قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ بِمَكّةَ- عِشْرُونَ رَجُلًا، أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ النّصَارَى، حِينَ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ مِنْ الْحَبَشَةِ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسُوا إلَيْهِ وَكَلّمُوهُ وَسَأَلُوهُ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَمّا أَرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى اللهِ- عَزّ وجلّ- وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لله، وآمنوا به وصدّقوه، وعرفوا منه ما كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ. فَلَمّا قَامُوا عَنْهُ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُمْ: خَيّبَكُمْ اللهُ مِنْ رَكْبٍ! بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ؛ لِتَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ الرّجُلِ، فَلَمْ تَطْمَئِنّ مَجَالِسُكُمْ عِنْدَهُ، حَتّى فَارَقْتُمْ دينكم، وصدّقتموه بمال، مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ، أَوْ كَمَا قَالُوا، فَقَالُوا لَهُمْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا نُجَاهِلُكُمْ، لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَلَكُمْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا خَيْرًا.
وَيُقَالُ: إنّ النّفر من النّصارى من أهل بحران، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
فَيُقَالُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ، الْآيَاتُ: «الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنّا بِهِ، إِنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا، إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ» ... إلَى قَوْلِهِ: «لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عليكم لا نبتغى الجاهلين» القصص:
52، 53، 55.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِيمَنْ أُنْزِلْنَ، فَقَالَ لى: ما سمع مِنْ عُلَمَائِنَا أَنّهُنّ أُنْزِلْنَ فِي النّجَاشِيّ وَأَصْحَابِهِ، وَالْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْلِهِ: «ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا، وَأَنّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ» ... إلى قوله: «فاكتبنا مع الشّاهدين» المائدة:
82، 83.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إذَا جَلَسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسَ إلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: خَبّابٌ، وَعَمّارٌ، وَأَبُو فَكِيهَةَ يَسَارٌ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثٍ، وَصُهَيْبٌ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ، أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَالْحَقّ! لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هؤلاء إليه، وما خَصّهُمْ اللهُ بِهِ دُونَنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: «وَلَا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ، وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا، أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا، فَقُلْ:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَنْ عمل منكم سوآ بِجَهَالَةٍ، ثُمّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غفور رحيم» الأنعام: 52- 54 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم- فِيمَا بَلَغَنِي- كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إلَى مَبْيَعَةِ غُلَامٍ نَصْرَانِيّ، يُقَالُ لَهُ: جَبْرٌ، عبد لبنى الحضرمىّ، فكانوا يقون: وَاَللهِ مَا يُعَلّمُ مُحَمّدًا كَثِيرًا مِمّا يَأْتِي بَهْ إلّا جَبْرٌ النّصْرَانِيّ، غُلَامُ بَنِي الْحَضْرَمِيّ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» النحل: 103.
قال ابن هشام: يلحدون إليه: يميلون، وَالْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ عَنْ الْحَقّ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ العجّاج:
إذا تبع الضّحّاك كلّ ملحد ... [ونحن ضرّابون هام العنّد]
ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي الضّحّاكَ الْخَارِجِيّ، وَهَذَا الْبَيْتُ فى أرجوزة له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حول حديث طفيل الروسي وَذِي الْكَفّيْنِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ طُفَيْلِ بْنِ عمرو الدّوسىّ، وهو طفيل بن عمرو ابن طَرِيفِ بْنِ الْعَاصِي بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ جَهْمِ بْنِ دَوْسٍ إلَى آخِرِهِ «1» وَلَيْسَ فِيهِ إشْكَالٌ إلّا قَوْلُهُ: حِنَا ذِي الشّرَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ حُمّى، وَهُوَ مَوْضِعُ حَمْوِهِ لِصَنَمِهِمْ ذِي الشّرَى، فَإِنْ صَحّتْ رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ، فَالنّونُ قَدْ تُبَدّلُ مِنْ الْمِيمِ، كَمَا قَالُوا: حُلّانُ وَحُلّامُ لِلْجَدْيِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَنَوْت الْعُودَ، وَمِنْ مَحْنِيّةِ الْوَادِي، وَهُوَ مَا انْحَنَى مِنْهُ.
وَقَوْله: يَا ذَا الْكَفَيْنِ «2» لَسْت مِنْ عُبّادِكَا. أَرَادَ: الْكَفّيْنِ بِالتّشْدِيدِ، فَخَفّفَ لِلضّرُورَةِ، غَيْرَ أَنّ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَنّ الصّنَمَ كَانَ يُسَمّى: ذَا الْكَفَيْنِ، وخفف
__________
(1) فى الإصابة: ابن فهم بدلا من: جهم. وله فيها نسب آخر هو: ابن عبد عمرو بن عبد الله بن مالك، بن عمرو بن فهم، لقبه: ذو النور، وحكى المرزبانى فى معجمه أنه الطفيل بن عمرو بن حممة ويقول ابن حجر فى الإصابة عن قصة الطفيل فى السيرة: «ذكرها ابن إسحاق فى سائر النسخ بلا إسناد، وأخرجه ابن سعد أيضا من وجه آخر وكذلك الأموى عن ابن الكلبى بإسناد آخر. هذا وقد ذكر ابن حبان أنه مات باليرموك، وقيل: بأجنادين كما ذكر موسى بن عقبة وأبو الأسود عن عروة.
