غزوة حنُين أو الطائف أو هوازن.
وقعت غزوة حنين في العاشر من شوال من عام 8 هــ، عند وادٍ يبتعد عن مكة بضعة عشر ميلًا من جهة عرفات يسمى "حنين"[فتح الباري، ابن حجر، 8/27]
قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في 12 ألف من مقاتل معظمهم من أصحابه (10 آلاف مشارك بفتح مكة)، والمسلمين الجدد بعد فتح مكة مباشرة.
وقاد جبهة المشركين مالك بن عوف النصري، في 30 ألف مقاتل مشرك؛ من عدة قبائل أبرزها هوازن وثقيف.
وكان مالك فارسًا جراراً (يخرج بصحبته ألف مقاتل ومشهود له بالشجاعة) وقد أسلم لاحقا بعد هزيمته امام المسلمين. [سيرة ابن هشام]
اجتماع عدد من القبائل المشركة لمحاربة المسلمين بعد فتح مكة خشية توطيد دعائم نصرهم وتثبيت دولتهم. [زاد المعاد، ابن القيم، 3/465]
بعد أيام قليلة من الانتصار العظيم بفتح مكة وهدم الأوثان، كان المسلمون على موعد مع مكيدة جديدة، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن عددا من القبائل وهي هوازن وثقيف ومضر وجشم وسعد بن بكر وبعض بني هلال، قد احتشدوا يقودهم شاب يدعى مالك بن عوف النصري، لملاقاة المسلمين. [فتح الباري، 8/27].
كانت هذه القبائل قد اغترت بقوتها، وظنت أنها في غير حاجة لمبايعة النبي على الإسلام أسوة بباقي القبائل وقتذاك.
الاستعداد للمعركة
اختار النبي خارج مكة، موقعا للقتال، خشية انقلاب حديثي العهد بالإسلام.
وقد احتشد رسول الله بكامل قوته العسكرية، وعقد صفقة كبرى مع تجار الأسلحة بمكة؛ وأبرزهم صفوان بن أمية ،ونوفل بن الحارث، وكانا لا يزالان على شركهما، ولما طلب النبي سلاحًا من صفوان على سبيل الاقتراض، وكان لا يزال في مهلة بعد فراره يوم فتح مكة، ولم يسلم بعد، فسأل النبي : أغصب يا محمد؟، فقال: «بل عارية مضمونة» (أي نضمن لك عدم إتلافها) [رواه ابوداود: 3526].
عيون النبي تنقل الأخبار
أرسل الرسول ابن أبي حدرد رضي الله عنه ليجلس بين الأعداء، وقد نقل للنبي عن مالك بن عوف قوله للمحاربين المشركين:"إذا آتينا غدا فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد" .
وجاء للنبي رجل آخر بتأكيد ان هوازن قد جاءت عن بكرة أبيها لساحة القتال، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: : «تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ».[رواه ابوداود:2501].
تأهب القبائل المشركة
وكان مالك بن عوف قائد الجيش المشرك، قد أصر على حشد أموال المحاربين ونسائهم وماشيتهم، ليقاتل الرجل منهم أشد ما يكون القتال دفاعا عنهم وخشية هلاكهم أو وقوعهم في الأسر.
ولقد أخبر شيخ هرم يُدعى "دريد بن الصمة"، أحد المحنكين بفنون القتال، أخبر مالكا أنه " إذا لقيت محمدًا وجهًا لوجه فاعلم أنك مهزوم" وأشار إليه بالكمون بين الأشجار في وادي حنين ومفاجأة المسلمين ومحاصرتهم.
خديعة هوازن وارتباك جيش المسلمين
خرج جيش المسلمين وتعداده 12 ألف مقاتل، وشعر كثير منهم بالزهو، قائلين "لن نهزم اليوم عن قلة".
طلب النبي من أنس بن أبي مرثد رضي الله عنه أن يقف بحصانه فوق الجبل ليؤمن المسلمين من اتخاذ العدو أكمنة ضده في الأشجار ، وبالفعل أتم المهمة وأخبر النبي بعدم حدوث حركة مباغتة، وكان لا يعلم بأن العدو قد سبق بالفعل وكمن، وجراء شجاعته دعا له النبي بالجنة.
