كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود، وعاهدهم، وأقرهم على أموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم (2).
_________
(1) انظر: الرحيق المختوم، ص183.
(2) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/ 224 - 226، وزاد المعاد 3/ 65، وانظر: كتابة الميثاق بين المسلمين ويهود المدينة في سيرة ابن هشام 2/ 119 - 123.
وهذا الميثاق في غاية الدقة، وحسن السياسة، وكمال الحكمة من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ربط بين جميع المسلمين في المدينة وبين اليهود، فأصبحوا كتلة واحدة، يستطيعون أن يقفوا في وجه كل من يريد أهل المدينة بسوء.
وهذه الخطوات الخمس: بناء المسجد، ودعوة اليهود إلى الإسلام، والمؤاخاة بين المؤمنين وتربيتهم، وكتابة الميثاق، هي التي حل بها النبي صلى الله عليه وسلم - بفضل الله تعالى - الخلاف المستحكم بين سكان المدينة، وأزال بها جميع آثار الماضي، ووحَّد بها قلوب المسلمين، وطبَّق بها النظام المتقن داخل المدينة، ومن ثم انتشر هذا النظام، والدعوة إلى الله من هذه المدينة إلى جميع أقطار العالم (1).
_________
(1) انظر: الرحيق المختوم ص171، 178، 185، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 166، 2/ 69، 160، وهذا الحبيب يا محب ص176، 174.
المبحث السابع عشر
بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم
مما يدل على تأثير القرآن العظيم في القلوب ما قاله جبير بن مطعم رضي الله عنه: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطُّور، فَلَمَّا بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37] كاد قلبي أن يطير [وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي]» (1).
وهذا يدل على تأثير القرآن الكريم في القلوب، وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها الوحي الثاني ولها
_________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة الطور، بابٌ: حدثنا عبد الله بن يوسف، 6/ 68، برقم 4854، وما بين المعكوفين من الطرف رقم 4023 من كتاب المغازي 5/ 25، وأخرجه مسلم بنحوه في كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، 1/ 338، برقم 463.
تأثير في القلوب أيضًا، ومما يدل على تأثير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلوب وبلاغته الأمثلة الآتية:
,
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود، وعاهدهم، وأقرهم على أموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم (2).
_________
(1) انظر: الرحيق المختوم، ص183.
(2) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/ 224 - 226، وزاد المعاد 3/ 65، وانظر: كتابة الميثاق بين المسلمين ويهود المدينة في سيرة ابن هشام 2/ 119 - 123.
وهذا الميثاق في غاية الدقة، وحسن السياسة، وكمال الحكمة من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ربط بين جميع المسلمين في المدينة وبين اليهود، فأصبحوا كتلة واحدة، يستطيعون أن يقفوا في وجه كل من يريد أهل المدينة بسوء.
وهذه الخطوات الخمس: بناء المسجد، ودعوة اليهود إلى الإسلام، والمؤاخاة بين المؤمنين وتربيتهم، وكتابة الميثاق، هي التي حل بها النبي صلى الله عليه وسلم - بفضل الله تعالى - الخلاف المستحكم بين سكان المدينة، وأزال بها جميع آثار الماضي، ووحَّد بها قلوب المسلمين، وطبَّق بها النظام المتقن داخل المدينة، ومن ثم انتشر هذا النظام، والدعوة إلى الله من هذه المدينة إلى جميع أقطار العالم (1).
_________
(1) انظر: الرحيق المختوم ص171، 178، 185، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 166، 2/ 69، 160، وهذا الحبيب يا محب ص176، 174.
المبحث السابع عشر
بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم
مما يدل على تأثير القرآن العظيم في القلوب ما قاله جبير بن مطعم رضي الله عنه: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطُّور، فَلَمَّا بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37] كاد قلبي أن يطير [وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي]» (1).
وهذا يدل على تأثير القرآن الكريم في القلوب، وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها الوحي الثاني ولها
_________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة الطور، بابٌ: حدثنا عبد الله بن يوسف، 6/ 68، برقم 4854، وما بين المعكوفين من الطرف رقم 4023 من كتاب المغازي 5/ 25، وأخرجه مسلم بنحوه في كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، 1/ 338، برقم 463.
تأثير في القلوب أيضًا، ومما يدل على تأثير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلوب وبلاغته الأمثلة الآتية:
,
مقابلة كل يهودي على وجه الأرض، فكيف وقد تابعه من الأحبار والرُّهبان من لا يُحصي عددهم إلا الله (1).
