أبو سلمة على المدينة ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هشام.
[الطّرِيقُ إلَى الْعَشِيرَةِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السّاقِ، فَصَلّى عِنْدَهَا.
فَثَمّ مسجده صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ، فَمَوْضِعُ أَثَافِيّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ، وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ، يُقَالُ لَهُ: الْمُشْتَرِبُ، ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ، وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ، ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلَيْلَ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ، ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ: فَرْشَ مَلَلٍ، حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ، حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْن يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الأولى وليالى من جمادى الآخرة، وادع فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تكنية على بِأَبِي تُرَابٍ]
وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا قَالَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ:
كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ، فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بنى مدلج يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ، فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ: قُلْت: إنْ شِئْتَ؛ قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ، فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً، ثُمّ غَشِيَنَا النّوْمُ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ، وَفِي دَقْعَاءَ من التراب فنمنا، فو الله مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيّ بن أبى طالب: مالك يَا أَبَا تُرَابٍ؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ، ثُمّ قَالَ: أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ، وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ- حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ.
وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ، إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عاتب على فاطمة، فيقول: مالك يَا أَبَا تُرَابٍ؟ فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان.
[