قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فدخل على ابنته أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته عنه، فقال: يا بُنيّة، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحبّ أن تجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: والله لقد أصابك يا بنيّة بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلّمه، فلم يردَّ عليه شيئًا، ثم ذهب إلى أبي بكر .. (1) " ثم ذكر ذهابه إلى عمر ثم علي.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "ضعيف، رواه ابن إسحاق بدون إسناد" (2). ورواه الواقدي (3) أيضًا، وهو متروك.
وقدوم أبي سفيان إلى المدينة لتجديد العهد لم يثبت -حسب علمي- بسند صحيح متصل، وإنما جاء من مرسل عكرمة عند ابن أبي شيبة، ومن مرسل محمَّد بن عباد بن جعفر أخرجه مسدّد، وكذا عند ابن عائذ عن عروة (4).
بل أخرج البخاري: "لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فبلغ ذلك قريشًا، خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء يلتمسون الخبر ... فرآهم ناس من حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم أبو سفيان .. " (5)
__________
(1) الروض الأُنف (7/ 56 - 57).
(2) تخريج أحاديث فقه السيرة، ص 373.
(3) المغازي (2/ 792).
(4) انظر فتح الباري (8/ 6).
(5) باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح (8/ 5 فتح).
وأخرج مسلم: "ان أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم. .. " قال النووي-رحمه الله-: "وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحدييبة .. (6) ".
وجاء في شرح الأُبّي: "قلت: الظاهر أن هذا كان قبل إسلامه؛ ولذا قال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها، ولم يقل أتقولون ذلك لرجل مسلم (7) ". ولا ريب أنه لم يكن قد أسلم، لكن متى كانت هذا القصة؟.
الظاهر أنها بعد أخذ حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، كما في رواية البخاري السابقة وفيها: "فأدركوهم فأخذوهم .. فأسلم أبو سفيان .. ". ولم يكن إسلامه فور أخذه، بل بعد ذلك لما حُبس بمضيق الوادي وشهد جنود الله تمرّ أمامه، أشبه ما يكون اليوم بالعرض العسكري، وقال في آخر هذا العرض للعباس: "لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيم، فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذًا .. " وهو خبر طويل، أخرجه ابن إسحاق (8)، وأخرج الشيخان طرفًا منه، كما سبق، وساقه ابن حجر بطوله في (المطالب العالية) وعزاه إلى إسحاق بن راهوية، وقال: "هذا حديث صحيح (9) " وصححها الشيخ الألباني، وقال: "وهو أصح وأتم ما وقفت عليه مسندًا في قصة فتح مكة حرسها الله (10) " وحسّنها الشيخ سلمان العودة (11).
__________
(6) فضائل سلمان وصهيب وبلال (16/ 66 نووي).
(7) شرح الأُبي على مسلم (8/ 432).
(8) الروض الأُنف (7/ 60).
(9) المطالب العالية (4/ 248).
(10) السلسلة الصحيحة رقم 3341.
(11) الغرباء الأولون (1/ 216).
اذهبوا فأنتم الطلقاء:
قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، أَلا كل مأْثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ... ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: ,