(2) فى الأصنام لابن الكلبى ص 27 ط 1: «وكان لدوس ثم لبنى منهب ابن دوس صنم يقال له: ذو الكفين، فلما أسلموا بعث النبى «ص» الطفيل ابن عمر الدوسى فحرقه. وروى الرجز، وفى جمهرة ابن حزم: «كان لخزاعة ودوس، كره عمرو بن حممة الدوسى» ص 460، وفى المراصد: أن فاءه تخفف وتضعف. وقد ذكره القاموس فى مادة كف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفَاءَ بِخَطّهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُشَدّدَةً، فَدَلّ أَنّهُ عِنْدَهُ مُخَفّفٌ فِي غَيْرِ الشّعْرِ، فَإِنْ صَحّ هَذَا فَهُوَ مَحْذُوفُ اللّامِ، كَأَنّهُ تَثْنِيَةُ كفء، من كفأت الإناء، أو إذا كفء بِمَعْنَى كَفْءٍ؟! ثُمّ سُهّلَتْ الْهَمْزَةُ، وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى الْفَاءِ، كَمَا يُقَالُ: الْخَبْءُ وَالْخَبُ «1» ، وَفِي الْحَدِيثِ: أَنّ أَهْلَ الْحَاضِرِ مِنْ دَوْسٍ كَانُوا يتراؤنه فِي الثّنِيّةِ، وَفِي سَوْطِهِ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ «2» ، وَذَكَرَهُ الْمُبَرّدُ فَقَالَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ: جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إلَى الْجَبَلِ، وَهُوَ يَهْتِفُ مِنْ شِدّةِ الضّيَاءِ وَالنّورِ، وَرَوَى، أَبُو الزّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمّا قَالَ طُفَيْلٌ لِلنّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- إن
__________
(1) يقول ابن الحاجب فى باب تخفيف الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها: «والمتحركة إن كان قبلها ساكن، وهو واو أو ياء زائدتان لغير الإلحاق قلبت إليها، وأدغمت فيها كخطية، ومقروة، وأفيس ... وإن كان حرفا صحيحا أو معتلا غير ذلك نقلت حركتها إليه، وحذفت نحو: مسلة وخب وشى وسو» ص 32 ح 3 شرح الشافية، ويقول الرضى: اعلم أنه إذا وقف على المتحركة المتطرفة، فإما أن يوقف على مذهب أهل التحقيق، أو على مذهب أهل التخفيف، فالأول مضى حكمه مستوفى فى باب الوقف، وأما على مذهب أهل التخفيف فإنه تخفف الهمزة أولا؛ لأن حالة الوصل متقدمة على حالة الوقف، ونقل الهمزة حاصل حالة الوصل، فتخفف على ما هو حق التخفيف من النقل والحذف فى نحو الخبء والقلب والإدغام فى نحو: برئ ومقروء، فيبقى الخب بتحريك الباء كالدم، ثم يوقف عليه بالسكون المحض، والروم أو الإشمام أو التضعيف» ص 43 ح 3 شرح الشافية.
(2) هذا كلام رواه الطبرى وأبو الفرج الأصبهانى عن طريق ابن الكلبى، فتأمل الطريق. وحادث مثل هذا كان يدعو إلى أن تتواتر عن الناس أخباره، لا أن يروى هكذا كوسوسة الشيطان تحصره الملائكة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دَوْسًا غَلَبَ عَلَيْهَا الزّنَى وَالرّبَا، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، قُلْنَا: هَلَكَتْ دَوْسٌ، حَتّى قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللهُمّ اهد دوسا «1» .
الأعشى وواليته وَحَمْزَةُ وَالشّرَفُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ حَدِيثَ الْأَعْشَى «2» وَقَصِيدَتَهُ إلَى آخِرِهَا، فَلَمّا كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَكّةَ لَقِيَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: إلَى أَيْنَ يَا أَبَا بِصَيْرِ؟ الْحَدِيثَ، وَذَكَرَ تَحْرِيمَهُ الْخَمْرَ، وَتَحْرِيمَهُ الزّنَى، وَقَوْلُ الْأَعْشَى: أَمّا الْخَمْر فَفِي النّاسِ مِنْهَا عُلَالَاتٌ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ هِشَامٍ: كَانَ الْقَائِلُ لِلْأَعْشَى هَذِهِ الْمَقَالَةُ أَبُو جهل. قالها فى دار عتبة ابن رَبِيعَةَ، وَكَانَ نَازِلًا عِنْدَهُ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ ابْنِ هِشَامٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَإِنّ النّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ الْخَمْرَ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهَا إلّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ بَدْرٌ وَأُحُدٌ «3» ، وَحُرّمَتْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ من آخر ما نزل، وفى
__________
(1) رواه الشيخان
(2) كان أبوه قيس يدعى: قتيل الجوع؛ لأنه دخل غارا، فوقعت صخرة، فسدت الغار، فمات جوعا ص 83 سمط اللالى، وفى طبقات الشعراء لابن قتيبة أن رحلته كانت فى صلح الحديبية، وهذا يوافق ما ذهب إليه السهيلى، وما ذكر عن تحريم الخمر، وما ورد فى القصيدة ونسبه فى الأغانى: مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحيل بن عوف، ابن سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الحصن الخ وما بين قوسين فى السيرة زدته عن الأغانى. كان الأعشى يلقب بصناجة العرب، لأنه- كما يقول صاحب الأغانى- كان يغنى فى شعره.
(3) تظاهرت عدة أحاديث تؤيد هذا الرأى، وفى البخارى بسنده عن جابر قال: «صبح أناس غداة أحد الخمر، فقتلوا من يومهم شهداء، وذلك قبل تحريمها»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ قِصّةُ حَمْزَةَ حِينَ شَرِبَهَا، وَغَنّتْهُ الْقَيْنَتَانِ: أَلَا يَا حَمْزَ، لِلشّرُفِ «1» النّوَاءِ، فبقر خواصر الشارفين، واجتبّ أسنمتهما.
