5 - وجاهد صلى الله عليه وسلم في جميع ميادين الجهاد: جهاد النفس وله أربع مراتب: جهادها على تعلم أمور الدين، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، والصبر على مشاق الدعوة، وجهاد الشيطان وله مرتبتان: جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات، ودفع ما يلقي من الشهوات، وجهاد الكفار وله أربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، واليد. وجهاد أصحاب الظلم وله ثلاث مراتب: باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب. فهذه ثلاث عشرة مرتبة من
_________
(1) مسلم 4/ 1806، برقم 2312.
(2) البخاري مع الفتح 10/ 455، برقم 6033، ومسلم 4/ 1804، برقم 2308.
الجهاد، وأكمل الناس فيها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كمَّل مراتب الجهاد كلها، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد: بقلبه، ولسانه، ويده، وماله؛ ولهذا كان أرفع العالمين ذكرًا وأعظمهم عند الله قدرًا (1). وقد دارت المعارك الحربية بينه وبين أعداء التوحيد، فكان عدد غزواته التي قادها بنفسه سبعاًٍ وعشرون غزوة، وقاتل في تسع منها، أما المعارك التي أرسل جيشها ولم يقدها فيقال لها سرايا فقد بلغت ستًا وخمسين سرية (2).
[,
النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:
المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد: وقد شملت رحمته صلى الله عليه وسلم الأعداء حتى في قتالهم ومجاهدتهم؛ فإن قوة الجهاد في سبيل الله تعالى في شريعته صلى الله عليه وسلم لها ضوابط ينبغي أن يلتزم بها المجاهدون في سبيل الله - تعالى - ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، فيدخل في ذلك ارتكاب
_________
(1) رواه ابن سعد، 1/ 192، وابن أبي شيبة 11/ 504، والحاكم، 1/ 35، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة بطرقه، برقم 490.
(2) مسلم، برقم 2355.
المناهي: من المثلة، والغلول، وقتل النساء، والصبيان، والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال، والرُّهبان، والمرضى، والعُمي، وأصحاب الصَّوامع؛ لكن من قاتل من هؤلاء أو استعان الكفَّار برأيه قتل (1).
ويدخل في ذلك قتل الحيوان لغير مصلحة، وتحريق الأشجار، وإفساد الزُّروع والثِّمار، والمياه، وتلويث الآبار، وهدم البيوت (2) وقد "وُجدت امرأةٌ مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان" (3)؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أوسريَّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوَّك من المشركين
_________
(1) انظر: المغني لابن قدامة 13/ 175 - 179.
(2) انظر: تفسير ابن كثير 1/ 227 وعناصر القوة في الإسلام ص212.
(3) البخاري برقم 3014، ورقم 3015.
فادعهم إلى ثلاث خصال. . .» (1) ثم بيَّنها صلى الله عليه وسلم كالآتي:
(أ) الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين.
(ب) فإن أبوا الإسلام دعاهم إلى بذل الجزية.
(ج) فإن امتنعوا عن ذلك كله استعان بالله وقاتلهم مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث (2).