد الله بن أبى فخلعهم عبادة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ الى الله والى رسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم قال ففيه وفى عبد الله بن أبى نزلت القصة من المائدة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم انّ الله لا يهدى القوم الظالمين فترى الذين فى قلوبهم مرض كعبد الله بن أبى يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة الى قوله فى أنفسهم نادمين ولما سمعوا خبر الاجلاء اغتموا وأتى عبد الله بن أبى برؤسائهم ليشفع لهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أمر الاجلاء أيضا وكان عويمر بن ساعدة العمروى واقفا على الباب فأراد ابن أبى أن يدخل فمنعه عويمر فدفعه ابن أبى وأراد أن يدخل بالعنف فغضب عويمر فدفعه دفعا أصابت منه جبهته الجدار فدميت فلما رأت اليهود ذلك قالوا لابن أبى يا أبا الخباب نحن لا نسكن فى بلد يفعل فيها مثل هذا ولا نقدر على دفعه فرجعوا خائبين فأمر صلّى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت باخراجهم فاستمهلوه ثلاثة أيام بامر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم أخرجهم عن منازلهم وبلغهم الى ذى ناب فذهبوا الى أذرعات من الشام فهلكوا بعد زمان فليل وصارت أموالهم وأسلحتهم غنيمة للمسلمين واصطفى عليه السلام لنفسه صفى المغنم ثلاث قسى يقال لاحداها الكتوم انكسرت يوم احد وللثانية الروحاء وللثالثة البيضاء ودرعين يسمى أحدهما فضة والاخرى السغدية بالسين المهملة والغين المعجمة* قال بعض الحفاظ كانت السغدية درع داود عليه السلام التى لبسها حين قتل جالوت والله أعلم وثلاثة أسياف سيف يقال له قلعى وسيف يدعى البتار وسيف يسمى الحتف وثلاثة ارماح ثم أمر بعزل الخمس وهو أوّل خمس فى الاسلام بعد بدر ووهب منها درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ يدعى سحك وقسم الباقى على أصحابه ثم انصرف الى المدينة
*