قسم النبي كتائب المسلمين تباعًا؛ بقيادة خالد بن الوليد، الزبير بن العوام، علي بن أبي طالب، ونزلت الكتائب للمنحدر بالوادي لتبدأ القتال، فبدأت كمائن جيش هوازن تخرج من الأشجار، وهنا ارتبك جيش المسلمين نتيجة الهجمة الشديدة المباغتة والسهام المتلاحقة تمطرهم وتحصد فيهم.
أصيب عامة الجيش المسلم بالذعر فولوا الأدبار صوب مكة، لا يلتفتون للوراء لسخونة القتال، ولم يبق مع النبي إلا قلة من أصحابه !.
ويلاحظ أن سبب الفرار في تلك المعركة بالذات، أن قوام الجيش تضمن أعدادا غفيرة من حديثي العهد بالإسلام وقت فتح مكة، وهؤلاء ممن كانت الدنيا لا تزال بأفئدتهم، بخلاف الصحابة ممن صدقوا ما عاهدوا الله، ولم يثبت عنهم فرار بأي معركة .
،وما إن سمع الأنصار والمهاجرون صيحات رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونداءه لهم حتى كرّوا عائدين، يلتفون حوله ، ويخوضون معه معركة حامية الوطيس، ولم يكن هؤلاء يزيدون على المئتين!
ويسجل القرآن هذه العبرة بقوله الله تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25].
أنا النبي لا كذب.. صيحة محمد
لما احتدم الموقف، وبان أن المعركة سيقطف ثمرتها المشركون، انتفض النبي صلى الله عليه وسلم، ونادى فيما هو راكب بغلته البيضاء يركض بها تجاه الكفار، «يا عباد الله» وأمر العباس عمه وكان صوته جهوريا أن ينادي فيهم : «أين أصحابَ السَّمُرةِ»(شجرة بايع عندها المسلمون بيعة الرضوان إبان صلح الحديبية).
وبعدما قاتل المسلمون المحيطون بالنبي ببسالة، وضرب علي بن أبي طالب أحد رؤوس الكفر "أبوجرول"، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ أذقْتَ أولَ قريشٍ نكالًا فأذِقْ آخرَهُمْ نوالًا» [رواه الترمذي: 3908].
وصاح رسول الله في الميدان بشجاعة قائد ملهم: «أنا النبي لا كذب.. أنا بن عبدالمطلب»، وكانت تلك إشارة تثبيت للمؤمنين وعلامة يفهمهما الكفار مرتبطة برؤية قديمة لعبدالمطلب جد النبي وجاء وقت تحققها، وقال النبي : « اللهم نصرُك الذي وعدت»، ودعاه بصفات قدرته فهو الذي يجعل النجوم تنكدر وبيده هزيمة المشركين، ويروي البراء رضي الله عنه أن أشجع المقاتلين المسلمين كان يتقي برسول الله يومئذ. [رواه مسلم: 1776]
ملحمة البطولة الإسلامية
وكان مما قاله المجاهدون مع النبي ، عباس بن مرداس:
فإنّي والسّوابح يوم جمع &وما يتلوا الرّسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف &بجنب الشّعب أمس من العذاب
هم رأس العدوّ من أهل نجد &فقتلهم ألذّ من الشّراب.
ويروي العباس عم النبي رضي الله عنه أنه قد شاهد إدبار الكفار من بعدها، فيما النبي يلاحقهم قائلا «انهزموا ورب الكعبة» [رواه مسلم: 1775].
ونزل رسول الله عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوههم وقال: «شاهت الوجوه»، فما خلف الله منهم إنساناً إلّا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم» ]رواه مسلم 1777[
الملائكة تقاتل مع المسلمين
أرسل الله ملائكته تدعم قوة المسلمين، وفي ذلك يقول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 26]
وجاء عند بعض أهل السيرة أن الملائكة قد تراءت للمسلمين على هيئة نمل أسود ملأ الوادي، وسرى على أجساد الكافرين، وكان جمع من هوازن قد أخبر بعد المعركة بأنهم شاهدوا رجالا بيضًا عليهم عمائم حمر، على خيل بلق (ذو قوائم تميل للبياض مرتفعة)، فكانوا لا يستطعيون قتالهم من الرعب.
