...
المبحث الرابع عشر: سرية أبان بن سعيد بن العاص إلى نجد
130- أخرج سعيد بن منصور قال: ثنا ابن عياش1، عن محمد ابن الوليد الزُّبيدي2، عن الزهري أن عنبسة بن سعيد3 أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث5 أبان بن سعيد بن العاص6 على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد
__________
1 هو: إسماعيل بن عياش، تقدم في الرواية رقم [105] ص 473.
2 هو: محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي - بالزاي الموحدة، مصغر - أبو الهذيل الحمصي، القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة، ت سنة ست - أو سبع أو تسع - وأربعين، خ م د س ق، التقريب 511.
3 هو: عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، أخو عمر الأشدق، ثقة، من الثالثة، وكان عند الحجاج بالكوفة، مات على رأس المائة تقريباً، خ م د، التقريب 432.
4 هو: سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، قتل أبوه ببدر، وكان لسعيد عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وذكر في الصحابة، وُلِّي إمرة الكوفة لعثمان، وإمرة المدينة لمعاوية، ت سنة ثمان وخمسين وقيل غير ذلك، بخ م مد س فق، التقريب 237.
5 لم تذكر المصادر زمناً معيناً لهذه السرية، لكنه يفهم من النص أن هذه السرية كانت في الزمن الذي حصلت فيه غزوة خيبر في المحرم من السنة السابعة (انظر: تاريخ غزوة خيبر من هذه الرسالة) ، كما أن المصادر لم تحدد الجهة التي ذهبت إليها هذه السرية على وجه الدقة، ولا ذكرت نتائجها أو عدد رجالها.
6 هو: أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ... قال البخاري وأبو حاتم الرازي: له صحبة ... أسلم أيام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، قتل يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة. الإصابة (1/ 13) .
وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، وإنَّ حُزُم1 خيلهم لَلِيف2، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، قال أبو هريرة: فقلت: لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال أبان: أنت بها يا وَبْرُ3 تَحَدَّرَ4 علينا من رأسِ ضال5. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجلس يا أبان، ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"6.
__________
1 حُزُم: - بمهملة وزاي مضمومتين -، فتح الباري 7/ 492 هو ما يشد به وسط الفرس، القاموس (حزم) .
2 الليف: ليف النخل معروف، القطعة منه ليفة. القاموس (ليف) .
3 الْوَبْرُ: بفتح الواو وسكون الموحدة؛ دابة صغيرة كالسنور وحشية. الفتح 7/ 492.
4 تَحَدَّر: أي تدلى وتدأدأ - بمهملتين بينهما همزة ساكنة - الفتح 7/ 492.
5 الضال: هو السدر البري، الفتح 7/ 492، ووقع في رواية البخاري رقم (4237) (واعجباً لوبرٍ تدلى من قدوم ضأن) قال الحافظ: "وأما الضأن، فقيل: هو رأس الجبل؛ لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم، وقيل: هو بغير همز، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة. الفتح 7/ 492.
وأراد أبان من ذلك تحقير أبي هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع. وأنه قليل القدرة على القتال. الفتح 7/ 492.
6 سنن سعيد بن منصور 2/ 285- 286 رقم (2793) . ومن طريق سعيد بن منصور أخرجه أبو داود في سننه رقم (2723) وابن الجارود (1088) والبيهقي في السنن 6/ 334، وفي معرفة السنن والآثار 13/ 163 رقم (7776) ، وأخرجه أبو داود الطيالسي (2591) عن أبي عتبة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، وأخرجه من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (534) والطبراني في الأوسط رقم (3242) والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 244، وابن الأثير في أسد الغابة 1/ 47، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين رقم (273) من طريق الوليد بن مسلم قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: سمعت ابن شهاب الزهري يخبر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ... فذكره، ومن طريق الوليد بن مسلم أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم: 4814) .
وقد أخرجه البخاري تعليقاً عن الزبيدي فقال: "ويذكر عن الزبيدي عن الزهري ... فذكره".
قال الحافظ ابن حجر: " ... وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضاً أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل أيضاً. فتح الباري 7/ 491.
وقد قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 520 رقم (2364) : "صحيح".
وأخرج هذه الرواية البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 352، من طريق الزهري، وفيها أن الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سعيد بن العاص، وليس أبان بن سعيد، والصحيح الأول.