__________
(1) الحديث كما قال. وخلاصته أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان قد أعطى عليا شارفا- والشارف من الإبل الناقة التى قد أسنت- من غنائم بدر غير شارف آخر كان لعلى نصيبا من غنائم بدر، وذهب على لبعض شأنه، والشارفان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، فلما عاد على وجدهما، وقد قطعت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فبكى على، وعرف أن فاعل ذلك هو عمه حمزة الذى كان مع جماعة من الأنصار يشربون الخمر، فسكر، وغنته جاريتان شعرا- سيأتى بعد- فقام وفعل بالشارفين ما تقدم ذكره، فذهب على يشكو النبى «ص» فذهب النبى «ص» إلى البيت الذى فيه حمزة، وطفق يلومه، فراح يصعد النظر فى رسول الله «ص» عدة مرات، ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبى، فعرف الرسول «ص» أنه قد ثمل- أى غشاه السكر- فنكص على عقبيه القهقرى، وقد غنت الجاريتان حمزة بما يأتى:
ألا يا حمز الشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء
ضع السكين فى اللبات منها ... وضر جهن حمزة بالدماء
وعجل من أطايبها لشرب ... قديدا من طبيخ أو شواء
وقد أراد الذى أمر القينتين أن تغنيا هذا بعث همة حمزة- لما عرف من كرمه- لنحر الناقتين. والنواء بكسر النون جمع ناوية، وهى الناقة السمينة. والشرب بكسر الشين وسكون الراء جمع شارب، والفناء بكسر الفاء: جانب الدار التى كانوا فيها، وضرج: لطخ، القديد: الاحم المطبوخ. وفى معجم الشعراء للمرزبانى أن هذا الشعر لعبد الله بن السائب بن أبى السائب المخزومى، ولكنه غير أنصارى. والقهقرى: المشى إلى خلف، وهذه حكمة عظيمة من الرسول «ص» ، إذ خشى ازدياد عبث حمزة فى حال سكره، فينتقل من القول إلى الفعل. وعند ابن أبى شيبة أن الرسول «ص» أغرم حمزة ثمن الناقتين. وقد روى البخارى الحديث فى باب الخمس، وغنائم بدر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: هَلْ أَنْتُمْ إلّا عَبِيدٌ لِآبَائِي، وَهُوَ ثَمِلٌ. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ. فَإِنْ صَحّ خَبَرُ الْأَعْشَى، وَمَا ذُكِرَ لَهُ فِي الْخَمْرِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِمَكّةَ، وَإِنّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَيَكُونُ الْقَائِلُ لَهُ: أَمَا عَلِمْت أَنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ، مِنْ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ مِنْ الْيَهُودِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْقَصِيدَةِ مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْلِهِ: فَإِنّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ موعدا، وقد ألفيت القالى رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قال: لقى الأغشى عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ فِي بِلَادِ قَيْسٍ، وَهُوَ مُقْبِلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ لَهُ أَنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ، فَرَجَعَ، فَهَذَا أَوْلَى بِالصّوَابِ، وَقَوْلُ الْأَعْشَى: أَتَرَوّى مِنْهَا هَذَا الْعَامَ، ثُمّ أَعُودُ فَأَسْلَمَ لَا يُخْرِجُهُ عن الكفر بإجماع، قال الإسفراينى فِي عَقِيدَتِهِ: إذَا قَالَ الْمُؤْمِنُ سَأُكَفّرُ: غَدًا أَوْ بَعْدَ غَد، فَهُوَ كَافِرٌ لِحِينِهِ بِإِجْمَاعِ، وإذا قال الكافر: سأو من غَدًا، أَوْ بَعْدُ فَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْكُفْرِ إلّا إيمَانَهُ إذَا آمَنَ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَوْلُهُ: أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاك لَيْلَةَ أَرْمَدَا، لَمْ يَنْصِبْ لَيْلَةً عَلَى الظّرْفِ؛ لِأَنّ ذَلِكَ يُفْسِدُ مَعْنَى الْبَيْتِ، وَلَكِنْ أَرَادَ الْمَصْدَرَ فَحَذَفَهُ، وَالْمَعْنَى: اغتماض ليلة أرمد، فحذف المضاف إليه اللّيْلَةِ، وَأَقَامَهَا مَقَامَهُ، فَصَارَ إعْرَابُهَا كَإِعْرَابِهِ «1» ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ: لَيْلُك بِالْكَافِ، وَمَعْنَاهُ: غَمْضُ أرمد، وقيل: بل أرمد على هذه