وهو ما كرره ابن شيبة الحجبي الذي خرج للقتال بدافع العصبية لقريش لا حمية الدين، وقيل أنه انتوى قتل النبي، حتى دعا له النبي "اللهم اهد شيبة" ومسح صدره ثلاثا فكان أحب الناس إليه بعدها . [السيرة الحلبية، 3/163 نقلا عن الحافظ الدمياطي وغيره]
فرار المشركين من ساحة حنين
لما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نَخْلَة، وطائفة إلى أوْطاس، فأرسل النبي إلى أوطاس مجموعة يقودهم أبو عامر الأشعري، فهزموهم واستشهد أبوعامر، ثم طاردت مجموعة أخرى فلول المشركين التي سلكت نخلة، قتل ربيعة بن رفيع، أحد رؤوس هوازن وهو دريد بن الصمة، وتوجه رسول الله بنفسه لمن فر منهم إلى الطائف، وكان قد علم بالنصر وحاز الغنائم. [الرحيق المختوم، المباركفوري، 423]
معجزات النبي في غزوة حنين
جاء عن النبي أنه مشى في المسلمين يسأل عن خالد بن الوليد، وكانت الجراح قد أثقلته، فلما رآه بعد المعركة، تفل في جرحه فبريء، وكانت تلك من كرامات النبي المعروفة. [السيرة الحلبية، مرجع سابق]
وقد سد النبي الدماء النازفة عن وجه وصدر الصحابي عائذ بن عمرو رضي الله عنه، وصار أثر يده غرة سائلة كغرة الفرس الجميلة. [السيرة الحلبية].
علم النبي أيضا ما في نفس شيبة حين دخل عليه خباءه، بعدها انهزم المشركون في أوطاس، فقال له: يا شيبة الذي أراد الله خير مما أردت بنفسك، ثم حدثه بكل ما أضمره، وهنا نطق شيبة بالشهادتين بكل جوارجه.
عفو النبي عن أهل مكة يتجدد
في ساحة المعركة، تباينت مواقف أهل مكة "الطلقاء" حتى أن بعضهم اتهم النبي بالسحر وهو كلدة بن الحنبل، ثم أسلم بعدها، ومنهم شيبة الذي حاول قتل النبي رغم كونه قد خرج في جيشه، ثم هداه الله، ومنهم أبوسفيان وكان لا يزال في نفسه من الجاهلية فقال شامتا بهزيمة المسلمين. [البداية والنهاية، ابن كثير: 3/619]
وفي السيرة الصحيحة، أن أبا طلحةَ – وهو من فرسانِ المسلمين المعدودين – لقي زوجتَه أمَّ سليمٍ ومعها خنجرٌ ، فقال لها : ما هذا ؟ قالت : إن دنا مني بعضُ المشركين أبعج بطنَه (أشقها)– وذلك في معركةِ حُنين – فقال أبو طلحةَ لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أما تسمعُ ما تقولُ أمُّ سليمٍ ؟ فضحك النبيُّ . فقالت أمُّ سليمٍ : يا رسولَ اللهِ ، اقتل من بعدنا الطلقاءَ . . . انهزموا بك ! (أي من تولوا عن المسلمين) فقال : « إن اللهَ قد كفى وأحسن يا أمَّ سليمٍ ».[فقه السيرة للألباني، 393، صحيح على شرط مسلم].
وصبر النبي كثيرا على إيذاء الأعراب له في القسمة، وملاحقتهم إياه بعد المعركة طلبا للغنائم، وبعضهم اتهمه بعدم العدالة وأغلظ له القول، فقال: "يرحم الله موسى، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر" ]رواه مسلم: 1062[
إسلام قائد جيش المشركين
وقد فر مالك بن عوف مع أشراف قومه، ودخلوا متحصنين بحصن الطائف، فعلم النبي ونقل بعض الرواة أنه قال: "لو أتاني مسلماً لرددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل"، فلحق مالك بالنبي وكان قد خرج إلى الجعرانة، وبايعه مسلما، وقال: [الدلائل، البيهقي: 5/183]
مَا إنْ رَأَيْتُ ولا سمِعتُ بِواحدٍ&في النًّاسِ كلًهم كَـمثْلِ مُحمَّدِ
أَوْفَى فأَعْطَى لِلْجَزِيْلِ لمُجْتَدِي&ومَتَى تَشَأْ يُخْبِرْكَ عَمّا في غَدِ
وإِذا الكَتِيبْـةُ عَـرَّدَتْ أَنْيَابُها&بالسَّمْهَريِّ وضَرْبِ كُـلّ مُهنَّدِ
فكـأنَّه ُ ليـثٌ على أَشْـبَالِهِ&وَسْطَ الْهَبَاءَةِ خَـادِرٌ في مَرْصَدِ(وسط الفوضى عديمة الجدوى تجده مترصد يقظ بعرينه كما الأسد)
ولما سمعه النبي أعطاه أهله، وردّ عليه ماله، وخصّه بمئة من الإبل، كما فعل مع المؤلفة قلوبهم.
