قال ابن هشام-رحمه الله-: "وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون، قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديًا، وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشرّ بينهم وبين بني قينقاع (1) ".
قال الشيخ الألباني-رحمه الله-: "إسناده مرسل معلّق .. وأبو عون اسمه محمَّد بن عبد
الله الثقفي الكوفي الأعور، مات سنة 116 هـ، فهو تابعي صغير، فلم يُدرك
الحادثة، وعبد الله بن جعفر المخرمي من شيوخ الإِمام أحمد، مات سنة 170
هـ. فبينه وبين ابن هشام مفاوز، فهو إسناد ضعيف ظاهر الضعف (2) ". وقال
الدكتور العمري حفظه الله تعالى: "وهذه الرواية ضعيفة، في إسنادها
انقطاع بين ابن هشام وعبد الله بن جعفر المخرمي" ثم قال: إنها موقوفة على
تابعي صغير مجهول الحال، هو أبو عون، ولكن يستأنس بها من الناحية
التاريخية (3).
وروى أبو داود بسنده عن محمَّد بن إسحاق قال: حدثني محمَّد بن أبي
محمَّد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: "لما
أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني
__________
(*) وفيها ثلاث لغات، بكسر النون، وفتحها، وضمها.
(1) الروض الأنف (5/ 392).
(2) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص 26 تخريج فقه السيرة ص 241.
(3) السيرة النبوية الصحيحة. (1/ 300).
قينقاع فقال: يامعشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، قالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا. فأنزل الله تعالى: " قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ" قرأ مُصَرِّف (شيخ أبي داود) إلى قوله: "فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ببدر "وَأُخْرَى كَافِرَةٌ" (4). وعزاها الحافظ ابن حجر إلى ابن إسحاق وقال: "إسنادها حسن (5) " مع أن في الإسناد محمَّد بن أبي محمَّد مولى زيد بن ثابت، قال عنه الحافظ في (التقريب): "مجهول، تفرّد عنه ابن إسحاق (6) " ولذا قال الشيخ الألباني: "ضعيف الإسناد (7).أما قول المنذري: "في إسناده محمَّد بن إسحاق بن يسار (8) ". فليس وجيهًا؛ لأن ابن إسحاق هنا قد صرح بالتحديث، لكن العلة في شيخه المجهول.
فقصة المرأة المسلمة مع الصائغ اليهودي التي كانت سببًا في الإجلاء لم تثبت بسند صحيح رغم شهرتها وكيد اليهود ومكرهم وخبثهم في القديم والحديث لا يحتاج إلى دليل. أما السبب في إجلاء يهود بني قينقاع فلا يوجد - فيما أعلم - رواية صحيحة تبين سبب ذلك، والله أعلم.
وقد تمكّن اليهود وإخوانهم النصارى من جعل بعض نساء المسلمين -هداهن الله- تُخرج من بدنها ما يرغبون، دون أن يكرهوهن على ذلك. وإذا فسدت المرأة فلا تَسَلْ عن هَلَكَة الجيل. حفظ الله نساءنا ورجالنا، صغارنا وكبارنا، من كيد الكائدين. آمين.
__________
(4) باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة (عون المعبود، 8/ 230) دار الفكر، بيروت.
(5) فتح الباري (7/ 332).
(6) تقريب التهذيب (2/ 205).
(7) ضعيف سنن داود، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى، 1412، ص 298.
(8) عون المعبود (8،231).