__________
(1) قال الفارسى: أراد: اغتماض ليلة أرمد، وليس بظرف، ونسب الاغتماض إلى الليل، كما قال عز وجل: «بل مكر الليل والنهار» ص 540 سمط اللالى للبكرى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرّوَايَةِ مِنْ صِفّةِ اللّيْلِ، أَيْ حَالٌ مِنْهُ عَلَى الْمَجَازِ، كَمَا تَقُولُ: لَيْلُك سَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ: تناسيت قبل اليوم خلة مهددا. مهدد: فعلل مِنْ الْمَهْدِ، وَلَوْلَا قِيَامُ الدّلِيلِ عَلَى أَنّ الْمِيمَ أَصْلِيّةٌ لَحَكَمْنَا بِأَنّهُ مُفْعِلٍ؛ لِأَنّ الْكَلِمَةَ الرّبَاعِيّةَ إذَا كَانَ أَوّلُهَا مِيمًا أَوْ هَمْزَةً، فَحَمَلَهَا عَلَى الزّيَادَةِ، إلّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهَا أَصْلِيّةٌ، وَالدّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ ظُهُورُ التّضْعِيفِ فِي الدّالِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ الْمِيمُ زَائِدَةً لَمَا ظَهَرَ التّضْعِيفُ، وَلَقُلْت فِيهِ: مَهَدّ كَمَا تَقُولُ: مَرَدّ وَمَكَرّ وَمَفَرّ فِي كُلّ مَا وَزْنُهُ مَفْعَل مِنْ الْمُضَاعَفِ، وَإِنّمَا الدّالُ فِي مُهَدّدٌ ضُوعِفَتْ لِيَلْحَقَ بِبِنَاءِ جَعْفَرٍ «1»
__________
(1) يقول أبو عثمان المازنى فى التصريف فى باب الإلحاق المطرد فى الأسماء والأفعال: «أما المطرد الذى لا ينكسر، فأن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للالحاق مثل مهدد وقردد وعندد» ص 47 ويقول ابن جنى فى المنصف شرح التصريف: «اعلم أنك إذا استوفيت ثلاثة أحرف من الأصول ثم تكررت اللام قضيت بزيادتها، وذلك نحو قردد وجلبب فالدال والباء الأخيرتان زائدتان؛ لأنهما قد تكررتا، ولو كان موضع الدال الأخيرة حرف غير الدال لكانت الكلمة رباعية» ص 47 وفى ض 141 يقول أبو عثمان المازنى: «ومهدد الميم فيه أصل؛ لأنها لو كانت زائدة لكانت مهدا: «بفتح الميم والهاء وتضعيف الدال» لأن مفعلا: «بفتح الميم وسكون الفاء وفتح العين» من المضاعف يحئ مدغما نحو مرد ومسد» . ويشرح ابن جنى هذا بقوله: «فظهور الدالين يدل على أنه فعلل بمنزلة قردد فإن قال قائل فقد قالوا: محبب فبينوا وهو مفعل- فما تنكر أن يكون مهدد أيضا مفعلا من الهد؟ قيل محبب شاذ لا يقاس عليه، وقياسه محب كمرد ومسد ثم بين أن محبب علم، والأعلام تغير كثيرا عما عليه أكثر الأسماء، ولهذا جاز فى محبب إظهار التضعيف» ثم قال: فإن قال قائل فإن مهدد اسم علم، وهو اسم امرأة، لما تنكر أن يكون مهدد مثل محبب، إذ هو علم مثله؟ ثم أجاب هو عن-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: إذَا خِلْت حِرْبَاءُ الظّهِيرَةِ أَصْيَدَا. وَالْأَصْيَدُ: الْمَائِلُ الْعُنُقِ.
وَلَمّا كَانَتْ الْحِرْبَاءُ تَدُورُ بِوَجْهِهَا مَعَ الشّمْسِ كَيْفَمَا دَارَتْ، كَانَتْ فِي وَسَطِ السّمَاءِ فِي أَوّلِ الزّوَالِ، كَالْأَصِيدِ، وَذَلِكَ أَحَرّ مَا تَكُونُ الرّمْضَاءُ. يَصِفُ نَاقَتَهُ بِالنّشَاطِ، وَقُوّةِ المشى فى ذلك الوقت.
وقوله: خنافا إلينا. فِي الْعَيْن: خَنِفَتْ النّاقَةُ تَخْنِفُ بِيَدَيْهَا فِي السّيْرِ، إذَا مَالَتْ بِهِمَا نَشَاطًا، وَنَاقَةٌ خَنُوفٌ قَالَ الرّاجِزُ.
إنّ الشّوَاءَ وَالنّسِيلَ وَالرّغُفْ ... وَالْقَيْنَةَ الْحَسْنَاءَ، وَالْكَأْسَ الْأُنُفْ
لِلظّاعِنِينَ الخيل، والخيل خنف «1»
__________
- هذا بقوله: إن محبب مفعل من الحب، أما مهدد فليس فيها دليل يدل على أنها من الهد، دون المهد، فيقضى بأنه مفعل، انظر ص 41، 47، 141 من كتاب المنصف لابن جنى بشرحه التصريف للمازنى، انظر أيضا ص 58 ح 2 الخصائص وص 14، 57، 63، 64 من شرح شافية ابن الحاجب ج 1
(1) الرجز للقيط بن زرارة، وفى اللسان: النشيل، وقطف بدلا من النسيل وخنف، وللضاربين الهام بدلا من: الظاعنين الخيل. والشواء: لحم مشوى. والنشيل على رواية اللسان: ما طبخ من اللحم بغير توابل يخرج من المرق، وينشل. ويقال أيضا، نشل اللحم: أخذ بيده عضوا، فتناول ما عليه من اللحم بفية وهو النشيل، واللحم الذى يؤخذ قبل النضج، والقينة: الجارية المغنية، الكأس الأنف: هى التى لم يشرب بها قبل، والقطف: جمع قطوف، وهى التى تسئ السير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْله: لَيّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا «1» أَيْ: تَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَرَدٍ فِي يَدَيْهَا، أَيْ اعْوِجَاجٌ، وَالنّجَيْرُ وَصَرْخَدُ بَلَدَانِ، وَأَهْلُ النّجَيْرِ أَوّلُ مَنْ ارْتَدّ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ أَهْلِ دَبّا «2» وَكَانَ أَهْل دُبّا قَدْ حَاصَرَهُمْ حُذَيْفَةُ بْنُ أُسَيْدٍ، وَحَاصَرَ أَهْلَ النّجَيْرِ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ، حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ. وَأَمّا صَرْخَدُ فَبَلَدٌ طَيّبُ الْأَعْنَابِ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْخَمْرُ الصّرْخَدِيّةُ. وَفِي الْأَمَالِي:
وَلَذّ كَطَعْمِ الصّرخدى تركته
«3»
__________
(1) البيت فى اللسان فى مادة: خنف.