رحمة النبي بشقيقته الشيماء
سبى المسلمون من المشركين في ذلك اليوم سبايا كثيرة، بلغت عدّتهم ألف فارس، وبلغت الغنائم أثنى عشر ألف ناقة سوى الأسلاب.
وقد كان فيما سُبي أُخته بنت حليمة السعدية، فلمّا قامت على رأسه قالت: يا محمّد أُختك شيماء بنت حليمة، فنزع رسول الله برده فبسطه لها فأجلسها عليه، ثمّ أكبّ عليها يسألها، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أُمّها ترضعه.
استشهد بالغزوة من الصحابة بينهم : أيمن بن عبيد الله الخزرجي وابن أم أيمن، وسراقة بن الحارث ويزيد بن زمعة بن الأسود ، وقُتل من المشركين نحو سبعين رجلا من هوازن.
وقال النبي في كبير المشركين دريد بن الصمة الذي قُتل: إلى النار وبئس المصير، لأنه أعانهم برأيه. [تاريخ الطبري 3/81]
وبعدما لحقت الهزيمة بهوازن تركوا وراءهم عشرات الآلاف من الأبقار والأغنام والإبل، إلى جانب السبايا.
أسلم الكثير من قادة القبائل المشركة، لما عاينوه من تأييد السماء للمؤمنين، وأخلاقهم السامية ونبيهم، ورد إليهم النبي أهلهم.
لما انهزم القوم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم بالغنائم أن تجمع، ونادى مناديه: « فأدّوا الخيط والمخيط، وإيّاكم والغلول فإنّه عار على أهله يوم القيامة» رواه النسائي 7/137.(الغلول: حبس جزء من المال بشكل غير شرعي)
السبايا: وأصاب المسلمون يومئذ السّبايا، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهنّ ولهنّ أزواج فسألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فانزل الله تعالى {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} [النساء 24].
تأليف القلوب: وقسمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الغنائم قسْمًا . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى أن هناك من هو أحق بهذا العطاء من المقاتلين، فأجابه النبي: « إنهم خَيَّروني أن يسألُوني بالفُحشِ أو يُبَخِّلوني . فلستُ بباخلٍ» (أي سأعطيهم ما طلبوا رغم غلظتهم) [رواه مسلم: 1056]
وكانت تلك من حكمة النبي في تأليف قلوب حديثي العهد بالإسلام؛ بأن أجزل لهم العطاء، فجاء أبو سفيان للنبي ليأخذ نصيبه من الغنائم فأعطاه النبي مائة أوقية من الذهب ومثلها من الفضة وطلب لأبنائه فأعطاه النبي.
وجاء صفوان بن أميه فأعطاه النبي مائة أوقية من الذهب ومثلها من الفضة ومائة ناقة. يقول صفوان – وقد كان مازال كافراً – فما زال محمدًا يعطيني حتى أحببته.
خير الناس: كان نصيب النبي من الغنائم إبل ما بين جبلين. فنظر أحد الأعراب إلى نصيب النبي فقال له النبي: « أتعجبك؟»، قال: "نعم"، قال: « هي لك»، فجاء الرجل إلى قومه يقول: يا قوم أسلموا لقد جئتكم من عند خير الناس إن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً.