وقد آمن هذا الرجل بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيٌّ، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خبَّرني بهنَّ آنفًا جبريلُ" قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أول أشرط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ (2)
وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان
_________
(1) انظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم ص514، 525.
(2) وفي رواية للبخاري برقم 3939: ((فزيادةُ كَبِدِ الحوت)) ..
الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها"، [قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله] قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْتٌ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بَهَتُوني عندك، فادعهم [فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي]، [فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا]، فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:، قالوا: ما نعلمه - قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، قالها ثلاثًا مرارًا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ " قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا، [خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا]، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: أعاذه الله من ذلك، حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "يا ابن سلام اخرج عليهم"،
[فخرج عليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله]، [يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت]، [شرُّنا وابن شرِّنا، ووقعوا فيه]، [فأخرجهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم]» (1).
وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: «لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَلَهُ، وقيل: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبيَّنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال:
_________
(1) البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته 6/ 362 (رقم 3329)، ومناقب الأنصار، باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة 7/ 250 (رقم 3911)، وباب حدثني حامد بن عمر، عن بشر بن المفضل 7/ 272 (رقم 3938)، وكتاب التفسير، سورة البقرة، باب قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا ((((((((((((}. 8/ 165 (رقم 4480)، وألفاظ الحديث من المواضع الأربعة، وانظر: البداية والنهاية 3/ 210.
يا أيها الناس، أفشُوا السلام، وأطعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ، تدخُلُوا الجنَّةَ بسلام» (1).
وقد أثنى الله على هذا العالم الرباني، فعن سعد بن أبي وقاص قال: «ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يمشي (2) على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية» (3) {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10].
_________
(1) ابن ماجه في كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام 2/ 1083 (رقم 3251) بلفظه، والترمذي في صفة القيامة، باب حدثنا محمد بن بشار 4/ 652 (2485)، وأحمد في المسند 4/ 451، وانظر: صحيح ابن ماجه 2/ 222.
(2) قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه شهد لأناس كثير بالجنة، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة، فقيل بأن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يعني من الأحياء، لأن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - عاش بعد موتهم، ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد، ويؤخذ هذا من قول سعد - رضي الله عنه -: يمشي على الأرض. انظر: فتح الباري 7/ 129، 130.
(3) البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام 7/ 128 (رقم (3812)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن سلام 4/ 1930 (رقم 2483).
2 - زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود رضي الله عنه: قال - رضي الله عنه -: «ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالًا - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال عمر: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم. قلت: أو على بعضهم. فخرج عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وآمن به، وصدَّقه، وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك مُقبلًا غير مدبر» (1) رضي الله عنه ورحمه.
_________
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني، وقال: رجاله ثقات 8/ 240، وتقدم تخريجه كاملاً مطولاً في حلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، والقصة هنا مختصرة، فارجع إليها في مجمع الزوائد للهيثمي، 8/ 239، 240.
3 - ,
_________
(1) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر، ص74، وفقه السيرة ص189، وهذا الحبيب يا محب ص180.
- بعد أن دخل المدينة - الاتصال باليهود بواسطة عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - ودعوتهم إلى الإسلام.
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خبَّرني بهن آنفًا جبريل" قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها" [قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله]، قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْتٌ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بَهَتُوني عندك، [فأرسل نبي الله
صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًا، وأني جئتكم بحق، فأسلموا"، قالوا: ما نعلمه، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم - قالها ثلاث مرات - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ " قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: "يا ابن سلام اخرج عليهم"، فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت، [شرنا، وابن شرنا]، ووقعوا فيه» (1).
_________
(1) البخاري مع الفتح، في كتاب أحاديث الأنبياء 6/ 362، برقم 3329، وفي كتاب مناقب الأنصار 7/ 250 (رقم 3911)، 7/ 272 (رقم 3938)، والألفاظ من = = المواضع الثلاثة، وانظر أيضاً: البخاري مع الفتح 8/ 165، برقم 4480، والبداية والنهاية 3/ 210.
وهذه أول تجربة تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود عند دخول المدينة (1).
ومن حسن سياسته صلى الله عليه وسلم أنه وافق على إخفاء عبد الله بن سلام حتى يسأل اليهود عن مكانته بينهم، وعندما أثنوا عليه، ورفعوا من قدره أمره بالخروج فخرج وأعلن شهادته، وأظهر ما كان يكتمه اليهود من صدق النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ضبطهم صلى الله عليه وسلم بالمعاهدة التي ستأتي.
3 -