(2) بفتح الدال على وزن فعل مع القصر: سوق من أسواق العرب بعمان، ومدينة عظيمة مشهورة بعمان كانت قصبتها، وبضم مع تشديد الباء من نواحى البصرة فيها أنهار وقرى، والدبا بالتعريف: موضع بظهر الحيرة معروف، وفى هامش نسخة من معجم ما استعجم: «دبا: إحدى فرضتى العرب يجتمع فيها تجار أهل الهند والسند. والصين وأهل المشرق والمغرب»
(3) تمام البيت: «بأرض العدا من خشية الحدثان» وبعده:
ومبدلى الشحناء بينى وبينه ... دعوت وقد طال السرى، فدعانى
لذ: يعنى النوم، والصرخدى: العسل كذا قال أبو المياس، والعدا: الأعداء، الحدثان: ما يحدث من الأمور. وقال أبو بكر: اللذ: اللذيذ يعنى النوم والصرخدى: الخمر، وقوله: ومبدلى الشحناء، يعنى: كلبا وذلك أن الرجل إذا تحير فى الليل، فلم يدر أين البيوت نبح، فتسمعه الكلاب، فتنبح، فيقصد أصواتها. ص 210 ج 1 أمالى القالى ط 2 ولم ينسبهما إلى أحد. وهما فى حيوان الجاحظ ص 121 ح 1. تحت عنوان: وقال آخر يصف كلبا، والبيت الأول فى اللسان رواه فى مادة: لذ، وصرخد، وقال. قال ابن برى: البيت الراعى، وعجزه: دفعته. عشية خمس القوم والعين عاشقة، أراد أنه لما دخل ديار أعدائه لم ينم حذارا لهم. وبهذه الرواية الأخيرة رواه اللسان فى مادة صرخد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: وَآلَيْت لَا آوِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ، وَلَا مِنْ وَجَى «1» ، أَيْ: لَا أَرْقِ لَهَا، يُقَالُ: آوَيْت لِلضّعِيفِ إيّة وَمَأْوِيَة «2» إذَا رَقّتْ لَهُ كَبِدُك.
وَقَوْلُهُ: أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا، الْمَعْرُوفُ فِي اللّغَةِ: غَارَ وَأَنْجَدَ، وَقَدْ أَنْشَدُوا هَذَا الْبَيْتَ: لَعَمْرِي غَارَ فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا. وَالْغَوْرُ: مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ، وَالنّجْدُ: مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا، وَإِنّمَا تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي الْغَوْرِ، وَلَمْ يَأْتِ عَلَى أَفْعَلَ إلّا قَلِيلًا، وَكَانَ قِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ؛ لِأَنّهُ مِنْ أُمّ الْغَوْرِ، فَقَدْ هَبَطَ وَنَزَلَ، فَصَارَ مِنْ بَابِ غَارَ الْمَاءُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَدْت: أَشْرَفَ عَلَى الْغَوْرِ، قُلْت: أَغَارَ، ولا يكون خارجا عن القياس «3»
__________
وقال: صرحد: موضع نسب إليه الشراب فى قول الراعى، ثم روى البيت بالرواية الأخيرة.
ولذ كطعم الصرخدى طرحته ... عشية خمس القوم والقوم عاشقة
وفى المراصد: صرخد: قلعة ملاصقة لبلد حوران حصينة وولاية واسعة حسنة، وينسب إلى صرخد الخمر الجيد. وقد وصفها أبو الفداء فى التقويم وصفا دقيقا، ومن قاله أن من شرقيها يسلك الإنسان طريقا إلى العراق يتطلب من السائر عشرة أيام ليصل إلى بغداد.
(1) فى الأغانى: فاليت لا ارثى» والأغانى حفى كما فى السيرة، وفى تجريد الأغانى: وجى كما فى الروض. وهناك فى الأغانى مغايرة أخرى هينة لما هنا.
(2) فى القاموس: أوى له كروى أوية، وإية ومأوية، ومأواة: رق.