__________
في السنن 6/ 334، وفي معرفة السنن والآثار 13/ 163 رقم (7776) ، وأخرجه أبو داود الطيالسي (2591) عن أبي عتبة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، وأخرجه من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (534) والطبراني في الأوسط رقم (3242) والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 244، وابن الأثير في أسد الغابة 1/ 47، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين رقم (273) من طريق الوليد بن مسلم قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: سمعت ابن شهاب الزهري يخبر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ... فذكره، ومن طريق الوليد بن مسلم أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم: 4814) .
وقد أخرجه البخاري تعليقاً عن الزبيدي فقال: "ويذكر عن الزبيدي عن الزهري ... فذكره".
قال الحافظ ابن حجر: " ... وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضاً أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل أيضاً. فتح الباري 7/ 491.
وقد قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 520 رقم (2364) : "صحيح".
وأخرج هذه الرواية البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 352، من طريق الزهري، وفيها أن الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سعيد بن العاص، وليس أبان بن سعيد، والصحيح الأول.
المبحث الخامس عشر: في عمرة القضاء1
131- قال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر بن زنجويه2، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة آخذ بِغَرْزِه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله
__________
1 قال الحافظ: "اختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء، فقيل المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، وقال آخرون: بل كان قضاء عن العمرة الأولى"، وقال السهيلي: "سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشاً، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صُدَّ عنها؛ لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها، بل كانت عمرة تامةً. ولهذا عدوا عُمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً". فتح الباري 7/500.
وقد عدها العلماء من المغازي ووجه ما ذكره الحافظ ابن حجر حيث قال: "ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعداً بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا، فلقيه مكرز فأخبره بأنه باق على شرطه". الفتح 7/ 499- 500.
ثم قال الحافظ: "ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة"، المصدر السابق.
وقال ابن الأثير: "أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مُسَبّبة عن غزوة الحديبية"، المصدر السابق.
2 هو: محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي أبو بكر الغزَّال، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين، ع، التقريب 494.
................................. ... بأن خير القتل في سبيله1
132- قال البيهقي2: وأخبرنا أبو الحسين3 بن الفضل القطان،
__________
1 مسند أبي يعلى (6/ 273- 274) رقم (3579)
والحديث أخرجه أيضاً أبو يعلى في المعجم رقم (3579) .
وقد أخرجه أبو زرعة الدمشقي رقم (1153) ، والفاكهي في أخبار مكة، رقم (1922) ، والبيهقي في السنن (10/ 228) ، وفي الدلائل (4/ 322) ، وشرح السنة للبغوي (12/ 375) رقم (3405) كلهم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس به، وسنده صحيح.
وقد أخرجه الترمذي رقم (2847) من طريق جعفر بن سليمان، ثم قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضاً عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا، ورُوِيَ في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث، لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك، سنن الترمذي (5/ 139) رقم (2847) . قال الحافظ ابن حجر: "قلت: وهو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة ... وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد ... وكيف يخفى عليه - أعني الترمذي - مثل هذا؟ ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم. والله أعلم". اهـ. الفتح (7/ 502) .
2 دلائل البيهقي 4/ 314.
3 سبق التعريف برجال إسناد هذه الرواية في الرواية رقم [50] .
قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة1 عن ابن شهاب - قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمراً في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يَأْجَجْ2 وضع الأداة كلها؛ الحُجُف3 والمجان4 والرماح والنبل ودخلوا بسلاح الراكب؛ السيوف، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية5
__________
1 سبق التعريف برجال إسناد هذه الرواية في الرواية رقم [50] .
2 يَأْجَجْ: - بتحتية، فهمزة ساكنة، فجيمين، الأولى مفتوحة، وقد تكسر - وهو وادٍ قريب من مكة. سبل الهدى والرشاد 5/ 198.
3 الحجفة: الترس. النهاية 1/345.
4 المجن والمجان: وهو الترس أيضاً والتّرسة والميم زائدة، لأنه من الجُنَّة. النهاية 4/ 301.
5 هي: ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، أم المؤمنين، أخت أم الفضل - لبابة - كان اسمها برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى العامري، وقيل: عند سخبرة بن أبي رهم المذكور، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: عند فروة أخيه، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبع لما اعتمر عمرة القضية. الإصابة 4/ 411.
فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث1، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه فقال: "اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف" ليرى المشركون جلدهم وقوتهم، وكان يكابدهم بكل ما استطاع، فاستكف2 أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً3 بالسيف يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنا الشهيد أنه رسوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله
فاليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله4
__________
1 هي: لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية - أم الفضل - وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، زوج العباس بن عبد المطلب، ووالدة أولاده: الفضل وعبد الله وغيرهما، وهي لبابة الكبرى مشهورة بكنيتها، ومعروفة باسمها. الإصابة 4/ 398.