بكاء الأنصار: وقد شعر الأنصار وبينهم سعد بن عبادة، بشيء يداخل صدرهم من عدم اتخاذهم مغانم أسوة بغيرهم، رغم نضالهم حتى شارفوا الموت، فجمعهم رسول الله قائلا: ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ولولا الهجرة، لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وواديًا، وسلكتْ الأنصار شعبًا وواديًا لسلكتُ شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار». فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا [رواه مسلم ]
السلبة: وفي هذه الغزوة، جعل رسول الله لمن يقتل رجلا من المشركين نصيبا فيما يجرده إياه، قائلا: من قَتلَ قتيلًا لَهُ عليْهِ بيِّنةٌ فلَهُ سلَبُهُ . وكان درع أبي قتادة الأنصاري، أول تنفيذ لهذا الحكم في الإسلام. رواه أبو داود:2717
عدل النبي وعفوه: كما أن النبي بدا عفوه الكبير، حين جاءه وفد هوازن مسلمين، وسألوه أن يرد إليهم أَموالَهم وسَبْيَهم، فخيرهم بينهما، فاختاروا السبي (الأهل) وتركوا المال، وهنا يتبين عدل النبي كذلك في أن عاد للمقاتلين المسلمين في أمر العفو عنهم كي لا يكون قراره منفردا، واتخذ موقفا حكيما بأن منح البعض عطاياه من الغنيمة، وتعهد للبقية بعطاء آخر من الغزوات المقبلة، فرضي الجميع، وكان قوله:
« فَمَن أحبَّ مِنكُم أن يَطيبَ ذلكَ فلْيَفعلْ، ومَن أَحبَّ مِنكُم أنْ يَكونَ على حظِّه حتَّى نُعطيَه إيَّاه مِن أوَّلِ ما يَفيءُ اللهُ عَلينا فلْيَفعلْ. فَقال النَّاسُ: قد طَيَّبنا ذلكَ يا رَسولَ اللهِ » [رواه البخاري: 4318]
تعتبر غزوة حنين درسا في العقيدة الإسلامية؛فإذا كانت وقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئا في جنب كثرة أعدائهم، إذا كانوا صابرين ومتقين، فإن غزوة حنين قد قررت للمسلمين أن الكثرة أيضا لا تفيدهم إذا لم يكونوا صابرين ومتقين.
-
حسن التوكل على الله مع الثبات والجلد وقت الصعاب من أهم الدروس النبوية في حنين.
-
غزوات النبي كافة تعد درسا في قيمة المبادأة واليقظة المستمرة والأخذ بالأسباب (كشراء النبي أسلحة من قريش وبعضها من مشركين والحشد بقوة كبرى لملاقاة العدو).
-
إمكانية الاستعانة بالمشركين في حروب المسلمين الكبرى .
-
شجاعة النبي، وقدوته كقائد عسكري، يحتمي به الجنود، وإذا ما فروا يقف ثابتا بالميدان يلملم شملهم.
-
حكمة النبي في تأليف قلوب المسلمين الجدد بالمزيد من غنائم الغزة .
-
حكمة النبي أيضا بإزالة ما في نفس بعض المسلمين الذين لم يجزل لهم في الغنيمة، بأنه سيكون بينهم وهذا أكبر من المادة.
-
الإسلام يحرم العدوان على غير أهل الحرب المقاتلين في الميدان، من نساء وأطفال وعجائز وعبيد.
-
تتبدى في الغزوة رحمة الحبيب؛ فهو القائد المنتصر ومع ذلك يبسط الفرش لأخته من الرضاعة وكانت بين السبايا،ويطمئن عليها ويجلس معها.
-
الهدف من الجهاد هو نشر الدعوة لا سفك الدماء، وكان النبي حين انصرف الصحابة من حصار الطائف يطلبون منه أن يدعو ربه على ثقيف، فيرد عليهم: « اللهم اهد ثقيفا وأت بهم» رواه الترمذي: 3942
-
عفو النبي الكبير عن سبايا هوازن رغم شركها القديم، ولكنها جاءت مسلمة لدين الله بعد هزيمتها فرد إليهم أهلهم.وعفوه أيضا عن شيبة والذي كان يضمر قتل النبي وغيره كثيرين من أهل مكة ممن تظاهروا بالإسلام وأضمروا غير ذلك.
-
زهد النبي في الدنيا وقد منح غنيمته لأعرابي جاء يسأله إياها، وعدله أيضا فلم يخص نفسه عن جنوده بشيء بل رد الخمس لمن يحتاجه منهم، قائلا: «أيها الناس، والله ما لي من فيئكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» .