(3) وفى الأغانى عن مصيره: «فبلغ خبره قريشا، فرصداه على طريقه، وقالوا: هذا صناجة العرب ما مدح أحدا قط إلا رفع من قدره، فلما ورد عليهم، قالوا له: أين أردت يا أبا بصير قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم، قالوا: إنه ينهاك عن خلال ويحرمها عليك وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هن؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدًا. مَعْنَاهُ عَلَى رَفْعِ الْعَطَاءِ وَنَصْبِ مَانِعٍ، أَيْ: لَيْسَ العطاء الذى يعطيه اليوم ما نعاله غَدًا مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ، فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ، فَلَوْ كَانَتْ عَائِدَةً عَلَى الْعَطَاءِ لَقَالَ: وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ هُوَ، بِإِبْرَازِ الضّمِيرِ الْفَاعِلِ، لِأَنّ الصّفَةَ إذَا جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ بَرَزَ الضّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ لِسِرّ بَيّنّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَذْكُرْهُ النّاسُ، وَلَوْ نُصِبَ الْعَطَاءُ لَجَازَ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، لِأَنّهُ مِنْ بَابِ اشْتِغَالِ الْفِعْلِ عَنْ الْمَفْعُولِ بِضَمِيرِهِ، وَيَكُونُ اسْمُ لَيْسَ عَلَى هَذَا مُضْمَرًا فِيهَا عَائِدًا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
- فقال أبو سفيان بن حرب: الزنا، قال: لقد تركنى الزنا، وما تركته، ثم ماذا؟ قال: القمار، قال: لعلى إن لقيته أن أصيب منه عوضا عن القمار، ثم ماذا؟ قالوا: الربا. قال: ما دنت ولا أدنت، ثم ماذا؟ قالوا: الخمر، قال: أوه، أرجع إلى صبابة قد بقيت لى فى المهراس، فأشربها فقال له أبو سفيان: هل لك فى خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن، وهو الان فى هدنة، فتأخذ مائة من الإبل، وترجع إلى بلدك سنتك هذه، وننظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا، وإن ظهر علينا أتيته» ورجع بعد أن أخذ مائة بعير. ورواية الأغانى تتفق وما قيل عن تحريم الخمر، وما روى فى بعض الأحاديث عن زمن تحريمها. وعن مصير الأعشى يقول الأغانى: فلما كان بقاع منفوخة رمى به بعيره فقتله» ورواية الأغانى قريبة جدا من رواية ابن قتيبة فى طبقات الشعراء غور كل شىء: قعره وعمقه وبعده، وقال الفراء: أغار بمعنى: غار. ويقول ابن منظور. وقد روى بيت أعشى مخروم النصف: غار لعمرى فى البلاد وأنجدا. وقال الجوهرى: غار يغور غورا، أى: أتى الغور، ولا يقال: أغار. وقال الأصمعى عن معنى أغار فى بيت الأعشى: أسرع، وأنجد: أى ارتفع، ولم يرد فى البيت: أتى الغور، ولا نجدا، قال: وليس عند الأصمعى فى إتيان الغور إلا غار. وانظر مادة غور، ففيها تفصيل أكثر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْله: فَانْكَحَنْ أَوْ تَأَبّدَا. يُرِيدُ: أَوْ تَرَهّبَ؛ لِأَنّ الرّاهِبَ أَبَدًا عَزَبٌ فَقِيلَ لَهُ: مُتَأَبّدًا اُشْتُقّ مِنْ لَفْظِ الْأَبَدِ.
وَقَوْلُهُ: فَاَللهَ فَاعْبُدَا، وَقَفَ عَلَى النّونِ الْخَفِيفَةِ بِالْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ فَانْكَحَنْ أَوْ تَأَبّدَا، وَلِذَلِكَ كَتَبْت فِي الْخَطّ بِأَلْفِ، لِأَنّ الْوُقْفَ عَلَيْهَا بِالْأَلِفِ، وَقَدْ قِيلَ فِي مِثْلِ هَذَا: إنّهُ لَمْ يَرُدّ النّونَ الْخَفِيفَةَ، ونما خَاطَبَ الْوَاحِد بِخِطَابِ الِاثْنَيْنِ، وَزَعَمُوا أَنّهُ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ:
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفّانَ أَزْدَجِرُ ... وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنّعًا «1»
وَأَنْشَدُوا أَيْضًا فِي هَذَا الْمَعْنَى:
وَقُلْت لِصَاحِبِي: لَا تَحْبِسَانَا ... بِنَزْعِ أُصُولِهَا واجتثّ شيحا «2»
__________
(1) البيت لسويد بن كراع العكلى، وكان سويد قد هجا به عبد الله ابن دارم، فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان، فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة أولها:
تقول ابنة العوفى ليلى ألا ترى ... إلى ابن كراع لا يزال مفزعا
مخافة هذين الأميرين سهدت ... رقادى وغشتنى بياضا مفزعا
وهذا يدل على أنه خاطب اثنين لا واحدا. بدليل قوله أيضا.
فإن أنتما أحكمتمانى فازجرا ... أراهط تؤذينى من الناس رضعا
(2) فى رواية: واجدز أى: اجتز، والبيت من أبيات المضرس بن ربعى الفقعسى الأسدى، وهى:
وضيف جاءنا والليل داج ... وريح القر تحفز منه روحا
ونسبه الجوهرى ليزيد بن الطثرية نقلا عن الكسائى، ولكن ابن بروى فى أمالية على الصحاح يؤكد أنه لمضرس، وفى رواية: فقلت لصاحبى لا تحبسنى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا يُمْكِنُ إرَادَةُ النّونِ الْخَفِيفَةِ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، لِأَنّهَا لَا تَكُونُ أَلِفًا.