2 استكف به الناس: إذا أحدقوا به، واستكفوا حوله ينظرون إليه. النهاية 4/ 190.
3 متوشحاً بالسيف: توشح بسيفه وثوبه: تقلد. القاموس (وشح) .
4 عند ابن إسحاق: (ابن هشام 2/ 371) : نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله
قال ابن هشام: "نحن قتلناكم على تأويله ... إلى آخر الأبيات، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقتل بالتأويل من أقر بالتنزيل". المصدر السابق.
قال الحافظ ابن حجر: "وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله: "نحن نضربكم على تأويله" إلى آخر الشعر، من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين، قال: ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، انتهى. وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام: نحن نضربكم على تأويله، أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملاً وثبتت الرواية سقط الاعتراض، نعم الرواية التي جاء فيها: "فاليوم نضربكم على تأويله" يظهر أنها قول عمار، ويبعد أن تكون قول ابن رواحة، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية: نحن ضربناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله
يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز، ويقول هذه اللفظة، ومعنى قوله: "نحن ضربناكم على تنزيله" أي في عهد الرسول فيما مضى، وقوله: "واليوم نضربكم على تأويله" أي الآن وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور. والله أعلم". اهـ. كلام الحافظ. الفتح 7/ 501.
ضربا يزيل الهام1 عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين كراهية أن ينظروا إلى
__________
1 الهام: جمع هامة وهي أعلى الرأس. ومقيله: موضعه، مستعار من موضع القائلة. النهاية 4/ 134.
رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظاً وحنقاً1 ونفاسة، وحسداً، خرجوا إلى الخَنْدَمَة2 فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى3 ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم لك، ليس بأرضك ولا أرض آبائك، والله لا يخرج، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلاً وحويطباً فقال: إني نكحت فيكم امرأة، فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع ونضع الطعام فنأكل وتأكلون معنا، قالوا: نناشدك الله
__________
1 الحنق: الغيظ، يقال حنق عليه - بالكسر - يحنق فهو حنق، وأحنقه غيره فهو محنق. النهاية 1/ 451.
2 الخندمة: - بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال والميم ثم هاء - وهي: جبال مكة الشرقية، تبدأ من أبي قبيس شرقاً وشمالاً، وقد شقت اليوم أنفاق عبر جبال الخنادم تدخل من عند المسجد الحرام وتخرج عند (محبس الجن) بطرف العزيزية الغربي. معجم المعالم الجغرافية 115.
3 هو: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤي القرشي العامري أبو محمد أو أبو الأصبغ، أسلم عام الفتح وشهد حنيناً، وكان من المؤلفة ... توفي في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين. الإصابة 1/ 364.
والعقد إلا خرجت عنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل ببطن سَرِف1، وأقام المسلمون، وخلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع2 ليحمل ميمونة إليه حين يمسي، فأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة، وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف، فبنى بها ثم أدلج3 فسار حتى قدم المدينة، وقدّر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها، وذكر قصة ابنة حمزة4، وذكر أن الله عزوجل أنزل في تلك العمرة: {الشَّهرُ الحَرَامُ
__________
1 سَرِف: - بفتح السين وكسر الراء وفاء -: هو وادٍ متوسط الطول من أودية مكة يأخذ مياه ما حول الجعرانة - شمال شرقي مكة - ثم يتجه غرباَ، وبه مزارع منها (ثُرَير) ، فيمر على (12) كيلاً شمال مكة، وحيث يقطع الطريق هناك يوجد قبر السيدة ميمونة أم المؤمنين على جانب الوادي الأيمن. معجم المعالم الجغرافية 157.
2 أبو رافع القبطي: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال: اسمه إبراهيم، ويقال: أسلم، وقيل: سنان، وقيل: يسار، وقيل: صالح، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: قرمان، وقيل: يزيد، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، ... قيل: كان مولى العباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه لما بشره بإسلام العباس، كان إسلامه قبل بدر، ولم يشهدها، وشهد أحداً وما بعدها، مات بالمدينة قبل عثمان بيسير. الإصابة (4/ 67) .
3 أدلج: أي: سار بالليل. النهاية (2/ 129) .
4 اسمها: عمارة، وقيل: فاطمة، وقيل: أمامة، وقيل: أمة الله، وقيل: سلمى، والأول هو المشهور. الفتح (7/ 505) ، وانظر: قصة ابنة حمزة في صحيح البخاري حديث رقم (4251) .
بِالشَّهْرِ الحَرَامِ والحُرُمَاتُ قِصَاص} 1، فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صدّ فيه"2.
هذا لفظ حديث موسى بن عقبة، وفي رواية عروة عند قول سعد بن عبادة: "والله لا يخرج منها، إلا طائعاً راضياً. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك: "لا تؤذ قوماً زارونا في رحالنا"، ثم ذكر الباقي بمعناه، ولم يذكر رجز عبد الله بن رواحة ولا قول من قال فزوجها العباس.
133- وأخرج الواقدي عن جمع من الرواة ومنهم الزهري قالوا: لما دخل هلال ذي القعدة سنة سبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف أحد شهدها إلا رجال استشهدوا بخيبر ورجال ماتوا، وخرج مع رسول الله
__________
1 سورة البقرة، آية (194) .
2 وقد أخرج عبد الرزاق في المصنف (5/ 373، رقم 9738) عن الزهري مرسلاً القدر المتعلق بمكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وخروجه بعد انقضائها.
وأخرجه الطبراني إلى قوله: " ... غيظاً وحنقاً" انظر: المجمع (6/ 146- 147) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 30) القدر الذي يتعلق بزواج ميمونة، كلهم عن الزهري مرسلاً.
واعتمار النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ومكثه ثلاثة أيام وخروجه بعد ذلك، ذكره البخاري في الصحيح رقم (4251) ، ومسلم بشرح النووي (9/ 10) . وأخرجها الواقدي في المغازي (2/ 731) عن شيوخه ومنهم الزهري.
صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين سوى أهل الحديبية ممن لم يشهد صلح الحديبية عُمَّاراً فكان المسلمون في عمرة القضية ألفين1.
__________
1 مغازي الواقدي (2/ 731) والواقدي متروك، فالرواية ضعيفة.
وقال الحاكم في الإكليل: "تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان". فتح الباري (7/ 500) .
المبحث السادس عشر: في سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سُليم.
134- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين1 بن الفضل القطان، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل، قال: حدثنا جَدِّي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "ثم غزا2 ابن أبي العوجاء3 - وفي رواية القطان - ثم غزوة ابن أبي العوجاء – السلمي في ناس بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بني سُليم،
__________
1 تقدمت ترجمة رجال إسناد هذه الرواية في الرواية السابقة رقم [50] .
2 كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من عمرة القضية في ذي الحجة سنة سبع، مغازي الواقدي، 2/ 741.
3 هو: الأخرم بن أبي العوجاء السلمي الشامي، الإصابة (1/ 25) ، قال الحافظ: روي عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الأخرم هذا في سنة سبع سرية في خمسين رجلاً إلى بني سُليم فقتل عامتهم وتوصل ابن أبي العوجاء جريحاً، ويحتمل أن يكون هو محرز بن نضلة. الإصابة (1/ 25) .
فقُتل1 هو وأصحابه"2.
135- وقال الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم3، عن الزهري، قال: "لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضية رجع في ذي الحجة سنة سبع بعث ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلاً إلى بني سُليم وكان عين بني سُليم معه، فلما جمعوا جمعاً كثيراً، وجاءهم ابن أبي العوجاء والقوم معدون، فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا جمعهم دعوهم إلى الإسلام، فرشقوهم بالنبل، ولم يسمعوا قولهم، وقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتم إليه، فرموهم ساعة، وجعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا من كل ناحية، فقاتل القوم قتالاً شديداً حتى قُتل عامتهم، وأصيب صاحبهم ابن أبي العوجاء جريحاً مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان"4.
ض
__________
1 وفي رواية الواقدي في المغازي (2/ 741) ،أن ابن أبي العوجاء لم يقتل وإنما جرح ثم تحامل حتى أتى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 612) أنه أصيب هو وأصحابه.
2 دلائل النبوة (4/ 341) وسندها حسن إلى الزهري.
3 هو: ابن أخي الزهري، صدوق له أوهام، تقدم في الرواية رقم [10] .
4 مغازي الواقدي (2/ 741) والواقدي متروك؛ فالرواية ضعيفة، ومن طريق الواقدي أخرجها ابن سعد في الطبقات (4/ 275) والبيهقي في الدلائل (4/ 341- 342) ، وابن كثير في البداية (4/ 235) ، وذكرها أيضاً ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 123) ، والطبري في التاريخ (3/ 26) ، والذهبي في المغازي (ص: 469) .