إلّا فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا الْفِعْلُ قَدْ اتّصَلَ بِهِ الضّمِيرُ، فَلَا يَصِحّ اعْتِقَادُ الْوُقْفِ عَلَيْهِ دُونَ الضّمِيرِ، وَحُكِيَ أَنّ الْحَجّاجِ قَالَ: يَا حَرَسِي اضْرِبَا عُنُقَهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ حَمْلُ الْوَصْلِ عَلَى الْوَقْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ: اضْرِبْ أَنْتَ وَصَاحِبُك:
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ إنّ الْخِطَابَ لِمَالِكِ وَحْدَهُ حَمْلًا عَلَى هَذَا الْبَابِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تعالى: (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) وَفِي الْقَصِيدَةِ زِيَادَةٌ لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ وَهِيَ قَوْلُهُ فِي وَصْفِ النّاقَةِ:
فَأَمّا إذَا مَا أَدْلَجَتْ، فَتَرَى لَهَا ... رَقِيبَيْنِ نَجْمًا لَا يَغِيبُ وَفَرْقَدَا
وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَيّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا
وَقَوْلُهُ فِي صِفّةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا. وَبَعْدَهُ:
بِهِ أَنْقَذَ اللهُ الْأَنَامَ مِنْ الْعَمَى ... وَمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَرِيعُ إلَى هُدَى
حَدِيثُ الْإِرَاشِيّ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِرَاشِيّ الّذِي قَدِمَ مَكّةَ، وَاسْتَعْدَى عَلَى أَبِي جَهْلٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: هُوَ مِنْ إرَاشَ، وَهُوَ ابْنُ الْغَوْثِ أَوْ ابْنُ عمرو «1» ، ابن الْغَوْثِ بْنِ نَبْت بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَهُوَ وَالِدُ أَنْمَارٍ الّذِي وَلَدَ بَحِيلَةَ وَخَثْعَمَ. وَإِرَاشَةَ الّذِي ذَكَرَ ابن هشام: بطن من خثعم، وإراشة
__________
(1) فى جمهرة ابن حزم: إراش بن عمرو بن الغوث الخ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَذْكُورَةٌ فِي الْعَمَالِيقِ فِي نَسَبِ فِرْعَوْنَ صَاحِبِ مِصْرَ، وَفِي بَلِيّ أَيْضًا بَنُو إرَاشَةَ «1» ، وَقَوْلُهُ: مِنْ [رَجُلٍ] يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ أَيْ: يعيننى على أخذ حقى منه، وَهُوَ مِنْ الْأَدَاةِ الّتِي تُوَصّلُ الْإِنْسَانَ إلَى مَا يُرِيدُ، كَأَدَاةِ الْحَرْبِ، وَأَدَاةِ الصّانِعِ، فَالْحَاكِمُ يُؤَدّي الْخَصْمَ، أَيْ يُوَصّلُهُ إلَى مَطْلَبِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الْهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنْ عَيْنٍ، وَيُؤَدّي وَبَعْدِي بِمَعْنَى وَاحِدٍ، أَيْ: يُزِيلُ الْعُدْوَانَ، وَالْعَدَاءَ وَهُوَ: الظّلْمُ، كَمَا تَقُولُ: هُوَ يُشْكِيك أَيْ: يُزِيلُ شَكْوَاك، وَفِي حَدِيثِ خَبّابٍ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرّ الرّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا مَعْنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَمْ يَرْفَعْ شَكَوَانَا وَلَمْ يُزِلْهَا.
وَقَوْلُهُ: فَخَرَجَ إلَيْهِ، وَمَا فِي وَجْهِهِ رَائِحَةٌ، أَيْ: بَقِيّةُ رُوحٍ، فَكَانَ مَعْنَاهُ: رُوحٌ بَاقِيَةٌ، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ فَاعِلِهِ، وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ أَرَادَ مَعْنَى الرّوحِ وَإِنْ جَاءَ بِهِ عَلَى بِنَاءِ فَاعِلَة قَوْلُ الْإِرَاشِيّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: خَرَجَ إلَيّ، وَمَا عِنْدَهُ رُوحُهُ.
مُصَارَعَةُ رُكَانَةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ رُكَانَةَ وَمُصَارَعَتَهُ لِلنّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- «2»
__________
(1) وفى الاشتقاق: ومن بنى عنز إراشة.
(2) قصة المصارعة مشهورة لركانة لكن جاء من وجه آخر أنه يزيد ابن ركانة. وفى حديث المصارعة اضطراب. ولقد قال الترمذى عن حديث المصارعة الذى أخرجه هو وأبو داود من رواية أبى الحسن العسقلانى عن أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه: غريب، وليس إسناده بقائم. وحديث الشجرة التى طلب الرسول «ص» مشهيا لا يسانده هدى القرآن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ تَقَدّمَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الْأَشَدّيْنِ الْجُمَحِيّ، وَلَعَلّهُمَا أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا صَارَعَا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِأَبِي الْأَشَدّيْنِ، وَبِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ وَرُكَانَةُ هَذَا هُوَ: ابْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَتُوُفّيَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ الّذِي طَلّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتّةَ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِيّتِهِ، فَقَالَ: إنّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً، فَرَدّهَا عَلَيْهِ «1» ، وَمِنْ حَدِيثِهِ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنّهُ قَالَ: إنّ لِكُلّ
__________
(1) روى أبو داود فى سننه عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة، فأخبر النبى «ص» بذلك، وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال النبى «ص» والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله «ص» فطلقها الثانية فى زمن عمر، والثالثة فى زمن عثمان» وفى جامع الترمذى عن عبد الله ابن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته ألبتة، فأتى رسول الله «ص» فقال له: ما أردت؟ قال واحدة، قال: آلله، قال: آلله. قال: هو على ما أردت، قال الترمذى: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدا- يعنى البخارى- عن هذا الحديث؟ فقال: فيه اضطراب. فتارة يقول: طلقها ثلاثا وتارة يقول: واحدة، وتارة يقول: ألبتة، وقال أحمد: وطرقه كلها ضعيفة. أقول: إن القرآن يفرض أن يكون الطلاق بشروطه المذكورة فى الكتاب، مرة بعد مرة حتى يبلغ ثلاثا، وبعدها لا تحل حتى تنكح زوجا آخر. ولا يصح إبقاع الطلاق مطلقا إلا بعد القيام بما فرض الله من وعظ وهجر فى المضاجع وضرب يقصد به التأديب، ثم تحكيم مؤمنين خبيرين بالحكومه، فإن لم يصل معها إلى غاية تقيم البيت على مودة ورحمة، وتمكنهما من إقامة حدود الله، تربص بها حتى تطهر مما يأتيها كل شهر، ثم بعد هذا يوقع الطلاق مرة واحدة قبل أن يمسها وكذلك فى المرة الثانية-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ هَذَا الدّينِ الْحِيَاءُ «1» ، وَلِابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ صُحْبَةٌ أَيْضًا، وَيُرْوَى عَنْ يزيد بْنِ رُكَانَةَ ابْنِهِ عَلِيّ، وَكَانَ عَلِيّ قَدْ أَعْطَى مِنْ الْأَيْدِ وَالْقُوّةِ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ، نَزَعَ فِي ذَلِكَ إلَى جَدّ رُكَانَةَ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ ذَكَرَهَا الْفَاكِهِيّ، مِنْهَا: خَبَرُهُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنْ أَشَدّ الْعَرَبِ، فَصَارَعَهُ يَوْمًا، فَصَرَعَهُ عَلِيّ صَرْعَةً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، ثُمّ حَمَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى فَرَسٍ جَمُوحٍ لَا يَطْلِقُ، فَعَلِمَ عَلِيّ مَا يُرَادُ بِهِ، فَلَمّا جَمَحَ بِهِ الْفَرَسُ ضَمّ عَلَيْهِ فَخِذَيْهِ ضَمّةً نَفَقَ مِنْهَا الْفَرَسُ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا أَنّهُ تَأَبّطَ رِجْلَيْنِ أَيّدَيْنِ، ثُمّ جَرَى بِهِمَا، وَهُمَا تَحْتَ إبْطَيْهِ حَتّى صَاحَا: الْمَوْتَ الْمَوْتَ، فَأَطْلَقَهُمَا.
وَفْدُ نَصَارَى الْحَبَشَةِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قُدُومَ وَفْدِ النّصَارَى مِنْ الْحَبَشَةِ وَإِيمَانَهُمْ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ النّصَارَى، وَلَا سَمّاهُمْ هُوَ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ، وَإِنّمَا حَكَى قَوْلَهُمْ الّذِي قَالُوهُ حِينَ عَرَفُوا بِأَنْفُسِهِمْ، ثُمّ شَهِدَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ، وَذَكَرَ أَنّهُ أَثَابَهُمْ الْجَنّةَ، وَإِذَا كَانُوا هكذا
__________
- ثم الأخيرة أمام عدلين فى كل مرة. ولنتدبر سورة الطلاق، وآيات الطلاق فى سورة البقرة نجد القرآن يهدينا إلى أن الله لم يشرع إيقاع الثلاث جملة واحدة ألبتة. وحسبنا قوله سبحانه: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فإن العرب فى لغتها لا تعقل وقوع المرتين إلا متعاقبتين، وثمت أدلة أخرى، وحسبنا ما ذكرناه.
(1) رواه ابن ماجة عن أنس وابن عباس كما ذكر السيوطى فى الجامع الصغير وقال عنه: ضعيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلَيْسُوا بِنَصَارَى، هُمْ مِنْ أُمّةِ مُحَمّدٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَإِنّمَا عُرِفَ النّصَارَى بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنّ مَبْدَأَ دِينِهِمْ كَانَ مِنْ نَاصِرَةَ قَرْيَةٍ بِالشّامِ، فَاشْتُقّ اسْمُهُمْ مِنْهُمْ، كَمَا اُشْتُقّ اسْمُ الْيَهُودِ مِنْ يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ، ثُمّ لَا يُقَالُ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ: يَهُودِيّ اسْمُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِمْ جَمِيعًا مِنْ. ذَلِكَ النّسَبِ «1» .
عَنْ غُلَامِ الْمَبِيعَةِ وَصُهَيْبٍ وَأَبِي فُكَيْهَةَ:
فَصْلٌ: ذَكَرَ أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجلس إلى مبيعة
__________
(1) هدى القرآن يؤكد أن كل رسول دعا إلى الإسلام، لأنه هو دين الله الذى به أرسلوا جميعا، ويقول الدكتور بوست فى قاموسه عن يهود: «أطلقت هذه الكلمة أولا على بنى يهوذا تمييزا لهم عن الأسباط العشرة الذين سموا: إسرائيل إلى أن تشتت الأسباط أولا، وأسر يهوذا ثانيا، فمن ثم دعى جميع نسل يعقوب يهودا، وفى أيام المسيح والرسل انقسم كل العالم إلى يهود وأمم» وقد روى البيهقى حديث هؤلاء فى دلائل النبوة وأعلام الرسالة. هذا وقد ذكر النسائى أن آيات سورة المائدة (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) قد نزلت فى حق النجاشى، بينما يروى الطبرانى أنها فى حق كرابين أى: فلاحين، جاؤا مع جعفر بن أبى طالب ص 86 ج 2 تفسير ابن كثير. وهذا الاختلاف يحتم علينا ألا نعتمد كثيرا على ما روى من أسباب النزول. وذكر الإمام أحمد وابن جرير، وابن أبى حاتم فيما نزل فى حق المستضعفين أن الذى مر على الرسول. «ص» هو الأقرع ابن حابس التميمى وعيينة بن حصن، فطلبوا منه أن يبعد المستضعفين عنه، وأن يقعد معهم متى شاء حين يفرغون منه، فأجابهم إلى طلبهم، ولكن قال ابن كثير عنه: إنه حديث غريب، لأن الاية مكية. والأقرع وعيينة، أنما أسلما بعد الهجرة يزمن طويل، وروى الحاكم غير هذا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غُلَامِ «1» . الْمَبِيعَةِ: مَفْعَلَة مِثْلَ الْمَعِيشَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُلَة بِضَمّ الْعَيْنِ- وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَأَمّا قَوْلُهُمْ: سِلْعَةٌ مَبِيعَةٌ فَمَفْعُولَةٌ، حُذِفَتْ الْوَاوُ مِنْهَا فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ حِينَ سَكّنُوا الْيَاءَ اسْتِثْقَالًا لِلضّمّةِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ إنّ الْيَاءَ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ الزّائِدَةِ فى مبيوعة، ووزنها عنده: مفولة بِحَذْفِ الْعَيْنِ، وَلِلْكَلَامِ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا.
وَذَكَرَ صُهَيْبًا وَأَبَا فُكَيْهَةَ، وَسَنَذْكُرُ